كيف نواجه إيران؟...رؤية أمريكية
شيرين حامد فهمي
إستراتيجية أمريكية جديدة "إيران ليست مشكلةً أمريكيةً بالأساس، إنما هي مشكلة تحدي - في المقام الأول - لحلفائنا وأصدقائنا في الشرق الأوسط. ومن ثم، فإن المرحلة الأولى لإستراتيجية المواجهة سوف تُركز على دعم الحلفاء والأصدقاء العرب باعتبارهم ثِقلاً مجابهاً ومضاداً للقوة الإيرانية". هكذا بدأ "بيتر رودمان"، الخبير المتخصص في السياسات الإقليمية بالشرق الأوسط والخليج العربي وكذلك بمنطقتي شرق آسيا وجنوبها، مشروعه البحثي بمركز "بروكينجز"، والذي نُشر تحت عنوان "مواجهة تحدي إيران الثورة: إستراتيجية للمرحلة القادمة". ركز "رودمان" في مشروعه على ضروريتين أمريكيتين: أولاً: ضرورة حماية أمن الخليج العربي أمريكياً من الكارثة النووية الإيرانية المحتملة، عبر دعم سياسات الردع التي تمنع إيران - قدر الإمكان- من تفعيل سياستها النووية كما تأمل. ثانياً: ضرورة إيجاد توازن جيو-سياسي ونفسي بين إيران وجيرانها العرب؛ وذلك عبر التقليل من ثقة الإيرانيين بأنفسهم من ناحية، وتضخيم ثقة الشركاء العرب بأنفسهم من ناحيةٍ أخرى. وإن إيجاد مثل هذا التوازن يحتاج إلى: 1- نجاح أمريكي في العراق 2- ضغط اقتصادي أكبر وأوسع على إيران 3- تأييد أكبر للمجتمع المدني الإيراني وقد بلور "رودمان" "إستراتيجية مواجهة إيران" في ثمان نقاط أساسية؛ والتي يريد منها "رودمان" تمهيد الطريق أمام الإدارة الأمريكية القادمة، في ظل علاقتها المستقبلية مع إيران النووية. وفيما يلي، سنقوم بتقديم عرض موجز لتلك النقاط الثمانية. 1- مساعدة الإيرانيين المعتدلين كيف تستطيع الإدارة الأمريكية مساعدة الإيرانيين المعتدلين؟ سؤال يطرحه "رودمان" ويجيب عليه موضحاً: إن مساعدة الإيرانيين المعتدلين يتطلب معرفة الإدارة الأمريكية وإدراكها للديناميكيات الداخلية المتواجدة في النظام الإيراني؛ بل يتطلب أيضاً معرفتها بكيفية التأثير على تلك الديناميكيات. ويعتبر "رودمان" ذلك من أهم وأصعب التحديات التي يواجهها صناع السياسة الأمريكية. فالخبرة الأمريكية مع إيران تقول، كما يوضح "رودمان"، إن الراديكاليين الإيرانيين قد تمكنوا من اللعب سياسياً مع الولايات المتحدة، بينما أخفق الأمريكيون في اللعب سياسياً مع إيران. ويتصور "رودمان" أنه هناك مجالان لمساعدة الإيرانيين المعتدلين: مجال لمساعدتهم تكتيكياً عبر التأثير في بيئتهم ومحيطهم على مستوى سياسي موسع macro-political level؛ ومجال لمساعدتهم إستراتيجياً عبر استغلال حالة الارتباك التي بدت تظهر على النظام الإيراني مؤخراً نتيجةً للضغوط الدولية. 2- تحدي إيران الثورة كان من ضمن الأهداف الجيو- سياسية للتدخل الأمريكي في العراق عام 2003، كما يقول "رودمان"، هو إيجاد عراق معتدل، يقف كشريك بجانب الولايات المتحدة والعرب في مواجهة إيران على المدى البعيد. وما يحدث الآن، كما هو ماثل أمامنا، هو صعود إيراني واضح مع تدهور عراقي واضح أيضاً؛ وهو الأمر الذي تستغله إيران اليوم استغلالاً جيداً، وتستفيد منه استفادةً جمة. فصحيح أن إيران ليست هي السبب الرئيسي أو الأساسي في كارثة العراق الحالية، إلا أن طهران قد اتخذت قراراً إستراتيجياً بإيقاد وشحن التدهور العراقي، بغية إضعاف الموقف الأمريكي. ملخص القول، إن ما كانت تخطط له الإدارة الأمريكية لم يحدث على الإطلاق؛ بل حدث ما هو عكسه. فقد ضعُف العراق، وقويت شوكة إيران. ومن ثم، فإن السبيل الوحيد للخلاص الأمريكي من هذا المأزق - كما يرى "رودمان" - هو العمل الجاد والمستمر على تقوية العراق. 3 - دعم الشركاء الإقليميين يعتبر "رودمان" أن خط الدفاع الأمريكي الأول إنما يتمثل في تقوية شوكة الحلفاء والأصدقاء العرب كجبهة ذات ثقل مضاد للقوة الإيرانية. صحيح أن الدول العربية "الصديقة" لديها خيارات أخرى لصد الخطر الإيراني - منها الحصول على السلاح النووي أو مغازلة إيران - إلا أن الطريق الأكثر مناسبةً وملائمةً، في نظر "رودمان"، هو إعادة ثقة الأصدقاء العرب في الولايات المتحدة، والركون إليها، والاحتماء بها. يولي "رودمان" اهتماماً كبيراً للأصدقاء الخليجيين العرب، معتبراً إياهم شركاءً من الدرجة الأولى للولايات المتحدة. وعلى الرغم من أن هذه الإستراتيجية – وهي دعم الشركاء الخليجيين العرب – تثير جدلاً واسعاً في داخل أروقة الكونجرس، وفي وسط الرأي العام، إلا أن "رودمان" يرى أنه ليس من المهم أن تتفق الإدارة الأمريكية مع كل بادرة يبديها هؤلاء الشركاء الخليجيون العرب الذين يعتبرون شركاءً من الدرجة الأولى. وعلى الرغم من هول المسألة الإيرانية، إلا أن "رودمان" يرى في داخلها "بارقة أمل" تستحق الدعم والمساندة؛ وهي أن "البعبع" الإيراني قد استطاع في النهاية توحيد العرب مع الأمريكان والإسرائيليين؛ وهو ما يعتبره تطوراً إيجابياً ملحوظاً في هذه المرحلة الحرجة. فهناك إشاعات حول اتصالات سعودية إسرائيلية؛ وهناك اتصالات مفتوحة بين إسرائيل ودول خليجية أخرى. المهم أن كل ذلك أفضى في نهاية الأمر إلى إجماع إستراتيجي أمريكي عربي إسرائيلي ضد الخطر الإيراني. 4 - إعلان الالتزام الأمريكي على الرغم من وجود "حوار أمني خليجي" بين الدول الخليجية العربية الصديقة والولايات المتحدة، إلا أنه ما زال ناقصاً إلى حدٍ كبير، على حسب كلام "رودمان". وأهم ما ينقصه، من وجهة نظره، وجود سياسة إعلانية أمريكية تفيد بالتزام الإدارة الأمريكية أمنياً تجاه الدول الخليجية العربية الصديقة أو الشريكة. ويرى "رودمان" أن مثل هذه السياسة الإعلانية لابد وأن تنص على التزام أمريكي صارم بإيجاد مظلة شاملة للدول الإقليمية العربية المُهددة من قبل إيران النووية. أي الالتزام بحماية الجيران الخليجيين حمايةً شاملةً في حالة تعرضهم لهجوم نووي إيراني. 5- استخدام العقوبات الموسعة ينصح "رودمان" مرشحي الرئاسة الأمريكية القادمة (2008) باستخدام العقوبات الاقتصادية الموسعة مع إيران، ولكن شريطةً أن يتم استنفاد جميع الوسائل والحلول السياسية والاقتصادية قبلها. ويؤكد "رودمان" هنا على استنفاد الوسائل والحلول، وليس استنفاد الوقت في الجدل العقيم حولها، كما يحدث الآن. هذا طبعاً مع استبعاد الحلول العسكرية من البداية؛ وذلك بسبب عدم ملاءمتها للظروف الأمريكية الراهنة المتعلقة بتواجدها العسكري في كلٍ من العراق وأفغانستان. فإذا ما استُنفدت جميع الوسائل السياسية والاقتصادية، بقى فرض العقوبات الاقتصادية الموسعة على إيران هو الحل المُلزم، كما يتصور "رودمان" الذي يرى أن درجة إلزاميته قد تفوق الإطار الشرعي للأمم المتحدة. بمعنى، أنه في حالة رفض الأمم المتحدة لقرار فرض تلك العقوبات، فإن الإدارة الأمريكية سيحق لها ساعتها - كما يرى "رودمان" - الخروج عن إطار الأمم المتحدة، والدخول في "ائتلاف إرادي" coalition of willing مع أوربا واليابان ودول أخرى لتنفيذ العقوبات الاقتصادية الموسعة. 6 - الدخول دبلوماسياً بعد إعادة التوازن يشرط "رودمان" التدخل الدبلوماسي الأمريكي مع إيران بإعادة التوازن في داخل المنطقة أولاً. أي إعادة التوازن الجيو-سياسي والنفسي بين إيران وجيرانها العرب، بحيث يتساوى الطرفان، كما أسلفنا في المقدمة. ويعتبر "رودمان" إعادة ذلك التوازن "فرضاً" على الإدارة الأمريكية القادمة، بغض النظر عما إذا كانت ستتحدث دبلوماسياً مع إيران أم لم تتحدث. ويفيد بأن الهدف من ذلك، هو ليس تحديد أو تقليل التأثير الإيراني على العراق فحسب، بل منعه من أصوله. وحتى يحدث ذلك التوازن، فإن البيئة الراهنة لا تُشجع الإدارة الأمريكية على فتح أي حوار سياسي أو أخذ أي خطوة دبلوماسية مع إيران. فما يمكن أن تجنيه الإدارة الأمريكية من تلك الخطوة لا يتفق حالياً مع السلبيات المرئية المستقبلية. وقد لخص "رودمان" تلك النقطة قائلاً: "نحن لن نبيع أنفسنا بالرخيص". 7 - حل الصراع العربي الإسرائيلي على الرغم من أن أزمة الخليج الراهنة ليس لها علاقة وثيقة بالصراع "الإسرائيلي الفلسطيني" - كما يوضح "رودمان" - إلا أن تمديد ذلك الصراع، خاصةً في عصر قناة "الجزيرة"، سيكون مصدر ضغط راديكالي على الأنظمة العربية "المعتدلة" مما قد يعوقها عن التحالف الإستراتيجي مع الولايات المتحدة. ومن ثم، فهناك مصلحة إستراتيجية أمريكية لحل الصراع "الإسرائيلي الفلسطيني" كما يُسميه "رودمان". 8 - التأثير على التطور الإيراني الداخلي على الرغم من تدشين الإدارة الأمريكية لعدد من المشاريع لدفع المجتمع المدني الإيراني نحو التعددية، إلا أن جودة الإعلام الأمريكي في إيران ما زالت ضعيفة جداً. فالصدام بين الإعلاميين الأمريكيين الطامحين نحو إعلام متوازن وبين السياسيين الأمريكيين المُصرين على بعث رسالة مُعينة للرأي العام الإيراني يحول دون وجود إعلام أمريكي قوي في داخل إيران، كما يرى "رودمان". ومن ثم، ينصح صاحب المشروع البحثي بمراجعة الهيكل الحالي للإعلام الدولي الأمريكي الذي يضع حواجز منيعة بين مضمون الإعلام الأمريكي وبين السياسة الأمريكية. باختصار، لابد من حل تلك الحواجز، حتى ترتفع جودة الإعلام الأمريكي في داخل إيران، فيتمكن من التأثير على التطور الإيراني الداخلي. الخُلاصة يخلص "رودمان" في نهاية مشروعه البحثي إلى نقطتين مهمتين: أولاً: العمل على إثبات القوة الأمريكية في العراق ثانياً: تنظيم إستراتيجية أمريكية مُضادة فأما بالنسبة للنقطة الأولى، فقد يحث "رودمان" الإدارة الأمريكية القادمة بمواصلة السعي لإيجاد عراق معتدل ومستقر، ليكون شريكاً للعرب والأمريكان في ظل البيئة الإستراتيجية الجديدة التي كبُرت فيها إيران وتعاظمت. فمنذ انتهاء الحرب العراقية الإيرانية، والإدارة الأمريكية في مواجهة مستمرة لماردين متعاظمين، العراق وإيران. وهي تريد الآن التقاط أنفاسها، بعد ثلاثة عقود من المواجهة. ولن تلتقط أنفاسها إلا بعد أن تستميل أحد الماردين إليها - وهو بالتأكيد المارد العراقي - لإضعاف المارد الآخر (الإيراني). "فلا مجال لإيران ضعيف إلا بعراق قوي". وأما بالنسبة للنقطة الثانية، فقد يحث "رودمان" الإدارة الأمريكية القادمة بتنظيم إستراتيجية مضادة التي يراها من أهم أولويات تلك الإدارة. وكما يُنهي "رودمان" بحثه قائلاً: "إن وقت لعب دور المهاجم قد يأتي قريباً، من أجل الضغط أكثر على الحساسيات المتواجدة في داخل النظام الإيراني. فلن يعد دورنا مقصوراً على الدفاع. أما إذا لم نلعب دور المهاجم، فإن البديل سيكون إيران نووية عسكرية متهورة، في وسط جيران راكعين لها، بل في سوط عالمٍ بأكمله راكعاً لها...وهو أمر غير مقبول". و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصا و دون تعليق. المصدر:تقرير زاشنطن-العدد113
|