القضاء على السرطان بمحاربة أسبابه

 

ديفرا ديفيس

 

 

شرعت الحرب ضد مرض السرطان في أميركا قبل أربعة عقود تقريبا،ً عندما أطلق الرئيس "ريتشارد نيكسون" حملة رسمية في العام 1971 تسعى إلى القضاء عليه والتقليل من ضحاياه. لكن وبعد مرور كل تلك السنوات لا بد من الإقرار بأن جهود الأميركيين كانت تستهدف العدو الخطأ وتستخدم الأسلحة الخطأ.

فقد ظل تركيز العالم الصناعي، في حربه على السرطان، منصرفاً إلى الجهود المستندة إلى حملات تجارية تدعو إلى تطوير العقاقير المناسبة والتكنولوجيا القادرة على القضاء على المرض في أفق الوصول إلى دواء يعالج السرطان وقد رصدت لهذا الغرض موازنة سنوية ضخمة فاقت مائة مليار دولار في الولايات المتحدة.

والحال أن الصراع ضد السرطان تجاهل العوامل المعروف عنها مسؤوليتها المباشرة في الإصابة بالمرض الخبيث مثل التبغ والإشعاع وأشعة الشمس والبنزين، فضلا عن بعض المحاليل والهرمونات الأخرى. ومازالت الحكومات إلى الآن تتعامل مع المبيدات والملوثات المسببة للسرطان، ناهيك عن استنشاق البنزين المحترق على أنها ضريبة حتمية للتقدم.

والواقع أن ضريبة التقدم يتعين ألا تكون باهظة الثمن مثل السرطان الفتاك الذي يودي بحياة الملايين من الأشخاص كل سنة في العالم؛ فقد أدرك العلماء مبكراً أن معظم حالات الإصابة بالسرطان لا تولد مع الإنسان، بل يتم اكتسابها طيلة فترة الحياة، فبرغم أن التوأمين يبدآن حياتهما بجينات متشابهة إلى حد كبير، إلا أنهما لا يطوران النوع ذاته من السرطان عندما يبلغان سناً متقدمة. وعلى غرار معظم الأشخاص تلعب محددات أخرى ما إذا كنا سنصاب بالسرطان من قبيل المكان الذي نعيش فيه ونظامنا الغذائي والتي تتدخل في تحديد مسارنا الصحي أكثر مما تفعله مورثاتنا الجينية.

فالأميركيون الذين هم في العشرينيات من عمرهم يحملون في أجسامهم مستويات مرتفعة من المواد الكيماوية قد تلحق ضرراً بالغاً بقدرتهم على إنجاب أطفال يتمتعون بصحة جيدة، كما تضاعف من احتمال إصابة هؤلاء الأطفال بالسرطان خلال مرحلة من مراحل حياتهم، وفي هذا السياق يبرز سائق الدراجات المشهور "لانس أرمسترونج" كرمز وأيقونة أميركية في التغلب على مرض السرطان. لكن من بين عشرة ملايين أميركي استطاعوا البقاء على قيد الحياة بعد خمس سنوات على تشخيصهم بمرض السرطان يوجد من بين كل أربعين حالة، شخص يقل عمره عن أربعين سنة.

فهل مايزال يخامرنا شك في الدور الذي تلعبه المواد المشعة والكيماوية في الإصابة بالسرطان بعد الدراسة التي أجراها مركز المراقبة والواقية من الأمراض، إلى جانب جامعات تهتم بالبيئة أكدت أن الأطفال الأميركيين يولدون وهم يحملون في أجسادهم العشرات من المواد الكيماوية التي لم تكن موجودة قبل عقدين من الزمن؟! في نفس الإطار كشفت دراسة جديدة أجرتها "باربارا كون" ومجموعة أخرى من العلماء في معهد الصحة العامة بجامعة "بيركلي" أن الفتيات اللواتي تعرضن إلى مستويات مرتفعة من المبيدات قبل سن 14 عاماً يفوق احتمال إصابتهن بمرض السرطان بخمس مرات عندما يبلغن منتصف العمر مقارنة مع الأخريات. وبرغم النجاحات التي حققتها الحرب على السرطان في التقليص من الوفيات في الولايات المتحدة، بفضل الجهود المبذولة للتقليل من التدخين والحد من انتشار بعض الملوثات، فضلا عن التطور الملموس في مراقبة المرض، إلا أننا نشهد ارتفاعا في عدد الحالات المسجلة لبعض الأنواع الجديدة من السرطان غير المرتبطة بالتدخين، أو بالتقدم في السن.

وحسب المركز الفدرالي للمراقبة والوقاية من الأمراض، يعتبر السرطان السبب الثاني للوفيات المسجلة لدى الأطفال والأشخاص في منتصف العمر لا تسبقه سوى حوادث السير. والأكثر من ذلك ما أشار إليه معهد السرطان الوطني، إلى أنه في الفترة ما بين 1950 و2001 تضاعف عدد الإصابات بسرطان العظام، والمثانة والكبد مقارنة مع السنوات السابقة. وتطالب الهيئات الصحية بالتركيز أكثر على العوامل المسببة للسرطان والسعي إلى الحد من التعرض لها.

فعلى سبيل المثال مايزال السود وبعض الأقليات الأخرى في أميركا يعانون من نسبة وفيات مرتفعة بسبب السرطان مقارنة مع البيض، فهل يكون ذلك بسبب الأعمال اليدوية التي يقومون بها وتجعلهم أكثر عرضة للمواد الكيماوية؟ أم لأنهم لا يستطيعون توفير نظام غذائي صحي؟ في الواقع مازلنا لا نعرف السبب، وهو ما يدفعنا إلى تكثيف البحث العلمي لرصد العوامل المسببة للسرطان والحد منها واللافت أنه حتى النجاحات التي توصل إليها العلم في مكافحة السرطان تنطوي على مخاطر جديدة. فالعديد من الوسائل التي يلجأ إليها الطب للقضاء على السرطان في مراحله الأولى مثل العلاج الكيماوي والعلاج الإشعاعي، قد تقود هي نفسها إلى الوقوع فريسة لأنواع أخرى من السرطان.

فحسب دراسة نشرت في دورية "الجمعية الملكية للطب" من بين كل ثلاث فتيات يخضعن للعلاج الإشعاعي للتخلص من سرطان الغدد اللمفاوية في سن مبكرة، يتطور لدى إحداهن سرطان الثدي عند وصولها الأربعين وعلينا في هذا الصدد الاحتياط من استخدام الكشف الإشعاعي لتشخيص الأمراض، لا سيما فيما يتعلق بالأطفال. فقد نشرت الكلية الأميركية للإشعاع بياناً تقول فيه: "إن إجمالي الجرعة السنوية من الإشعاع التي يخضع لها المرضى في الولايات المتحدة، تعادل تقريبا الجرعة العالمية الناجمة عن كارثة تشيرنوبيل"ومهما تكثفت الجهود للقضاء على السرطان، أو على الأقل للحد من ضحاياه، تبقى أفضل وسيلة لمكافحته، هي منع الإنسان من الإصابة به وفي هذا السياق يتعين علينا الالتفات إلى تلك المواد السامة التي تضج بها حياتنا المعاصرة، والملوثات التي تنفث في الجو والسعي إلى حظر استخدامها.

*أستاذة في كلية الطب بجامعة بيتسبورج الأميركية

وكل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصا ودون تعليق.

المصدر:الإتحاد الإماراتية- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"-11-11-2007