محور هندي
- صيني لتعزيز مصالحهما المشتركة وبناء التوازن الآسيوي بعيداً
عن أمريكا
تبدأ في نهاية ديسمبر الحالي مناورات
عسكرية مشتركة بين الهند والصين، تعتبر الأولى في تاريخ العلاقة
بينهما، هل يعني مرحلة جديدة في التعاون بين عملاقي آسيا، وما تبعات
هذه المناورات ودلالاتها الإقليمية والدولية، هل أصبحت الهند العروس
التي تسعى الدول الكبرى لخطب ودها؟
جاء إعلان الناطق باسم وزارة الدفاع
الهندية، أن مناورات عسكرية ستجري بين البلدين، وحدد الناطق الهندي أنه
تم الاتفاق بين بكين ونيودلهي على إجراء مناورات عسكرية مشتركة بين
البلدين والتي تتم في أواخر شهر ديسمبر الحالي في إقليم يوننان الصيني،
على الحدود بين البلدين، وهي المناورات العسكرية الأولى في تاريخ الهند
والصين على حدودهما والتي شهدت عام 1962 حربا بسبب خلافات الحدود،
وتأتي هذه المناورات لتطوي صفحة من التوتر وعدم الثقة بينهما، علما بأن
الصين أصبحت محاذية إلى الهند في مناطق جبال هملايا عام 1950 عندما
احتلت الصين هضبة التبت؛ الخلافات الحدودية كانت قد أدت إلى المناوشات
العسكرية والخلاف على تبعية بعض المناطق من أجزاء كشمير وأكاسي شن
وولاية سكام الهندية التي كانت مملكة مستقلة حتى عام 1975وفي عام 2005، أعلنت الصين عن تخليها
عن المطالبة بسكام وعن رغبتها في ممر تجاري بين الهند والصين من الحدود
في ممر ناثو لا باس Nathu La Pass، ومع اتفاق البلدين أصبحت حرب الحدود
بعيدة الاحتمال، علما بأن الحدود بين الصين والهند هي الأطول في العالم
،حيث يبلغ طول هذه الحدود 4056 كيلومتر (2520 ميل)، ومع التقارب بين
البلدين والزيارات المتبادلة؛ فقد زار رئيس الوزراء الهندي السابق
فيجباتي الصين في يونيو عام 2003 وأعلن أن التبت تقع ضمن الحدود
الصينية في الوقت الذي أعلنت الصين نهاية مطالبتها بسكام الهندية،
والاتفاق على عمل تجاري بين سكام الهندية والصين وهو ممر ناثو الذي
ذكرناه.
وتأتي هذه المناورات في ظل الاهتمام
الأمريكي بالصين، وازدياد التبادل التجاري بين الهند والصين، وكان
الرئيس الصيني هوجناتو قد زار نيودلهي في نوفمبر عام 2006، وتم توقيع
عدة اتفاقيات تجارية وثقافية بينهما، ومن المتوقع أن يبلغ حجم التجارة
المتبادلة بينهما مع عام 2010، إلى 40 مليار دولار، وقد صرح رئيس وزراء
الهند سينغ معقبا على زيارة هو جنتاو أن العلاقات الإيجابية بين
البلدين لن يتراجع عنها، وستتقدم في المستقبل، وأكد على أن عام 2007 هو
عام السياحة الهندية - الصينية.
وقد أعلنت الصين أن هذه المناورات
المشتركة على الحدود الهندية لن تكون موجهة ضد أي طرف ثالث، حسب الناطق
الرسمي الصيني، لأنها تعزز العلاقات بينهما وتعيد الثقة وخاصة في مجال
التعاون في قضايا الدفاع، علما بأن المناورات ستكون مركزة على كيفية
التعامل مع حركات التمرد والإرهاب، والمعروف أن الهند تتعرض لبعض
عمليات الإرهاب بسبب الخلاف حول كشمير، كما أن الصين تعاني من بعض
الاضطرابات في التبت.
وكانت قد وقعت اتفاقية بين الهند
والصين في عام 1993 تم الاتفاق فيها على تقليص عدد الجنود على حدود
البلدين كبادرة حسنة بينهما، ولتخفيف التوتر الذي امتد منذ عام 1962
وحسب ما قاله الخبير الاستراتيجي الهندي جياديب سياكيا، إن هذه
المناورات العسكرية خطوة رئيسة في التعاون بين البلدين في مجال الدفاع
وزيادة الروابط العسكرية بينهما، في الوقت الذي تشهد العلاقات
الأمريكية الهندية تطورا، فالتعاون مع الصين لا يعني تأثر العلاقات مع
الولايات المتحدة. ولكن واقع الحال يؤكد أن الصين قلقة من التعاون
الهندي الأمريكي، وتوقيع اتفاقية التعاون الأمريكي
- الهندي في مجال الطاقة النووية، فتسعى الصين لاحتواء هذه
العلاقة حتى لا تؤثر على الأمن القومي الصيني
وحيث إن الولايات المتحدة قد قامت ببيع أسلحة إلى جمهورية
تايوان التي تعتبرها الصين جزءا من أراضيها، فقد نفت بكين أن تكون
المناورات العسكرية مع الهند لها علاقة بما تم من صفقة بين الولايات
المتحدة وتايوان رغم أن الصين طالبت من واشنطن إلغاء صفقة السلاح مع
تايوان، ولا بد من الإشارة إلى أن تايوان تسعى إلى أن تعود إلى عضوية
الأمم المتحدة ولكن الصين تعارضها، وتنتقد الموقف الأمريكي من تايوان،
علما بأن واشنطن تهدد بحماية تايوان، ولكن الصين تمارس سياسة النفس
الطويل في سبيل ضم تايوان كما فعلت مع هونغ كونغ عندما اتفقت مع
بريطانيا بعودة هونغ كونغ للسيادة الصينية، ولعل هذه المناورة وتنامي
العلاقات مع الهند تسعى لعزل تايوان، كما تهدف أيضا لتعزيز العلاقات مع
العملاق الآسيوي الآخر الهند التي تراهن عليها واشنطن في احتواء الصين
في آسيا.
وكانت الهند قد أجرت مناورات مشتركة
في سبتمبر الماضي مع كل من الولايات المتحدة وأستراليا واليابان
وسنغافورة في خليج البنغال، هذه المناورات المشتركة لها أهدافها من
ثلاث دول تعتبر نفسها تواجه التحدي الصيني في آسيا والمحيط الهادي، فقد
دعا رئيس وزراء اليابان السابق آبي لتشكيل التحالف الديمقراطي بين
اليابان وأستراليا والهند، ولكن نيودلهي تلعب الأوراق الدبلوماسية
بذكاء؛ فهي تقوي علاقاتها مع الصين تجاريا وفي مجال التعاون العسكري
وفي نفس الوقت تعزز العلاقة مع واشنطن، ولكن، حيث إن الهند ذات تاريخ
عريق في منظمة دول عدم الانحياز منذ عهد الرئيس نهرو والعلاقة مع رئيس
وزراء الصين السابق شو إن لاي، فتبقى علاقة الهند رغم خلافات الحدود مع
بكين أقرب لمعسكر الانحياز، وكانت علاقاتها متميزة مع الاتحاد السوفيتي
السابق، ولذا فإن العلاقة الجديدة والمتنامية مع واشنطن تواجه المعارضة
اليسارية وخاصة الحزب الشيوعي الهندي الذي يسعى لدعم العلاقة مع الصين
أكثر من التوجه نحو واشنطن باعتبارها الدولة الإمبريالية التي تهيمن
على النظام الدولي، ولكنها آيلة للتراجع عن هذا الدور العالمي.
التصور الجيو استراتيجي للنخبة
الحاكمة في البلدين كما يقول المحلل الاستراتيجي أجيا ليلي، هو بناء
محور هندي - صيني لتعزيز مصالحهما المشتركة،
لأن المواجهة بين هذين العملاقين ستكون خسارة لكليهما، لذا يفهم كلاهما
أن مصلحتهما التعاون بعيدا عن التكتلات التي تدعو لها أستراليا أو
الولايات المتحدة.
أستراليا تخشى من توسع المجال الصيني
وخاصة البحرية الصينية التي تقوم بكين ببناء أسطولها، بينما تشعر
واشنطن أن الصين هي التي تواجهها بقوة في شرق وجنوب شرق آسيا، ولذلك
تحاول الصين من خلال المناورات العسكرية مع الهند جذب هذه إلى المحور
الذي طالما ردده الرئيس الروسي بوتين، وكانت دعوة بكين في الصيف الماضي
لحضور قمة منظمة شنغهاي كمراقب، قد لا تمانع موسكو وبكين في ضمها لهذا
التكتل الذي بدأ اقتصاديا ولكنه أخذ مع المناورات العسكرية الصينية
–الروسية بعدا جديدا في وظيفته.
ورغم أن المناورات العسكرية الصينية
الهندية على حدودهما، الأولى بين البلدين، فقد كان التعاون البحري
بينهما له تاريخ قبل حرب الحدود عام 1962، فقد كانت أول زيارة للبحرية
الهندية، سفينة INS DELHI، الصين عام 1958، ثم
كانت الزيارة الثانية عام 1995 عندما زارت سفينتان من البحرية الهندية
إلى الصين، وقد تطور التعاون البحري بينهما عندما أجرت البحرية الهندية
والصينية مناورات مشتركة في الخامس عشر من سبتمبر 2000، ولكن المناورة
التي استمرت ثماني ساعات اقتصرت على تبادل الزيارات، ولكن التعاون بين
القيادة العسكرية الهندية ورئاسة الأركان الصينية يهدف هذه المرة ومن
خلال المناورات العسكرية التي تشترك فيها قطاعات عسكرية من كلا البلدين
تحاول الانتقال من التعاون الرمزي إلى التعاون الفعلي في مجالات
الدفاع؟
وكانت قيادة الجيش الهندي قد دعت
قيادة الجيش الصيني لمشاهدة مناورات عسكرية هندية في صحراء رجستان في
نوفمبر 2005، وترغب الصين في مشاهدة مناورات اشتركت فيها مدرعات
T-72, T-90. هذه التطورات تأتي مع التبادل
التجاري بينهما.
كلا البلدين يمر في مرحلة نمو
اقتصادي مرتفع، فالنمو الاقتصادي الهندي يتجاوز %8، في الوقت الذي وصل
فيه النمو الاقتصادي الصيني عام 2006 إلى %9,6، وإن هذا النمو
الاقتصادي يزيد من حاجة البلدين إلى الطاقة ولذا نجد أن الصين تتجه إلى
إفريقيا، كما أن الهند أيضا تزيد من استثماراتها في إفريقيا، وتعارض
كلا البلدين الموقف الأمريكي من التصعيد مع إيران مما قد يترتب عليه
عدم الاستقرار في منطقة الخليج العربي وعدم تدفق البترول، الذي هما
بحاجة ماسة إليه في نموهما الاقتصادي.
التعاون الهندي
- الصيني في المجال العسكري إشارة
إلى واشنطن أن اختراقها لآسيا سيكون صعبا، وأن الهند أقرب إلى توازن
القوى في آسيا مما يحقق مصالحها، وهذا ما تعمل عليه السياسة الصينية
التي تدعو مع الهند إلى نظام متعدد الأقطاب على المستوى الدولي، وفي
الوقت الذي تعزز فيه العلاقات بين الصين والاتحاد الأوروبي، نجد أن
الهند كذلك تتميز بعلاقات سياسية مع أوروبا، والجدير بالذكر أن الهند
عضو في مجموعة دول الكومنولث، ولذا نجد رغم العلاقات الهندية
- الأمريكية المتطورة، فإن الهند أقرب إلى المحور الصيني
- الروسي منها إلى تكتل تقيمه الولايات المتحدة، كما أن الهند
تشهد أيضا نمو الاستثمارات الأوروبية فيها وعلاقاتها التجارية، ولكن في
ظل المحاور الاقتصادية والتعاون السياسي بين بكين ونيودلهي والمناورات
المشتركة التي تجاوزت خلافات الماضي، فما تأثيراته على العالم العربي؟
فالصين تعارض العمل العسكري أو العقوبات على إيران ولها مصالحها
البترولية، وكذلك الهند، ويظهر من التطورات الأخيرة في منطقة الخليج
العربي، وما حدث في قمة التعاون الخليجي العربي، ودعوة الرئيس الإيراني
أحمدي نجاد لحضورها، ودعوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن
عبد العزيز الرئيس الإيراني لأداء فريضة الحج يعكس التعاون العربي
- الإيراني بما يحقق المصالح العربية
الإيرانية ويبعد شبح التوتر عن منطقة الخليج، ويأتي ذلك في زيارة مساعد
وزير الخارجية المصرية حسين ضرار إلى إيران، وهي الأولى من نوعها منذ
قطع العلاقات الدبلوماسية بينهما منذ سبعة وعشرين عاما، يعني أن الموقف
العربي يتفهم خطورة التصعيد الأمريكي، بل التناقض في سياسة واشنطن
وفي ظل زيادة التعاون الهندي الصيني، فقد يكون ذلك أمراً مهماً
لزيادة العلاقات العربية الصينية لتحقيق مصالح الجانبين، فالصين عملاق
آسيوي ضخم، كما أن الهند أيضا عملاق آسيوي أخذ يلعب دوره بفعالية، ولا
شك أن العلاقة الصينية-الهندية لها أبعادها على مجريات الأحداث في
السنوات القادمة مع تراجع الدور الأمريكي .
وكل
ذلك بحسب المصدر المذكور نصا ودون تعليق.
المصدر:al-majalah-20-12-2007
|