أفريقيا الصينية قادمة...هل ستقف الولايات المتحدة مكتوفة الأيدي؟!
القلق الأمريكي من الصين ينتقل لأفريقيا شهدت العاصمة الصينية بكين خلال يومي (4- 5) نوفمبر 2006 انعقاد القمة الاستثنائية الصينية- الأفريقية، بمشاركة 48 دولة أفريقية بالإضافة إلى الصين. وركزت القمة على تقييم واقع العلاقات الصينية- الأفريقية، وسبل تطوير تلك العلاقات. وتشير المؤشرات إلى تسارع معدلات نمو التجارة السلعية والعسكرية الصينية- الأفريقية، بالإضافة إلى تطور العلاقات الديبلوماسية والثقافية بين الجانبين، فقد تضاعف حجم التجارة الصينية- الأفريقية سنويا منذ عام 1995، إلى وصلت إلى 39.7 بليون دولار في عام 2005. توجه صيني خارجي جديد وقد شهدت القمة إعلان الصين عن حزمة جديدة من المساعدات الصينية لدول القارة، بالإضافة إلى توقيع عدد كبير من الصفقات والعقود التجارية بلغت قيمتها حوالي 2 بليون دولار. فقد إقرار "خطة عمل" للتعاون بين الجانبين خلال الفترة (2007- 2009) في إطار "منتدى التعاون الصيني- الأفريقي"، والإعلان عن إلغاء الديون الصينية المستحقة على الـ 31 دولة الأكثر فقرا والأكثر مديونية في القارة، قدرت بنحو 1.3 بليون دولار أمريكي، وزيادة عدد بنود الصادرات السلعية الأفريقية المعفاة من الرسوم الجمركية والتي تحصل على معاملة تعريفية قيمتها صفر، والتي يتم استيرادها من الدول الأفريقية الأقل تقدما وتقيم علاقات دبلوماسية مع الصين من 190 بندا إلى 440 بندا. وبالإضافة إلى ذلك، فقد التزمت الصين خلال القمة باستمرار الدعم الصيني للقارة الأفريقية ومضاعفة المساعدات الصينية المقدمة لدول القارة خلال عام 2006 إلى الضعف بحلول عام 2009. والواقع أن التطور الكبير في العلاقات الصينية- الأفريقية يمثل أحد الأمثلة المعبرة عن التوجهات الجديدة في السياسة الخارجية الصينية، وتصاعد دور ونفوذ الصين كقوة عالمية، فقد تميزت تلك السياسة بحدوث تحسن كبير في علاقات الصين الثنائية مع عدد كبير من دول العالم، خاصة الجيران الآسيويين في إقليمي جنوب، وجنوب شرقي آسيا، وكوريا الجنوبية بالإضافة إلى دول الاتحاد الأوروبي. معاهد أمريكا البحثية تركز على أفريقيا الصينية في مؤتمر نظمته مؤخرا مؤسسة هيرتدج Heritage Foundation ، وهو أحد المراكز البحثية المحافظة في واشنطن، أشار "ويلي وو-لاب لام" Willy Wo-Lap Lam، مؤلف كتاب "السياسات الصينية في عهد هو جنتاو"، إلى أن هو جنتاو يركز بالأساس على القضايا العسكرية وقضايا السياسة الخارجية، وأنه يريد طرح نفسه باعتباره "رئيس السياسة الخارجية"، ويعود ذلك- وفقا لتحليل لام – إلى أن هو جنتاو يدرك بوضوح تعقيدات ومشكلات السياسة الداخلية الصينية وصعوبة طرح حلول جذرية لتلك المشكلات. ويرى لام أن الرئيس الصيني قد نجح في هذا الإطار في استغلال الفراغ الذي خلقته سياسة الرئيس الأمريكي جورج بوش التي اختزلت السياسة الخارجية الأمريكية في الحرب على الإرهاب. ومن ناحية أخرى، عقد "معهد أمريكان انتربرايز" American Enterprise Institute، وهو أيضا أحد المراكز البحثية المحافظة في واشنطن، مؤتمرا حول العلاقات الصينية- الأفريقية. وقد أشار والتر كانستينر Walter Kansteiner من جماعة Scowcroft Group – إحدى الشركات الدولية الاستشارية في مجال الأعمال – الذي تحدث عن المنهج الصيني في السوق الأفريقية إلى "إنهم يريدون أن يكونوا المتحرك الأول، إنهم يريدون الحصول على الصفقة". وتستند العلاقات الصينية – الأفريقية إلى العامل الاقتصادي بالأساس، حيث تنظر الصين إلى أفريقيا باعتبارها مصدر لتغذية قاعدتها الصناعية المحلية التي تحتاج إلى كميات ضخمة من المواد الخام للحفاظ على معدلات النمو الاقتصادي المرتفعة، خاصة الحديد الخام. وفي هذا الإطار، تستورد الصين النفط والنحاس والبلاتين والذهب والنيكل من زامبيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، كما تستورد الحديد الخام من جنوب أفريقيا وموزمبيق. وتقوم الصين بمساعدة الدول الأفريقية في تشييد الكثير من البنية الأساسية، مثل مشروع بناء السكك الحديدية في أنجولا الذي يتوقع أن يساهم في استيعاب (10- 40) ألف عامل صيني. وفي ضوء تلك التطورات والأبعاد المهمة في علاقة الصين بالقارة الأفريقية، تبذل الولايات المتحدة جهدا كيرا لاستيعاب وفهم تلك التوجهات الجديدة في السياسة الاقتصادية الصينية الخارجية كشرط مهم لاتخاذ قرارات محددة تجاه الصين، تستند إلى معلومات ورؤية واضحة حول تلك التوجهات. إلا أن هذه الجهود لازالت تواجه بعض العقبات، منها على سبيل المثال، غياب المعلومات والبيانات حول حجم المعاملات الاقتصادية والتجارية بين الصين وأفريقيا. وعلى سبيل المثال، يشير بول هير Paul Hare، عضو غرفة التجارة الأمريكية- الأنجولية، في مداخلة له بمؤتمر "معهد أمريكان انتربرايز" المشار إليه سابقا، "إننا لا نعرف حجم الأموال الصينية الفعلية المدفوعة؟، ولا نعرف كم عدد الصينيين في أنجولا؟، ولا نعرف عدد العقود الصينية الموقعة مع أنجولا؟، لا نعرف عدد الأنجوليين الذين يعملون في شركات صينية؟". وقلق الكونغرس أيضا وفي مؤشر على الاهتمام الأمريكي بالصعود الصيني، قام الكونغرس الأمريكي في أكتوبر 2000 بإنشاء "لجنة مراجعة العلاقات الاقتصادية والأمنية الأمريكية- الصينية" U.S.- China Economic and Security Review Commission (USCC)، كأداة لمتابعة ودراسة واقع العلاقات التجارية والاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين، وانعكاس تلك العلاقات على الأمن القومي الأمريكي والمصالح الأمريكية. وتقوم اللجنة برفع اقتراحاتها وتوصياتها إلى الكونغرس، سواء فيما يتعلق بالتشريعات والقوانين أو فيما يتعلق بالسياسة الخارجية الأمريكية ذات الصلة. ويتركز عمل اللجنة في ثمانية مجالات أساسية، هي: الانتشار النووي، التحويلات الاقتصادية، الطاقة، أسواق رأس المال الأمريكية، التطورات الإقليمية الاقتصادية والأمنية، البرامج الثنائية الأمريكية- الصينية، الالتزام الصيني بقواعد واتفاقات منظمة التجارة العالمية، وأخيرا القيود المفروضة على حريات التعبير والنفاذ إلى المعلومات في الصين. وتقوم اللجنة بإصدار تقرير سنوي حول تلك القضايا، يتم رفعه إلى الكونغرس. وقد أشار رئيس اللجنة، "لاري ورتزل" Larry Wortzel، في المؤتمر الصحفي الذي عقد بمناسبة صدور التقرير الأخير للجنة الذي قدم إلى الكونغرس في 16 نوفمبر 2006، إلى أن "اللجنة تعتقد أنه في الوقت الذي تعد فيه الصين فاعلا عالميا، إلا أن شعورها بالمسئولية لا يتناسب مع قوتها المتنامية". ويطرح التقرير عددا من التوصيات للكونغرس الأمريكي في ستة مجالات مختلفة، أهمها العلاقات التجارية الثنائية بين الصين والولايات المتحدة، والأنشطة الصينية على المستويين الإقليمي والعالمي، والقضايا الصينية الداخلية مثل السيطرة على الإعلام والمعلومات. وتطرح اللجنة تقييما شديد السلبية لمعظم السياسات الصينية. وذهب "ورتزل" إلى أن اللجنة "كانت تأمل أن تقوم الصين بتوظيف موقعها داخل مجلس الأمن ونفوذها السياسي والمتنامي في آسيا وأفريقيا وباقي الأقاليم الأخرى، للتعامل (بمسئولية) مع الكثير من المشكلات الخطيرة، إلا أن ذلك لم يحدث". وتدعو اللجنة الإدارة الأمريكية إلى اتخاذ إجراءات محددة إزاء السياسات النقدية الصينية وسياسات العملة، والتي لا تسمح بتعويم أو تحرير العملة الصينية في الأسواق الدولية، والمضي قدما في الانتقادات الأمريكية حول حقوق الملكية الفكرية في الصين وإثارة تلك القضية بقوة بسبب فشل الصين في دعم تلك الحقوق. كما تنصح اللجنة الإدارة الأمريكية بإثارة قضية حريات الإعلام والإنترنت والتأكيد على أن مسألة اعتقال الصحفيين بسبب نشر معلومات لا ترضى عنها الحكومة الصينية يثير استياء المجتمع الدولي. ويتناول التقرير قضية العلاقات الصينية مع أفريقيا، خاصة فيما يتعلق بالصراع في إقليم دارفور السوداني. ويؤكد التقرير في هذا الإطار على حاجة الولايات المتحدة للوصول إلى تسوية لهذا الصراع ووقف عمليات الإبادة والتطهير الجارية في الإقليم وتوفير الأمن وحقوق الإنسان الأساسية للسكان المتضررين؛ إذ يؤكد التقرير في هذا المجال أن السودان تمثل أحد الأمثلة البارزة لطبيعة المنهج الصيني في أفريقيا، وإحدى القضايا التي تثير اهتمام وقلق الحكومة الأمريكية بصرف النظر عن الخطوط والتوجهات الحزبية. وقد ذهبت "كارولين بارثولوميو" Carolyn Bartholomew، نائب رئيس "لجنة مراجعة العلاقات الاقتصادية والأمنية الأمريكية- الصينية"، في مداخلتها بمؤتمر معهد "أمريكان انتربرايز" إلى أن الصين "ترغب على ما يبدو في التعامل مع الدول المارقة للحصول على النفط موازنة النفوذ الأمريكي". وأضافت "بارثولوميو" أنه لا توجد علاقات ثنائية هدامة في القارة الأفريقية أكثر من العلاقات الصينية- السودانية، سواء بالنسبة للمصالح الأمريكية أو بالنسبة لمصالح الشعب السوداني". هناك قلق كبير في واشنطن حول التسهيلات التي تقدمها الصين لأفريقيا في مجال المساعدات، والتي لا يتم ربطها مطلقا بأية شروط أو أبعاد إنسانية أو سياسية؛ إذ ترفض الصين ترفض ربط علاقاتها الاقتصادية مع القارة سواء بسجلات حقوق الإنسان أو الديمقراطية على نحو ما تفعل الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية. وقد أصبحت هذه السياسة الصينية سياسة رسمية بالفعل بعد أن أعلن رئيس الوزراء الصيني "وين جياباو" Wen Jiabao أثناء القمة الصينية- الأفريقية الأخيرة أن "المساعدات الصينية لأفريقيا هي مساعدات مخلصة، غير أنانية وغير مشروطة". ويشير تقرير "لجنة مراجعة العلاقات الاقتصادية والأمنية الأمريكية- الصينية" إلى أنه في ضوء الارتباط والعلاقة الإيجابية الواضحة بين النمو المتسارع للنفوذ الدبلوماسي للصين من ناحية، وتزايد معدلات النمو الاقتصادي والأهمية الاقتصادية للصين من ناحية أخرى، يجب أن تتشكك الولايات المتحدة في مصداقية إعلان الصين التزامها بمسئوليتها الجيو- سياسية، وأنه في ضوء تصاعد النفوذ الصيني في مختلف الأقاليم، فإن دعم الصين للنظم القمعية والدول المارقة، واحتمال تحولها إلى قوة موازية للولايات المتحدة في النظام الدولي، هي قضايا يجب أن تكون موضع اهتمام وقلق الولايات المتحدة. و كل ذلك بحسب المصدر المذكور. المصدر: تقرير واشنطن-العدد85
مواضيع ذات علاقة:
◄التجربة الصينية تستحق الدراسة للاستفادة منها ◄هند تفتح أبوابها على المستثمرين في مجال الإعلام ◄قوة الصين الناعمة.. مقاصدها وأخطارها ◄رغم مخاطر الاحتواء الحلم الصيني ..التجارة والقوة الناعمة ◄كيف تستـقطب الصين الخبرات العالمية ؟ ◄الصين... مستقبل غامض لتجربة "الجمع بين نقيضين" ◄الصين في القرن الحادي والعشرين :المؤتمر السنوي للمجلس المصري للشئون الخارجية ◄مَـنْ يـنـتـظـر مَـنْ ؟ ... الهـنـد والـعـالـم ◄.. لكي لا تلعب الصين في المنطقة الرمادية..! ◄منْ سيفوز بسباق القرن··· الصين أم الهند؟ ◄الصين: القمع الديني للمسلمين الايغور ◄فلنكن على بصيرة بطموحات الصين العسكرية ّّّّّّ◄اقتصاد مفتوح ... مجتمع مغلق!! ◄آفــاق التجربــة الصينيــة··· وأسئلتهــا ◄فرصة العرب على المسرح الدولي في ظل تنامي نفوذ التنين الصيني ◄ماذا لو توقّفت الصين عن دعم الولايات المتحدة ؟ ◄توجه الصين لزيادة مخزونها النفطي يثير قلق الأسواق ◄صراع القوتين العُظميين··· هل بلغ ساعة الخطر؟ ◄ميزان القوة العالمي يميل إلى آسيا ◄سؤال مرهق: هل تسيطر آسيا على القرن الحادي والعشرين...؟ ◄قوة الصين الناعمة.. مقاصدها وأخطارها ◄رغم مخاطر الاحتواء الحلم الصيني ..التجارة والقوة الناعمة ◄تنافس العملاقين الهندي والصيني يهزّ صناعة المعلوماتية عالمياً ◄الاقتصاد الصيني... والمبالغة في البيانات الإحصائية ◄الشيخوخة هل تهدد وفرة الأيدي العاملة في الصين؟ ◄أميركا اللاتينية والحيرة بين النموذجين الصيني والهندي ◄الاقتصاد الصيني يجتاح أفريقيا ◄الصين تدهش العالم وتقترب من قمته ◄الإغراق ...الصين ... منظمة التجارة العالمية ◄حرب التجارة بين أمريكا والصين..بيان حقائق ◄أبعاد التعاون بين أميركا اللاتينية والصين ◄الرئيس الصيني قلق من النمو السريع لاقتصاد بلاده ◄ثورة الصين الجديدة في أمريكا اللاتينية ◄الهند والصين وصناعة المعلوماتية ◄مشكلة الصين.. ازدهار المدن ومعاناة الريف ◄آفــاق التجربــة الصينيــة··· وأسئلتهــا ◄توجه الصين لزيادة مخزونها النفطي يثير قلق الأسواق ◄الصين... مستقبل غامض لتجربة "الجمع بين نقيضين" ◄هل تتحول الصين إلى عملاق اقتصادي أخضر؟ ◄انتقادات الغرب تدفع الصين إلى الكشف عن خاصرتها الرخوة ◄.. لكي لا تلعب الصين في المنطقة الرمادية..! ◄منْ سيفوز بسباق القرن··· الصين أم الهند؟ ◄الصين تخطط للانتقال من التقليد إلى الابتكار والتحول إلى أمة الاختراعات ◄كيف تستـقطب الصين الخبرات العالمية ؟ ◄تنافس العملاقين الهندي والصيني يهزّ صناعة المعلوماتية عالمياً ◄حرب التجارة بين أمريكا والصين..بيان حقائق ◄العجز التجاري مع الصين يثير مخاوف الأميركيين ◄حول تعقيدات الشراكة الأميركية- الصينية ◄مساعٍ أميركية لتحسين العلاقات العسكرية مع الصين
|