صفقة الهند النووية مع أمريكا.. الآن لماذا؟
في الوقت الذي وافق فيه الكونغرس بمجلسيه (النواب والشيوخ) على مشروع اتفاق يمهد الطريق لتعاون تاريخي بين الولايات المتحدة والهند في مجال الطاقة النووية برغم معارضة مناصري الحد من التسلح للاتفاق بين الدولتين، عقدت جمعية الحد من انتشار الأسلحة The Arms Control Association (ACA) ندوة ناقش فيها نخبة من الخبراء قضايا متنوعة تتعلق بالقضايا المرتبطة بالتعاون النووي بين الولايات المتحدة والهند. وأعلن الرئيس جورج دبليو بوش أن إقرار الصفقة الجديدة من أولويات إدارته، وخلال انتخابات التجديد النصفي الأخيرة تسبب الاقتراح بشأن تلك الصفقة النووية في إثارة ضجة قومية بين صفوف السياسيين وخبراء منع انتشار السلاح النووي وحتى على مستوى عامة الشعب الأمريكي. وقد بدأت في واشنطن يوم الاثنين جلسة حاسمة للكونغرس الأمريكي الذي انتقلت فيه الأغلبية للديمقراطيين وتحولت بسببه الإدارة الجمهورية برئاسة بوش إلى بطة عرجاء. وقد بدأ مايكل كريبون الرئيس الفخري وأحد مؤسسي مركز هنري إل ستيمسون Henry L. Stimson Center مناقشة التفاصيل والعيوب "الملموسة" للصفقة الجديدة، وكذلك تقديم باقي الخبراء المتحدثين، وهم جماعة من الخبراء شملت مايكل كريبون تفسه، والعالم زيا ميان الباحث ببرنامج العلوم والأمن العالمي التابع لجامعة برينستون، والسفير نورمان ولف، المندوب الخاص السابق للرئيس الأمريكي لمنع انتشار الأسلحة النووية في الفترة بين 1999 – 2002، إضافة إلى داريل جي كيمبل، المدير التنفيذي لجمعية الحد من الأسلحة ACA . وخلال النقاش عبر كل متحدث عن استيائه البالغ من صفقة الأسلحة النووية الأمريكية الهندية. إذ كان الهدف الأساسي لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، التي أبرمت عام 1970، منع انتشار الأسلحة النووية. والجدير بالذكر أن جميع دول العالم تقريبا وقعت على المعاهدة، عدا الهند وإسرائيل وباكستان، والمعروف عن تلك الدول إنها تمتلك سلاحا نوويا أو يشك في امتلاكها إياه. أما الاتفاق الجديد مع الهند فسوف يعني تراجعا مهما في سياسة الولايات المتحدة النووية المعمول بها منذ عقود، مثلما ستثير التساؤلات عن أسباب مكافأة دولة (أي الهند) رفضت باستمرار التعاون مع اتفاقية منع نشر الأسلحة النووية. سلبية التعاون نوويا مع الهند في سياق مناقشة العواقب المحتملة لهذه الاتفاقية، حدد الخبراء عدة نقاط سلبية. أولها، أن الولايات المتحدة لعبت دورا أساسيا في معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، والتي نصت تحديدا على عدم وجوب مساندة أي عضو بأي حال من الأحوال لبرنامج أسلحة نووية خاص بدولة مثل الهند. ولكي تلعب الولايات المتحدة دورا فعالا في هذه الخطة الجديدة، سيكون من اللازم إحداث تغيير في القوانين الأمريكية، كما سيحدث اضطراب في القواعد الدولية، إضافة إلى ما سيصيب معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية من وهن. ثم ماذا عن القرارات السابقة التي اتخذها مجلس الأمن؟ هل سيتم التعامل مع القرارات الأخرى التي تتخذ الآن بصورة أقل جدية ؟ ! يخشى خبراء جمعية مراقبة الأسلحة ومعهم العديد من المراقبين أن يأتي هذا "الاستثناء للقواعد" بنتائج مأساوية. حاربت الولايات المتحدة لعقود عدة انتشار الأسلحة النووية، وعلمت دولا أخرى أن تحذو حذوها. واليوم، ومع تغيير أمريكا لموقفها من القضية، قد تعتبر أي اتفاقية سابقة خاصة بحظر انتشار الأسلحة النووية غير سارية المفعول. وبالتخلي عن هذا الموقف، فقد فتحت الولايات المتحدة الباب لوضع استثناءات أخرى باعتبار أنه عاجلا أم آجلا سوف ترغب دول أخرى في عقد صفقات على غرار صفقة الهند. فعلى سبيل المثال، خضعت برامج الأسلحة "غير الآمنة" في الماضي في كل من جنوب أفريقيا والبرازيل والأرجنتين للعقوبات الأمريكية وحرمت من الوقود الأمريكي، الأمر الذي لعب دورا كبيرا في اتخاذ تلك الدول قرارها بالانضمام لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة. وكما أشار أحد المتحدثين أنه "الآن" ومع هذه الصفقة الجديدة "نضيع الثقة بيننا وبين هذه الدول". وفضلا عن ذلك، فإن من شأن الصفقة الأمريكية الهندية أن تجعل التفاوض بشأن منع نشر السلاح النووي مع دول مثل إيران وكوريا الشمالية أكثر صعوبة. وعلى مدار المؤتمر، واصل الخبراء المتحدثون وصف الصفقة بأنها "تضعف معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية." فإذا مضت الولايات المتحدة في إبرام هذه الصفقة، فسيخشى البعض أن تخدم تلك الاتفاقية تطبيع وضع الهند كدولة تمتلك قوة نووية. الأمر الذي سيترتب عليه حتما إضعاف معاهدة حظر انتشار الأسلحة مع تضاؤل فاعلية منظومة حظر الانتشار. وبرغم أن الصفقة النووية بين الولايات المتحدة والهند ستسمح بتفتيش دولي واتخاذ ضمانات أمان في 14 مفاعلا وصفتها الهند بأنها مدنية، فستبقى ثمان منشآت عسكرية خارج حدود أي رقابة. وفي المقابل، ستوافق الولايات المتحدة على تصدير التكنولوجيا النووية والوقود إلى الهند. وقد اتفق المتحدثون على أهمية تقوية العلاقات الأمريكية الهندية، لكنهم رأوا أنه يمكن القيام بذلك دون الحاجة لتعاون في مجال الطاقة النووية. ايجابيات الصفقة الهندية الأمريكية وقد دعم العالم زيا ميان، الباحث ببرنامج العلوم والأمن العالمي التابع لجامعة برينستون، حديثه بتقديم أدلة جمعتها الهيئة الدولية لدراسة المواد القابلة للانشطار. وأكثر ما يثير قلق هيئة الخبراء ومعظم خبراء حظر الانتشار النووي أن مساندة برنامج الهند المدني قد يؤدي إلى تعزيز قدرة الهند على تصنيع أسلحة نووية، ومن ثم إعاقة الجهود الدولية الرامية إلى القضاء على إنتاج المواد الانشطارية اللازمة لإنتاج السلاح النووي. وقد بنت الهند على مدار السنين برنامج قوة نووية وسعت بفاعلية وراء برنامج تطوير مفاعل سريع الإنتاج. وتمتلك الهند حاليا 15 مفاعلا، يخضع أربعة منها فقط للإجراءات الوقائية للوكالة الدولية للطاقة الذرية. ونتيجة للعجز الشديد والمتزايد في اليورانيوم المحلي، فالهند على استعداد لإخضاع المزيد من منشآتها النووية لإجراءات وقائية في مقابل الوعد بالحصول على التكنولوجيا النووية والوقود. ومن خلال هذه الصفقة سيكون باستطاعة الهند الوصول إلى سوق اليورانيوم الدولي، لمنع أي عجز مستقبلي في اليورانيوم. وأحد المخاوف الأخرى هو أن الهند ستستخدم هذا اليورانيوم الحر في إنتاج البلاتونيوم الذي يمكن استعماله في أي برنامج من برامج مفاعلاتها التي لا تخضع للمراقبة. ووفقا للمتحدثين من خبراء جمعية مراقبة الأسلحة، فإن إدارة بوش ترسم بالزور صورة وردية للجوانب الإيجابية للصفقة. كما يعتقدون أنه أسيئ استغلال أجهزة الاستخبارات، وتم تجاهل وجهات نظر أهل الخبرة. وتعتمد الإدارة في ذلك على افتراضات، أولها أن الهند سوف تثبت أنها حليف جيد للولايات المتحدة في المستقبل مع تطور دورها كقوة دولية ناضجة ومسئولة. وثانيا، تؤكد الإدارة أنه من الأفضل لاستثمارات الولايات المتحدة الاقتصادية أن يكون لدى الهند صناعة قوى نووية سلمية، حيث سيقل الطلب الكبير الحالي على الوقود الطبيعي مما سيخدم المستهلك الأمريكي. وقد انتقد المتحدثون تلك المزاعم بتسليط الضوء على عدد من مثالب "الخطة". فعلى سبيل المثال، ما هو الدليل لدينا على استعداد الهند للوفاء بمتطلبات هذه الصفقة الجديدة، وإذا ما تمت الموافقة على مشروع الصفقة، فما الذي سيوقف الهند عن اتخاذ خط سير منفرد ؟. وأكد الخبراء المتحدثون أن الكونغرس بحاجة إلى تأكيد اتزان الصفقة قبل تمريرها. أما الافتراض الآخر للإدارة فهو أن هذا "الاستثناء الخاص" مقصور على الهند دون غيرها، ولكن -وكما أشير من قبل- فإن الأرجح أن تعقد الولايات المتحدة صفقات مع عدد آخر من الدول الموردة لمواد نووية. ورغم كل شيء فما زال هناك العديد من الإجراءات التي يجب أن تتخذ لتأمين الصفقة مثل أن كلا من الهند والولايات المتحدة ما زالتا بحاجة للتفاوض حول اتفاق تعاون، إضافة إلى التفاوض حول ضمانات السلامة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وبعد ذلك سيكون على الكونغرس تغيير القانون الأمريكي، كما سيكون على الولايات المتحدة إقناع مجموعة الممولين النوويين بتغيير قوانينها لدعم صفقتها مع الهند. وقد كتبت جمعية مراقبة الأسلحة لمجلس الشيوخ في عدة مناسبات تحثه على رصد عيوب التشريع المطروح لتجارة المواد النووية بين الهند والولايات المتحدة. وفي ختام المؤتمر الصحفي حددت الجمعية النقاط الرئيسة التي تحتاج إلى تطوير وهي: - التحقق، وقبل إعادة التعاون النووي الكامل، من توقف الهند عن إنتاج مواد قابلة للانشطار (البلاتينيوم، واليورانيوم المخصب) الأزمة لإنتاج الأسلحة، أو قطع أي اتفاق متعدد آخر بشأن إنتاج تلك المواد. - التحقق وتقديم شهادة سنوية بأن التجارة النووية المدنية الأمريكية لا تساعد بأي شكل من الأشكال برنامج الهند النووي ولا تشجعه. - اتخاذ الإجراءات الكفيلة بضمان أن الولايات المتحدة لا تواصل تقديم مساعدة نووية سواء بصورة مباشرة أو عن طريق ممولين آخرين في حال خرق الهند لتعهد حظر انتشار الأسلحة النووية المحدد في 18 يوليو 2005. - التحقق من أن حكومة الهند أو أي كيانات تابعة لها لا تشترك في الحصول على أسلحة الدمار الشامل المحظورة أو أي مواد ذات صلة. وبشكل عام، اتفق خبراء جمعية مراقبة الأسلحة على أهمية تأكيد ودعم العلاقات القوية بين الهند والولايات المتحدة. إلا أنه وبسبب حقيقة عدم انضمام الهند إلى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، وبسبب إنكارها المتكرر للرقابة على جميع منشآتها النووية، فإنهم يشعرون أن التعاون في مجال الطاقة النووية مع هذه الدولة يجب أن يؤخذ بمزيد من الحذر. و كل ذلك بحسب المصدر المذكور نصاً و دون تعليق. المصدر: تقرير واشنطن- العدد88
|