تقرير يشير لقصور في مكافحة تمويل الجماعات الإرهابية خارج أمريكا

 

 

صدرت مؤخرا دراسة مهمة لجهاز المحاسبة الحكومي الأميركي Government Accountability Office، تتناول قضية تمويل الجماعات الإرهابية خارج الولايات المتحدة وكيفية تقديم الدعم الفني لبعض الدول - ذات الأهمية للولايات المتحدة-  لمكافحة الأنشطة والمعاملات المالية للمنظمات الإرهابية الموجودة في تلك الدول. والدراسة هي عبارة عن شهادة أدلى بها المراقب العام للنفقات الحكومية – السيد دافيد واكر David M. Walker  ، أمام لجنة الخدمات المالية، واللجنة الفرعية للرقابة والتحقيقات لمجلس النواب الأمريكي، يشرح فيها سبل تجميد الأرصدة والأصول المالية للمنظمات الإرهابية، وعنوان الدراسة " الأجهزة الحكومية الأمريكية قادرة على تحسين الجهود المبذولة لمكافحة تمويل الإرهاب وتقديم الدعم الفني في الخارج Agencies Can Improve Efforts to Deliver Counter-Terrorism-Financing, Training and Technical Assistance Abroad ". وجاءت الدراسة استجابة للمطالب المتعددة لأعضاء الكونغرس لتوحيد الجهود وخلق إستراتيجية فعالة لتجفيف منابع الإرهاب الدولي، والقضاء على جميع مصادر التمويل التي تمكن الجماعات الإرهابية من تنظيم صفوفها، وتجنيد وتدريب عناصر إرهابية جديدة. ومن هذا المنطلق رأت الحكومة الأمريكية تشكيل هيئة أو مجموعة حكومية لتقديم المساعدات الفنية للدول المعرضة لخطر الإرهاب وتمثل أهمية للولايات المتحدة. وترأس وزارة الخارجية هذه المجموعة التي سميت مجموعة عمل مكافحة تمويل الإرهاب Terrorist Financing Working Group (TFWG) ، كما تأتي إدارة مراقبة الأرصدة الأجنبية Office of Foreign Assets Control (OFAC) – التابعة لوزارة الخزانة - على مقدمة الجهود الأمريكية لمكافحة كافة الأنشطة المالية الإرهابية المشبوهة في الخارج.

وتهدف هذه الدراسة إلى تقييم تلك الجهود وقياس مدى فعاليتها والنتائج العائدة على الوضع الأمني في الولايات المتحدة وخارجها، بالإضافة إلى أوجه القصور وكيفية معالجتها، وتنقسم الدراسة إلى ثلاثة أقسام: الأول يعرف مفهوم التمويل الإرهابي ويكشف مصادره، والثاني يفند أوجه القصور والسلبيات لإستراتيجية الحكومة الأمريكية لمكافحة الإرهاب، سواء في طريقة تقديم الدعم الفني للدول الأجنبية، أو مراقبة الأنشطة المالية للمنظمات الإرهابية في الخارج، أما القسم الأخير فيختص بتوصيات الكونغرس لتحسين أداء تلك الأجهزة الحكومية السالفة الذكر.

ما هو تمويل الإرهاب؟

تعرف الدراسة تمويل الإرهاب على انه أي دعم مالي – في مختلف صوره – يقدم إلى الأفراد أو المنظمات التي تدعم الإرهاب أو تقوم بالتخطيط لعمليات إرهابية، وقد يأتي هذا التمويل من مصادر مشروعة كالجمعيات الخيرية مثلاً، أو مصادر أخرى غير مشروعة مثل تجارة البضائع التالفة أو تجارة المخدرات. وتشير الدراسة إلى رغبة هؤلاء الممولين في إخفاء أنفسهم وأنشطتهم المالية حتى يظلوا غير معروفين، وذلك لأن إخفاء مصدر التمويل يساعد على استمراره وبقائه متاحاً لتمويل أي أنشطة إرهابية في المستقبل. ويقول خبراء مكافحة غسيل الأموال أن هناك فرقاً طفيفاً بين الطرق التي تستخدمها المنظمات الإرهابية لإخفاء مصادرها المالية، عن طريق نقل نشاطها من الحيز المحلي إلى الحيز الدولي، كما أشارت الدراسة إلى دور المنظمة الحكومية الدولية لمكافحة غسيل الأموال Financial Action Task Force ( FATF) ، في تحديد معايير للأنظمة الحكومية الراغبة في مكافحة غسيل الأموال، كما تقوم بتقييم أداء تلك الحكومات ومدى التزامها بتلك المعايير. وركزت الدراسة على جهود المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة، ومنظمة FATF ، والبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، وكذلك جهود حكومة الولايات المتحدة واتفاقهم جميعاً على ضرورة تنفيذ كل دولة لممارسات وقوانين تتماشى مع المعايير الدولية.

ونوهت الدراسة إلى الدور المحوري الذي تلعبه الإدارات والمكاتب الحكومية الأمريكية، وخاصة التابعة لوزارة الخارجية، ووزارة الخزانة، ووزارة العدل، ووزارة الداخلية، في توفير التدريب والدعم الفني – الممول من قبل الحكومة الفيدرالية ووزارات المالية - للدول الصديقة التي يتم فيها تمويل الجماعات والمنظمات الإرهابية، كما تتعاون هيئة TFWG  مع الأجهزة الاستخباراتية الأمريكية لتحديد الدول التي تحتاج إلى عون فني في مجال مكافحة التمويل الإرهابي، وترتب الدول حسب مدى تعرضها لتلك العمليات، كما أن هناك منظمات أخرى تساعد هيئة TFWG  بالنسبة للدول الأقل تعرضاَ لعمليات تمويل الإرهاب.

سلبيات وقصور يجب معالجتها

على الرغم من قيام الحكومة الأمريكية بتوفير الكثير من البرامج التدريبية والدعم الفني للدول الأكثر عرضة لعمليات تمويل الإرهاب، إلا أن الدراسة التي بين أيدينا ترى عدم وجود إستراتيجية متكاملة للحكومة الأمريكية فيم يتعلق بتوصيل ذلك الدعم الفني، أو بمعنى أخر لا توجد أدوار أو ممارسات محددة لتلك الهيئات الحكومية والمنظمات التي تقدم هذه المساعدات. ونوهت الدراسة إلى غياب أي خطة واضحة لتحديد الاحتياجات المطلوبة وفقاً للموارد والمصادر المتاحة. ولا توجد طريقة عمل لرصد النتائج، وأضاف ديفيد واكر في شهادته أن هناك اختلافات عديدة في الرأي وتوزيع الأدوار بين المشاركين والمساهمين، سواء بالدعم المادي أو الخبرة العملية، في هيئة   TFWGوبالتالي فإن الجهود المبذولة تفتقد القيادة الفعالة، مما يضعف من تأثير تلك المساعدات وعدم تحقيق الأهداف المرجوة. زمن أمثلة على ذلك، فإن وزارتي الخارجية والخزانة اختلفتا على دور كل منهما في تنسيق التدريب والدعم الفني المقدم إلى الدول المشتركة في برنامج TFWG. واعترض المسئولون في وزارة الخزانة على سيطرة وزارة الخارجية على قرارات TFWG- بصفتها رئيسة الهيئة- وهم يرون أن وزارة الخارجية تعمل على خلق العراقيل والعقبات بدلاً من تنسيق الجهود. أما من جهة وزارة العدل – التي تمد هيئة TFWG بالخبراء الفنيين والمدربين- فيقول السيد دافيد واكر David M. Walker  أن جميع المسئولين بوزارة العدل الأمريكية يوافقون على رئاسة وزارة الخارجية لهيئة المجموعة العاملة للقضاء على التمويل الإرهابي Terrorist Financing Working Group(TFWG) ، كما أنهم يرون وجوب صدور جميع القرارات من خلالها، إلا أنهم لا يعتقدون في وجود دور فعلي محدد المعالم لوزارة الخارجية سوى تلك السلطة الرئاسية.

ومن أشد السلبيات التي أشارت إليها الدراسة هو عدم وجود إستراتيجية أمريكية – سواء من قبل الحكومة الأمريكية نفسها أو هيئة TFWG- لتحديد المهام والأهداف المطلوبة بما يتواكب مع إمكانيات وموارد الحكومة المادية والبشرية. ويقول التقرير أن الحكومة الأمريكية ليست لديها ميزانية واضحة فيما يختص بتمويل برامج التدريب والدعم الفني، ونظراً لاختلاط الأموال المستخدمة لتنفيذ تلك البرامج مع أموال أخرى تستخدم لتمويل برامج مشابهة مثل مكافحة غسيل الأموال، أصبح من الصعب على صناع القرار في الولايات المتحدة تحديد معدل الإنفاق الموجه نحو برامج التدريب والدعم الفني للدول المعرضة لخطر التمويل الإرهابي. ويقول المسئولون الأمريكيون أن هناك مصدرين رئيسيين لتمويل برامج مكافحة التمويل الإرهابي وهما:

• برامج مكافحة انتشار الإرهاب: ويقول العاملون بإدارة مكافحة الإرهاب – التابع لوزارة الخارجية – أن الوزارة تستخدم هذا الحساب لتمويل برامج التدريب للدول المشتركة في برنامج TFWG، وقد تم تخصيص مبلغ 17.5 مليون دولار في الفترة من 2002 إلى 2005، من اجل ذلك الغرض.

• المكتب الدولي لمكافحة المخدرات وتطبيق القانون: وهو يتبع وزارة الخارجية أيضاً، وقد خصص مبلغ 9.3 مليون دولار لمكافحة عمليات غسيل الأموال وعمليات تمويل الإرهاب في الخارج في الفترة من 2002 إلى 2005.

توصيات الدراسة

رأت الدراسة ضرورة تنفيذ بعض الآليات والأعمال لضمان نجاح فاعلية برامج مكافحة عمليات تمويل الإرهاب وتدريب ومساعدة الدول الأخرى على طرق مراقبة المعاملات المالية الإرهابية وكبح محاولات تمويل المنظمات والجماعات الإرهابية وتجميد أرصدتها وأصولها الثابتة، وخلصت الدراسة إلى الأتي :

• ضرورة تنفيذ إستراتيجية متكاملة من قبل وزارتي الخارجية والخزانة وعمل مذكرة اتفاق بشأن تنسيق كيفية تقديم تلك المساعدات الفنية للدول الأكثر عرضة لخطر عمليات تمويل الإرهاب.

• هناك خمس محاور لنجاح أي نظام حكم يرغب في القضاء على عمليات غسيل الأموال والتمويل الإرهابي:

أ- بناء إطار قانوني

ب- بناء نظام مالي رقابي (أو إدارة مالية استخباراتية  Financial Intelligence unit   )  

ج- القدرة على تنفيذ الأحكام القانونية

د- رفع الدعاوي القضائية 

ه- رفع الدعاوي النيابية

كذلك اشارت الدراسة إلى عدة نقاط يجب اتركيز عليها من ضمنها:

• الشفافية في تقييم الموارد والمصادر الخاصة بالحكومة الأمريكية.

• الاتفاق على قيادة موحدة لهيئة TFWG ، ومدى تدخل الأعضاء المساهمين في تلك الهيئة.

• رسم خطة أو طريقة لتحديد المصادر والموارد المتاحة للحكومة الأمريكية، ومن ضمنها هيئة TFWG ، بم يتفق مع الأهداف والاحتياجات الأساسية  والمخاطر المحتملة.

• توفير آليات وسبل لقياس ومراقبة النتائج للتعرف على أوجه القصور ومن ثم تكوين استراتيجيات لعلاج أي قصور أو سد الفجوات.

• تحديد مهام وأدوار كل إدارة، ومصلحة، ومكتب، تابع لتلك الوزارات المساهمة في برنامج مكافحة التمويل الإرهابي.

• توفير سبل حل النزاعات الخاصة باستخدام المؤسسة الدستورية للتجارة Organic Trade Association (OTA) ، بعض البنود السرية في اتفاقياتها.

• توفير المعلومات الوافية عن الجهود التي تبذلها إدارة مراقبة الأرصدة الأجنبية OFAC (Office of Foreign Assets Control)  لكي يتم قياس مدى نجاحها وتقدمها.

• ضرورة تقديم تقرير سنوي إلى الكونغرس من قبل وزارتي الخارجية والخزانة، يشرح بالتفصيل أوجه التنسيق بين الوزارتين، والإستراتيجية المتكاملة ومذكرة الاتفاق Memorandum of Agreement  التي تضمن نجاح المهمة المكلفة إلى هيئة TFWG.

و كل ذلك بحسب المصدر المذكور.

المصدر: تقرير واشنطن-العدد66-8-7-2006