نـهـايـة عـهد الإصـلاح بـمـصـربالتـزامـن مـع الإنسـداد السياسي في العراق
مقال لأحمد أنور في المصدر المذكور بعنوان : خبراء ومفكرون يتحدثون عن الاصلاح في مصر: الوعود تبخرت وحركات التغيير وصلت إلي نهاية سقفها السياسي. بعد تحركات وتظاهرات صاخبة وتوهج اعلامي للحركات الاحتجاجية المطالبة بالتغيير في مصر والتي استمرت طيلة الشهور الماضية بدا ملحوظا لكافة الاوساط والمراقبين خفوت صوتها وانزواؤها من المشهد السياسي الحالي كما خفت الحديث عن الاصلاح والتطور الديمقراطي واستكمال التغيير الدستوري منذ الاعلان عن تغيير المادة 76 بل ان وعود الرئيس مبارك ذاتها التي اطلقها اثناء حملته الانتخابية لم يكتب لها التنفيذ حتي الان كذلك وعود نواب البرلمان الذين فازوا في الانتخابات الاخيرة بمن فيهم أعضاء جماعة الاخوان المسلمين ذرتها الرياح فماذا حدث وهل تم التراجع فعلا عن مسار الاصلاح وهل وصلت حركات التغيير الي نهاية سقفها السياسي مع السلطة التي احكمت قبضتها ولم تسمح بأي تغييرات تذكر؟ حول هذه التساؤلات استطلعت العرب آراء نخبة من المحللين والمفكرين ونواب البرلمان وخبراء القانون الدستوري. اكد أبو العز الحريري ـ عضو مجلس الشعب السابق نائب رئيس حزب التجمع ـ ان حال الاصلاح والتغيير في مصر في تدهور باستمرار منذ ان فاز الرئيس حسني مبارك بالانتخابات الرئاسية حتي اصبح لا اثر له الان واكرر باستمرار ان الوضع السياسي الحالي يثبت أن فكرة الحرية والممارسة السياسية الصحيحة ملغاة من قاموس النظام المصري ولم يعد لها محل من الاعراب. ويقول: عندما تقدم الرئيس مبارك بوعوده الدعائية في برنامجه الانتخابي لم نحلم للحظة أنه سينفذ تلك الوعود وليس هذا حكماً مطلقا بل استند إلي المنطق لأنه عندما يتقدم رئيس دولة بوعد فلابد أن يكون له أساس موجود ومبارك وعد بمزيد من الحريات السياسية وحكومته تشرع وتفصل قوانين تقمع الحريات وتصر عليها وعندما وعد بتشغيل ملايين العاطلين لم يكن يملك بنية اقتصادية قوية تستوعب تلك العمالة فضلا عن قراره الأخير بتقليص الجهاز الإداري بالدولة الذي سيضيف ما يقارب الخمسة ملايين عاطل إلي طابور العاطلين الحاليين ولذلك فالحكومة لن تنفذ أي وعد من الوعود التي سبق وطرحها الرئيس خاصة ما يرتبط منها بالحرية السياسية ويؤكد الحريري أن مبارك علي الرغم من وعده بالغاء حبس الصحفيين في قضايا النشر والتعبير فإنه في حقيقة الأمر هناك من يحاول عرقلة ذلك وستشرع الحكومة مزيدا من القوانين المقيدة لحرية الرأي والتعبير والدليل علي ذلك أن القضاء لم ينج من غطرسة النظام بعد تقديم القضاة الشرفاء الذين فضحوا التزوير للمحاكمة وذلك يفضح نية النظام في إعداده لقانون ينسف استقلالية السلطة القضائية نهائياً ويتحكم في التفتيش القضائي ويجعله خاضعا للحكومة هذا الامر الذي يعيد إلي الأذهان ما حدث في مذبحة سنه 1955 في مجلس الدولة من جديد عندما تم ضرب السنهوري وإهانة القضاء. ومن جهته يرصد الكاتب السياسي عبد الله السناوي رئيس تحرير جريدة العربي الناطقة بلسان حال الحزب الناصري ماحدث طيلة الفترة الماضية قائلا: ان الحراك السياسي الذي شهدناه في هذه الفترة كان بمثابة مخاض ديمقراطي يؤذن بدستور جديد قادر علي أن ينتقل بمصر من عصر الي عصر ومن نظام الي نظام بالوسائل السلمية وحدها، غير أن الحراك السياسي المستجد، بالظروف التي نشأ فيها والأحوال التي وجد نفسه عليها. أخذ يخفت وتراجع الجدل الذي كان صاخبا عن الإصلاح السياسي والدستوري وتراجعت معه الأولويات المطالبة بدستور جديد. كفاية وأخواتها ويستكمل السناوي حديثه مشيرا الي ان حركة كفاية خرجت بوسائلها الرمزية في التظاهر السلمي وانتزاع الحق فيه متبنية رفضا للتمديد والتوريث وكانت الشعارات والأفكار التي تبنتها مطروحة علي صفحات الجرائد وكان دورها البارز الذي استنسخته حركات احتجاجية أخري مثل الجبهة الوطنية وغيرها يدور حول فكرة الفعل المباشر وبمضي الوقت أخذت المظاهرات تخفت وتأثيرها يضعف، وهو ما يستدعي وقفة من الحركات الاحتجاجية المستجدة، للبحث في رؤي جديدة تنقذ الحراك السياسي من أزمته. ايضا هناك ما يحدث من انشقاقات وانقلابات داخل الاحزاب المصرية ومايحدث في حزب الوفد من صراعات وصلت الي ساحات القضاء قد تعبر عن أزمة المؤسسة الحزبية المصرية برمتها مصحوبة بتراجع الحراك السياسي. ايضا تدخل جماعة الإخوان المسلمين في الأزمة وهي أحد المتسببين فيها ولعلها شاركت في مظاهرات الاحتجاج، باعداد اكبر، تأكيدا علي طرح دورها علي أجندة المستقبل وتبنت علي نحو غير مألوف فكرة المواجهة مع نظام الحكم الحالي علي أرضية الاصلاح السياسي والدستوري . وكان ذلك مدخلا لقبول قطاعات واسعة من الرأي العام لفكرة أن يكون للجماعة التي توصف في الخطاب الرسمي بأنها محظورة حزب مدني بمرجعية إسلامية وكان دخول الجماعة الي حلبة الحراك السياسي مما أزعج النظام وقوي من شوكة المعارضة غير أن الجماعة بعد المواجهات التي حدثت أخذت تعيد تقييم الموقف بما يسمح لها بجني ثمار الحراك السياسي دون أن تدفع فيها فواتير باهظة وقد ساعدت الأجواء الانتخابية الرئاسية والبرلمانية في تنشيط الحياة السياسية في مصر لكن ظل الإطار العام محكوما من النظام وفي الحدود التي يتقبلها أو بما يحافظ عليه بمقوماته الحالية مع تخفيف الضغوط الدولية عليه غير ان جماعة الإخوان المسلمين اخذت تنتابها صراعات مكتومة بعضها يذهب الي حل الجماعة إذا ما حصلت علي حزب سياسي باعتقاد أن الفرصة سانحة لتبني خطاب جديد وبعضها الاخر ذهب الي ضرورة الحفاظ علي الجماعة مع طلب الحزب لما يؤكد مقومات الجماعة التقليدية بأفكارها المعهودة التي لا تولي عناية كبيرة بفكرة الاصلاح السياسي الا بقدر ما تمكن الجماعة من الوصول للسلطة مستقبلا وهذا هو الاتجاه الأقوي والذي يعبر عنه بوضوح خيرت الشاطر النائب الثاني للمرشد العام. الإخوان في أزمة وهذا مايضع جماعة الإخوان في مأزق فإذا ما أفسحت المجال امام الافكار الإصلاحية فإن بنيانها التقليدي قد يتهدد في لحظة الظن فيها أنها مرشحة لتولي السلطة وهكذا خرجت الجماعة عملياً من ميادين الحراك السياسي وتركته وحيداً يعاني أزمته. لذا ـ كما يري السناوي ـ فإن اطرافا عديدة في الحراك السياسي انشغلت بمشاكلها أكثر مما انشغلت بقضاياها وراهنت علي حصد مكاسب الحراك السياسي في خرائط المستقبل وموازين القوي فيه بأكثر مما راهنت علي تعديل قواعد اللعبة السياسية بما يسمح بتنافس ديمقراطي واسع وجدل اجتماعي صحي يحسم خياراته الرأي العام وحده. وفي السياق ذاته يري النائب المستقل بمجلس الشعب د.جمال زهران أستاذ العلوم السياسية فيقول: إن مشكلة الحريات السياسية في مصر تبدأ وتكمن في وجود نظام مبارك لأنه أصبح عبئاً علي الحريات السياسية أما عن وعود مبارك بالمزيد من الاصلاح و بالغاء حالة الطوارئ وقوانين الحبس في قضايا النشر فهي مجرد كلمات لن يكتب لها أن تكون قرارات حقيقية تنفذ علي أرض الواقع. ويضيف د.زهران: ان فكرة حرية الممارسة السياسية فكرة تزيد من حساسية النظام تجاه مصالحه بمعني أن السلطة تري أنها لو سمحت بدرجة ما من حرية الممارسة السياسية سيكون الثمن المقابل لذلك هو تركهم للكراسي التي اعتادوا اعتلاءها لهذا تلجأ السلطة باستمرار لاعطاء الحريات بحساب ومقدار معين لن تزيد عليه كلما زادت عليها الضغوط. وحتي انتخابات المحليات لم يرحمها النظام بل قرر تأجيلها لمدة سنتين رغم مخالفة ذلك للدستور ومبدأ التعددية السياسية. تحالف المال والسلطة النظام يعد الآن لاستقبال مسرحية التوريث التي اعتقد البعض انها انتهت ولكنها في الواقع مازالت مستمرة والتحول الديمقراطي في ظل نظام مبارك هو تحول استاتيكي . وفي حديثة يؤكد د.أحمد ثابت أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة أن النظام المصري يلجأ أحياناً لبعض الخطوات التي تبدو في الظاهر أنها اصلاحات ديمقراطية مثلما فعل بتعديل المادة 76 حينما تزداد الضغوط الشعبية والخارجية عليه. والسبب في الاستمرار في هذه التصرفات والقرارات القمعية للنظام هو كونه يزداد فساداً والتحالف الموجود الآن بين رأس المال والسلطة والذي اتضحت معالمه في التشكيل الوزاري لابد أن يقابله المزيد من القمع والاستبداد للحفاظ علي قوته وضمان استمراره ومن هنا فلن يسمح إلا بتكميم الأفواه من خلال تشريع عدد من القوانين القامعة للحريات السياسية وخاصة قضايا النشر. ويقول الكاتب السياسي جمال أسعد: من الواضح ان فكرة تعديل المادة 76 لتغيير نظام الانتخابات الرئاسية كانت تهدف الي احتواء الحراك السياسي الذي حدث في أواخر عام 2004 وللأسف نجحوا في ذلك أنه بعد انتخاب مبارك رئيسا للجمهورية وتقدمه بالبرنامج الانتخابي ضاع الحراك الضاغط وخمدت الحركة الحزبية وخفتت الدعوة للمشاركة السياسية الحقيقية خاصة بعد النتائج المحبطة للانتخابات البرلمانية. ويؤكد جمال أسعد أن الحفاظ علي الحريات السياسية وانتزاع مساحة أكبر منها لن يحدث إلا من خلال إعادة تكوين واعداد مراكز القوي والضغوط الشعبية فبدونها لن يحدث حراك سياسي يطيح بالفساد ويضمن التغيير الديمقراطي. ضغط شعبي وفي ذات السياق يؤكد د.عزيز صدقي منسق الجبهة الوطنية التي ضمت عدداً من قوي التغيير المصرية فيقول: ناقوس الخطر يهدد الحرية السياسية ولن تتحقق وعود مبارك التي تمنح مساحة أكبر من الممارسة والتغيير إلا بعد استعادة المعارضة الوطنية لقوتها للضغط من أجل تنفيذ وعود مبارك التي لم تتم بمبادرة شخصية منه بل بعد ضغط شعبي وطني يدفعه في اتجاه إحداث التغيير. ويقول هاني عنان أحد مؤسسي الحركة المصرية من أجل التغيير كفاية: النظام أجبن من أن يطرح هذه الاصلاحات لأن اعطاء مساحة من الحرية يعني المزيد من القلق علي وجوده في السلطة وتتعرض الحريات السياسية الآن للقمع وتتم الاطاحة بكل القوي المطالبة بالتغيير التي شكلت قوي ضغط علي النظام والدليل ما حدث أخيرا للحركة المصرية للتغيير كفاية عندما اعتدت قوات الأمن علي عدد من أعضائها أثناء مظاهرة نظمت أمام مكتب النائب العام احتجاجا علي تفشي الفساد الحكومي الذي كان نتيجته غرق العبارة السلام ويؤكد عنان أن هذا القمع لن ينجح في جعل الحركة تغلق ملفات الفساد كما لن تتنازل عن مساحة الحرية التي انتزعتها وناضلوا من أجلها سنوات.ويقول عبد الغفار شكر عضو المكتب السياسي بحزب التجمع: ان الحريات السياسية لاتزال غير واضحة واستمعنا لوعود سياسية كثيرة لن تنفذ لأنها وعود يقدمها نظام استبدادي لا يعترف بحق المواطن في حرية التعبير والاختيار فلا يمكن لمثل هذا النظام تقديم قوانين وتشريعات تتيح مساحة أكبر من الحرية لقوي التغيير التي تطلب الاطاحة به ويؤكد أن السلطة المضغوطة لا يمكن لها أن تغير أي شئ ويري أنه يجب علي القوي الديمقراطية أن تعيد تجميع نفسها للضغط علي النظام لضمان تنفيذ الوعود السياسية التي سبق وأعلنها لان الخطر علي الحريات السياسية سببه ليس عدم تنفيذ الوعود بل تراجع قوي الضغط الوطنية. من جانبه أوضح أبو العلا ماضي ـ رئيس حزب الوسط تحت التأسيس ـ ان الحريات السياسية لا تمنح ولاتوهب بل تأتي عبر نضال الراغبين في التحول الديمقراطي. ويقول: علي دعاة التحول الديمقراطي أن يزيدوا من ضغطهم علي النظام الذي لن يتسامح في أي مساحة للحرية بدون مقابل فالحراك السياسي والاجتماعي هو أولي الخطوات الحقيقية في سبيل تحقيق الحرية السياسية الكاملة. وكل ذلك بحسب رأي أحمد أنور في المصدر المذكور. المصدر: العرب اون لاين-8-3-2006
|