الثقافة العراقية

 

علي دنيف حسن

 

من دكتاتورية الرقابة إلى بندقية الإرهاب

ما زالت الثقافة العراقية منذ سقوط النظام السابق في 2003/4/9 وحتى الان تمر بمخاض عسير وهي تبحث عن قواسم مشتركة لبناء اطرها الجديدة في محاولة منها للامساك بهوية المواطنة عن طريق التغلب على تشظيات الثقافات الفرعية المختلفة وتجاوز النقاط الخلافية العديدة في اطر المفاهيم والسلوك التي تبلورت نتيجة عوامل  سياسية واجتماعية تستمد شرعيتها من اخطاء الماضي وطموحات المستقبل وبالرغم من المستجدات والمتغيرات الايجابية الواضحة الا ان طبيعة الواقع الثقافي بقيت تدور في حلقة المشاريع والاحلام الرومانسية المجهضة ومازالت اغلب هذه المشاريع تفسر وفق محمولات الفرقة والشتات والتناحر لملء الفراغ السياسي بعد انهيار النظام.

الآفاق الجديدة

مع سقوط النظام السابق سقط الفكر الموجه ومعه الثقافة المؤدلجة ذات الافق الواحد وانزاحت معها سلطة الرقابة على جميع الافاق الثقافية لتحل بندقية الارهاب وعصابات الجريمة المنظمة بدلا عنها في كبح التطلعات الثقافية المشروعة ووأد الكثير من الاحلام الابداعية الكامنة في ظل وضع امني مترد فقد فيه الكثير من المثقفين والاعلاميين ارواحهم فيه دون وجه حق.

ومع ذلك فالافاق الجديدة مازالت تتضمن الكثير من الامل والطموح متمثلة بما يلي :

1- سقوط الرقابة السياسية القديمة على مجمل النتاج الثقافي وتمتع المبدعين بمساحات حرية واسعة لطرح مشاريعهم وتجاربهم.

2- الانفتاح على وسائل الاعلام والاتصالات العالمية (الهاتف، البث الفضائي، شبكة المعلومات (الانترنيت) وهي افاق كانت محرمة في زمن النظام السابق.

3- امتلاء السوق الثقافي بشتى المطبوعات وبمختلف اصناف المعرفة وخاصة الكتب الحديثة في شتى العلوم والفنون والآداب.

4- عودة الكثير من المثقفين العراقيين من منافيهم وسهولة الاتصال بمن بقي منهم في الخارج.

5- قيام الكثير من المثقفين بنشر كتاباتهم ومؤلفاتهم خارج العراق وداخله بشكل مطبوع او على صفحات المواقع الالكترونية.

6- انبثاق الكثير من المواقع الالكترونية الخاصة بتنوعات الشأن العراقي على صفحات شبكة المعلومات الدولية.

7- تأسيس العديد من المؤسسات والهيئات والمنابر المختلفة الخاصة بالثقافة العراقية داخل العراق وخارجه.

8- ظهور منظمات المجتمع المدني التي تنتظرها افاق رحبة في نشر الوعي والمعرفة وتكريس ثقافة المواطنة.

فوضى الاعلام العراقي

على مستوى الاعلام شهد العراق صدور عشرات المطبوعات ويقدر عددها بنحو (179) بين صحيفة ومجلة فضلا عن انبثاق (17) محطة تلفزيونية عراقية بينها سبع محطات فضائية كذلك انبثاق سبع اذاعات محلية وقيام سبع وكالات للانباء ودفع الاعلام العراقي الجديد ثمن نضاله في الوضع الامني المضطرب في البلاد قائمة ضمت (107) شهداء حتى يوم 2006/5/18 سقط منهم (69) صحفيا على ايدي مسلحين مجهولين ولقي (21) منهم حتفهم في مناطق حدثت فيها انفجارات وقتل (17) منهم على ايدي القوات الاميركية نتيجة الخطأ فيما قتل اثنان منهم بايدي القوات العراقية.

وللاسف الشديد فان هذا الكم الهائل من وسائل الاعلام باستثناء الوسائل الحكومية بقي اسير نظرة هويته الفرعية وتغلبت عليه الطروحات الطائفية والقومية والدينية مما كرس الكثير من التفرقة والتمزق بين فئات وشرائح المجتمع العراقي.

وامام هذا العدد الكبير من الصحف الصادرة في العراق نرى ان الصحف هذه مازالت تعاني من مشاكل عدة ابرزها:

1- اعتمادها على المصادر الاجنبية والعربية في استقاء الاخبار والمعلومات وقيامها بنشر كل صغيرة وكبيرة دون التحقق من صدق الوقائع والاحداث.

2- عدم الحيادية في نقل الاخبار والابتعاد عن الحقيقة من خلال انتقاء ما يتناسب مع وجهة نظرالصحيفة وكذلك الاعتماد على  المبالغة والتهويل وتلوين الخبر.

3- عدم استطاعتها تغطية المناطق الساخنة في العراق على مستوى التغطية الاخبارية او على مستوى توزيع الصحيفة.

4- غموض جهات التمويل التي تدعم نشر الكثير من الصحف داخل العراق.

5- الخسائر المالية الكبيرة والمستمرة استنادا لحسابات الطبع والتوزيع ومستويات العرض والطلب في السوق المحلية.

6- لم يرق الكثير من هذه الصحف الى مستوى النضج الفني والثقافي والمهني اذ ان الكثير ممن يديرون هذه الصحف او يعملون فيها او يشرفون عليها تنقصهم المعرفة والتجربة الاعلامية.

المؤسسات والمنظمات الثقافية

توقفت الكثير من المؤسسات الثقافية عن العمل بشكل كامل بسبب الاوضاع الاستثنائية في العراق ونتيجة لما تعرضت اليه هذه المؤسسات اثناء الحرب على العراق وما اعقبها من عمليات سلب ونهب وحرق لموجوداتها الثقافية كالمتاحف والمكتبات العامة ودور السينما والازياء والمسارح والمراكز الترفيهية وغير ذلك.

وبقيت المؤسسات الرسمية مثل وزارتي الثقافة والسياحة عاجزة حتى الان عن اخذ زمام المبادرة للنهوض بالواقع الثقافي لاسباب عدة فيما اقتصرت مساعي الاتحاد العام للكتاب والادباء العراقيين ونقابة الصحفيين والفنانين بمختلف تشكيلاتهم على اقامة بعض المهرجانات والجلسات البسيطة وبقيت المنشورات الصادرة عن هذه المؤسسات تتمخض في اطار التجارب التي لم تترسخ لتصبح تقليدا عاما معترفا به من قبل الجميع لدرجة يمكن وصف دورها بالاشرافي والاستشاري وهو دور غير فاعل ومؤثر في عمليات نقل العراق الى آفاق ثقافية مشرقة يمكنها الاحاطة بتطلعات المستقبل.

اما المؤسسات الثقافية الاخرى كدار الشؤون الثقافية وبيت الحكمة، وما شابهها فما زالت تعيش في اطرها الروتينية القديمة على مستوى النشر والتوزيع وبشكل عام يتطلب من جميع هذه المؤسسات التحول الى مؤسسات اقتصادية لها القدرة على جمع النتاج الثقافي العراقي وتسويقه محليا وعربيا وعالميا وفق خطط ستراتيجية آخذة بنظر الاعتبار حجم الانتاج ومتغيرات العرض والطلب ومستجدات الراهن الثقافي العالمي.

ومع هذا التلكؤ المؤسسي المتسم بالنمطية والاطر العتيقة نجد ان المثقف العراقي مازال لاهثا خلف هذه المؤسسات طالبا منها الرعاية والمساعدة والالتفاتة الكريمة متناسيا ما آلت اليه الثقافة العراقية خلال فترة النظام السابق بعد ان اصبحت اسيرة وتابعة ذليلة اليه وكأن هذا المثقف لا يمكنه العيش حرا الا في كنف السلطة ورعايتها اية سلطة كانت وايا كانت توجهاتها!!!

و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور.

المصدر: جريدة الصباح-30-5-2006