الإنتخابات الديمقراطية .. الأهمية و الأبعــاد فــي تحديد شكل الحكم!

 

ســـيف الدين كاطع

 

 

ثمة حافز جعلني في دائرة الاهتمام والمتابعة الى مايمكن ان تسفر عنه عملية الاقتراع الجماهيري التي جرت في المغرب مؤخراً لانتخاب برلمان جديد ولعل احساساً ما روادني من جراء ماآلت اليه هذه الانتخابات والتي افضت الى صعود قوى جديدة وتراجع قوى اخرى بالرغم من ضعف المشاركة الاجمالية للناخبين المسجلين وانخفاض نسبة التصويت العام... ومرد هذا الاحساس يكمن بالضرورة في امكانية النظر بجدية الى عملية الانتخابات وابعادها وادراك اهميتها والتعريف بها، لانها الآلية التي تهيئ أتاحة الفرصة لاختيار ممثلي الشرائح الاجتماعية المختلفة من قوى وحركات واحزاب وكتل ليشكلوا بمجملهم السلطة التشريعية والرقابية الذي يفترض بالاشخاص المنتخبين انهم على قدر من الأهلية والكفاءة والحضور للقيام باداء ذي خصوصية يدخل مباشرة في منفعة البناء الوطني والمجتمعي ويتسع ليشمل الدفاع عن مصالح الناس وحقوقهم وتلبية  متطلباتهم واحتياجاتهم المعيشية والخدمية والحضارية..

لم تؤد الانتخابات التي تجريها بعض انظمة الحكم في العالم العربي الى انتقال ديمقراطي واضح فضلاً عن قلة فرص التحول الديمقراطي الحقيقي التي ينتظرهـا الجميع !

ولعلنا لانغالي اذا ما اخذنا ببعض التقديرات التي تشير الى ان اكثر من بليون شخص في العالم يدلون في انتخابات ديمقراطية تنافسية لاختيار حكامهم وممثليهم في مؤسسات صنع السياسات واتخاذ القرارات فبعد موجات التحول الديمقراطي التي شهدها العالم في العقدين الاخيرين من القرن العشرين تجري معظم دول العالم انتخابات من نوع ما بيد ان نصف دول العالم فقط تشهد انتخابات توصف بانها ديمقراطية وتنافسية اما بقية الانتخابات فلا توصف بذلك اذ طور الحكام ادوات  واساليب للتلاعب في عملية الانتخابات  بغرض تحقيق مقاصد غير  تلك التي ترجى من الانتخابات الديمقراطية وعلى  رأسها الحصول على الشرعية امام الجماهير والتخفيف من حدة الضغوط المطالبة  بالاصلاح واحترام حقوق الانسان في الداخل والخارج وفي العالم العربي لم تؤد الانتخابات التي تجريها بعض انظمة الحكم الى انتقال ديمقراطي واحد ناهيك عن تحول ديمقراطي حقيقي الا ماندر..

ونظراً لان آلية الانتخابات تستخدم في النظم الديمقراطية والتسلطية والشمولية لتحقيق مقاصد ووظائف متباينة فأن ثمة معايير يمكن من خلالها التفرقة بين لانتخابات الديمقراطية التنافسية وبين غيرها من الانتخابات التي لايمكن  وصفها الابالديمقراطية ولا بالتنافسية .

اذ ان تحقيق هذا الهدف يمثل معياراً اساسياً من معايير التمييز بين النظم الديمقراطية وغيرها من النظم غير الديمقراطية وذلك بالنظر الى ان آلية الانتخابات اضحت من ابرز الآليات التي يلجأ اليها الحكام المستبدون في عالمنا المعاصر.

ان التفرقة بين الانتخابات الديمقراطية والانتخابات غير الديمقراطية تحددالحد الادنى الذي على نظم الحكم الوصول اليه حتى يمكن وصفها بالديمقراطية او-في اقل تقدير- النظر اليها على انها في طريقها الى الديمقراطية..

مفهوم الانتخابات الديمقراطية

يحتل هذا المفهوم عن الكثير من الباحثين موقع الصدارة في النظم الديمقراطية وذلك منذ ان عرف جوزيف شومبيتر الديمقراطية على انها مجموعة من الاجراءات والمؤسسات التي يستطيع الافراد من خلالها المشاركة في عملية صنع القرارات السياسية عن طريق التنافس في انتخابات حرة وعلى الرغم من اهتمام الكثيرين بهذا المفهوم عند حديثهم عن الديمقراطية الا انه لايوجد حتى اليوم تعريف متفق عليه بين المهتمين بالانتخابات ،او مجموعة من المعايير القاطعة التي تحدد معالم الانتخابات الحرة والنزيهة كما لاتوجد منهجية واحدة يمكن من خلالها وضع مؤشرات محددة وشاملة للانتخابات الديمقراطية ..

لقد وضع روبرت وال الانتخابات الحرة والنزيهة ضمن الشروط السبعة للشكل الديمقراطي من وجهة نظره غير انه لم يقدم تعريفاً تفصيلياً للانتخابات الحرة والنزيهة مؤكداً على ضرورة ان يسبق اجراء تلك الانتخابات مجموعة من الحريات والحقوق الديمقراطية معتبراً ان الترتيب المنطقي للامور يأتي على النحو الآتي..

حرية الحصول على المعلومات من مصادر متعددة -حرية التعبير- حرية التنظيم وتشكيل مؤسسات مستقلة ـ  اجراء انتخابات حرة  ونزيهية ، اي ان الانتخابات الحرة والنزيهة هي” ذروةالديمقراطية وليست بدايتها “ فالانتخابات لاتسبق الديمقراطية، وهي لاتنتج لا الديمقراطية ولا الحريات والحقوق.

وفي الادبيات العلمية التي تعنى بالديمقراطية والانتخابات في الغرب، حاول بعض الباحثين وضع تعريفات محددة للانتخابات الديمقراطية للحالات التي يدرسونها، ولعل من ابرز تلك الادبيات واكثرها شمولاً ماقام به ديفيد باتلر وآخرون، فالانتخابات العامة الديمقراطية تستند الى شروط ستة هي، حق التصويت العام لكل المواطنين البالغين، دورية الانتخابات وانتظامها، عدم حرمان اي جماعة من تشكيل حزب سياسي ومن الترشح للمناصب السياسية، حق التنافس على كل مقاعد المجالس التشريعية ، حرية ادارة الحملات الانتخابية على وضع لايحرم فيه القانون ولا وسائل العنف المرشحين من عرض ارائهم وقدراتهم ولا الناخبين من مناقشة تلك الآراء وتمكين الناخبين من الادلاء باصواتهم وسط جو من الحرية والسرية وفرز الاصوات واعلانها بشفافية وكذلك تمكين المنتصرين من مناصبهم السياسية حتى وقت الانتخابات التالية.

اما عبارة” انتخابات حرة ونزيهة “ الشائعة في اغلب الدراسات التي تتناول الانتخابات، فقد ظهرت لاول مرة لوصف الاستفتاء الذي تم على استقلال ماكان يعرف بأرض توغو (دولة توغو في غرب افريقيا وجزء من دولة غانا اليوم) في عام 1956، ثم اخذت منظمة الامم المتحدة تستخدمها في حالات مشابهة بعد ذلك، وعلى الرغم من الاستخدام الواسع للعبارة، بل وعلى الرغم من الاهتمام الشديد بعمليات المساعدة في ادارة الانتخابات والاشراف عليها ومراقبتها منذ عام 1989، لم تضع الامم المتحدة تعريفاً متفقاً عليه لهذه العبارة.

معايير الثقافة الانتخابية

 وعلى نحو عام تدور مضامين الانتخابات الديمقراطية حول معيارين رئيسين ، الاول ” هو حرية الانتخابات “ اي ضرورة احترام حريات الافراد وحقوقهم الرئيسة، والثاني هو” نزاهة “ عملية ادارة الانتخابات غير ان التجارب المعاصرة للدول الديمقراطية تشير الى ان الانتخابات الديمقراطية التنافسية لاتجرى الا في نظم حكم ديمقراطية، اذ هي آلية من آليات تطبيق المبادئ الرئيسة للديمقراطية، وليس هدفاً في حد ذاتها، كما تعد الانتخابات الديمقراطية شرطاً ضرورياً وليس كافياً لنظم الحكم الديمقراطية، فمجرد اجراء الانتخابات الديمقراطية لايعني ان نظام الحكم اصبح نظاماً ديمقراطيا ومن هنا لابد من الوقوف على متطلبات اجراء الانتخابات الديمقراطية من جهة ومعاييرها من جهة اخرى وذلك على النحو التالي:

اولاً: متطلبات الانتخابات الديمقراطية، وتتمثل في الاطار الدستوري للنظام الديمقراطي.

ثانيا:معيار فعالية الانتخابات الديمقراطية، ويعني ان للانتخابات مقاصد ووظائف ويترتب عليها مجموعة من النتائج الفعلية في نظام الحكم وليست هدفاً بحد ذاتها.

ثالثا: معيار حرية الانتخابات الديمقراطية، ويتمثل في كون الانتخابات تجرى في ظل قاعدة حكم القانون، وتتسم بالتنافسية وتحترم الحقوق والحريات الرئيسة للمواطنين.

رابعاً: معيار النزاهة ويعني ان الانتخابات تتم بشكل دوري ومنتظم وتتسم عملية ادارتها والاشراف عليها واعلان نتائجها بالحياد السياسي والعدالة والشفافية.

 اما متطلباتها فهي، تنظيم عملية اتخاذ القرارات وعمل مؤسسات الحكم من خلال الاستناد الى مبدأ حكم القانون اي تقييد سلطة الحكومة بدستور يخضع له الحكام والمحكومون على قدم المساواة ويوفر آليات محددة لصنع القرارات واخرى للمساءلة السياسية وقيام نظام قضائي مستقل لحماية مبدأ حكم القانون وصيانة حريات الافراد وحقوقهم والنظر في مدى دستورية القوانين، فضلا عن تمكين المواطنين من المشاركة في عملية صنع القرارات السياسية واعتماد مبدأ التداول السلمي على السلطة السياسية وحق كل القوى السياسية في التنافس على مقاعد الحكم، اضافة الى تنظيم علاقة مؤسسات الحكم بالجماهير على اساس رابطة المواطنة ، اي تمتع جميع فئات المجتمع بجميع الحقوق والواجبات على قدم المساواة وتساوي فرص المشاركة في عملية صنع القرارات السياسية امام المواطنين من دون اي شكل من أشكال التمييز على اساس الاصل او اللغة او العرق او الدين او المذهب او المكانة الاجتماعية او الاقتصادية او السياسية هذا فضلا عن وجود ضمانات لحريات الافراد وحقوقهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وضمانات دستورية وقانونية لحماية حريات وحقوق الاقليات والفئات الضعيفة في المجتمع، وهذا يعني ان الاطار الدستوري الديمقراطي يجعل من قاطني دولة ما مواطنين يتمتعون بحقوق وواجبات متساوية وفرصاً متكافئة للمشاركة في صنع القرارات السياسية وتولي المناصب العامة وليسوا مجرد رعايا يتلقون قرارات الحكام وينفذونها في حين يمكن تلخيص المقاصد التي تهدف اليها الانتخابات الديمقراطية بالتعبير عن مبدأ الشعب هو مصدر السلطة وتنفيذ آلية التمثيل النيابي من خلال اتاحة الفرصة امام الناخبين لممارسة اظهار صور المشاركة السياسية في عملية صنع القرارات وهو الاقتراع العام.

معطى ونتائج وتوجه

اضف الى هذا ان الانتخابات الديمقراطية تعد الطريقة المثلى في اختيار الحكام بتفويض شعبي من خلال انتقال السلطة الى المرشحين الفائزين في عملية الاقتراع، وذلك فيما يتصل برئاسة السلطة التنفيذية او اعضاء المجالس التشريعية النيابية او الاثنين معاً، وفقاً للقواعد ذات الصلة في النظامين، السياسي والانتخابي.

 كما تتيح عملية الانتخابات الديمقراطية ، تسوية الصراعات السياسية بطرق سلمية، بتوفرها على آلية تداول سلمي للسلطة وتغيير مركز القوة وامكانية تقلدها من قبل قوى المعارضة حال فوزها في الانتخابات كذلك توفيرها الشرعية السياسية او تجديدها فالانتخابات تقوم بوظيفة توفير شرعية شعبية للحكومة المنتخبة او تجديد شرعية الحكومة القائمة، وهذا عكس الحال في النظم غير الديمقراطية التي طور حكامها اساليب عديدة لاضفاء شرعية غير حقيقية على حكمهم المطلق، وفي هذه الاساليب نظام الحزب الواحد الذي طبقته دولاً عدة، تتبنى افكاراً ايديولوجية او قومية او دينية وتستمر وراءها وهذا هو حال الانظمة الديكتاتورية التي تحكم وتعيش في ظل مزاج سياسي احادي بعيدا عن ارادة شعوبها وتطلعاتها الانسانية.

و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصا و دون تعليق.

المصدر: جريدة الصباح-24-9-2007