مآتم الرسول الأكرم صلى الله عليه وأله للحسين عليه السلام : المأتم
الأول : مأتم الميلاد !
إعداد : عفاف الصادق
أقيم
هذا المأتم في أول ساعة من ولادة الشهيد المفدى أخرج الحافظ أحمد بن
الحسين البيهقي قال : أخبرنا أبو القاسم الحسن بن محمد المفسر ، أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد
الله الحفيد ، حدثنا أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن عامر الطائي
بالبصرة ، حدثني أبي ، حدثني علي بن موسى ، حدثني أبي موسى بن جعفر ،
حدثني أبي جعفر بن محمد ، حدثني أبي محمد بن علي ، حدثني أبي علي بن
الحسين قال : حدثتني أسماء بنت عميس قالت قبلت جدتك فاطمة بالحسن
والحسين فلما ولد الحسن .
الحديث بطوله إلى قولها : فلما ولد الحسين فجاءني النبي ( صلى الله
عليه وآله وسلم ) فقال :
يا
أسماء هاتي ابني فدفعته إليه في خرقة بيضاء ، فأذن في أذنه اليمنى ،
وأقام في اليسرى ، ثم وضعه في حجره وبكى ، قالت أسماء :
فقلت
فداك أبي وأمي مم بكاؤك ؟
قال :
على ابني هذا ،
قلت :
إنه ولد الساعة ،
قال :
يا أسماء تقتله الفئة الباغية لا أنالهم الله شفاعتي ،
ثم
قال : يا أسماء لا تخبري فاطمة بهذا ، فإنها قريبة عهد بولادته .
الحديث .
وأخرجه :
2-
الحافظ أبو المؤيد الخوارزمي ( 1 ) خليفة الزمخشري في مقتل الحسين ( 1
/ 87 - 88 ) بإسناده عن الحافظ البيهقي .
3-
وذكره الحافظ محب الدين الطبري في ( ذخاير العقبى : ص 119 ) نقلا عن
مسند الإمام أبي الحسن الرضا ( عليه السلام ) ، والسيد محمود الشيخاني
المدني في ( الصراط السوي ) الموجود عندنا بخط السيد المؤلف عن المحب
عن المسند .
ونحن
فصلنا القول في مسند الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) من كتابنا
الغدير في مبلغ اعتبار مسند الإمام أبي الحسن الرضا لدى أعلام السلف
وأخذ أمة من الحفاظ ومشايخ الحديث عنه ، وثقتهم واحتجاجهم به ،
وتعاطيهم نسخته بالمال .
قال
الأميني : لعل هذا أول حفل تأبين أقيم للحسين الطهر الشهيد في الإسلام
المقدس بدار رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ولم تسمع أذن
الدنيا قبل هذا أن ينعقد لمولود غير وليد الزهراء الصديقة في بسيط
الأرض مأتم حين ولدته أمه بدلا من حفل السرور والحبور والتباشير . ولم
يقرع قط سمعا نبأ وليد ينعى به منذ استهلاله ، حين قدم مستوى الوجود ،
بدل نشيد التهاني ، ويذكر من أول ساعة حياته حديث قتله ومقتله ومصرعه .
ولم ينبئ التاريخ من لدن آدم إلى الخاتم عن وليد يهدى إلى أبيه عوض
هدايا الأفراح تربة مذبحه حتى يتمكن منه الحزن في أعماق قلبه ، وحبة
فؤاده . فكأن يوم ولادة الحسين له شأن خاص لدى الله العلي العظيم ، ذلك
تقدير العزيز العليم ، لم يقدره يوم سرور لآل الله ، أهل البيت الطاهر
، وكأن الأسى توأمه في الولادة ، فكدر عليهم صفو العيش ، ونغص طيب
حياتهم ، واجتث من تلكم البيوت التي أذن الله أن ترفع ‹ صفحة 51 ›
ويذكر فيها اسمه أصول المسرة ، وبهجة التداعة ، وجعلها لأهلها دار
الحزن . وذلك بعدما فاوض رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) جبريل
( عليه السلام ) حول أمر ولده القتيل ، وعلم باليقين التام أنه أمر لا
مرد له من الله كما جاء فيما أخرجه الحافظ أبو الحسين الدارقطني في
مسنده ( 2 ) أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حين أخبره جبريل
أن أمته ستقتل حسين بن علي فقال : يا جبريل أفلا أراجع فيه ؟
قال :
لا ، لأنه أمر قد كتبه الله .
وكان
رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يحبذ يوم ذاك كتمان هذا النعي
من أم ريحانته شفقة وعطفا عليها ، ولحديث عهدها بالولادة ، والأم عطوف
حنون ، والمرأة ليس فيها تجلد الرجل تجاه المصائب ، والرضيع أليف ثديها
، وربيب حجرها ، ووردة صدرها طيلة الليل والنهار ، فكيف التصبر لها
عندئذ لو اطلعت على مقدرات ولدها ؟
وبأي
تنشط وطيب نفس بعد تحاضنه ؟
وبأية
أمنية ، ورغبة في أمل ترضعه ، وتقاسي دون تربيته الشدائد ؟
وبأي
طمأنينة وسكون خاطر جذلان تداعبه وتلاعبه ؟
وبأي
أنشودة فرح تطوف حول مهده وترقده ؟
وبأي
لسان وبيان ومقال تناغيه ؟
ولا
بد للأم من أن تناغيه . نعم : تناغيه ، وحق لأم الحسين أن تناغيه
وأنشودتها : وا حسينا ، وا حسينا ، وا حسينا . أو تقتبس من كلام أبيها
الآتي وتناغيه :
كربلا
يا كربلاء يا كربلا كربلا لا زلت كرب وبلا
أفهل
بقي ذلك السر الفجيع مكتوما من الزهراء الصديقة إلى التالي ؟ لاها الله
.
أنى ،
ثم أنى ستيرا إلى النهاية من أم الوليد القتيل وإن كتمه أبوها ( صلى
الله عليه وآله وسلم ) وبالغ في كتمانه عنها ؟
أنى
ثم أنى يتأتى ذلك ، ووفود الملائكة تهبط بإذن ربها يوما بعد يوم ، ومرة
بعد أخرى ، في وقت محين ، وميعاد معين ، وتنعى الحسين العزيز ، ويجدد
تأبينه حفلا بعد حفل ، والمأتم ينعقد في بيوت أمهات المؤمنين ، وقد
أبكى الله عيون نبيه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأزواجه والصحابة
الأولين على الحسين ، وتربة كربلاء تنتقل من يد إلى يد ، وأخذت في
قارورة كرمز ناطق عن الشهيد المفدى في بيت رسول الله ( صلى الله عليه
وآله وسلم ) بمشهد من الكل ومنظر .
المصدر : سيرتنا وسنتنا - الشيخ
الأميني - ص 49 - 52
.........................................
الهوامش :
( 1 ) ترجمنا له في الجزء الرابع من
كتابنا الغدير ص 398 - 407
( 2 ) وأخرجه الشيخ الأكبر حافظ دمشق
ابن عساكر في تاريخ الشام لدى ترجمة الحسين السبط ( عليه السلام )
|