الـقــوة الناعـمــة ؛ ما هي و كيف ستقود أميركا العالم من خلالها ؟
القوة الناعمة او اللينة اصطلاح جديد طرحه جوزيف ناي عميد في جامعة هارفرد، رئيس مجلس الاستخبارات الوطني الاميركي، ومساعد وزير الدفاع في عهد ادارة بيل كلينتون، له العديد من الكتابات في اشهر الصحف مثل: النيويورك تايمز والواشنطن بوست والوول ستريت، وكذلك العديد من الكتب والمؤلفات ابرزها كتاب ( الطبيعة المتغيرة للقوة الاميركية ). وجد جوزيف ناي ان القوة العسكرية والاقتصادية وكلاهما يطلق عليهما (القوة القاسية) لم تعد كافية في الهيمنة او السيطرة لذا فهو يدعو الولايات المتحدة الاميركية الى استخدام قوة غير عسكرية في الترويج والترغيب لافكارها وسياساتها، ويعتقد ناي ان استعمال القوة من قبل القوى الكبرى قد يشكل خطراً على اهدافها وتطلعاتها الاقتصادية والسياسية وحتى الثقافية، لذا فان الولايات المتحدة كما يقول ناي، ان ارادت ان تبقى قوية فعلى الاميركيين ان ينتبهوا الى قوتنا الناعمة (اللينة)... فبامكان دولة، مثل الولايات المتحدة ان تحصل على النتائج التي تريدها في السياسة الدولية لان الدول الاخرى تريد اللحاق بها واتباعها اعجاباً بقيمها، او تقليداً لنموذجها او تطلعاً للوصول الى مستوى ازدهارها ورفاهها وانفتاحها. إن من الاهمية بمكان ان تضع برنامجاً في السياسة الدولية يجذب الاخرين اليك، وان لا تجبرهم على التغيير من خلال التهديد او استعمال القوة العسكرية او الاقتصادية. هذا المظهر من القوة: (جعل الاخرين ان يريدون ما تريده انت، هو ما اسميه انا بالقوة الناعمة- بهذه الطريقة تكسب الناس بدلاً من اجبارهم ). القوة الناعمة: تستند الى القدرة على وضع برنامج سياسي يرتب الاولويات بالنسبة للاخرين، على المستوى الشخصي، الابوان الحكيمان يعلمان انه اذا قاما بتربية اولادهما على القيم والمفاهيم الصحيحة، فان قوتهما ستكون اكبر، وستدوم اطول مما لو كان اعتمدا فقط على الضغط والتوبيخ او قطع المصروف، او اخذ مفاتيح السيارة مثلاً.. كذلك الامر فيما يتعلق بالمسؤولين السياسيين والمفكرين مثل انتونيوغرامشي، الذين فهموا طويلاً القوة الناجمة عن وضع جدول اعمال وخطة عمل، اضافة الى تحديد اطار عمل لنقاش معين. ان القدرة على تأسيس الاولويات تميل دائماً الى الارتباط بمصادر القوة المعنوية، كأن تكون ثقافة جذابة، ايديولوجيا، او مؤسسات، فاذا استطعت ان اجعلك تريد ان تفعل ما اريد انا، فعندها لن يكون علي اجبارك على ان تقوم بما لاتريد ان تقوم به. فلو ان الولايات المتحدة تمثل قيما يريد الاخرون اتباعها لكانت الكلفة التي ندفعها للقيادة (قيادة العالم) اقل. ان القوة الناعمة ليست تماماً كالتأثير، مع انها مصدر من مصادر التأثير المتعددة. في النهاية انا في استطاعتي ايضاً التأثير عليك بالتهديد او الترغيب، القوة الناعمة، ايضاً، لاتعني الاقناع فهي اكثر من الاقناع والبرهنة بالجدل، فهي الاغراء والجذب غالباً ما تؤدي الى الرضوخ والتقليد.. ويضيف ناي ان القوة الناعمة جزء من قيمنا، هذه القيم موجودة في ثقافتنا، وفي سياستنا التي نتبعها داخل دولتنا وفي طريقة فرض نفسنا على الصعيد العالمي في بعض الاحيان تجد الحكومة من الصعب السيطرة على القوة الناعمة وتوظيفها، فالامر شبيه بالحب، فهو صعب القياس والتحمل، وليس شيئاً ملموساً لكن ذلك لايلغي اهميته. بالمقابل فان القوة القاسية والقوة الناعمة ترتبطان ببعضهما البعض، وتدعمان بعضهما فكلاهما مظهر من مظاهر القدرة على انجاز اهدافنا عبر التأثير في طريقة تصرف الاخرين. وبامكان بعض مصادر وعناصر القوة، في بعض الاحيان، ان تؤثر على مجمل تصرفات وسلوك الاخرين من الاجبار الى الجذب والاغراء لكن، على الارجح، ان الدولة التي تعاني من انحطاط وانحدار اقتصادي وعسكري ستفقد قدرتها على صياغة اجندتها الدولية، كما انها ستفقد قدرتها على الجاذبية والاغراء.. اذا استطاعت دولة ان تشرع قوتها في عيون الاخرين، فانها ستواجه مقاومة اقل لرغبتها، اذا كانت ثقافتها وايديولوجيتها جذابة، فسيرغب الاخرون اكثر في اتباعها، اذا استطاعت ان تؤسس قواعد دولية تتماشى مع مجتمعها ستكون رغبتها في التغيير اقل، واذا كانت باستطاعتها ان تساعد دعم المؤسسات التي تشجع الدول الاخرى، على التحول، او التي تحد من نشاطاتهم بوسائل تفضلها هي فعندها من الممكن ان لاتحتاج الى هذا الكم المكلف من العصي والجزر.. بأختصار فان عالمية ثقافة دولة ما، وقدرتها على وضع قواعد مفضلة ومؤسسات تحكم مناطق النشاط الدولي، هي مصادر حاسمة للقوة، كقيم الديمقراطية والحرية الشخصية والتطور السريع والانفتاح، الذي غالباً ما يتمثل في الثقافة الشعبية الاميركية، التعليم العالي والسياسة الخارجية. القوة الناعمة الاميركية في رأي ناي، هي اكثر من مجرد ثقافة القوة، فقيم الحكومة الاميركية داخل بلادها (الديمقراطية على سبيل المثال)، في المؤسسات الدولية (الاستماع الى الاخرين) وفي السياسة الخارجية (دعم السلام وحقوق الانسان) من شأنه ان يؤثر ايضاً على خيارات الاخرين، اميركا، كما يقول ناي، باستطاعتها ان تجذب او تنفر الاخرين عبر تأثير نموذجها عليهم، لكن القوة الناعمة لاترتبط بالحكومة الاميركية مباشرة بنفس الدرجة التي ترتبط بها القوة القاسية.. في المقابل فان العديد من مظاهر القوة الناعمة لاترتبط بالحكومة الاميركية مع انها قد تساهم جزئياً في تحقيق اهدافها.. اليوم ساهمت جماعات وعناصر غير حكومية بتطوير القوة الناعمة الخاصة بها، والتي قد تتطابق او تتصادم مع السياسة الخارجية الاميركية الرسمية، وهذا سبب اخر لدفع الحكومة للتأكد من ان مساعيها تدعم ولاتتصادم مع القوة اللينة الاميركية، فاهمية كل مصادر وعناصر القوة الناعمة آخذة في الازدياد، خاصة في عصر العولمة والمعلوماتية لهذا القرن... في الوقت نفسه فأن الغرور وازدراء آراء الاخرين والنظرة الضيقة لمصالحنا الوطنية التي يدافع عنها الانفراديون هي طرق مؤكدة لتعويض القوة الناعمة الاميركية على حد تعبير جوزيف ناي. فالكثير من دول افريقيا والشرق الاوسط لاتزال محصورة في تراث المجتمعات (الما قبل الصناعية) وبمؤسسات ضعيفة وحكام متسلطين، دول اخرى مثل الصين والهند والبرازيل لديها اقتصاديات صناعية مشابهة في بعض جوانبها لما كان عليه الغرب في منتصف القرن العشرين في هكذا عالم متنوع، فان كل عناصر القوة العسكرية والاقتصادية والناعمة تبقى مترابطة، لكن بدرجات مختلفة وبعلاقات مختلفة مع ذلك اذا ما استمرت الاتجاهات الاقتصادية والاجتماعية الحالية، فان الزعامة او القيادة في ظل ثورة المعلومات والقوة الناعمة ستصبح اكثر اهمية... و كل ذلك بحسب المصدر المذكور نصاً ودون تعليق . المصدر: جريدة الصباح- 27-9-2006
|