وصفة العمر ... قليل من الرياضة

 

د. أكمل عبد الحكيم 

 

 

إكسير الشباب، شراب الخلود، وغير ذلك من أسماء، تشير إلى سعي الإنسان منذ مئات السنين للعثور على الترياق الذي يعينه على درء الشيخوخة، وتجنب المرض، والاحتفاظ بالشباب والعافية. فمن مشعوذي الصين والهند، إلى فلاسفة اليونان وعلماء المسلمين، فشلت جميع المحاولات في اكتشاف هذه التركيبة السحرية وما غاب عن هؤلاء جميعاً هو أن الأمر لا يحتاج لسحر أو شعوذة، وإنما هي تغيرات سلوكية بسيطة، يمكنها أن تضيف سنوات طويلة من الصحة والعافية لحياة المرء. هذا ما توصلت إليه نتائج دراسة، صدرت هذا الأسبوع عن الفرع الطبي للمكتبة العامة للعلوم (Public Library of Science)، أجراها علماء جامعة "كامبريدج" ببريطانيا بالتعاون مع مجلس الأبحاث الطبية (Medical Research Council).

هذه الدراسة التي استغرقت ثلاثة عشر عاماً، وأجريت على عشرين ألف شخص في إحدى المقاطعات الإنجليزية، عنيت بتحليل تأثير الأنماط السلوكية على احتمالات الصحة والوفاة والمرض. وخلصت إلى أن أربعة سلوكيات بالتحديد: ممارسة التمارين الرياضية، وتناول الخضروات والفواكه بمقادير كافية، والامتناع عن التدخين، وعدم الإفراط في تناول الكحوليات، من شأنها أن تضيف أربعة عشر عاماً لعمر الفرد. أو بمعنى آخر، فإن غيابها يؤدي لفقدان هذه الأعوام من العمر بسبب الوفاة المبكرة. حيث يؤدي فشل المرء في اتباع هذه السلوكيات الصحية، إلى زيادة احتمالات وفاته المبكرة بمقدار أربعة أضعاف. وبالنظر عن قرب لهذه السلوكيات، يمكننا أن نفهم كيف توصل العلماء لهذه النتيجة المدهشة، وأن ندرك مدى تأثير السلوك الشخصي على احتمالات الإصابة بالمرض والوفاة المبكرة.

فبالنسبة للتدخين، أظهرت الدراسات مراراً وتكراراً أن الأشخاص الذين يبدؤون هذه العادة المميتة في سنوات المراهقة -كما هو الحال لدى سبعين في المئة من المدخنين- ويستمرون في التدخين لعقدين من الزمان أو أكثر، يلقون مصرعهم في سن أصغر بخمسة وعشرين عاماً مقارنة بأقرانهم الذين لم يدخنوا بالمرة. هذه الوفيات لا تحدث فقط من سرطان الرئة وأمراض القلب -أشهر مرضين يتسبب فيهما التدخين- بل أيضاً من كتالوج ضخم من الأمراض والعلل الأخرى، التي تصيب جسد المدخن من قمة رأسه إلى أخمص قدميه. ولذا يحتل التدخين المركز الثاني على قائمة أكثر أسباب الوفيات شيوعاً، متسبباً وحده في مصرع خمسة ملايين شخص سنوياً. وتشير التقديرات المستقبلية إلى أن التدخين بحلول عام 2020 سيقتل عشرة ملايين شخص كل عام، إذا لم يتم عكس الاتجاه الحالي، المتمثل في الارتفاع المستمر في أعداد المدخنين. أما بالنسبة لتناول الكحوليات، فيكفي أن نذكر هنا أن الإفراط فيها يؤدي لتأثيرات سلبية خطيرة على القلب والأوعية الدموية، وعلى الجهاز العصبي والمخ، والجهاز الهضمي، وجهاز المناعة، والجهاز البولي، والغدد الصماء والبنكرياس. وتظهر هذه التأثيرات السلبية في شكل مجموعة كبيرة وواسعة من الأمراض المختلفة، مثل ارتخاء وضعف عضلة القلب، والأنيميا، وانخفاض عدد الصفائح الدموية، والتهاب الأعصاب الطرفية، وضعف العضلات، وتكون حصوات في المرَّارة والكليتين، بالإضافة إلى السكري وهشاشة العظام وبما أن الغالبية العظمى من أفراد مجتمعاتنا لا تتعاطى الكحوليات، ولا تغيب عن أحد مضار التدخين، تبقى نقطتا تناول الخضروات والفواكه، وممارسة التمارين الرياضية. وتتميز هاتان النقطتان بأن الكثيرين لا يحملونهما على محمل الجد، ولا يعيرونهما الكثير من الأهمية على رغم أن من المعروف ارتباط الصحة بشكل وثيق بالغذاء، بحيث يؤدي نقص بعض العناصر الغذائية إلى الإصابة بأمراض خطيرة، وفي الوقت نفسه يمكن لزيادة كميات بعض هذه العناصر أن تحقق قدراً ملحوظاً من الوقاية من أمراض أخرى. فمثلاً، تعتبر أفضل الطرق لمكافحة أمراض القلب والشرايين، هي تلك التي تعتمد على الوقاية من السمنة، والسكري، وارتفاع مستوى الكوليسترول وبما أن هذه الأسباب الثلاثة بالتحديد، ترتبط بشكل أو بآخر بنوعية الغذاء، يصبح الغذاء غير الصحي سبباً غير مباشر في الإصابة بأمراض القلب ونفس هذا المنطق ينطبق على النشاط البدني وممارسة التمارين الرياضية، والتي يؤدي غيابها إلى زيادة الوزن والسمنة المفرطة وبخلاف السمنة وما ينتج عنها من قائمة طويلة من الأمراض المخيفة، تلعب التمارين الرياضية والنشاطات البدنية دوراً إيجابياً مباشراً في العديد من الأعضاء والوظائف داخل الجسم. وهو ما يعني أنه حتى لدى الأشخاص ذوي الوزن المناسب، أو حتى الوزن المنخفض، تمنح التمارين الرياضية العديد من الفوائد الصحية وتوفر الوقاية من الكثير من الأمراض. وتتميز السلوكيات الشخصية أو الممارسات اليومية الأربع تلك، بأنها لا تحتاج إلى رأس مال أو أي نوع من الاستثمار لحصد فوائدها وهو ربما السبب في أن دراسة جامعة "كامبريدج" لم تجد فرقاً في احتمالات الإصابة بالأمراض والوفيات بالنظر إلى معدلات دخل الأفراد. بل قد يضيف البعض أن مثل تلك الممارسات من شأنها أن توفر الكثير من المال، من خلال الامتناع عن التدخين وتناول الكحوليات، أو من خلال تناول كميات أكبر من الخضروات، التي تعتبر أقل سعراً من الأغذية الأخرى عالية المحتوى من السعرات الحرارية. هذا بالإضافة إلى أن تجنب المرض، وما يتسبب فيه من مصاريف ونفقات للعلاج، أو دخل مفقود من خلال الإعاقة البدنية، من شأنه أيضاً أن يوفر الكثير من المال. وهو ما يجعل النصيحة الخالدة، بأن درهم الوقاية خير من قنطار العلاج، من أفضل النصائح على الإطلاق.

وكل ذلك بحسب المصدر المذكور نصا ودون تعليق.

المصدر:alitihaad-10-1-2008