أبعاد السياسة الأمنية الأمريكية في شبه الجزيرة الكورية

 

 

 

للسياسة الأمنية الأمريكية فى شبه الجزيرة الكورية العديد من الأبعاد نتيجة تعقيدها التاريخي والخلافات بين مؤيدي استمرار هذه السياسة والداعين لإجراء تغييرات شاملة بها. وقد ركزت معظم التحليلات لهذه السياسة على التحالف بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، متناولة كوريا الشمالية باعتبارها الطرف المعادي للحليفين.

ولم ينكر المسؤولون الأمريكيون أبداً حقيقة أن هناك دولتين كوريتين، فخلال معظم الفترة منذ تأسيس الجمهورية الكورية (أو ما يعرف بكوريا الجنوبية) وجمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية (أو ما يعرف بكوريا الشمالية) عام 1949، أكدت السياسة الأمريكية على شرعية الجمهورية الكورية كحكومة شرعية للشعب الكوري. وفى النهاية، كانت كوريا الجنوبية محمية للولايات المتحدة تشكلت نتيجة للحرب الباردة.

ولم يكن تأسيس كوريا الشمالية - الذي تم استجابة لتشكيل كوريا الجنوبية وبتوجيه من الاتحاد السوفييتي السابق - مقبولاً لدى الولايات المتحدة. فعندما يذكر المسؤولون الأمريكيون كلمة "كوريا"، أو يكتبونها فهم عادة يعنون كوريا الجنوبية. ويسلم المسؤولون الأمريكيون بوضوح بوجود كوريا الأخرى المعادية، ولكن دائما كتهديد، أو كنظام ديكتاتوري، دون أن يتضمن ذلك التسليم اعترافاً ضمنياً بالكوريتين.

والولايات المتحدة تعترف بأن سول تمثل الحكومة الشرعية لكوريا، وهى الحكومة المعترف بها رسمياً من واشنطن، وبأن الجزء الشمالي يخضع، بصورة شرعية لملكيتها. وتحتفظ الولايات المتحدة بمعاهدة أمنية رسمية مع الجزء الكوري الذي تعترف اليوم به كدولة ذات سيادة، وتسلم بأمكانية تغيير موقفها حول مسألة السيادة إلى اعتراف دبلوماسي كامل بكوريا الشمالية، وبالتالي قبول نموذج دولتين وشعب واحد.

وفي السنوات الأولى لعملية صنع السياسة الأمريكية تجاه كوريا، بعد الحرب العالمية الثانية، كان هناك قلة واضحة فى الخبرة الأمريكية فى الشؤون الكورية، حيث كان المكلفون بصنع السياسة الأمريكية إما متخصصين فى العلاقات الدولية العامة، أو فى الشؤون اليابانية، باعتبار أن كوريا تحررت من الإمبراطورية اليابانية.

وعلى الرغم من وجود كادر كبير من المتخصصين فى الشؤون الكورية الذين حاولوا تشكيل السياسة الأمنية الأمريكية نحو كوريا فى المرحلة التالية، فمن المشكوك فيه أنهم استطاعوا دفع كبار المسؤولين في واشنطن نحو سياسات بناءة أكثر تجاه كوريا. وكان للحرب الكورية، وما استتبعها من نتائج، تأثير ضخم على السياسة الأمريكية نحو منطقة آسيا والمحيط الهادئ بأكملها، فقد حددت هذه الحرب مكان كوريا على الخرائط الجيوسياسية التى تضعها الولايات المتحدة لآسيا، وصبغت كوريا بأهمية حقيقية جديدة في أطوار المصالح القومية الأمريكية. كما أدت هذه الحرب إلى إعادة تشكيل طبيعة الحرب الباردة في آسيا. وكان من نتائج هذه الحرب إيجاد حاجة معترف بها داخل الولايات المتحدة لمعرفة أكثر حول الشؤون الكورية، خاصة في الإدارات الدبلوماسية والعسكرية، ولكن أيضا، وبصورة واسعة، داخل المجتمع الأمريكى، من خلال الدراسة الأكاديمية. وتراوحت السياسة الأمريكية نحو كوريا منذ الخمسينات وحتى الثمانينيات بين الارتفاع والهبوط بمعايير الفاعلية والحكمة والعدل. ولكن هناك اتهاماً لا يمكن رده منطقياً عن واشنطن أثناء هذه العقود، وهو أن الولايات المتحدة ظلت تصنع سياستها على أساس تجاهل الشؤون الكورية. وسواء كانت السياسة التي انتهجتها الولايات المتحدة تجاه كوريا سليمة أو حمقاء، فقد شكلها بصورة كبيرة أناس إما كانوا خبراء بشؤون كوريا، أو استطاعوا الاقتراب من مجموعة من الخبراء بكوريا.

أثر انتهاء الحرب الباردة

واستمر ذلك النموذج لصناعة السياسة في معظم نواحيه خلال التسعينيات مع تغير واحد رئيسي وهو انتهاء الحرب الباردة بين موسكو وواشنطن، وما سببه ذلك من تغيير مهم للسياسة الأمنية الأمريكية في جميع أنحاء العالم، وتأثير على الظروف المحيطة بكوريا. وأصبحت التغيرات المتبقية في شبه الجزيرة الكورية من مخلفات الحرب الباردة. واستمرت هذه التوترات طويلاً بعد زوال الاتحاد السوفييتي وبعد التعديلات الأساسية في السياسة الأمنية الأمريكية نحو حلفاء مهمين آخرين في أوروبا وآسيا. فمقارنة بالتوسع المهم في حجم ووظائف ومهمات حلف شمال الأطلنطي "ناتو"، أو التعديلات في التحالف الأمريكي - الياباني، ظل التحالف بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية - نسبياً - بدون تعديل بالنسبة لالتزامات واشنطن نحو سول، التى كان تركيزها على التهديد الذي تمثله كوريا الشمالية. وكما ساعدت الحرب الكورية في إحداث تحول في الحرب الباردة الآسيوية، ركز انتهاء الحرب الباردة بين موسكو وواشنطن اهتماماً جديداً على المسرح الكوري، خاصة بسبب الأساليب التي استجابت بها كوريا الشمالية لانهيار البنية التحتية الاستراتيجية القديمة باستكشاف خيارها النووي.

وهذه التحولات أعادت التأكيد على أهمية التحالف الأمني بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية لرغبة الأمريكيين في بث روح جديدة في السياسة الدفاعية الأمريكية في مرحلة ما بعد الحرب الباردة. ومن وجهة نظر الطرفين، فانه يمكن استمرار علاقة التحالف هذه بصورة أبدية مع بعض التعديلات البسيطة نسبياً، على الرغم من التغييرات الأساسية والمفاجئة فى كوريا الشمالية والصين الشعبية وروسيا واليابان، والتى أحدثتها نهاية الحرب الباردة. واتجه اهتمام الأمريكيين نحو تحلل الوجود الاستراتيجي للتهديد السوفييتي في آسيا. ولم تعد القوات المسلحة الروسية الموجودة في شمال شرق آسيا محل اهتمام للولايات المتحدة أو لتعاون الولايات المتحدة مع الدول الحليفة أو المنحازة لها. وبسبب هذا التحول العميق فى أولويات استراتيجية واشنطن والاختفاء الفعلي لموسكو كلاعب إستراتيجي في المنطقة، عدل تقييم تهديدات معظم الدول الأخرى، وتعاظم قلق اليابان نتيجة للتطورات العسكرية لكوريا الشمالية بعد انتهاء الحرب الباردة.

إلا أن كوريا الشمالية، التي تركت بدون الاتحاد السوفييتي، الذى كان مرتكزاً أساسيا لها، سياسياً واقتصادياً، اعتادت أن تشكل دورها في العالم بالاستفادة من الواقعية بين موسكو والصين، وأصبحت تبدو الدولة الأكثر معاناة نتيجة انتهاء الحرب الباردة. وعلى العكس من ذلك، قد تكون كوريا الجنوبية أقل المتضررين، فقد استطاعت أن ترى خصمها الرئيسي يقع في أزمة. وعلى الرغم من أن وسائل كوريا الشمالية للتكيف مع هذه الأزمة سببت العديد من المشاكل لكوريا الجنوبية، فليس هناك شك أن سول نالت مكانة وتأثيراً بسبب مزية كونها في الجانب الرابح من الحرب الباردة.

وبصورة مشابهة، لم تختبر سول درجة الإرباك الجيوسياسي الناتج عن نهاية الحرب الباردة لأي من طوكيو أو بكين. فكان على اليابان والصين تغيير علاقاتهما مع الولايات المتحدة لأن ثلاثتهم ركزوا على العلاقات العدائية مع الاتحاد السوفييتي. ولم يعمل الاتحاد السوفييتي بنفس الطريقة حيال التحالف بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، ومن هنا، كان لتحلله التام تأثير عسكري قليل نسبياً على التحالف بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية.

وقد قدمت مرحلة ما بعد الحرب الباردة مستويات أخرى من التحليل في عملية صنع القرار الأمريكي، حيث إن المتخصصين الأمنيين الأمريكيين أصبحوا أكثر اهتماماً بدور كوريا الشمالية كدولة نووية، أو كدولة إرهابية "شريرة". وبالنسبة للأمريكيين، فإن الضرر الذى يمكن أن تحدثه كوريا الشمالية لكوريا الجنوبية مهم بالطبع، ولكن أقل خطورة من الضرر الذى يمكن أن تفعله كوريا الشمالية للسياسات الإجمالية الأمريكية حول الحد من الانتشار النووي ومحاربة الإرهاب.

وبحث الأمريكيون عن أسباب جديدة أو أسس منطقية لتبرير أفضليات السياسة الأمريكية وميزانيات الدفاع والشؤون الخارجية الأمريكية. وكان هناك نتيجة غير مقصودة لهذه المجموعة من التطورات، وهى تحول بيئة صنع السياسة لما يقارب مثيلتها في أوائل فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية.

وفى عامي 1993 و 1994، بدأ الأمريكيون سياسة صممت لإحباط محاولة كوريا الشمالية أن تصبح قوة نووية، وحاولوا جذب كوريا الشمالية دبلوماسياً بحيث يمكن تقليل ميلها لمتابعة سياستها الإرهابية. ولكن هذه السياسات كانت تصنع دائما بدون مشاورات بين واشنطن وسول. ولم تقدم مراجعة صنع السياسة الأمريكية اي رغبة صريحة لدى المسؤولين الأمريكيين للفصل بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية بشأن سياستهما نحو كوريا الشمالية. وبالرغم من ذلك، أدت ملاحقة كوريا الجنوبية لمصالحها الخاصة لجرها إلى اتجاه آخر. وارتبطت الأسباب المحددة لهذا الاختلاف بصورة بارزة بظروف ما بعد الحرب الباردة، وظهرت عدم قدرة واشنطن وسول على إخفاء خلافاتهما.

ونتيجة للاشتباك الأمريكي الفعلي مع كوريا الشمالية لمنعها من أن تصبح قوة نووية، تغيرت السياسة الأمريكية نحو كوريا الجنوبية بطريقة كانت غير متوقعة إطلاقا. ومن حيث المبدأ، كانت الجهود الأمريكية لإعاقة الطموحات النووية لكوريا الشمالية، وبالتالي لمنع حلقة جديدة من الانتشار النووي، متناسقة تماما مع الجهود الأمريكية - الكورية الجنوبية الثابتة لاحتواء قدرة كوريا الشمالية على العدوان على كوريا الجنوبية. ولو نجحت كوريا الشمالية في بحثها عن الأسلحة النووية وعن وسائل توجيه هذه الأسلحة، لكانت النتائج بالنسبة لكوريا الجنوبية وبالنسبة للتحالف بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة رهيبة.

سياسة الاحتواء المزدوج

وتمشيا مع نصائح خبراء منع الانتشار النووي ومكافحة الإرهاب، أدخلت متغيرات جديدة في السياسة الأمنية الأمريكية الإجمالية نحو شبه القارة الكورية. وحتى تتوافق واشنطن مع كوريا الشمالية، وتبني ثقة متبادلة في الاتفاقيات التي أحرزها المفاوضون الأمريكيون والكوريون الشماليون حول القضايا النووية، والتي ستساعد في المدى البعيد في تخفيف تأييد بيونج يانج للإرهاب الدولي وتصديرها للخبرة الإرهابية، دخلت الولايات المتحدة في علاقة أمنية ثنائية مع عدوها اللدود. وفى ترتيبات من نوع "الاحتواء المزدوج" الذي طبق في مواجهة اليابان وألمانيا كحلفاء للولايات المتحدة أثناء الحرب الباردة، نفذت الجهود الأمريكية لاحتواء كوريا الشمالية بأسلوب أنتج نوعاً من الضمان الأمني السلبي لكوريا الشمالية. ويمثل هذا شكلاً من الاحتواء المزدوج، لأن تأثير الولايات المتحدة على كوريا الجنوبية من خلال التحالف الأمريكي - الكوري الجنوبي سيساعد في بناء ثقة بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية بواسطة تزويد الكوريتين بالأمن من خلال استقرار العلاقة الاستراتيجية العدائية لكلا نظامي الحكم. وكان هذا نقلة هامة نحو سياسة أمنية أمريكية للكوريتين.

وكانت الولايات المتحدة قد قامت بعمليات كبح متعددة لوصول كوريا الجنوبية إلى أنواع الأسلحة والإمدادات (بما فيها الأسلحة النووية) التي تسمح لقادة سول بشن هجوم وقائي ضد كوريا الشمالية قد يجر الولايات المتحدة إلى جولة جديدة من الأعمال العدائية. وبينما نفع هذا الأمر الولايات المتحدة، فإنه أيضا خفف الضغوط على كوريا الشمالية. والكثير من هذا النوع من الكوابح كان غير ملحوظ نسبياً. وليس واضحاً إذا ما كانت كوريا الشمالية قد اعترفت بالفوائد التي جناها نظامها السياسي، فالقادة فى بيونج يانج كانوا واثقين أنه من المستبعد أن تقدم واشنطن أي شيء لمساعدة بلادهم، فهي فعلت ما فعلت لخدمة المصالح القومية الأمريكية، وليس لمساعدة كوريا الشمالية.

ومع ذلك، يوجد ما يمكن اعتباره فوائد، يمكن أن تسلم الولايات المتحدة بها، وتستخدمها لأغراض بناء الثقة، فحتى لو كان للكوريين الشماليين اليوم مبرر ليكونوا مشككين بشأن الشهامة الأمريكية، فان لديهم مبرراً أيضا لإعادة النظر فى شكوكهم.

ويبدو أن القادة الكوريين الشماليين أدركوا مزايا الاحتواء المزدوج على شبه الجزيرة الكورية عندما نجحوا في إبرام اتفاقيات نووية مع الولايات المتحدة، وهو ما خدم كوريا الشمالية جزئيا بفتح قنوات للاتصال بين الجانبين، وعندما ثار المنتقدون المحافظون فى الولايات المتحدة وفى كوريا الجنوبية ضد استرضاء واشنطن لكوريا الشمالية، أوجدوا فرصة لبيونج يانج لزرع إسفين بين الحليفين فى واشنطن وسول. وهناك من يشكك في ما إذا كان ذلك المستوى من الثقة مقصوداً أن يكون متضمناً في إحساس كوريا الشمالية بالأمن المستمد من الكوابح الموجهة من قبل الولايات المتحدة، التي تصل إلى درجة الاحتواء المزدوج.

ويرى بعض الخبراء أن سياسة الارتباط الأمريكية حيال كوريا الشمالية أسفرت عن نتائج غير مقصودة. وسواء كانت هذه النتائج مستهدفة أم لا، فقد ساعدت في دفع المصالح المشتركة للولايات المتحدة وكوريا الشمالية، والمتمثلة في إبقاء شبه الجزيرة مستقرة استراتيجياً. ولكن لم تضمن هذه النتائج أي شيء، كما أنها لم توقف لجوء كوريا الشمالية من وقت لآخر لسياستها التي تمثلت في غارات لغواصاتها، أو لتجارب لصواريخها. وعلى الرغم من ذلك قدمت هذه النتائج أداة إضافية للمساعدة في إيجاد ثقة متبادلة. وبطريقة ما، فان ما تحاول الولايات المتحدة إيجاده في مواجهة كوريا الشمالية يتناقض مع ما أوجدته بالفعل داخل التحالف بينها وبين كوريا الجنوبية. وينتفع المسؤولون الأمريكيون من مزايا هذا التحالف كأداة تأمين كوريا الشمالية وحث بيونج يانج على العمل مع الولايات المتحدة، حتى لا تطلق قوة التحالف بالضرورة ضدها. وهذا يخدم مصالح كوريا الجنوبية بوضوح أيضا في ضوء تقوية الردع وتشجيع بيئة يمكن للكوريتين فيها أن تبذلا جهدهما لتحسين حوارهما الدبلوماسى.

ولكن لأن كل هذا شكله ووجهه مسؤولون أمريكيون أقل حساسية لضغوط كوريا الجنوبية للعمل وفق ما يخدم مصالحها، فقد أوجد هذا عملية غير مستقرة وإمكانية التنبؤ بنتائجها قليلة بالنسبة لسول. وكانت ردود أفعال كوريا الجنوبية بصفة عامة متناقضة حول ما فعلته الولايات المتحدة أثناء المفاوضات الأمريكية - الكورية الشمالية حول الأسلوب الأفضل للتعامل مع كوريا الشمالية. وكان من الممكن تسوية هذه الخلافات، أو إقامة الجسور بينهما، لو كانت المشاورات بين واشنطن وسول أكثر قرباً وانتظاماً. وردود فعل كوريا الجنوبية كان من الممكن إرجاعها غالباً إلى قدرة سول الضعيفة على التأثير في صنع السياسة الأمريكية.

سياسة كوريتين

وكان لنشوء (سياسة كوريتين) الأمنية الأمريكية خلال التسعينيات مزايا مختلطة. وهذا الوجه من (سياسة كوريتين) يمكن أن يؤدي يوماً ما إلى سياسة أمنية أمريكية منصفة أكثر نحو الدولتين الكوريتين، وربما إلى نوع من علاقة أمنية علنية بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية مشابه للتحالف بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية. وقد يبدو هذا بعيد المنال اليوم إلا أنه ليس غير متصور. فاذا قرر المسؤولون الأمريكيون أن مفتاح الحصول على تعاون كوريا الشمالية السلمي بشأن الانتشار النووي ومكافحة الإرهاب وعلى حوار أفضل بين كوريا الشمالية والجنوبية هو مد نوع من الضمان الأمني الأمريكي الواضح إلى كوريا الشمالية، فإن الأمر "غير المتصور" يمكن أن يتحول على نحو واضح إلى أمر "متصور".

ومن ناحية أخرى، فان وسيلة وصول أمريكي أفضل إلى كوريا الشمالية عن طريق مفاوضات أمنية نووية واتصالات دبلوماسية نابعة من أزمة الغذاء في كوريا الشمالية، ستخدم احتياجات كل من الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية. فبالنسبة للولايات المتحدة ستحسن هذه الوسيلة طموحات الحد من الانتشار النووي وتصدير الإرهاب.

وإذا أخفقت سياسة كوريتين الأمنية الأمريكية الواقعية، فإن علاقة الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية لن تكون أسوأ مما ستكون عليه بدون مثل هذه السياسة. وعلى أقل تقدير، ستوجد هذه السياسة الاختيارية متنفسا في واشنطن وسول للتفكير فى البدائل المتاحة لهما بينما يردعون أفعال كوريا الشمالية النووية والإرهابية. وإذا ما آتت عمليات بناء الثقة التي دعمتها سياسة كوريتين الأمنية ثمارها في نهاية الأمر، إما بتعايش سلمي كوري داخلي، أو بوحدة دولة الشعب الكوري، فان مبادرات السياسة الأمريكية ستكون قد نجحت فى تسهيل هذا الأمر.

وفي تلك الظروف، سيتم تخطي المخاطر التى واجهها تحالف الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية بسبب المواجهة الاقتصادية والدبلوماسية الأمريكية لكوريا الشمالية. وبمعنى آخر سيكون هناك حاجة لعلاقة أمنية أمريكية محورية يعاد تعريفها وتتأسس على علاقات أمنية أمريكية، إما مع دولتين كوريتين متعايشتين سوتا خلافاتهما، أو مع دولة كورية وحدوية واحدة لم تعد تواجه نظاماً منافساً.

التعديلات الإقليمية

وفي المرحلة الأولى، سيحتاج أسلوب سياسة كوريتين الأمنية، التي تمارسها الولايات المتحدة حالياً إلى التحول إلى سياسة شرعية. ويتطلب ذلك تفكيراً إضافياً بسبب النتائج التي يمكن أن تعقد العلاقات الأمنية الأمريكية المتنامية مع جيران كوريا، خاصة اليابان والصين. وستحتاج واشنطن وطوكيو وبكين - على الأقل - لضبط سياستهم الاستراتيجية نحو بعضهم البعض، ونحو الدولتين الكوريتين المتعايشتين. وهذا متغير رئيسي يتضمن الأدوار التي تلعبها كل من هذه الدول، وربما روسيا أيضا، في إحداث التعايش الكوري.

فان تحركت الولايات المتحدة في أعقاب تخفيض التوتر داخل كوريا، نحو علاقة أمنية رسمية مع كلتا الكوريتين، فانها ستجبر جيران كوريا على الاستجابة. وهذا التغير المتوقع في السياسة الأمريكية من المحتمل أنه يسبب تعديلات إضافية في التعاون الأمني الأمريكي - الياباني، لأن بيئة التهديد ستتغير بشكل مثير.

وفي ضوء هذه التغيرات المحتملة فى السياسة الأمنية الأمريكية، يمكن توقع أن تستجيب كل من بكين وموسكو بتعديل سياستهما الخاصة. وإذا كانت الولايات المتحدة هى المحفز الرئيسي في إحداث التعايش الكوري، فمن المحتمل أن تستجيب هاتان الدولتان بحذر. ومع ذلك، إذا عملت واحدة من هذه الدول، خاصة الصين، بحيث تكون المحفز الرئيسي، فان تعديل الولايات المتحدة للتغيرات الناتجة سيؤدي، على الأرجح، إلى إثارة استجابات مختلفة تماماً من اليابان وروسيا، مقارنة بالصين. ولو أصبح للصين مرة أخرى تأثير غالب على كوريا - سواء كتهديد إقليمي جديد، أو كلاعب أساسي يدعم الوحدة الكورية - فإن هذا سيتيح الفرصة لخبراء السياسة الأمريكية ليعيدوا تشكيل السياسة الأمريكية نحو كوريا، وهذا سوف يضيف مزيداً من التعقيد على العلاقات الأمريكية - الكورية.

وفي المرحلة الثانية، ستتضاعف تعقيدات التعديلات الإقليمية بسبب قلة المنافسة الكورية - الكورية، وكيفية نشأة الدولة الكورية الموحدة، والوظائف التي ستلعبها في الشؤون الإقليمية. فهل ستدرك كوريا الموحدة التهديدات التى تمثلها دولة جارة أكثر من أخرى مثل - الصين واليابان؟ وهل ستتوجه إلى الانحياز إلى جانب دون آخر؟ وهل ستكون سهلة الانقياد لعلاقة أمنية أمريكية - كورية طويلة المدى بعد الوحدة كما يفترض الكثير من المسؤولين الأمريكيين والكوريين الجنوبيين؟

وهذه أسئلة لا يمكن الإجابة عليها، ولكن يمكن القول إنه إذا تحققت هذه المرحلة فان سياسة الكوريتين الواقعية التى تتبعها الولايات المتحدة ستصبح دائرة كاملة، وتعود بشكل تام إلى سياسة كوريا واحدة.

الخلاصة

وفى مواجهه هذه الخلفية، هل من الحكمة والتعقل بالنسبة للولايات المتحدة أن تصر على سياسة الكوريتين؟ وعلى الرغم من خشية الاتهام باسترضاء كوريا الشمالية، فإن المخاطر في أدنى مستوياتها وآمال التحسن مهمة. وسواء كان المرء أمريكياً أو كورياً جنوبياً مدافعاً عن حالة التحالف، أو كان مؤيداً في أي من الدولتين لتغيير مهم في الفعالية الأمنية الثنائية، فان سياسة الكوريتين الأمنية التي تنتجها الولايات المتحدة تبشر بتشجيع التقدم نحو مستقبل أكثر استقراراً وأمناً.

المراجع

U.S. Security Policy and the Two Koreas, By Edward A.Olsen, World

Affairs, Vol. 162, No.4, Spring 2000

http://haras.naseej.com/Detail.asp?InSectionID=406&InNewsItemID=52575

و كل ذلك بحسب المصدر المذكور نصا و دون تعليق.