"حالة تسلح" فى الشرق الأوسط
د.محمد عبد السلام
فجأة، بدت المنطقة وكأنها تستعد لحرب إقليمية شاملة، فقد تم الإعلان مرة واحدة عن مساعدات عسكرية وصفقات تسليحية، سيتم تقديمها لدولها الرئيسية، بقيمة تصل إلى 68 مليار دولار خلال السنوات القادمة، بينها 63 مليار دولار ستذهب إلى دول "التحالف" الصديقة للولايات المتحدة، بينما يتم التداول حول صفقات بقيمة 5 مليار دولار تقريبا قد يحصل عليها أطراف "المحور" الذى يتألف من إيران وسوريا، وفاعلين داخل الدول يستخدمون الأسلحة الصغيرة فى الأساس. وعلى الرغم من أن خبرة سباقات التسلح فى الإقليم، تشير فى معظم الأحوال إلى أنها تقود إلى خلق مشكلات أمن بأكثر مما تدفع نحو نشوب حرب، إلا أن حالة الاستقطاب الحالية، المحيطة بتلك الصفقات، تشير إلى أن هناك "حالة حرب" - قد لاتختلف نتائجها عمليا عن الحروب الفعلية - فى الطريق. الحلفاء والمحور كانت هناك نظرية شهيرة فى الشرق الأوسط تقرر أن "مراكز الصراعات " تنتقل من منطقة إلى أخرى فى الإقليم، وقد تمت الإشارة مرارا فى التحليلات الدولية إلى أن سنوات ماقبل عام 2004 شهدت ظاهرة انتقال التوترات من دائرة الصراع العربى الإسرائيلى إلى منطقة الخليج، قبل أن تعود التوترات المسلحة مرة أخرى إلى الدائرة التقليدية، مع استمرارها على ماهى عليه فى الخليج. الجديد هذه المرة هو أن السنوات الأخيرة شهدت تشكل معسكرين كبيرين عابرين لحدود الإقليم، يتكون أولهما من تحالف واسع أطلق عليه أحيانا تحالف المعتدلين، يتكون من دول مجلس التعاون الخليجى ومصر والأردن، والثانى يتكون من محور إيران وسوريا، إضافة إلى حزب الله فى لبنان وحركة حماس فى فلسطين، وقد أصبحت الجبهات مكشوفة، ففى أقل من شهر إلتقى أطراف 2 + 1+ 1 فى دمشق، والتقى أطراف 6 + 2 + 1 فى شرم الشيخ. ولقد اتخذت العلاقات بين المعسكرين شكلا محددا هو " الحرب الباردة" التى تتضمن كل مستويات المواجهات الحادة، لكن بأساليب غير مباشرة، فهناك تهديدات مستترة، وحروب بالوكالة، وزعزعة استقرار، وتدخلات فى الشئون الداخلية، ودبلوماسية أموال، و مباريات إستخباراتية، وصفقات محددة، وتجميع كروت، وتصريحات معلنة، وأخيرا بدأت " صفقات السلاح" فى الظهور على المسرح. الخطوط الرمادية المثير فى الأمر هو أنه يمكن فهم كل اتفاق تسليحى تم الإعلان عنه مؤخرا فى سياق مستقل عن الآخر، فالمساعدات العسكرية الأمريكية لمصر ( 13 مليار دولار عبر 10 سنوات) كانت مقررة سلفا تقريبا، وهى مساعدات متكررة منذ بداية الثمانينات، وينطبق الأمر على المساعدات العسكرية المقدمة لإسرائيل ( 30 مليار دولار)، والتى يحين موعد تجديدها عام 2008، مع فارق أنها زادت بنسبة 25 فى المائة عن مساعدات العقد الماضى، بفعل العلاقات الخاصة مع واشنطن، ومبالغة إسرائيل فى تقدير التهديدات القادمة. أما صفقات سلاح دول الخليج ( 20 مليار دولار)، فإنها أقل بكثير مما يفترض قياسا على نفقات تسلح تلك الدول فى الفترة الماضية، فمنطقة الخليج كانت دائما المسئولة عن أكثر من 67 فى المائة من النفقات العسكرية فى الإقليم، وكان مفهوما أن تلك الصفقات ترتبط بتدعيم الارتباطات الدفاعية وجماعات المصالح والقدرات المالية بأكثر مما تتعلق بتطوير كفاءة الجيوش، رغم أنها بدأت تعتمد إستراتيجيات ردعية معقولة بعد عام 1990. ولقد تواترت أنباء أيضا حول صفقات تسليح روسية لإيران مباشرة، تتعلق بأنظمة دفاع جوى متطورة، أو صفقات – نفت موسكو إبرامها – تجرى عبر إعادة تصدير أنظمة تسلح سورية روسية المنشأ إلى إيران، إضافة إلى ما يثار دائما حول التفاهمات التسليحية السورية – الروسية، الممولة إيرانيا، وكل تلك الأنباء ، إضافة إلى العامل النووى، كانت موجودة دائما، دون أن يوجد مايثبت أو ينفى حدوثها بشكل قاطع. هل هى الحرب ؟ لكن ماحدث عمليا هو أن كل ذلك قد تم الاتفاق والإعلان عنه مرة واحدة، وصدرت تصريحات أمريكية رسمية فى نهاية يوليو ( 2007)، قبل زيارة كونداليزا رايس وروبرت جيتس إلى المنطقة مباشرة، بأن تلك الصفقات تهدف إلى لتقوية حلفاء واشنطن الأساسيين، وتدعيم القدرات الدفاعية لدول الخليج، كما أنها - حسب تصريحات رايس - "ستدعم الإستراتيجية الواسعة للحد من التأثير السلبى لتنظيم القاعدة وحزب الله وسوريا وإيران". هنا تبدأ النظريات فى الظهور، وأولها احتمالات الحرب، فالنسبة العظمى من تلك الصفقات يقدم لدول الحلفاء، ليس بهدف تحييد التأثيرات الإيرانية ، وإنما - حسب تلك النظرية - الاستعداد للحرب القادمة فى المنطقة، والتى لن تتمكن الإدارة الأمريكية ( غالبا) من خوضها بقواتها الخاصة، التى يضغط الكونجرس لسحبها أصلا من العراق. وهنا توجد استدراكات لانهاية لها. إن تلك الدول "الحليفة" على استعداد لخوض حرب باردة للحفاظ على مصالحها الإقليمية، وربما ارتباطاتها الدولية، لكن تقديراتها تشير إلى أن الصدام المسلح سوف يؤدى إلى نتائج كارثية، كما أنها لاتبدو أصلا "كحلف عسكرى"، فثمة اتهامات متبادلة بين واشنطن والرياض، واحتجاجات إسرائيلية على تسلح الخليج، و تحفظات مصرية على زيادة المساعدات العسكرية لإسرائيل. إضافة إلى أن استيعاب الأسلحة الجديدة المتقدمة فى الجيوش سيستغرق حوالى 24 شهرا، بما يتجاوز التوقيت المتصور لنهاية أزمة إيران. كما لايبدو المعسكر الأخر شديد التماسك، فهناك مايثار بشأن مدى تماسك علاقات المصالح القائمة بين سوريا وإيران، وعلاقات الصفقات القائمة بين حماس والطرفين، فى ظل وجود علاقة لها مع " الحلفاء" وإذا تم وضع الاتصالات الجارية بين واشنطن وطهران، أو الحوارات المستمرة، ولو عن بعد، بين واشنطن ودمشق، فى الحسبان، سوف تصبح الخطوط الحمراء رمادية. ولماذا تلك الصفقات ؟ إن الفكرة هنا هى أن الحرب ليست الاحتمال الوحيد، وهى حتى ليست الاحتمال الرئيسى، رغم كل تلك الضجة المثارة حول تلك الصفقات طويلة المدى، فهناك تفاهمات تجرى بين واشنطن وطهران حول العراق، وإشارات تقدم لدمشق حول الجولان، وإذا تم التوصل إلى " حل وسط" حول برنامج إيران النووى، سوف تهدأ ضغوط تل أبيب على واشنطن، ويدرك الجميع أن الاحتمالات كلها قائمة على قدم التساوى، وأن العد التنازلى نحو الحرب لم يبدأ بعد. إن التفسير الأرجح لتلك الطريقة التى تم الإعلان بها عن كل تلك الصفقات، بعيدا عن تفسير الحالة - حالة الذى تمت الإشارة إليه فى البداية، هى أنه جزء من الحرب الباردة التى لاتزال جارية فى المنطقة، وأنها تستهدف ممارسة أقصى أشكال الضغوط ضد أطراف المحور، التى تمتلك أيضا - فى المدى المباشر - خيار حقيقى للرد بتصعيد ما تقوم به فعليا عبر " الأسلحة الصغيرة" فى عدة مناطق تسيطر عليها فى الإقليم. لكن فى المدى الأطول، قد تجد أطراف المحور نفسها مضطرة للتفكير فى خيار عسكرى لاتريده وربما لاتحتمله هى أيضا، أو أن تندفع، وفق منطق سباق التسلح، فى اتجاه استنزاف أموالها فى أنشطة تسليحية مكلفة تؤدى إلى تصدعها داخليا، وهنا سيكون عليها أن تقدر ( مثل الحلفاء) مدى إمكانية استمرار تلك الألعاب الخطرة إلى مالانهاية. إن الخيارات التى تثيرها مثل تلك الصفقات عادة ماتكون بسيطة، فالأسلحة لاتستخدم فقط فى الهجوم، وإنما فى الدفاع والردع والتساوم واستعراض القوة والتأثير السياسى. لكنها فى مثل تلك الأحوال المحتقنة التى يمر بها الإقليم تحمل رسالة محددة، عرفت قديما باسم الحل أو الحرب، فإما أن يتم التقدم فى اتجاه تسوية ما، أو على من يعنيه الأمر أن يستعد لاحتمالات أخرى. إن القاعدة المستقرة لتأثيرات سباقات التسلح سوف تظل صامدة لفترة فى المنطقة، فسوف تؤدى حالة التسلح الحالية إلى إشاعة أجواء " حالة الحرب" فى المنطقة، بما قد يدفع فى اتجاه تفاقم التوترات الأمنية والأزمات المسلحة، وقد يتم إخراج بعض السيناريوهات من الأدراج، لكن قرار الحرب شئ آخر، حتى تدخل تلك الأسلحة إلى مسرح العمليات على الأقل. و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصا و دون تعليق. المصدر:سوي إنفو-10-8-2007
|