جدلية وبيئة الإرهاب في الشرق الأوسط
حميد المنصوري
مرت تحولات الإرهاب الدولي عبر ثلاثة أجيال متعاقبة ومختلفة، فالجيل الأول كان خارجاً من الطابع القومي المتطرف الذي اجتاح أوروبا منذ أواخر القرن التاسع عشر وحتى عقد الثلاثينيات من القرن العشرين، وكان أغلب القياديين من الوطنيين المتطرفين. أما الجيل الثاني فهو عبارة عن الموجات ذات الطابع الأيديولوجي أثناء الحرب الباردة حيث نشأ العديد من الحركات الإرهابية اليسارية مثل "الألوية الحمراء" الإيطالية و"الجيش الأحمر" الياباني، وأبرزت هذه الفترة (الحرب الباردة) حركات من العنف والصراع على النفوذ بين القطبين (الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي) والصراع على السلطة في مختلف الأقاليم وخاصة البلدان النامية. يتسم الجيل الثالث (الحالي) بخصائص مميزة ومختلفة من حيث التنظيم والتسلح والأهداف، فهو من حيث التنظيم عبارة عن جماعات عابرة للجنسيات (حيث الأفراد ينتمون لجنسيات مختلفة) ولا تجمعها قضايا قومية ولكن تجمعها أيديولوجية دينية أو سياسية محددة، كما تتنقل هذه الجماعات من مكان إلى آخر مما يخلق صعوبة في متابعتها وتعقبها واستهدافها. أما الأهداف فهو (الإرهاب الحالي) يركز على إيقاع أكبر عدد من الخسائر المادية والبشرية، وليس لمجرد لفت النظر لمطالب سياسية وعقائدية على غرار إرهاب السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي. تحتل ظاهرة (الإرهاب- العدوان) واقعاً ملموساً وساطعاً في الشرق الأوسط مما يخلق إطاراً مهماً للتفاعلات الدولية بسبب انعكاساتها الخارجية والداخلية لكثير من البلدان، فهنالك مسائل تعزز وتحفز وتخرج هذه الظاهرة في المنطقة (الشرق الأوسط) كما أن هنالك ظواهر تعبر في مجملها عن حالة عدم الاستقرار تؤكد استمرارية هذه الظاهرة، حيث تكمن معادلة العنف والعدوان بين المسائل ذات الطابع الجدلي وظواهر (عدم الاستقرار)، وسنعرض المسائل والظواهر(بيئة المسائل) على النحو التالي: أولاً، المسائل الجدلية : أ- انتشار الفقر وأحياناً عدم وجود عدالة في توزيع الثروة (الذين يملكون والذين لا يملكون) يولد حالة من الإحباط التي بدورها قد تقود إلى العدوان، ويرى علماء النفس أن العدوان غريزة إنسانية خامدة يحفز على خروجها الإحباط، وبذلك وضعوا الشرق الأوسط والدول النامية عموماً ضمن أكثر المناطق المحفزة على العدوان. ب- جدلية الجغرافيا في الشرق الأوسط، تبرز لنا دول خرجت بعامل ديني كإسرائيل وباكستان بالمقابل تركيا التي أخمدت الصبغة الإسلامية إلى العلمانية المتطرفة، واضمحلال الدول الأكثر طائفية كلبنان والعراق. ج- الهوية الوطنية، الدول التي تعاني من زعزعة في إطار الهوية الوطنية تستخدم العامل الديني كإسرائيل التي تستمد هويتها من الصراع مع الهوية الفلسطينية وبهذه المعادلة فإن الأولى تعتمد على الثانية في التلاحم وعدم زعزعة التركيبة اليهودية المختلفة، وبالمقابل تعاني الهوية الوطنية الأردنية رغم المكاسب الاقتصادية والاستراتيجية باحتضانها للهوية الفلسطينية، كما أن السودان خلقت إطاراً إسلامياً كمرادف للهوية الوطنية، فولدت الصراع مع المسيحيين الجنوبيين، والجدير بالذكر أن (الهوية الوطنية الضيقة) تحفز على خروج الأعراق الأخرى رغم الالتقاء بالعامل الديني كالأكراد. د- التواجد والقواعد الأجنبية، فالشرق الأوسط يعاني من زعزعة الأمن والاستقرار في كثير من مناطقه مما جعل القواعد الأجنبية ضمن سياسات معظم بلدانه، كما أن الأمم المتحدة تلعب دوراً كبيراً في الأمن، وهذه المعادلة الأمنية السياسية ذات جدل لدى الجماعات الإرهابية ومحفز كبير لحركاتها. ثانيا : الظواهر (بيئة للمسائل الجدلية) أ- التزايد السكاني والتمدن: المتوقع أن يتضاعف سكان الشرق الأوسط بصورة كبيرة محدثاً حالة من عدم الاستقرار من خلال تفاقم البطالة وعدم استيعاب الاقتصاديات الوطنية لهذه الزيادة، كما أن الهجرة إلى المدينة بحثاً عن الخدمات الاجتماعية والعمل سوف تخلق معادلة الذين يملكون والذين لا يملكون، والتمدن العشوائي الذي يزعزع الاستقرار بدخول الثقافة الريفية المتمسكة بالدين والعادات والتقاليد. والمثال الساطع تركيا حيث شكل فوز حزب "الرفاه"، ثم "العدالة والتنمية" صورة عن الهجرة الريفية، وفي المستقبل سوف يهتز نظامها العلماني الذي يؤمِّنه الجيش. كما أن تزايد السكان غيّر موقع المارونيين بالنسبة للمسلمين مما يخلق أزمة مستقبلية في لبنان، وكذلك إثيوبيا. ب- العولمة، نهاية الحرب الباردة وبروز العولمة في إطارها الاقتصادي (الواضح) والأمني والسياسي وإخفاقها في الإطار الثقافي والاجتماعي وربما مناهضتها من مختلف الشعوب، كل ذلك ساعد من الناحية الثقافية على بروز العدوان المعبر عن رفضه التدخل في هويته. كما أن عولمة الاقتصاد والأمن ساعدت على توجيه الضربات إلى مناطق معينة للتأثير فيها على دول وسياسات معينة، وسيطرت الحياة المادية والتعليم العلمي والتقني خلق حاجة ماسة إلى الجانب المعنوي المتمثل بالدين والثقافة وكان هذا واضحاً في سهولة توغل الأفكار المتطرفة. وهنالك بعض الأكاديميين يرون أن الإرهاب ظاهرة مضادة للعولمة. ج- اضمحلال دور الدولة، الطفرة المعلوماتية والتكنولوجية وسهولة وكثافة الاتصال والتنقل لدى الأفراد واعتناق معظم الدول المنظومة الرأسمالية جعلت سيطرة الدولة على الأفراد تتقلص وبالتالي أحدثت فجوة بين الحكومة والأفراد فليست الثقافة اليوم لدى الشعوب انعكاساً للبرامج التعليمية والحكومية. وذلك واضح في تقلب الشخصيات بصورة كبيرة ومتناقضة في مختلف مراحل عمرها. تصنف الدول التي لا تسيطر على أقاليمها بصورة محكمة بأنها مرتع للتجمعات الإرهابية المتطرفة كالسودان وأفغانستان والصومال والعراق. الخلاصة: الإرهاب لا يملك تعريفاً قانونياً أو عرفاً دولياً وليس نابعاً من دين أو عقيدة محددة، فهو نتاج مسائل إنسانية واقتصادية وثقافية وسياسية مختلفة ومختلف حولها، وبهذه الصورة يستحيل تعريفه قانونياً بل إنه يحفز الباحثين على دراسته والتنظير له. باحث إماراتي في العلوم السياسية و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور. المصدر: الإتحاد الإماراتية-20-6-2006
|