البنك الدولي؛هل من إنجازات في مكافحة الفقر؟

 

 

بيتر غودمان

 

 

 

البنك الدولي وبوادر الفشل في مكافحة الفقر العالمي

ثمة استنتاج يمكن التوصل إليه من خلال تقرير صدر يوم الخميس الماضي عن "هيئة التقييم المستقلة" التابعة للبنك الدولي، الاستنتاج مفاده أن بالرغم من الحملات المكثفة الرامية إلى محاربة الفقر، فإن برامج البنك فشلت في تحسين المداخيل في العديد من البلدان الفقيرة خلال العقد المنصرم، تاركة بذلك عشرات الملايين من الأشخاص يعانون ركوداً أو تراجعاً في مستوى العيش. فمن بين البلدان الخمسة والعشرين التي شملتها دراسةُ "مجموعة التقييم المستقلة" التابعة للبنك، لم يُسجَّل انخفاض في الفقر خلال الفترة الممتدة من منتصف التسعينيات إلى أوائل القرن الحادي والعشرين سوى في 11 بلداً؛ في ما عرفت 14 دولة نفس النسب أو نسباً أسوأ خلال الفترة نفسها. وتقول المجموعة إن العينة تعكس الصورة العامة.

ويشير التقرير إلى أن "تحقيق زيادة دائمة في الدخل الفردي، الذي يعد ضرورياً من أجل خفض نسبة الفقر، ما زال متعذراً في عدد مهم من البلدان"، واصفاً البرامج التي تستهدف الفقراء في المناطق الريفية بشكل خاص بأنها عديمة الفعالية، ومعتبراً أن نصف تلك الجهود تقريباً "لم تؤد إلى نتائج مرضية" خلال الفترة من 2001 إلى 2005. وحسب التقرير دائماً، فقد بلغ مجموع قروض البنك الدولي الجديدة الموجهة مباشرة إلى التنمية الريفية خلال تلك الفترة 9.6 مليار دولار، أي عُشر مجموع القروض التي منحها البنك.

وفي بيان وزع مع التقرير، وصفت إدارة البنك الدولي التقييم بأنه "سلبي بشكل مفرط"، معتبرة أن الاتجاه العام في تحسن بكل المناطق عموماً باستثناء أفريقيا. كما لفت مسؤولو البنك إلى أن خفض الفقر يتطلب تحقيق نمو اقتصادي، وهو أمر يقولون إن العالم يتمتع به اليوم على اعتبار أن البلدان النامية حققت نسب نمو تتراوح ما بين 5 و6 في المئة سنوياً خلال السنتين الماضيتين، دون أخذ الصين والهند اللتين تحققان نمواً سريعاً في عين الاعتبار. بل إن دول أفريقيا جنوب الصحراء بدورها عرفت –حسب التقرير- نمواً يُقدر بأكثر من 4 في المئة سنوياً خلال السنوات الخمس المنصرمة.

إلا أن الدراسة وجدت أنه نادراً ما يتم الحفاظ على النمو، وهو ما يُعرض أكثر الناس معاناة -أي الفقراء في المناطق الريفية- إلى تقلبات وتغيرات في أوضاعهم الاقتصادية. وفي هذا السياق، يرصد التقرير ارتفاعاً دائماً في الدخل الفردي ما بين عامي 2000 و2005 في بلدين فقط من أصل خمسة بلدان اقترضت من البنك الدولي؛ في حين أنه لم يسجل ارتفاعاً ما بين عامي 1995 و2005 سوى في بلد واحد من أصل خمسة بلدان.

الدراسة شددت على أن النمو الاقتصادي في حد ذاته ليس مشكلة، بل المشكلة تكمن في كيفية توزيع الثروات. وفي هذا الإطار، رأت الدراسة أن الدول النامية مثل الصين ورومانيا وسريلانكا والعديد من بلدان أميركا اللاتينية حسّنت مداخيل الكثير من سكانها بشكل سريع، غير أن زيادة موازية في التفاوت الاقتصادي حدّت من مزايا هذا النمو، حيث وضعت معظم الثروات بين أيدي الأغنياء، ولم تترك للفقراء سوى النزر القليل.

ففي جورجيا -يقول التقرير- ساعد البنك الدولي البلاد على تعزيز النمو الاقتصادي عبر الإقراض، غير أن ذلك لم يساهم في خلق العديد من الوظائف وكان له تأثير ضعيف على الفقر. وبالمقابل، أحرزت البرازيل مثلاً تقدماً ملحوظاً على صعيد محاربة الفقر، رغم أنها لم تسجل نمواً كبيراً، لأن الثروات تُوزَّع بشكل أكثر عدلاً. ويقول "فينود توماس"، المدير العام لـ"مجموعة التقييم المستقلة": "من أجل خفض نسبة الفقر بشكل دائم خلال فترة زمنية معينة، من المهم إيلاء النمو والتوزيع معاً كامل الاهتمام"، مضيفاً "ولذلك، فمن الخطأ العمل على تحقيق النمو أولاً، ثم الاهتمام بالتوزيع لاحقاً".

وبصفة عامة، يفيد البنك الدولي أن النسبة المئوية للأشخاص الذين يعيشون بأقل من دولار في اليوم من إجمالي سكان العالم انخفض من 28% إلى 19% خلال الفترة ما بين 1990 و2002. غير أن المسؤولين في مجموعة التقييم يشيرون إلى أن التقدم الكبير تم إحرازه في الصين، التي رفضت العديدَ من مسلمات نموذج التنمية الذي يدعو إليه الغرب، ولم تعتمد كثيراً على مساعدات البنك الدولي.

إلى ذلك، استغل منتقدو البنك مناسبة صدور التقرير للدعوة إلى إحداث تغيير على صعيد سياسات المؤسسة، ولاسيما شروط الإقراض التي تُرغم البلدانَ الفقيرة أحياناً على خفض حجم الإنفاق المخصص للخدمات الاجتماعية وتخفيف المراقبة على أسعار المواد الغذائية. وفي هذا السياق، يقول "مارك فيزبروت"، الخبير الاقتصادي والمدير المشارك لمركز "بحوث السياسة والاقتصاد"، الذي طالما جادل بأن تشديد البنك على التقشف والخصخصة يزيد من الفقر، على المرء أن يقول إن الأمر يتعلق هنا بـ"فشل في سياسة البنك".

أما مسؤولو البنك، فيقولون إن النظر إلى ارتفاع نسبة الفقر على أنه مؤشر على عدم نجاح مشاريعهم أمر تبسيطي، مضيفين أن أكثر الدول اقتراضاً في العالم تعاني اليوم من الحروب أو المجاعة أو الكوارث الطبيعية. وفي هذا الإطار، يقول "فيكرام نهرو"، مدير قسم السياسة الاقتصادية والديون في البنك "إن ثمة الكثير مما ينبغي تصحيحه من أجل تحسين مداخيل الأشخاص في البلدان الفقيرة، وليس على مستوى المشاريع التي يمولها البنك الدولي فقط"، مضيفاً: "إن تلك البلدان توجد في ظروف صعبة جداً". ومع ذلك، يقول نهرو إن البنك يستطيع الاستفادة من دراسة أعمق لما هو ممكن في البلدان قائلاً: "علينا أن نكون أكثر دقة وجدية في ما يخص الدراسات التي نقوم بها".

*صحفي أميركي متخصص في قضايا التنمية

كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور.

المصدر: الإتحاد الإماراتية - ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"-10-12-2006

 

مواضيع ذات علاقة:

 

من السبل الاستراتيجية لمكافحة الفـقـر

مكافحة الفقر

أين العـراق من مشروع التمويل الأصغـر للفقراء ؟

بنك الفقراء ومؤسسه يحصلان على جائزة نوبل للسلام

الفقراء يصارعون من أجل البقاء في أغنى دول العالم

وسائل مكافحة الفقر الريفي في الشرق الأدنى وشمال أفريقيا

لقاء هونغ كونغ : نحو الخروج من نفق الفقر  !!