هل إيران تـُدير الأزمـة بإستراتيجية مباريات السوبر ؟
د. أحلام فؤاد السيد
مـقدمـة : كما هو معـروف هناك أساليب معينة اونماذج عـديدة للتفاعل الستراتيجي مع الأزمات وإدارتها حيث يحاول في الصراع اوالأزمة كل طرف زيادة مكاسبه وتخفيض خسائره الى اقصى حد ممكن بإستخدام استراتيجيات محددة لإدارة الأزمة والمفاوضات ، فالخطوة الأولى تتمثل في تحديد تلك الإستراتيجيات المتناسبة مع ظروف وشروط ومتداخلات الأزمة والتي تزيد المكاسب والأرباح إلى أكبرحد ممكن وتقلل الخسائر إلى أقل قدر ، وتحديد تلك الإستراتيجيات وإختيارها يتوقف على امور منها الإمكانات والفرص ويتصدر هذه الأمورالمعلومات الصحيحة المجردة المرتبطة بالأزمة حيث يجب : 1- الإجتهاد في التنقيب والبحث عنها بصورة متواصلة ودقيقة وشاملة بعيدا عن النظرة المسبقة . 2- إتقان كيفية الإستفادة من تلك المعلومات في إدارة الأزمة والمفاوضات لتحقيق تأثيرما يريده هذا الطرف او ذاك على الطرف الآخر . فكل طرف يعمل جاهدا ليفهم بعمق ودقة عناصر وظروف ومصادر وتقديرات تقود وتحدد اتجاه الطرف الأخرلاختيارما فى أثناء المباراة التفاوضية ، ونفس الشيء يقوم به الطرف الآخرمع استخدام كل طرف لكل أنواع الأدوات التي تسمى بالأدوات الحوارية مثل تحريك القوات للضغط والإنذار كما في التفاوض السياسي . وعلى هذا الصعيد هناك استراتيجيات مختلفة وكثيرة منها : 1- استراتيجيات الإستجابة والتنازل إلى أبعد الحدود . 2- استراتيجية التنازل عن بعض الأمورالثانوية أو بعض الأمور الأساسية . 3- استراتيجية عدم التنازل مع إصرار أحد الطرفين على إخضاع الطرف الأخر لرغباتة ، وتؤدي إلى التناحر وتسمى هذه الإستراتيجية بإستراتيجية الهجوم والتظاهربالمفاوضات حتى يحدث الهجوم بالفعل. والمباريات في التفاوض وإدارة الأزمة على انواع : 1- المباريات ذات المعلومات التامة : وفيها يتحرك فيها أطراف اللعبة بالتناوب بمعنى علم الخصم بكل تحركات الطرف الآخرالسابقة. 2- المباريات ذات المعلومات غير التامة : لا يعرف اللاعب فيها جميع الأوراق المربحة مع اللاعبين الآخرين فالتحرك يكون في ظل ظروف غامضة . 3- مباريات الدمج بين التحالف والتنازع : العديد من المفاوضات التى تتسم بمباريات التنازع والتحالف تتداخل أفعال الأطراف في إتجاه التنازع والتحالف ، وتختلف طبيعة التداخل حيث تتسم بمقارالأذى الذى قد يلحقه بالطرف الآخروكل طرف يحاول إجبار الخصم على الخضوع ، أما مباريات التحالف فالتداخل يرجع إلى القدرالذي يحتاج فيه كل طرف من الطرفين المتخاصمين الى تعاون الأخر. وهذا ما ينطلق مما يوصف بالمصالح المشتركة مع الخصم او العدو. 4- مباريات السوبر: وتشمل الدمج بين ثلاث انواع من المباريات في إدارة الأزمة والمفاوضات في وقت واحد ، اي بالجمع في آن واحد بين كل من مباريات : التنازع – التحالف – الإعداد للتفاوض أوالصراع . ومن شأن الدمج المذكور المساعدة في الوصول إلى تصور شامل لنتائج الصراع فى أي عملية تفاوضية أو تساومية والسيطرة على تتابع الأحداث الناتجة عن فعل ما ورد الفعل المتعلق بذلك الفعل ، وذلك لوضع تصور للإحتمالات والسيناريوهات المستقبلية وتأثير ذلك على : 1- علاقات القوة والقدرة بين أطراف التفاوض. 2- درجة حدة الصراع بين الأطراف. لإدارة الأزمة والتفاوض بواسطة إستخدام الدمج الثلاثي الأخير في أن واحد وأزمة واحدة بين التنازع والتحالف والإعداد للتفاوض أوالصراع يقوم كل طرف بتكهن وإستشراف أمور منها : 1- مدى تأثير تركيبة الأزمات الراهنة فى قوة الموقف التفاوضي والقدرة التساومية للأطراف. 2- مدى تأثيرها فى صراع المصالح من النواحي المختلفة. والتاريخ يحدثنا بأن الدول التى استخدمت مباريات السوبراو الدمج الثلاثي في إدارة الأزمات والمفاوضات هي الدول التي نجحت فى عدم الدخول فى الطريق المسدود . طبعا دور الإمكانات والموارد في النجاح واضح إضافة الى المرونة والهدوء والتعاطي بدم بارد تماما لدى القائم على إدارة الأزمة والمفاوضات ومع ذلك فلا بد من توفير المعلومات الكاملة الصحيحة وتحديثها المستمرالسريع وإستخدامها بكفاءة دوركبير في الصراع ، فالفشل في إدارة الأزمات والمفاوضات كثيرا ما يعود الى قرار مبني على معلومات خاطئة او ناقصة بل أصل بروز الأزمة يمكن أن يكون قرارا مبنيا على معلومات خاطئة او معلومات ناقصة . وبذا ينبغي التنقيب عن معلومات صحيحة كاملة واضحة عن الطرف الآخر طول فترة الصراع والإستمرار في ذلك بنفس القوة والزخم خلال إدارة الأزمة والمفاوضات. ( 1 ) اتصوران فهم مباريات السوبرلإدارة الصراع اوالأزمة والمفاوضات وبعيدا عن التسطيح وبمنأى من التعميم الكامل لنظرية المؤامرة المجمدة للعقول يمكن أن تفسر لنا الكثيرمن المواقف والقرارات السياسية والتقلبات الحادة فيها والتي تبدو في الظاهرمتناقضة وجريئة اومتهورة ودون أن تقود الى إنفجارسريع وحتمي للأزمة . وكمثال يتميز ببعض مواصفات مباريات السوبر بعد هذه المقدمة ننتقل الى تجربة معاشة لم تنته بعد ألا وهي الأزمة بين إيران والولايات المتحدة التي باتت تعـرف بالملف النووي الإيراني ولذلك نستعـرض نصا ودون تعليق فقرات من مقال للكاتب طلعت رميح تحت عنوان : العرب والتجربة النووية في إيران وإسرائيل رغم إختلافي مع الكاتب في بعض المفاهيم والمصطلحات و المنطلقات وبغض النظرعن رأيي المختلف مع الكاتب حيال إسقاط الديكتاتور صدام والسياسات الإيرانية تجاه قضيتي العراق وأفغانستان والخلط بين المشروع النووي السلمي والتسلحي : يقول الكاتب طلعت رميح في فقرة من مقاله المذكور : (( أن الأهم هو أن نقرأ التجربة الإيرانية من زاوية الدروس فى إدارة الصراع من اجل إنجاز برنامج نووي عربي .... لنظهر جوهر الخطأ الاستراتيجي العربي فى التفكير فى المسألة النووية وفى إدارة الصراع الدولي حولها، حتى أصبحنا الحضارة الوحيدة من بين حضارات الدنيا التى بلا غطاء نووي. التجربة الإيرانية: والموقف الدولي تبدو دلالات التجربة الإيرانية بالغة الأهمية فى مختلف المجالات. فهي من ناحية تجربة معاشة ليس فقط بالمعنى المباشر للتعبير ولكن بالمعنى الاستراتيجي الذى يكشف أبعاد وملامح القوة فى الصراع الدولي الآن، كما هى تجري أمام أعيننا الآن وفق نمط من الصراعات والمناورات بما يقدم النموذج العملي والمدرك أو الملموس على إمكانية التصدي لهيمنة الولايات المتحدة من جانب ولاستثمار الخلافات فى الوضع الدولي من جانب آخر وفى القدرة على "الحركة" والنفاذ من خلال الثغرات المتاحة فى الوضع الدولي بين الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة وبين روسيا والصين والدول الأوروبية والولايات المتحدة من جانب آخر.. الخ، وهي من ناحية أخرى تجربة "مثال" فى تغيير التوازنات والتحول من حالة الدفاع إلى الهجوم والعكس فى مواجهة خصم أقوى بمراحل ،كما هى حالة متميزة فى بروز دور الإرادة والتعبئة الشعبية خلف المشروع الوطني النووي وفى هزيمة مخططات الحرب النفسية للخصم.)) (( فمنذ انتصار الثورة الإيرانية وأحداث سفارة الولايات المتحدة فى طهران بشكل خاص والولايات المتحدة تعمل على تغيير النظام الجديد من خلال الضغط بأوراق البرنامج النووي الايراني وتطوير إيران للصواريخ متوسطة المدى وملفات أخرى مثل حقوق الإنسان وإيواء عناصر من تنظيم القاعدة. وإذا كان الكونجرس الامريكي قد أصدر قانونا فى شهر يوليو 2004 لدعم المعارضة الإيرانية والإطاحة بما اسماه الحكومة الدينية الحاكمة لإيران، فإن الولايات المتحدة خلال الولاية الثانية لجورج بوش الابن قد صعدت لهجتها وتهديداتها بالعدوان على إيران، بما أحدث انقلابا شاملا على لغة الحوار وتقارب المصالح التى سادت بين الولايات المتحدة وإيران خلال الولاية الأولى لبوش نفسه أثناء الحربين العدوانيتين على أفغانستان والعراق، وكان ابرز مظاهرها الاقتصادية توقيع الحكومة الإيرانية مع شركة هاليبرتون الأمريكية - التى كان يشغل تشيني موقع القيادة فيها - على عقد قيمته 360 مليون دولار للتنقيب عن النفط والغاز فى جنوب إيران . وكان الانقلاب فى الموقف الامريكي مستندا بالأساس إلى تطورات البرنامج النووي الايراني الذى منذ البداية ترى واشنطن أن حسمه لن يتم إلا بشن عدوان عسكري على إيران. وقد دخل على خط إشكالية البرنامج النووي الايراني وفد الترويكا الأوروبية، فى مفاوضات تواصلت لعامين بين الإيرانيين والأمريكيين كل على حده ،انتهت إلى اتفاق أولى بعدم تخصيب إيران لليورانيوم فى نوفمبر 2004، بما دعى بعض المحللين إلى تصور أن التصعيد الامريكي فى نفس العام كان أداة لتفعيل تلك المفاوضات وتقليل للطموحات الإيرانية خلالها. غير أن الولايات المتحدة من بعد عادت لتصعد لهجتها ضد إيران واتهامها بالسعي لإنتاج أسلحة الدمار الشامل على خلفية الدور الايراني فى العراق في مواجهة الاحتلال الامريكي له ،كما عادت الصحف الأمريكية للحديث عن سيناريوهات لقصف المنشآت النووية الإيرانية فى مرحلة تكاثرت فيها أنباء استعدادات إسرائيلية لنفس الغرض. وكان أهم تلك التسريبات هو ما نشرته مجلة نيويوركر الأمريكية من أن إيران هى الهدف التالي للولايات المتحدة وان وحدة خاصة من قوات الكوماندوز الأمريكية قد جرى تشكيلها منذ فترة من اجل جمع معلومات دقيقة حول أماكن البرنامج النووى الايراني لاستهدافها. وقد تلا ذلك تسريبات عن تذمر لدى قادة عسكريين كبار بسبب خطط للعدوان على إيران والحرب معها، الأمر الذى دفع إيران للشعور بالخطر فأدارت عجلة تهديداتها المقابلة وأبرزت تحديها وأظهرت ما لديها من أوراق فى المواجهة سواء من خلال أجراء تدريبات عسكرية فى منطقة الخليج والإعلان خلالها عن تطويرات جديدة لصواريخها وألغامها البحرية أو من خلال التهديد بوقف تصدير البترول من منطقة الخليج كليا من خلال إغلاق مضيق هرمز ،كما تصاعدت العمليات العسكرية فى جنوب العراق. واستمرت لهجة التهديد إلى أن بدأت الدول الأوروبية عرض مقترحات جديدة على إيران فخففت إيران من لهجتها وباتت اقرب إلى التفاوض مجددا مع تمسكها بحقها الذى اكتسبته منذ إعلانها بدء ونجاح تخصيب اليورانيوم فى يناير 2006 . نمط إدارة الأزمة والدرس الأول في التجربة الإيرانية هو أن القدرة على تحليل الوضع الدولي وفهمه يمكن من تحويل الأعداء من كتلة واحدة يجري الصراع معها "بالجملة"- والتي هي وصفة الفشل النموذجية - إلى تفكيك وحدة الأعداء ،مع الانتقال من حالة إلى أخرى ووفق تكتيكات صغيرة ودقيقة . لقد أظهرت التجربة الإيرانية أن مسألة عزل الأعداء بعضهم عن البعض الآخر هو فن إدارة استراتيجية ضروري وممكن، وهذا ما فعلته إيران من خلال نجاحها فى الفصل بين أوروبا والولايات المتحدة - على الأقل - لفترة عامين. والدلالة الأبرز هنا هى أن التجربة الإيرانية أثبتت أن الوضع الدولي الضاغط بانفراد الولايات المتحدة ليس شرا مطلقا كما "نظر" لنا البعض وهول من قصة انفراد أمريكا بالوضع الدولي، إذ إن إيران فى ظل حالة هجومية طاغية من قبل الولايات المتحدة تمكنت - حتى الآن - من البدء فى تخصيب اليورانيوم وباتت تصارع حول حقها النووي الكامل، كما هى حصلت على الوقت والظروف الكافية من خلال تحركاتها بتخطيط وقوة وثبات إرادة بين الأطراف الدولية إذ هى حصلت على المفاعلات من روسيا وعقدت الصفقات البترولية مع الصين مستثمرة حاجة الصين من ناحية واستيلاء الولايات المتحدة على بترول العراق ومنعه عن الدول الأخرى من ناحية ثانية كما هي فعلت الأمر نفسه مع ألمانيا وفرنسا وحتى بريطانيا من خلال نشاطات اقتصادية متعددة، إضافة بالطبع إلى استخدام وضعها الاستراتيجي كعامل قوة - لاحظ كيف استثمرت مضيق هرمز فى التخطيط الاستراتيجي مقابل استخدام مصر لقناة السويس فى زمن السادات- وهي كذلك استخدمت قوتها النفطية كعامل قوة وليس كعامل ضعف كما هو الحال فى بعض دول الخليج التي تحول النفط إلى عامل خوف وقلق على مستقبلها. والدرس الثاني هو أن إيران تمكنت من استثمار أخطاء عدوها الاستراتيجي أو بالدقة أنها "تحالفت" مع عدوها الاستراتيجي ضد أعداء محتملين أوغير أساسيين ثم انقلبت إلى مواجهة عدوها الاستراتيجي بعد أن ضعف أو بعد أن أصبحت هى تمتلك فى مواجهته عوامل قوة أو بعد أن انقلبت بعض عوامل قوته إلى حالة ضعف. فبغض النظر عن رفضنا أو موافقتنا على التصرفات أو السياسات الإيرانية تجاه قضيتي العراق وأفغانستان، فإن الثابت هو أن إيران قد تعاونت مع عدوها الحالي (أمريكا) ضد كل من أفغانستان بقيادة حركة طالبان والعراق بقيادة صدام حسين - حسب وصف محمد علي أبطحي انه لولا إيران ودورها ما نجحت الولايات المتحدة فى احتلال أفغانستان والعراق - وهو ما أدى إلى احتلال إيران مراكز نفوذ وسيطرة فى مناطق المحيط، والاهم أن هذه المواقف قد ساهمت فى توريط خصمها الاستراتيجي -المقصود الولايات المتحدة التى لا تقبل لإيران ولا لغيرها التحول إلى قوة إقليمية في ظل مشروع الشرق الأوسط الكبير الذى يقوم على تفكيك الدول - فى نزاعات حولت نقاط من قوته إلى نقاط ضعف. لقد كانت وما زالت اخطر واهم نقاط قوة الولايات المتحدة فى النزاعات هي فى امتلاكها وسائل قتالية قادرة على إحداث الدمار الشامل للخصم دون قدرة للخصم على إيقاع خسائر بها، إذ هي تمتلك الطيران الذى لا ترصده الرادارات والصواريخ العابرة للقارات التى تدمر من بعد ..الخ كما تمتلك قدرات صاروخية لاصطياد الصواريخ المعادية، غير أن نقطة ضعفها ونقطة عقدتها هى فى القتال الأرضي لا لأنها لا تمتلك أهم وسائل القتال الأرضي من دبابات ومدفعية وصواريخ ارض - ارض.. الخ، ولكن لخوفها من تأثير الحروب على الأوضاع الداخلية فيها فى حال سقوط ضحايا خاصة عندما يكون خصمها قادراً على حشد شعبه فى مواجهات من نمط حرب العصابات التى لا يمكن لأي جيش نظامي النجاح فى مواجهتها والانتصار عليها (نماذج فلسطين والجزائر وفيتنام والعراق .. الخ). لقد أصبحت الولايات المتحدة- بمساندة من إيران - فى مأزق خطير بسبب وجود قوتها البرية على ارض يمكن لإيران تحويلها إلى مناطق محروقة، أو أن القوات الأمريكية فى العراق وأفغانستان وبعد أن تعرضت للإنهاك تحت ضربات المقاومة العراقية والأفغانية لأكثر من ثلاث سنوات وبعد أن تدهورت روحها المعنوية باتت فى مصيدة من القوات الإيرانية وفى مدى تأثيرها التكتيكي لا الاستراتيجي فقط، ومن الأطياف الموالية لإيران على ارض العراق التى يمكن لتدخلها أن يثير اضطرابا هائلا فى صفوف القوات الأمريكية ويوقع بنحو 130 ألف جندى امريكى خسائر لا يمكن احتمالها. والدلالة هنا هي أن المناورات الاستراتيجية يمكن أن تضعف الخصم وتجعل من عوامل قوته عوامل ضعف أو يمكن أن تجعل نقاط ضعف العدو اشد ضعفا. وان القرار الاستراتيجي لا يعرف إلا الحسابات الاستراتيجية. وان وضوح الاستراتيجية يمكن من الإقدام على تكتيكات سياسية قد تبدو متناقضة وجريئة وحادة التقلب ،لكنها تظل صحيحة. والدلالة هنا بوضوح تتعلق بالموقف العربي أو بموقف معظم الدول العربية خلال أزمة الخليج الثانية أو خلال العدوان الأول على العراق. ومع الابتعاد أو مع التغاضي عن أن المشاركة فى العدوان على العراق كانت خطا كليا واستراتيجيا على المستوى المباشر والمنظور إذ هو كان ضربا وإضعافا للجيش العراقي لمصلحة العدو الاستراتيجي، فإن الدول العربية التى شاركت فى العدوان على العراق لم تحصل فى المقابل على شيء استراتيجي فى مقابل هذه الخطوة. )) ويواصل الكاتب مقاله تحت عنوان فرعي : البراجماتية.. والمصالح بما نصه : (( الفارق بين ما حصلت عليه إيران من مساندتها العدوان الامريكي على العراق وأفغانستان على مستوى تغيير الوضع الاستراتيجي لخصمها واضعافه وعلى صعيد مد نفوذها السياسي والعسكرى فى الإقليم، هو النموذج العكسي لما فعلته الدول العربية التى سارت ضمن المخطط الامريكى لضرب العراق، حيث خلاصة ما فعلته الدول العربية فى الحالة المشابهة هو أنها حققت للخصم الامريكي حالة قوة ليس فقط فى مواجهة العراق ولكن فى مواجهتها نفسها، اي أنها قوت عدوها ضدها وجعلته يحصل على مكاسب استراتيجية حاسمة في مواجهة مستقبلا - وليس فقط أنها أضعفت موقفها أو خاضت معركتها بالإجمال لمصلحة أمريكا وإسرائيل استراتيجيا - بما جعلها من بعد تقدم قدرا هائلا من التنازلات الاستراتيجية .... )) . وعن الدرس الثالث في نمط إدارة الأزمة يقول الكاتب : (( والدرس الثالث هو أن التغييرات السياسية الداخلية إنما هي جزء يجب أن يكون متناغما مع الأمن القومي والثوابت الاستراتيجية والخطط الاستراتيجية المحددة للدولة والمجتمع. إن من الخطأ تصور أن مجىء محمد خاتمي إلى الحكم فى إيران وميله إلى التهدئة والى لعب دور حواري مع العالم الغربي.. الخ، كان مسألة بعيدة عن قلب الدولة الإيرانية وقرارها الاستراتيجي وكذا يجب النظر إلى مجىء احمدى نجاد وتطويره الموقف الايراني إلى التشدد والهجوم والى خوض معركة مفتوحة حول البرنامج النووي الايراني فى مواجهة الولايات المتحدة والغرب، إذ إن تحركات نجاد هى الخطة المكملة لما قام به محمد خاتمي. والدلالة هنا هى أن المشروع الوطني إذا كان محددا ومدروسا ويحظى بإجماع شعبي ومحددة خططه فان التغييرات السياسية داخل المجتمع حتى وان تقلبت داخل أو بين النخب السياسية فإنها تظل فى داخل نطاق الأهداف الوطنية. وبمعنى آخر إن التعددية داخل المجتمع - فى إطار وحدة الأهداف والاستراتيجية - إنما هى تصب فى المصلحة العامة للمجتمع والدولة وإنها حتى مع حدوثها دون توافقات محددة فإنها تكون فى محصلتها الأخيرة أكثر فائدة من النظم الصماء التى يصيبها العمى وتغرق فى شبر ماء بلا بدائل في المناورة إذا كانت نظماً شمولية.)) وكل ذلك حسب رأي الكاتب نصا ودون تعليق في المصدر المذكور . ( 2 ) طبعا الكاتب لم ينتظرالنهاية وهي غير واضحة على المدى المتوسط ولم يأخذ ثمن وتكاليف المشروع النووي وإدارة الأزمة بنظرالإعتبار لمحاسبة المحصلة النهائية الفعلية لجدوائية المشروع النووي وإدارة الصراع ولم يدافع عن ما يطرحه البعض من فشل الترسانة النووية الطويلة العريضة لضمان فوز الإتحاد السوفيتي السابق في الصراع فتكريس الإستمرار له ، وعلى كل التقادير وعودا الى المقدمة يمكن الإستنتاج من كل ما تقدم : ان إيران ولحد الأن لجأت في تأجيل الصراع وإدارة الأزمة والمفاوضات مع الولايات المتحدة وحليفاتها الى مباريات السوبر بالدمج بين التنازع من جهة والتحالف من جهة ثانية والإعداد للتفاوض أوالصراع من جهة ثالثة في وقت واحد ، ونجحت مرحليا في ذلك حتى الساعة الى حد ما فهل سيستمرنجاحها ؟ بغض النظرعن الشرعية والمشروعية أتصوران أمام إيران طريقا طويلا ووعرا وصعبا ورغم ذلك لا يستبعد ان تتمكن من تجاوز الأزمة الحالية دون مواجهة ولا سيما على المدى القصير فيما إذا واصلت بكفاءة اكبرإستراتيجية مباريات السوبر بالتفصيل المتقدم وبالتوازي مع التنمية الشاملة في المجال الداخلي وهذا بحاجة الى دراسة مستقلة ولم يكن هدفي البحث في ذلك بل ما قصدته إيراد مثال قريب معاش على مباريات السوبر . .......................................... المصادر : ( 1 ) : المصدر : مقدمة في علم التفاوض الإجتماعي والسياسي - الدكتور حسن محمد وجيه- بتصرف مع إضافات وتعليق . ( 2 ) : المصدر: نقلا عن : الشرق- قطر - 24- يونيو-2006 http://www.gulfinthemedia.com
عناوين ذات علاقة :
●المفاوضات للمفاوضات أم للتحالفات أم ... ؟ ●بإخـتصـار ( 6 ) : مباريات السوبر في إدارة الأزمات والمفاوضات ●من مواصفات المفاوض الناجـح : كيف يمكن اعتبار المفاوض كفؤا وجيدا وناجحا ؟ ●بإختصار - 5 - : التحكيم وطرق التقاضي البديلة ●كلمة في أزمة الدبلوماسية العربية
|