الأمريكيون يتسائلون: هل يمكن التعايش مع دولة إيرانية نووية؟
في
حالة فشل الحلول الدبلوماسية وإدراك الولايات المتحدة وإسرائيل صعوبة
القيام بعمل عسكري ضد إيران لدرء خطرها، فلن يكن هناك من خيار سوى
التعايش مع إيران النووية وتشير الدراسة
الصادرة عن "معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى" أو
"Washington Institute For Near East Policy"، دراسة تحت عنوان:
"الحديث عن المحظورات: الحوار الأمريكي ـ الإسرائيلي حول البرنامج
النووي الإيراني" أو "speaking about un speakable:
U.S - Israeli Dialogue on Iran's Nuclear Program"
وقد أعد هذه الدراسة "تشك فريليتش" "chuck
Freilich" وهو يعمل أستاذاً للعلوم السياسية بجامعتي هارفارد
وتل أبيب، كما تقلد عدة مناصب هامة في الحكومة الإسرائيلية أبرزها نائب
رئيس مجلس الأمن القومي، ومستشار سياسي لمجلس الوزراء، فضلاً عن كونه
أحد كبار المحللين في وزارة الدفاع، إلى موقف كل من أمريكا وإسرائيل من
هذا الخيار، موضحة أن تل أبيب ستكون مترددة في مناقشة ذلك الخيار،
ومبعث هذا التردد هو خوف إسرائيل من أن يكون موافقتها على مناقشته
بمثابة إشارة ضمنية على استعدادها للتخلي عن العمل العسكري، واعترافها
بالبرنامج النووي الإيراني وعلى الجانب
الأخر فإن الولايات المتحدة ستتردد هي الأخرى ـ وإن كانت بدرجة أقل من
إسرائيل ـ في إثارة خيار التعايش مع طهران في ظل امتلاكها السلاح
النووي، حيث ستخشى أمريكا من تداعيات هذا التوجه الذي قد يدفع تل أبيب
إلى شن هجوم عسكري منفرد على الجمهورية الإسلامية
وبحسب الدراسة، فإنه في ظل خيار التعايش مع إيران النووية توجد
سبعة بدلائل، وهي:
البديل الأول: الردع الأمريكي
الأحادي لإيران، في هذه الحالة ستتبنى الولايات المتحدة سياسة معلنة
وصريحة تجاه إيران، تعلن فيها أنها ستدرس استخدام أو التهديد باستخدام
الأسلحة النووية ضد أي دولة في المنطقة تمثل تهديداً لأمريكا، وستحشد
كل قوتها لمنع ذلك التهديد. وترى الدراسة أن إسرائيل بقدرتها
الإستراتيجية الهجومية والدفاعية إذا ما تم تعضيدها بقوة الردع
الأمريكية فسيكون ذلك رداً فعالاً على التهديد الإيراني.
البديل الثاني: الضمانات الأمنية
الأمريكية المباشرة لإسرائيل، فمن أهم الوسائل لزيادة الحماية
الأمريكية لإسرائيل أن يتم صياغة تلك الحماية في صورة وثيقة مكتوبة
(معاهدة دفاع مشترك، قرار الكونجرس، اتفاق تنفيذي) أو تصريح رئاسي
ويمكن أن تأخذ تلك الضمانات صيغة تعهد عام لأمن إسرائيل أو أن
تكون أكثر تركيزاً على التهديدات النووية الخالصة
وبافتراض تقديم الولايات المتحدة تعهد رسمي بحماية إسرائيل، ففي
هذه الحالة ستصبح الأخيرة تحت حماية المظلة النووية الأمريكية، وستدرك
إيران حينها أن أي تهديد لإسرائيل سيكون تهديداً لأمريكا وستواجه
دماراً مؤكداً. إضافة إلى ذلك فإن الضمانات الأمنية تقدم فوائد مباشرة
لتل أبيب مثل تمكينها من خفض حجم إنفاقها العسكري، والتركيز على
القضايا الداخلية ورغم ذلك، توجد أربعة
أسباب تجعل إسرائيل مترددة بعض الشيء في بناء أمنها القومي على علاقة
أمنية من هذا النوع، وهي:
-
نظراً
لأن شرط التعاقد (التحالف) يتضمن التشاور حول الوسائل الملائمة للتعامل
مع التهديد، فإن إسرائيل تخشى أن يضعف ذلك من سلطاتها في اتخاذ القرار
تجاه التهديدات المباشرة القادمة من إيران.
-
ربما
تكون إسرائيل قلقة من أن تطالب الولايات المتحدة، في مقابل الضمانات
الأمنية، أن تكشف تل أبيب عن قدراتها الإستراتيجية الخاصة إليها على
الأقل، وربما تفكيكها.
-
رغم
إدراك إسرائيل أن للولايات المتحدة سجل حافل في الوفاء بوعودها
الأمنية، فقد ظهرت استثناءات على ذلك مثلما حدث مع حلفاء الناتو خلال
الحرب الباردة. ومن ثم تخشى إسرائيل ألا تتمكن الولايات المتحدة من
الالتزام بتعهداتها عند حدوث الأزمة، علاوة على ذلك فإن إمكانية تعرض
إسرائيل للهجوم من قبل عملاء إيران كحزب الله مثلاً ربما يمنع واشنطن
من الوفاء بتعهداتها.
-
خشية
إسرائيل من أن تقع تحت الوصاية الأمريكية.
الثالث: ضمانات من أكثر من طرف، فلدى
إسرائيل الكثير من الدوافع التي تجعلها راغبة في تطوير علاقاتها مع حلف
الناتو، كما أن الولايات المتحدة كذلك ربما تعلق أهمية على تطوير هذه
العلاقة. ومع ذلك، فإذا كانت إسرائيل تبدو مترددة تجاه وضع ثقتها
الكاملة ومصيرها في اتفاق ثنائي مع أمريكا، فإنها ستكون كارهة لفعل ذلك
مع تحالف من 26 دولة.تلك النتيجة لا تعني أن الناتو لن يكون له دور في
مواجهة التهديد النووي، إلا أنه لا يبدو البديل الأمثل بالنسبة
للولايات المتحدة.
الرابع: نظام أمن إقليمي، فهذا
الخيار يقوم على تأسيس نظام أمن إقليمي تعطي من خلاله الولايات المتحدة
ضمانات لدول المنطقة. ذلك الخيار يمكن أن يمنح أمريكا وإسرائيل عنصر
استقرار في المنطقة ككل وتخفيف الغضب العربي من إعطاء إسرائيل وحدها
تلك التعهدات ومن ناحية أخرى، فإن اتساع هذه
الضمانات الأمنية يمكن أن يكون أحد أسباب فشل ذلك الخيار، وهنا تثير
الدراسة تساؤل حول عدد الدول التي سترغب في التمتع بهذه الضمانات خاصة
عندما تكون إسرائيل مشتركة فيها، فما لا شك فيه أن إيران وسوريا
سترفضان ذلك حتى وإن تخلت أمريكا عن رغبتها في تغيير الأنظمة الحاكمة
بهما وضمان أمنهما. وإلى جانب هاتين الدولتين فإن السعودية سترفض هي
الأخرى دخول إطار عمل إقليمي مع إسرائيل الآن أو حتى في المستقبل
القريب والحل الأمثل للولايات المتحدة في
هذا الصدد هو أن تعلن عن التزام واضح أحادي بأمن الدول في المنطقة دون
تخصيص إسرائيل بذلك، وأن تحدد ـ بصورة غير رسمية ـ الدول التي ستقوم
بدعمها، وأن تعلن ـ رسمياً ـ أنها لن تساند الدول التي تستخدم أو تهدد
باستخدام أسلحة الدمار الشامل. وسيكون من شأن هذا الخيار حل مشكلة
أمريكا الدبلوماسية مع الدول العربية وربما يكون مقبولاً لإسرائيل
أيضاً.
الخامس: إحداث تغيير على الغموض
النووي الإسرائيلي، فالتغيير في سياسة الغموض النووي التي انتهجتها
إسرائيل على مدار عقود، ربما يكون من الوسائل الممكنة للرد على قدرة
إيران النووية. فمن المفترض أن إسرائيل دولة نووية وأن أمريكا تدرك ذلك
لكنها لن تضغط على تل أبيب طالما أن الأخيرة ترفض الإفصاح عن قدراتها.
السادس: تغيير النظام الحاكم في
إيران، لقد طُرحت هذه الفكرة منذ سنوات طوال، حيث يوجد اعتقاد بأن وقوع
الإمكانيات النووية في أيدي نظام إيراني معتدل لن يشكل تهديداً كبيراً.
وبرغم التركيز الذي وجه لمحاولة تغيير هذا النظام، إلا أن أحداً لم
يستطيع تقديم إستراتيجية عملية لذلك. ومع أنها السياسة المفضلة لإدارة
بوش، إلا أنه لا تبدو هناك أي بوادر للتغيير حتى الآن. وحتى مع افتراض
القدرة على تغيير النظام في طهران، فلا توجد هنا أي ضمانات على أن
النظام القادم سيكون أكثر اعتدالاً وتوجهاً نحو الولايات المتحدة
وإسرائيل من نظيرة الحالي.
البديل السابع: دعم عملية السلام،
ويتمثل هذا الخيار في تشجيع عملية السلام في الشرق الأوسط كوسيلة لوقف
النفوذ الإيراني بالمنطقة، ومن ثم خفض مساحة الصراع بين إسرائيل وإيران
واحتمالية التصعيد النووي. ومن الناحية النظرية، فإن التقدم في العملية
السلمية من شأنه أن يقوض النفوذ الإيراني في إحداث ضرر غير مباشرة
بإسرائيل عن طريق عملاء طهران (حماس وحزب الله وجماعة الجهاد
الإسلامي)، كما أن التسوية السلمية مع الفلسطينيين والسوريين يمكن أن
تنهي ارتباطاتهم العسكرية مع إيران.
وترجح
الدراسة أن إيران لن ترضى عن ذلك التوجه في عملية السلام مما قد يدفعها
إلى التدخل أكثر في المنطقة لهدم هذه العملية، أيضاً لا أمريكا ولا
إسرائيل مستعدة لتعديل سياستها تجاه عملية السلام كوسيلة للتعامل مع
الخطر الإيراني.
ضمانات بقاء الحوار الأمريكي - الإسرائيلي
حول إيران
إذا
كان التردد المشترك في مناقشة الخيارات العسكرية، يمثل العقبة الأساسية
التي تحول دون قيام حوار ثنائي أمريكي ـ إسرائيل في هذا المجال، فإنه
يمكن التغلب على ذلك عن طريق أربع خيارات:
1ـ
"المناقشة البناءة"، ويتبني هذا الخيار مناقشة شاملة لموضوعات من قبيل
القواعد الإيرانية المستهدفة التي يجب تدميرها، ورد الفعل الإيراني
المنتظر، والعواقب الإقليمية والدولية.
2ـ
"العيون الأربعة"، ويدعو ذلك الخيار إلى البدء بمباحثات بين القيادات،
حيث يجتمع الرئيس الأمريكي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي لعقد لقاءات
وجهاً لوجه، وستدور تلك الاجتماعات حول القضايا الهامة وربما تنتهي
بإبرام تعهد عام مثلما حدث في تفاهم (نيكسون ـ جولدا مائير) عام 1969.
3ـ
"المبعوثون الخصوصيون"، وهنا يعين زعيم كل دولة مسئولاً رفيع المستوى
يحظى بثقته، حيث سيعمل الموفدان على وضع أسس لحوار رسمي واسع أو
التواصل إلى تفاهم مشترك في حوار سري.
4ـ
"المحادثات غير الرسمية"، وستكون عبر مسئولين سابقين أو أكاديميين أو
صحفيين.
وترى
الدراسة أن هذه الحلول صالحة، كذلك، للتغلب على العقبات الخاصة بالحوار
حول كيفية التعايش مع إيران النووية.
وكل ذلك بحسب المصدر المذكور نصا ودون
تعليق.
المصدر: taqrir
|