مَـنْ يـنـتـظـر مَـنْ  ؟ ... الهـنـد والـعـالـم

 

 

الـعـملاق الـهنـدي ... متـى وكيـف ؟

 

القسم الأول

 

المهندس حسين جهاد

 

الصين والهند عملاقان إقتصاديان يتسابقان فيما بينهما ، كما يتسابق كل منهما مع الزمن من جهة ومع أكبر الإقتصادات في العالم الأمر الذي أجبر النظم الغربية والمتقدمة إلي دراسة نتائج التعمق الإقتصادي للدولتين فلا يمكن لأحد أن يتجاهل اثار ذلك فهما يحققان معدلات نمو إقتصادي تعد أعلى المعدلات في العالم .البعض يعتقد بأن هناك بعض المبالغات حول مستقبل الدولتين وربما يكون مصيبا إذا كان الحديث عن مستقبلهما بصورة مطلقة وليس في البين منْ يقصد ذلك .

نعـم الجميع غارقون في دراسة التجربة وكل مايتعلق بالهند والصين لتجيير وإستثمار نموهما المتصاعد وإحتواء تداعيات ذلك النمو عليهم وعلى العالم برمته لكن :

 أين نحن من كل ذلك ؟

وفي البين عوامل مشتركة كثيرة ومحورية ؟

ألا تستحق تجاربهما الدراسة والتحليل ؟

وفي الحديث الشريف عن الرسول الأكرم صلى الله عليه واله :

( اطلبـوا العـلم ولو في الصين )

ألا تصلح الصين اوالهند للإستثمار ؟

النموذجان يستحقان الدراسة والتحليل المتواصل لذلك سوف نحاول مواصلة تغطية الأمر ومن جوانب عديدة مع التركيز على الهند أكثر .

لـمـاذا  ؟

لأن المشتركات اكثر ولأنها ذات نظام ديمقراطي فيدرالي دستوري يؤهل تقدمها الى التصدر في العالم إستمرارية وإستقرار أكبر مقارنة مع الصين، (وديمقراطية الهند من صنف الديمقراطيات التي لاتقوم على مايطلق علية بالطبقة الوسطى بل على المؤسسات الإجتماعية الوسيطة  من مؤسسات المجتمع المدني إضافة الى أن الهند استطاعت أن تحصر الفقر بنسبة 35 في المائة رغم العدد الكبير للسكان وهذا ما لم تتمكن من تحقيقه بالنسبة للفقر) (1)  . هذا إضافة الى ( إنّ الهند تجنبت بـ" اللاعنف " محاذير الانقلابات والثورات التي دمرت الطريق الديمقراطي في العالم الثالث . ورغم ان الصين تبدو أكثر قوة وتماسكاً ، إلا أنها تبدو " متخلفة " بالنسبة للهند ديمقراطياً وسياسياً . الفارق الأساسي إن ظروف التطور السياسي في الصين قد ارتبطت بالعنف الثوري ، بينما تمسكت التجربة الهندية باللاعنف السياسي ، أي بالتطور السلمي ) (2) . 

هذا من جهة ومن جهة أخرى فأن الهند ستصبح أكبر بلد في العالم عندما يتجاوز عدد سكانها عدد سكان الصين خلال أقل من عقدين من الزمن. ويتوقع أن يستمر الاقتصاد الهندي في النمو بمعدلات عالية لعقود مقبلة، كما يتوقع أن يستمر الأداء الجيد للبورصة الهندية.

وليس هذا فحسب بل أن الهند استطاعت وبذكاء تجنييد إيجابيات العولمة لصالحها الى حد كبيرأنجزت توليفا بين العولمة وتعليمها العالي حيث ( استفادت من العولمة عن طريق بناء صناعة هندسة البرمجيَّات, وتدريب مهندسين في البرمجيَّات, وأقامت صناعات خدميّة وشركات ومشاريع وفَّرت فرص عمل لحوالي (80) ألف شخص في صناعة التكنولوجيا العالمية; وهي إنتاج أكثر من (100) جامعة, حيث إنَّ شركات مثل (أي.بي.ام), وانتل, وميكروسوفت, وأوراكل, وأنَّ ميكروسوفت لها مراكز تطوير وارتباطات مع مصانع محليّة تستفيد من خريجيها ) (3) .

هذا وتشكل تكنولوجيا المعلومات واجهة الاقتصاد الهندي الحديث، وتعد أسرع القطاعات نموا، تدر على البلاد حوالي 13 بليون دولار سنويا. يحتل الاقتصاد الهندي المركز العاشر عالميا من حيث تبادل العملات، والرابع من حيث معادل القوة الشرائية (PPP). سجلت الهند عام 2003 م أعلى معدلات النمو السنوية في العالم (حوالي 8%). إلا أن هذه الأرقام تبقى بعيدة عن الواقع، إذ أنه ونظرا لتعداد سكانها الكبير، تتراجع الهند إلى المرتبة الـ120 عالميا من حيث الدخل السنوي الفردي (3,262 دولار حسب أرقام البنك الدولي). للهند احتياطات من النقد الخارجي تبلغ حوالي 143 بليون دولار. تعتبر مدينة مومباي المركز المالي للبلاد، ويوجد بها مقر مصرف الهند المركزي، وسوق المال (البورصة). بينما يعيش أكثر من ربع الهنود تحت خط الفقر، بدأت ملامح طبقة وسطى جديدة تظهر إلى الأفق، وبالأخص مع تطور صناعة المعلوماتية.

كانت الزراعة وإلى سنوات خلت المحرك الرئيس للاقتصاد، وعرفت الهند معها الاستقلال الاقتصادي، اليوم تراجعت مساهمة هذا القطاع إلى 25% من الناتج المحلي الإجمالي. من القطاعات الأخرى المهمة: التعدين، البترول، صقل الماس، الأفلام، خدمات تكنولوجيا المعلومات، المنسوجات، الحرف اليدوية. تتركز أكثر المناطق اصناعية حول المدن الكبرى. في السنوات الأخيرة برزت الهند كأهم متعامل عالمي في مجالي البرمجيات ومعالجة الأعمال الإدارية، وبلغ حجم مداخيل هذه الخدمات 17.2 بليون دولار (2004-2005). تتواجد العددي من الشركات الصغيرة الحجم والتي توفر مناصب عمل دائمة للعديد من المواطنين في المدن والقرى الصغيرة. رغم أن عددهم لا يزيد عن الثلاثة ملايين سائح أجنبي سنويا، تشكل مدخولات قطاع السياحة جزءا من مهما من الدخل القومي (حوالي 5.3% من الناتج المحلي الإجمالي). من بين أهم الشركاء التجاريين للهند: الولايات المتحدة الأمريكية، اليابان، الصين، والإمارات العربية المتحدة.

من أهم صادرات الهند، المنتجات الزراعية، المنسوجات، الأحجار الكريمة والمجوهرات، خدمات وتقنيات برمجية، منتجات كيماوية وجلدية، فيما تشكل أهم البضائع التي تسودها: النفط الخام، الآلات، أحجار كريمة، أسمدة، كيماويات. بلغ حجم صادرات الهند عام 2004 م، حوالي 69.18$ بليون فيما بلغ حجم الواردات 89.33$ بليونا (4) .

كما ان الهند نجحت في تحاشي بناء العلاقات الثنائية من خلال منظور سياسي بحت فقط حيث نجحت المشروعات التجارية والصناعية في تجاوز ماض طويل من العداء المتبادل. هناك بوادر تحول كبير في العلاقات الدولية وهذا التحول يقول : الاقتصاد قبل السياسة ، فالهند التقطت التحول هذا مبكرا وأجتهدت في تقوية نفسها إقتصاديا وفي الجوانب الستراتيجية فكانت مصداقا للعمل بالمقولة المشهورة المهجورة : إذا أردت أن تٌـحترم فكنْ قويا :

(كلنا يذكر كيف كان رد فعل اليابانيين على التجارب النووية الهندية عام 1998. ولكن الفرص التجارية المتزايدة في الهند بدأت تقلب هذا السيناريو. ويبدو أن الاقتصاد الهندي المتنامي أغرى اليابانيين بالسعي إلى إقامة شراكة جديدة معها، وأصبح اتحاد غرفة التجارة والصناعية الهندية يستهدف الوصول بالتجارة البينية إلى نحو 10 مليارات دولار خلال الأعوام الثلاثة المقبلة. وجاءت زيارة رئيس الوزراء الياباني يونيشيرو كويزومي للهند مؤخرا على رأس وفد تجاري رفيع المستوى بمنزلة اعتراف ياباني ضمني بأن من الخطأ الحكم على العلاقات الثنائية من خلال منظور سياسي بحت فقط.) (5)

رصد وتحيّن وإصطياد الفرص الدولية الصعبة وإستثمارها فورا بمرونة وحذر، فلكل مرحلة ظروفها ومواصفاتها وشروطها وذلك يساهم في صياغة تعريف الموضوع ، وإذا تغير الموضوع تغيرالحكم عليه ، كلنا نتذكر دور الهند في تأسيس ودعم منظمة عدم الإنحياز وإستمراريتها، ونعرف موقف الولايات المتحدة من منظمة عدم الإنحياز لكن حين تغيرت الظروف والشروط والمقتضيات اختارت الهند المسار الأخر لتحقيق أهدافها ومصالحها فمثلا لو لم تتعاون بقوة كل من الهند وروسيا مع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة فيإسقاط نظام طالبان في أفغانستان ربما لم تقدم الولايات المتحدة على ما أقدمت عليه ، فتعاون الهند وروسيا كان هاما وللغاية وعدمه كان يعني التأخيرلنقل قوات كبيرة وخسائر بشرية كثيرة  فعدم التعاون كان يقود الهجوم الجوي بكل حملاته الى الفشل من الحسم لوحده في إسقاط طالبان ، فاقتنصت الهند الفرصة وأخذت وأعطت فصارت تزداد (العلاقات الأميركية - الهندية تزداد قوة باستمرار· حيث زاد التعاون العسكري بين البلدين، وأجريت تدريبات مشتركة بين قواتيهما، وهناك الآن مقترحات بعقد صفقة أسلحة أميركية مع الهند· وإذا ما تم اعتماد هذه الصفقة فسوف يكون ذلك مؤشرا دالا على زيادة التعاون الاستراتيجي المتنامي، وعلى أن الهند قررت أخيرا التخلي عن ادعاءاتها الطويلة الأمد بـ''عدم الانحياز''·

وعلى الرغم من أن الحكومة الهندية ستكون حريصة على عدم تصوير هذا التعاون المتزايد مع أميركا على أنه موجه ضد الصين، فإن هذا التعاون سوف يتم النظر إليه من قبل الكثير من الأميركيين على أنه نوع من المراهنة على الهند للوقوف أمام بروز الصين كقوة إقليمية عظمى .. ويتوقع أن تصبح الهند عضوا دائماً في مجلس الأمن الدولي يوماً ما. علاقاتها بالعالم العربي قديمة وتعود إلى آلاف السنين. على الرغم من أن هناك أشواطاً طويلة أمام الهند لتحقق وجوداً دولياً مؤثراً في الصعيدين الاقتصادي والسياسي، وعلى الرغم من اعتقادي الشخصي بأن هناك بعض المبالغات حول مستقبل الهند، إلا أنها ستصبح أكبر سوق في العالم للمنتجات كافة، وقد تصبح من أكبر أسواق الطاقة في العالم، ومن أكبر المستهلكين للمنتجات البتروكيماوية والبلاستيكية التي تنتجها دول الخليج.

كما يتوقع استمرار سيطرة الهنود على أغلب الوظائف وفي كل المجالات في الدول الخليجية الصغيرة )(6) .

وبالأمس قام الرئيس الأمريكي في زيارة هامة للهند ولاسيما فيمايخص الستراتيجية النووية الهندية حيث تم التوقيع على اتفاقية ذرية جرى توقيعها بين الولايات المتحدة والهند وبذلك خرجت الهند من عزلتها النووية وبإتفاقية وصفت بالتاريخية بعد صبر طويل وعمل دؤوب وحكمة و.. واليك نص التقرير :

( وكالة الطاقة الذرية ترحب باتفاقية هندية-أمريكية رحب محمد البرادعي مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية باتفاقية ذرية جرى توقيعها بين الولايات المتحدة والهند.

وقال البرادعي ان هذه الاتفاقية ستساهم في تدعيم الحد من انتشار الأسلحة النووية.

وكذلك رحبت بالاتفاقية كل من بريطانيا وفرنسا، ولكنها تعرضت للانتقادات من بعض أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي الذين قالوا انها ستؤدي الى انتشار الأسلحة النووية.  

وستحصل الهند بموجب الاتفاقية على مساعدات تقنية أمريكية في مجالات الطاقة النووية السلمية وستفتح منشآتها النووية للتفتيش.

وقد وصف الرئيس الأمريكي الذي وقع هذه الاتفاقية مع رئيس وزراء الهند مانموهان سينج في نيودلهي بأنها "اتفاقية تاريخية"، ولكنه اعترف انه قد يواجه صعوبة في اقناع مجلس الشيوخ باقرارها.

وقال جوناثان بيل مراسل بي بي سي في واشنطن ان جورج بوش سيواجه مصاعب بعد اتهامه "بارسال مؤشرات خاطئة في وقت تحاول الولايات المتحدة وحلفاؤها تحديد طموحات ايران النووية". علامة مميزة يذكر ان الهند لم توقع على اتفاقية الحد من انتشار الأسلحة النووية.

وستعلن الهند بموجب الاتفاقية ان 14 من أصل 22 من منشآتها النووية تعمل لأغراض سلمية وبالتالي ستفسح المجال أمام تفتيشها.  وبقول العديدون من مؤيدي اتفاقية الحد من انتشار الأسلحة النووية ان الاتفاقية الأخيرة تتجاهل البرنامج النووي للهند.

وقال البرادعي ان هذه الاتفاقية ستنهي عزلة الهند النووية.

وأضاف البرادعي قائلا: "ستكون هذه الاتفاقية علامة مميزة وسط الجهود الرامية الى تعزيز اتفاقية الحد من انتشار الأسلحة النووية".

وقال رئيس الوزراء البريطاني توني بلير ان الاتفاقية ستساهم في تعزيز أمن الطاقة.

"فشل تاريخي" :

 أما في واشنطن فكانت ردود الفعل متباينة، فقد رحب بعض أعضاء مجلس الشيوخ بالاتفاقية، وقال اد رويس الرئيس الجمهوري للجنة التابعة لمجلس الشيوخ والخاصة بشؤون الارهاب والحد من انتشار الأسلحة النووية ان هناك حماسا لتوطيد العلاقات مع الهند، ولكنه اضاف ان للاتفاقية مضامين أخرى سوف يترتب على مجلس الشيوخ دراستها بعناية.

أما اد ماركي من كبار الحزب الديموقراطي في مجلس الشيوخ فقد قال ان الاتفاقية "فشل نووي تاريخي".

وقالت باكستان انها ستمارس ضغوطا من أجل أن تحصل من الولايات المتحدة على نفس المساعدات التقنية التي ستقدمها للهند بموجب الاتفاقية. (6)

طبعا على بعض سياسات وبرامج الهند وكما على غيرها إنتقادات وتحفظات لم نهدف هنا التعرض لها بل كان القصد الإشارة وبإقتضاب الى بعض نقاط القوة وعوامل البزوغ ولاسيما الى النقاط الإقتصادية والمرتبطة .

 

 للحـديـث صـلـة

 

 مواضيع ذات علاقة منشورة على الموقع سابقا :

 

دول الخليج والصين

الصين قادمة 

.. لكي لا تلعب الصين في المنطقة الرمادية..!

منْ سيفوز بسباق القرن··· الصين أم الهند؟

الصين: القمع الديني للمسلمين الايغور

حول نهضة الصين

فلنكن على بصيرة بطموحات الصين العسكرية  

ّّّّّّّاقتصاد مفتوح ... مجتمع مغلق!!

هلْ حقا الصين نمر من ورق ؟

آفــاق التجربــة الصينيــة··· وأسئلتهــا

فرصة العرب على المسرح الدولي في ظل تنامي نفوذ التنين الصيني

ماذا لو توقّفت الصين عن دعم الولايات المتحدة ؟

توجه الصين لزيادة مخزونها النفطي يثير قلق الأسواق

بدائل إفلاس العولمة

صراع القوتين العُظميين··· هل بلغ ساعة الخطر؟  

ميزان القوة العالمي يميل إلى آسيا

سؤال مرهق: هل تسيطر آسيا على القرن الحادي والعشرين...؟

هل عاد بوش من الصين بخفي حنين؟

مسلمو الصين... آخر المستفيدين من نفط مناطقهم

 

 

المصادر :

 

( 1 ) : من ديمقراطيات الشرق – المهندس مصطفى الصادق

( 2 ) : العرب والديمقراطية ... متى وكيف ؟ - محمد جابر الأنصاري - مفكر من البحرين

( 3 )  : إستراتيجيّة التعليم العالي في ظلِّ العولمة ? - أ.د. سليمان عربيات - رئيس جامعة مؤتة - وزير الزراعة الأسبق

( 4 )  : apa.com  - 2-3-2006

( 5 ) : ابوظبي - اخبار الساعه - 4/5/2005

( 6 ) : اخبار الخليج - العلاقات مع الهند: لماذا لا يتم تعميم خطوات "أرامكو"؟

د. أنس بن فيصل الحجي  - أكاديمي وخبير في شؤون النفط - 12/11/1426هـ

( 7 ) : BBCArabic.com -3-3-2006