العالم أمام السيناريوهات المستقبلية لأزمة الموارد المائية
سيلا دبليو. داغار
خلال الآونة الأخيرة، أصدر مجموعة من خبراء "منظمة الأغذية والزراعة"، التابعة للأمم المتحدة، دراسة مفادها أن أكثر من ملياري شخص يعيشون في مناطق تعاني من قلة الموارد المائية، وحذروا من أنه ما لم يغيِّر العالم خلال الخمسين عاماً المقبلة، طرقه الحالية في استهلاك المياه فإن كمية المياه التي يحتاجها سكان العالم ستضاعف. وحسب التقرير، فإن أسوأ السيناريوهات المحتملة تتمثل في أزمة مائية حادة تجف فيها الأنهار، وترتفع فيها نسبة تلوث المياه الجوفية، وتندلع بسببها نزاعات مسلحة. كما سترغم الفقراء في الأرياف على إزالة المزيد من المروج والغابات بهدف زرع المحاصيل. وقد تم تمويل التقرير، الذي يمثل خلاصة بحث شارك فيه أكثر من 400 خبير في قضايا الماء والزراعة و علماء آخرين، من قبل "منظمة الأغذية والزراعة" التابعة للأمم المتحدة و"المنظمة الاستشارية للبحث الزراعي الدولي"، التي تعد أهم شبكة لمراكز البحث الزراعي في العالم، إلى جانب مؤسسات أخرى. وخلص معدو التقرير، الذي يحمل عنوان "الماء إلى الأبد، الماء على مدى الحياة: لمحات من التقييم الشامل لإدارة المياه في الزراعة"، إلى أن البلدان التي تعاني من نقص حاد في الموارد المائية لا يمكنها الاكتفاء باعتماد نفس الاستراتيجيات لزيادة الإنتاج الغذائي، والتي كللت بنجاح باهر خلال نصف القرن الماضي. ذلك أنه منذ 1950، تضاعفت مساحة الأراضي المروية –التي تُعد العامل الرئيسي وراء "الثورة الخضراء" التي ساعدت آسيا على إطعام نفسها- بنحو ثلاث مرات. غير أن بعض المناطق في العالم، مثل أهم المناطق المنتجة للحبوب في الهند والصين، وحزام القطن في آسيا الوسطى، ومناطق من الشرق الأوسط، بدأت تتلمس حدود مواردها المائية. كما أن دول أفريقيا جنوب الصحراء، التي تعد أفقر منطقة في العالم، تفتقر إلى الإمكانات المالية اللازمة لبناء السدود وإقامة أنظمة الري الكفيلة بإيصال المياه إلى الأراضي الزراعية والمنازل في المناطق الريفية، حيث يسكن معظم السكان. وفي هذا الإطار، يقول "ديفيد مولدن"، كبير الباحثين بـ"المعهد الدولي لإدارة المياه" في سريلانكا ومنسق الدراسة: "يتعين علينا أن نتعلم كيف نزرع المزيد من المحاصيل باستعمال كميات أقل من المياه"، قبل أن يضيف قائلا: "إنه أمر ضروري، فلا يمكننا أن نواصل توسيع الأراضي التي نستعملها". في أفريقيا، حيث ما زال السعي وراء لقمة العيش مسألة حياة أو موت، يقول الخبراء إنه يتعين على الحكومات والجهات المانحة أن تركز على الأساليب البسيطة وغير المكلفة نسبياً من أجل ري البقع الصغيرة من الأراضي الزراعية، والتي كثيراً ما تكون متفرقة ومتناثرة. إذ يمكن للمزارعين على سبيل المثال استعمال خزانات صغيرة بهدف تخزين مياه الأمطار واستعمالها عبر طريقة الري بالتنقيط خلال موسم الجفاف. كما يمكن للمزارعين تشغيل مضخات لجلب المياه الجوفية إلى السطح. هذا علماً بأن تكلفة هذه المضخات تتراوح ما بين 50 إلى 100 دولار للمضخة الواحدة، كما أنها تشتغل بالقوة العضلية ولا تحتاج إلى الوقود باهظ الثمن. ويقول "مولدن"، وهو الخبير قي قضايا الماء: "يمكن للكثير من الناس أن يستفيدوا من هذه التكنولوجيات البسطية في أفريقيا أكثر من استفادتهم من سد كبير"، مضيفاً: "ذلك أنه يمكن للمرء أن يشتري مضخة ويبدأ في استعمالها على الفور. أما السد، فعليك الانتظار ما بين 5 و10 سنوات حتى تكتمل أشغال بنائه". غير أن معدي الدراسة، التي صدرت في العاصمة السويدية ستوكهولم بمناسبة مؤتمر دولي حول الماء، أشاروا أيضاً إلى أنه إذا كانت هذه التكنولوجيات بسيطة، فإن إقامتها على صعيد وطني وصيانتها ليستا بالأمر الهين. فعلى سبيل المثال، سيحتاج بلد مثل إثيوبيا، حيث معدلات الأمية مرتفعة في الأوساط الريفية بشكل كبير، إلى تدريب السكان على تنفيذ مثل هذه المخططات. وعلاوة على ذلك، فإن الماء لوحده لن يكون كافياً، ذلك أن المزارعين في حاجة أيضاً إلى تبسيط شروط الاستفادة من القروض، وتأمين المحاصيل، وبناء الطرق من أجل إيصال منتجاتهم إلى السوق. كما يحتاجون إلى معالجة داء فقدان المناعة المكتسبة "الإيدز" والأسمدة لتخصيب أراضيهم الزراعية. ومما يذكر في هذا السياق أن دراسة مهمة صدرت في مارس الماضي وجدت أن ثلاثة أرباع الأراضي الزراعية في بلدان أفريقيا جنوب الصحراء تعاني من نقص كبير في الأسمدة والمواد المخصبة اللازمة لزرع المحاصيل. إلى ذلك، أشار التقرير أيضاً إلى شبح التغير المناخي العالمي، وقدرته على تغيير أنماط سقوط الأمطار، ولاسيما في الدول الفقيرة القريبة من خط الاستواء. وفي هذا السياق، ذكر التقرير أن الذوبان السريع للثلوج في جبال الهمالايا يتسبب اليوم في تدفق كميات كبيرة من المياه على الهند ونيبال وباكستان والصين، غير أن ذلك قد يعني أيضاً كميات أقل من المياه في المقبل من الأعوام. وتعليقاً على هذا الموضوع يقول "مولدن": "بالنسبة لي فالأمر خطير جداً". *كاتب أميركي متخصص في الشؤون العلمية و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور. المصدر: الإتحاد الإماراتية - ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"- 26-7-2006
|