تقرير البنتاغون حلقة اخرى في الإستراتيجية الأمريكية الجديدة في العراق  

 

 

فوزي الأتروشي

 

 

الحلقة الثانية من سلسلة الخطوات التمهيدية لتغيير استراتيجية الولايات المتحدة في العراق تجسدت في تقرير للبنتاغون صدر في 20/12/2006 في (53) صفحة باللغة الانكليزية وكما كان متوقعاً فأن التقرير يرى ان الامن هو المعضلة الاساسية التي على وقعها تتفاقم كل الاشكالات الاخرى ويقول التقرير :

“ان اهم التحديات الامنية تتمثل في معالجة اوجه النقص في الادارة اللوجستية لقوات الامن العراقية واصلاح قوة الشرطة التابعة لوزارة الداخلية باستئصال تسلل الميليشيات اليها” .

تقرير البنتاغون المعنون : “قياس الاستقرار والامن في العراق”، يقع في ثلاثة اقسام هي :

المقدمة التي تحدد اهداف الاستراتيجية الامريكية في العراق وجاء فيها :

“ان هدف الولايات المتحدة هو بناء عراق موحد مستقر وديمقراطي وآمن وتهيئة العراقيين للنهوض بأعباء مسؤولياتهم في ادارة البلاد بانفسهم، ان الولايات المتحدة ودول التحالف تعمل على التمهيد لكي يتحمل العراقيون المسؤولية في كامل ارض الوطن” .

ويشير التقرير الى ان مجلس النواب العراقي وضع الاسس التشريعية في مجالات المراجعة الدستورية والاستثمار الاجنبي وقانون الاقاليم في النظام الفيدرالي في حين وضعت حكومة المالكي خطة للمصالحة الوطنية والحوار التي اثمرت سلسلة من اللقاءات والمؤتمرات بين السياسيين ورجال الدين ورؤساء العشائر وزعماء الطوائف والتي تشكل، اذا استمرت، مفتاح الحل للمعضلات التي تواجه العملية السياسية، وبصدد العمليات الارهابية وجد التقرير انها ارتفعت في الاشهر الثلاثة الماضية بنسبة 22% وان العنف واعمال القتل والخطف مازالت على الاغلب محصورة في اربع محافظات هي الانبار وبغداد وصلاح الدين وديالى مايعني ان العراقيين القاطنين خارج المثلث السني يتمتعون بدرجة عالية من الامان.

 وفي الفصل الاول من التقرير المعنون “الاستقرار والامن في العراق” ثمة استعراض للخطوات المنجزة على طريق العراق الحر القادر على حكم نفسه بنفسه وينص التقرير:

انه في شهر تشرين الاول من هذا العام ازدادت نسبة العراقيين الذين عبروا عن ثقتهم بالحكومة وقدرتها على تجاوز بعض المصاعب وذلك مقارنة بنسبتهم في شهر تموز، ويربط التقرير ترسيخ الامن والاستقرار في العراق بالمحيط الاقليمي فلإيران وسوريا والاردن والكويت والمملكة العربية السعودية وتركيا تأثير بالغ على الوضع الامني العراقي، واي مساعدة ايجابية او سلبية من بعض هذه الدول لدعاة العنف والارهاب ينعكس سلبا على العراق ويرى التقرير ان لكل دولة من هذه الدول اجندة خاصة بها ولهذا ليست هناك سياسة اقليمية موحدة تجاه الوضع العراقي.

ويرى التقرير ان مبدأ سيادة القانون مرتبط بتوفر الاجهزة التنفيذية القادرة على انجاز المهمات بجدارة ونزاهة وتلك الاجهزة هي قوة الشرطة ونظام المحاكم والسجون والتي مازالت دون مستوى الطموح وبحاجة الى المزيد من التفعيل والتطوير ولاسيما قوة الشرطة التي تتسرب اليها فئات من الميليشيات وتحصل فيها اختراقات من قبل عناصر حزب البعث المنحل، ويلعب الفساد الاداري والرشوة والدور السلبي لبعض دول الجوار ومهربي المخدرات والموجات البشرية النازحة الى دول الجوار ادواراً “سلبية للغاية في سياق الاستقرار السياسي، حيث يرى التقرير ان :

ثمة (700) الف عراقي في الاردن، وعلى الاقل (600) الف في سوريا و(100) الف في مصر و(20-30) الف في لبنان ويصل يومياً (2000) شخص الى سوريا ومايقارب الالف يوميا الى الاردن .

 ويخصص التقرير الصفحات (18-30) لطبيعة العنف والقوى الضالعة وهي القاعدة في العراق والمجاميع العراقية وفرق الموت وقوات الميليشيات وفئات المجرمين العاديين، ويذكر التقرير “ ... ان ايران قد فتحت لها منافذ ونقاط ارتباط في المناطق الكوردية “ويصل التقرير الى خلاصة مفادها ان العنف الطائفي القومي هو الانتهاك الاكبر للامن والاستقرار في العراق وان الخريطة السياسية تشهد مواجهات حادة لاجل القوة والنفوذ، مايؤكد ان مجريات الاحداث في العراق اكثر تعقيدا من مجرد تسميتها بـ “حرب اهلية” وهذا يفرض على الحكومة العراقية ان تبادر الى لعب دور اساسي لكسب الشعبية وقوى الشارع العراقي.

في الفصل الثاني من التقرير جرد كامل لوضع وزارتي الداخلية والدفاع ولتشكيلاتهما والقوى التابعة لها وعديد هذه القوى ويتطرق بالتفصيل الى ظاهرة الفساد الاداري في وزارة الداخلية حيث جرى فتح (2840) قضية تحقيق في الـ (9) اشهر الماضية ويصل التقرير الى استنتاج ان الفساد والخروقات القانونية، والتأثيرات الطائفية هي اهم المؤثرات التي تعرقل قوى الامن الداخلي، وبصدد الجيش العراقي يشرح التقرير الاسباب التي تعيق نهوضه بدوره في حماية الوطن والحدود ومنها التمزق والتوزع الطائفي الذي اثر بدوره على تشكيلة واداء هذا الجيش، ويرى التقرير ضرورة بناء جيش عراقي على اساس الانتماء الوطني وليس الانتماء الطائفي.

بعد ان صدر هذا التقرير التخصصي المفصل فانه سيقدم في الايام القليلة القادمة الى الرئيس الامريكي (بوش) الذي عليه انتظار صدور التقرير الثالث الذي سيكتب من قبل لجنة الامن القومي الاميركي. وسيشكل التقريران الى جانب تقرير (بيكر – هاملتون) اساس الاستراتيجية الامريكية الجديدة في العراق.

وكان ملفتاً للنظر تصريح وزير الدفاع الامريكي الجديد روبرت غيتس في بغداد والذي قال :

”نحن موجودون هنا منذ فترة طويلة وسنبقى لفترة طويلة وعلى الجميع ان يتذكروا ذلك، اصدقاؤنا والذين يمكن ان يعتبروا انفسهم خصومنا” .

واذا كان الوجود الامريكي في المنطقة سيستمر فأنه ربما يتخذ اشكالاً اخرى لجهة زيادة العدد والعدد او لجهة التوزيع الجغرافي او طبيعة المهمات الموكولة للجيش الامريكي .

 ويرى الجنرال انتوني زيني الذي اصدر دراسة بعنوان : “مستقبل العراق.. الواقع والمتطلبات” يرى :

ان ثمة حقائق اربع على امريكا اخذها بنظر الاعتبار في رسم سياستها الجديدة نحو العراق وهي :

الاعتراف بعدم وجود استراتيجي بارز على المدى القريب ، وعدم امكانية خروج امريكا من العراق بسهولة ، وان اي حل سوف يستغرق سنينً حتى يتم على الارض، والحقيقة الرابعة هي وفق انتوني زيني ضرورة بناء مؤسسات حقيقية الى جانب الجيش والشرطة .

 فالمسألة الامنية هي البيئة التي ينمو فيها الاستقرار السياسي والاجتماعي، ولكن الامن وحده ليس الحل. وفي النهاية يشير – زيني – ان الشعب الامريكي لايريد مواجهة الفشل ولايمكن مواصلة دعم شىء لايستطيع تحقيق تقدم ونجاح واضح، وهنا تؤكد دراسة انتوني زيني :

ان على العراقيين ان يساعدوا الامريكان من خلال تفعيل المصالحة الوطنية والحوار الوطني وبرنامج الاصلاح وتطوير قوى المجتمع المدني ومصادر ونوعية الاعلام الذي يساعد على مشاركة الجميع ودمج الفئات والمجتمعات المتباينة، ان الحالة العراقية تبقى من الحالات الخاصة التي لايمكن اقتراح حلول لها بسهولة ويسر لاسيما وان اي اصطفاف وطني عراقي ديمقراطي ليبرالي لاوجود له، فالتحالفات مذهبية والشعارات الوطنية الجامعة والمانعة هي السائدة في الشارع العراقي، وهذا كان السبب الاساس الذي ادى الى عدم وصول مبادرة رئيس اقليم كوردستان السيد مسعود البارزاني الى هدفها المباشر وهو تشكيل تحالف ديمقراطي جديد ضد قوى الارهاب والعنف وإن كانت المبادرة خلقت حالة من التحاور والتشاور التي من المزمع ان تتواصل. 

وكل ذلك بحسب قراءة وإستعراض الكاتب في المصدر نصاً ودون تعليق .

29 Dec 2006

المصدر  : بإختصار من :  KRG.org