التحديات الكبيرة لوضع لبنات بناء دساتير الديمقراطيات الناشئة

 

 

يبحث هرمان شوارتز، الكاتب المعروف والباحث في الشؤون الدستورية، التحديات التي تواجه الذين يضعون الدساتير الجديدة في العالم.

ويشرح شوارتز بالتفصيل العناصر الأساسية التي يرى انه ينبغي على واضعي الدساتير أخذها بعين الاعتبار مثل :

هيكليات الحكم وحماية حقوق الانسان والاجراءات التي تسمح بإدخال التعديلات على تلك الدساتير.

ويضيف هرمان :

يواجه الذين يكتبون دساتير الديمقراطيات الناشئة تحديات مثبطة للعزم. فعليهم :

أولاً:

كتابة وثائق تمكن المجتمع من اتخاذ قرارات في مسائل صعبة ومثيرة للانقسامات بطريقة سلمية، وفي كثير من الأحيان، في ظروف مصيرية. وعليهم، في الوقت نفسه، إرساء الظروف اللازمة للحماية الفعالة لحقوق الانسان بما فيها حق الأقليات في الاختلاف بالرأي.

ثانياً :

تبدأ الانقسامات والنزاعات عادة بسرعة كما ان حل تلك الانقسامات والنزاعات يمكن ان يخلق مشاكل طويلة الأجل. ذلك انه عندما يتم الاتفاق على التغيير، كما حدث في معظم بلدان الاتحاد السوفياتي السابق، يحاول الخاسرون الاحتفاظ بأكبر قدر ممكن من السلطة. وعندما تكون نتائج هذا التغيير الإطاحة التامة بنظام حكم، كما حصل في العراق، يتنافس الرابحون على السلطة.

فالتسويات التي تحل تلك النزاعات كثيراً ما يتم شملها في الدستور، الأمر الذي قد يؤدي إلى مشاكل مزعجة في الأمد الطويل. فالتسويات التي تم التوصل اليها، مثلاً، حول الرّق في الدستور الأميركي، جعلت من الممكن تبني ذلك الدستور لكنها لم تكن، في خاتمة المطاف، صالحة للبلاد.

علاوة على ذلك، تتم كتابة دستور ما عند نقطة معينة من الزمن، عادة عندما يواجه المجتمع مشاكل بالغة الصعوبة اقتصادية، أو اجتماعية، أو غيرها؛ فتكون هناك نزعة، بل وأحياناً كثيرة حاجة، إلى معالجة تلك المشاكل بسرعة.

لكن أحكام الدستور التي تُصمم بهدف معالجة سريعة للمشاكل المُلحّة هذه قد لا تشكل حلولاً مناسبة على المدى البعيد.

ثمة واقع يسيطر على جميع الوثائق التي تُحرّر في وقت ومكان معيّنين يتمثّل باستحالة التكهّن بالمستقبل، كما ان المستقبل يكون دائماً مختلفاً عما كان متوقعاً. ولذلك :

يتوجب على واضعي الدساتير توفير مرونة للحكومات المستقبلية تسمح لها بمواجهة التحديات غير المتوقعة التي لا يمكن التنبؤ بها.

وهناك درس من تجربة شبه عالمية يمكن الاستفادة منه وهو:

أن حقوق الإنسان يجب حمايتها مباشرة وبصورة فعالة. فعندما يُطاح بنظام استبدادي ما، يمر المجتمع بصورة حتمية بشعور التحرر وبتوق إلى الحرية.

غير ان هذا الشعور بالاثارة لا يدوم طويلاً، فتجارب الديمقراطية الجديدة والقديمة تدّل على انه اذا لم تكن حقوق الانسان محمية بصورة كافية منذ البداية، سيكون من الصعب حمايتها لاحقاً.

اعتبارات أولية

أولاً، هل يجب ان تقوم بكتابة الدستور هيئة تشريعية عادية أم جمعية تأسيسية متخصصة؟

إذا كان القرار سيعود الى الهيئة التشريعية، ممكن أن يقوم المشرعون الدستوريون بكتابة دستور يُبقيهم في مناصبهم، في حين :

ان الجمعية التأسيسية المتخصصة التي تمثل أكبر عدد ممكن من عناصر المجتمع، هي أفضل حتى وان كانت أكثر كلفة وإرهاقاً.

القرار الأهم الآخر يتعلق بتغيير او تعديل الدستور بعد تبنيّه :

فذلك لن يكون سهل التحقيق. فالوثيقة الدستورية يجب ان تعكس أعمق القيم في المجتمع، وتشتمل على القواعد الأساسية للعملية الديمقراطية. كما على هذه القيم والقواعد أن تكون ثابتة.

من جهة ثانية، هناك إمكانية ان لا تكون النصوص التي انتجتها الضغوط والنزاعات والآمال الآنية خلال الفترة الأولية صالحة في الأمد الطويل، الأمر الذي يجعل التغييرات صعبة لاحقاً ويحول دون قيام الحكومات المقبلة بالتعاطي بصورة ملائمة مع أي مشاكل غير متوقعة.

لهذا السبب:

قد يكون من الحكمة إعادة النظر في المظاهر الهيكلية للدستور بعد فترة زمنية معيّنة.

فبالإمكان، مثلاً، تكليف لجنة من الخبراء، كل عشر أو عشرين سنة، بتحديد ما إذا كانت هناك حاجة الى إحداث تغييرات هيكلية.

وقد يكون هذا مفيدا بنوع خاص بعد السنوات العشر الأولى التي تلي فترة التحوّل، على الأقل عندما تصبح بعض المشاكل التي خلقها الدستور الجديد ظاهرة للعيان.

غير انه لا يجوز ان تشتمل إعادة النظر هذه على:

إضعاف الأحكام الخاصة بحقوق الانسان حتى وان كان هناك إغراء للقيام بذلك، حيث انه عندما تتبدّد طفرة الفرح الأولى، ويبدأ الناس بالشعور بعدم التحسن السريع في مستوى المعيشة، يخف لديهم الهاجس حول حقوق الانسان.

فالقيادات، بل وحتى عامة الناس أنفسهم، قد يميلون الى اعتبار حقوق الانسان من الكماليات، وبأنها أمور ثانوية بالنسبة لمسائل أخرى مثل الاستقرار الاقتصادي، وذلك بالرغم من التجارب التي تبيّن ان حماية حقوق الإنسان نادراً ما تحول دون الاستجابة الفعالة لتحديات تلك المسائل الأخرى.

وهناك سؤال تمهيدي ذو صلة بالموضوع حول طول الدستور أو قصره :

يعتقد الكثيرون في الولايات المتحدة ان الدساتير القصيرة هي الأفضل حتى بالنسبة للديمقراطيات الناشئة حيث أن دستورنا القصير دام أكثر من مئتي سنة.

لا أشاطرهم هذا الرأي. فالقانون الدستوري الأميركي لا يمكن العثور عليه ضمن نصوص الأربع وثلاثين مادة أساسية أو في المواد التعديلية، بل يمكن العثور عليه فقط تقريباً في الخمسمئة وأربعين مُجلداً من القرارات التي صدرت عن المحكمة العليا الأميركية القوية والتي قامت على أسس متينة خلال ما يزيد عن 215 سنة.

فالديمقراطيات الجديدة لا تملك ترف صرف 215 سنة لتطوير تلك الحقوق كما ان قلة من تلك الديمقراطيات بدأت حياتها الجديدة في ظل نظام قضائي قوي.

 وبإمكان تلك الديمقراطيات  أن تبني على أساس التجربة الأميركية وغيرها، وان تكتب تلك الحقوق والمبادىء الأساسية في دساتيرها دونما حاجة لانتظار قرارات المحاكم.

هذا لا يعني بالطبع ان الدستور يجب ان يكون كثير التفاصيل.

فالدساتير التي تحتوي على أكثر مما هو أساسي يمكن ان تعيق المرونة الضرورية.

ان قرار ما يلزم تضمينه في الدستور، وما يجب تركه للجمعية التشريعية، وما لا يجب تنظيمه بتاتاً، يشكل احدى المسائل الأولية الأساسية الأكثر صعوبة.

لبنات البناء الأساسية

ان ما يسمى القضايا البنيوية الأفقية والعمودية :

 تُشكّل القضايا الأكثر صعوبة لأنها تتعلق بتوزيع السلطات. في معظم الأحيان تُحَلّ القضايا تقريباً من خلال الجدل السياسي، وتكون الأهداف القصيرة الأمد، هي المسيطرة في أكثر الأحيان، وخاصة فيما يتعلق بكيفية الوصول الى السلطة والاحتفاظ بها.

تدور القضية الأولى حول نوع النظام :

هل يكون رئاسياً أم برلمانياً ؟

على الرغم من أن لكل واحد من هذين النظامين أنواع حكم مختلفة ، لكنهما ينضويان تحت مجموعتين رئيسيتين :

فالنظام الرئاسي الذي تشكل نسخته الأميركية النمط المعروف، ينطوي عادة على انتخاب الرئيس التنفيذي من جانب الشعب، أما مباشرة، أو كما هي الحال في الولايات المتحدة، بصورة غير مباشرة، وذلك لعدد معيّن من السنين.

ففي النموذج الأميركي، يرسم الرئيس الذي هو رئيس الدولة ورئيس الحكومة في آن، السياسة الداخلية والخارجية ويختار الوزراء لتطبيق تلك السياسة. والوزراء يخضعون، في أكثر الأحيان، لتثبيت تعيينهم على يد الهيئة التشريعية لكنهم يخضعون، في نهاية المطاف، لتوجيهات وإشراف الرئيس.

ويجري انتخاب الهيئة التشريعية بصورة مستقلة لعدد من السنين أيضاً، كما :

ان الرئيس والهيئة التشريعية هما في العادة غير مُعرضّين للاقالة او للحلّ، على يد بعضهما البعض. وينتج عن ذلك نظام مزدوج الشرعية وسلطات منفصلة بوضوح.

يُؤمّن النظام الرئاسي الاستقرار، وبامكانه، إذا كان بيد رئيس قوي، توفير قيادة نشطة. غير ان الاستقرار يمكن ان يتحوّل الى جمود، اذ انه من غير السهل إقالة رئيس غير شعبي او غير فعّال قبل انقضاء مدة ولايته.

علاوة على ذلك، من الممكن حصول مأزق تشريعي او توقف عن العمل، إذا كانت الهيئة التشريعية ذات أغلبية تابعة لحزب سياسي مختلف عن حزب الرئيس. وفي حال استمرار هذا الانقسام، قد لا تستطيع الحكومة ان تعمل بصورة فعالة لعدة سنوات.

البرلمان هو، في النظام البرلماني، المصدر الوحيد للشرعية الانتخابية.

فليس هناك فصل للسلطات بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية، ويكون القضاء مستقلا بالطبع، لكنه يقف خارج الدائرة التشريعية، لأن الفرع التنفيذي الذي يُسمّى عادة الحكومة والذي يرأسه رئيس الوزراء، يتم اختياره من جانب الحزب صاحب الأكثرية في البرلمان أو من قبل تحالف يعكس أغلبية المشترعين؛ ولرئيس الدولة، عادةً سلطة محدودة ويتم اختياره في أغلب الأحيان على يد البرلمان.

يخضع رئيس الوزراء والوزراء للمساءلة امام البرلمان وبامكان هذا الأخير إقالتهم، كما يمكن الدعوة إلى الانتخابات في أي وقت شرط ان تكون هناك مرونة. وطالما لا يوجد هناك فصل رسمي للسلطات بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية، تبقى إمكانيات حدوث مأزق ضئيلة ما دام بالامكان إقالة الحكومة او رئيس الوزراء الذي يفقد ثقة البرلمان، على يد هذا الأخير.

غير انه من الممكن للنظام البرلماني ان ينتج تغييراً متكرراً للحكومات وكثيراً من عدم الاستقرار، كما بامكانه أيضاً إنتاج تغيّرات مفاجئة وعنيفة في السياسة عندما تفوز المعارضة بالأكثرية، الأمر الذي قد يخلق بدوره نوعاً مختلفاً من عدم الاستقرار.

ليس هناك جواب واضح بالنسبة لما هو أفضل من بين هذين النظامين.

فالخيار يتوقف أحياناً كثيرة على التاريخ، وعلى ضرورات الساعة، وعلى عوامل أخرى. فقد تبنّت جميع دول الكتلة السوفياتية السابقة خارج الاتحاد السوفياتي، وكذلك دول بحر البلطيك، النظم البرلمانية، لانها أرادت، الى حد كبير، ان تصبح جزءاً من أوروبا الغربية ذات الأنظمة البرلمانية بكاملها تقريباً. أما مكونات الاتحاد السوفياتي السابق الأخرى، غير دول بحر البلطيق، فقد تبنت النظم الرئاسية.

ويجب أيضاً :

 تقرير ما إذا كانت الهيئة التشريعية ستتألف من مجلس واحد، أو من مجلسين (المجلس الأعلى والمجلس الأدنى).

فاذا كانت الدولة فدرالية تتألف من عناصر تتمتع بالاستقلال الذاتي، مثل الولايات المتحدة أو ألمانيا، فمن المستحسن :

ان يكون هناك مجلس تشريعي ثانٍ (عادة، مجلس أعلى مثل مجلس الشيوخ الأميركي) يُمثل مصالح تلك العناصر.

ويتمتع المجلس الثاني أحياناً بصلاحيات محدودة تنحصر في بعض القرارات مثل تلك المتعلقة بالضرائب والتعيينات القضائية وغيرها، أو بمسائل تؤثر مباشرة على تلك العناصر المكونة بالذات.

تُثير مسألة وجود مجلس ثان سؤالاً إضافياً:

الى أي حدّ ستكون الدولة دولة مركزية؟

وكم من السلطة والاستقلالية الذاتية يجب ان تعطى إلى مستويات الحكم الدنيا مثل المناطق أو الوحدات القومية؟

وأي قدر من السلطة المستقلة يجب منحه للمدن والبلدات والقرى؟

فمجال الإمكانات واسع، بدءاً بالوحدات التي تتمتع باستقلال ذاتي واسع ووصولاً الى السيطرة المركزية الكاملة. ثمة أسباب كافية لمنح الوحدات المناطقية والمحلية استقلالاً ذاتياً بالقدر الذي يمكنها فيه إدارته، ذلك  :

ان الادارة المركزية، في كثير من الأحيان، لا تألف الظروف والاحتياجات المحلية. كذلك فان المشاركة في الحكومات المحلية توفر للناس فرصة المشاركة مباشرة في صنع القرارات الأساسية التي تؤثر في حياتهم، كما بامكانها ان تكون جزءاً هاماً من الحكم الذاتي الديمقراطي.

القضاء أثبت التاريخ الحاجة الى قضاء مستقل قادر على منع فروع الحكم الأخرى من تجاوز الحدود الدستورية، وعلى الأخص عندما يتعلق الموضوع بحقوق الانسان الأساسية.

وقد يكون هذا النظام القضائي المألوف، كما هي الحال في الولايات المتحدة، على شكل محكمة خاصة، أو محكمة دستورية، ينحصر عملها في الحكم في المسائل الدستورية وفي عدد قليل من المسائل الأخرى، كما هي الحال في ألمانيا.

ففي الحالة الأولى، تكون السلطة صاحبة القرار الأخير، هي المحكمة العليا المؤلفة من قضاة المحاكم النظاميين الذين يتم تعيينهم مدى الحياة، والذين ينظرون عادة في دعاوى الاستئناف الواردة من المحاكم الدنيا.

تحكم المحكمة العليا في المسائل الدستورية فقط اذا كانت هناك ضرورة لحل القضايا العالقة. ان معظم أعضاء المحاكم الدستورية هم من أساتذة القانون وغيرهم الذين لم يؤت بهم من نظام المحاكم الاعتيادي، وهم يخدمون عادة، لفترة زمنية تتراوح بين 8 و12 سنة، وأحياناً أكثر من فترة زمنية واحدة.

ينظر هوءلاء القضاة في المسائل الدستورية اذا طلب منهم ذلك كبار الرسميين الحكوميين، والمحاكم، وفي العديد من البلدان، المواطنون الفرديون الذين يدّعون ان حقوقهم انتُهكت.

اختارت معظم الديمقراطيات الناشئة إقامة محاكم دستورية، من جهة، لأن إعادة النظر من جانب القضاة الاعتياديين ليست من تقاليد تلك الديمقراطيات، ومن جهة ثانية، لانها لا تثق بالسلطات القضائية القائمة.

يجب ان يُقرّ الدستور بوضوح

أياً كان نوع النظام الذي يتم اختياره، سلطة المحاكم في إلغاء القوانين والمعايير والأعمال التي تتنافى مع الدستور، كما لا يجوز، إذا كانت هناك محكمة خاصة، تحميلها عبء مسؤوليات غير أساسية.

ان معظم أعمال المحاكم ستكون قابلة للجدل والنقاش، ذلك ان من أهم مسؤولياتها، على الأخص خلال السنوات الأولى من التحول، هي رسم الحدود الدستورية التي تفصل بين السلطات الحاكمة، كما سيترتب عليها أحياناً إصدار احكام ضد الحكومة في قضايا حقوق الانسان.

وفي جميع تلك الحالات، سوف تتعرض المحاكم أحياناً كثيرة للانتقاد بشدة من قبل الخاسرين.

ولا يجوز ان يضاعف الدستور الظروف التي تسمح بتلك الانتقادات، كمثل إعطائه المحاكم مُهمات غير قانونية او غير دستورية، لأن تلك المحاكم ستفقد خلال أولى سنوات ممارسة أعمالها الهيبة وتأييد الجمهور اللذين تعتمد عليهما لكي تعمل بفعالية.

ان تعزيز القضاء المستقل هو سبب آخر لكي لا يكون الدستور موجزاً أكثر من اللزوم.

فبقدر ما يكون الدستور دقيقاً

بقدر ما يسهل على المحاكم الرجوع الى اللغة المناسبة في الوثائق الدستورية من أجل دعم قراراتها الأكثر عرضة للجدل، وبقدر ما يقل نظر الناس اليها على انها تعمل حسب قناعة القضاة الشخصية الخاصة.

ويجب ضمان استقلالية وعدم تحيّز المحاكم في الدستور، لأن قراراتها ستكون في الكثير من الأحيان شديدة الحساسية سياسياً.

وعلى القضاء أن يكون فرعاً مستقلاً عن الحكم وألا يكون تحت إشراف وزير العدل، كما يجب ان يشرف القضاء على شؤونه المالية والإدارية بعيداً عن تدخل السلطة التنفيذية، حتى لو كانت موازنته خاضعة بالضرورة، وفي نهاية المطاف، لرقابة الهيئة التشريعية.

ويجب ان ينص الدستور أيضاً على انه يتوجب على قضاة المحاكم الدنيا تطبيق الدستور عند صنع قراراتهم.

ففي العديد من الديمقراطيات الجديدة، كثيراً ما يتجاهل هوءلاء القضاة القضايا الدستورية عند صنع قراراتهم.

حماية حقوق الانسان لقد ثبت الآن انه يتوجب على الدستور حماية حقوق الانسان وان على المحاكم، وبنوع خاص المحاكم الدستورية الخاصة، ان تلعب دوراً هاماً في تأمين تلك الحماية.

لقد كانت المحكمة العليا في الولايات المتحدة الرائدة في هذا المجال لكن المحاكم في العالم تعترف هي أيضاً الآن بتلك المسؤولية. فحيث تكون الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الانسان التي صادقت عليها حكوماتهم في الميزان، يعتبر القضاة أنفسهم مجبرين على احترام تلك الاتفاقيات.

لقد لجأ هوءلاء القضاة أحياناً كثيرة الى محاكم الدول الأخرى للاسترشاد بها بالنسبة للمشاكل المشتركة، ونتج عن ذلك :

خلق قانون دستوري دولي لحقوق الانسان.

يحتوي كل واحد من الدساتير الجديدة الآن على نصوص حول حقوق الإنسان الأساسية، لكن هذا لا يكفي. فعلى الدساتير هذه ان تخلق المؤسسات القادرة على وضع هذه الحقوق موضع التنفيذ.

ويجب ان تنص هذه الدساتير على ضرورة ان يكون للأشخاص الذين يدّعون ان حقوقهم قد انتهكت وصول ممكن إلى المحاكم؛ وأن يكون باستطاعة الضحايا، في حال حصول هذا الانتهاك، الحصول على تعويض كاف عن تلك الانتهاكات.

وقد وجدت عدة دول ان الأومبودسمان (أحياناً كثيرة المحقق او الوسيط في موضوع الشكاوى) مفيد في هذا السياق. ومن المفيد أيضاً ان يكون للوسيط هذا مكتب خاص في مكتب مدعي عام الدولة.

ومن الأمور ذات الأهمية الحيوية بالنسبة للديمقراطية  :

ان يكون المواطنون قادرين على معرفة ما إذا كانت الحكومة تقوم بعملها على ما يرام وتعمل لصالح الناس.

ويجب ان تحتوي الدساتير على أحكام:

تسمح للمواطنين بالوصول غير المكلف والسريع الى جميع المواد الموجودة في ملفات الحكومات باستثناء تلك التي يمكن ان يُعّرض إخراجها الى العلن الأمن القومي للخطر، وتلك التي لها علاقة بالخصوصية الشخصية، وفرض القانون، او بعض المصالح القومية الحيوية الأخرى.

 ومن غير الحكمة ترك مسألة تبّني إجراء كهذا للهيئة التشريعية لأن العديد من الحكومات تقاوم تلك الإجراءات أو تحاول إضعافها كثيراً. فالقليل جداً من الرسميين الحكوميين يتوقون الى ترك الجمهور يتفحّص نشاطاتهم.

تبّني الدساتير

السؤال الأخير يتعلق بكيفية تبّني الدساتير:

هل يتم ذلك على يد الجمعية التأسيسية التي سبق وناقشناها؟

هل يتم على يد البرلمان النظامي كما هي الحال في العديد من البلدان الأوروبية؟ أم على يد الجمهور؟

وهل يجب ان يتّم إنخراط الجمهور قبل أو بعد وضع الدستور؟

فإذا كان الحل الأخير هو الجواب، كيف يجب الحصول على مشاركة الجمهور؟

هذه الأسئلة وغيرها لقيت أجوبة بطرق مختلفة :

العديد من العلماء السياسيين يعتقدون ان الموافقة على الدساتير يجب ان تأتي من الشعب، لكن هذا لم يكن النهج المتبع عالمياً.

ان وضع الدساتير تجربة ستكون نتائجها دوماً مختلفة الى حد كبير عما كان مقصوداً ومتوقعاً. علاوة على ذلك، يكون نجاح الدساتير عادة نتيجة عوامل خارجية  :

· الاقتصاد .

· القوى الاجتماعية العاملة ضمن المجتمع.

· العلاقات الخارجية للدول.

· الكوارث الطبيعية.

· العديد من العوامل الأخرى التي لا سيطرة لواضعي الدساتير عليها. 

على الرغم من تلك الصعوبات، بوسع الدساتير الجديدة للديمقراطية الناشئة ان توجد أوضاعاً جديدة. فهي تقدم فرصة نادرة لخلق مجتمعات يستطيع فيها البشر العيش بسلام وحرية.

فالتاريخ لا يقدم للدول كثيراً من تلك الفرص وعندما تسنح هذه الأخيرة، يجب الرد على التحديات لأن مستقبل الدولة في الميزان.

كل ذلك حسب رأي هرمان شوارتز استاذ القانون في الجامعة الأميركية، في كلية واشنطن للحقوق في واشنطن العاصمة، حيث تخصّص في القانون الدستوري، والحقوق المدنية، والقواعد التنظيمية للتصدي لشركات الاحتكار الكبرى وشركات خدمات المنافع العامة.

وكان شوارتز عضواً في الوفد الأميركي الى الدورتين الحادية والثانية والخمسين للجنة حقوق الانسان التابعة للأمم المتحدة، سنة 1994 و1995. وهو مؤلف العديد من أعمال الأبحاث ومنها كتاب "الكفاح من أجل العدالة الدستورية في أوروبا ما بعد الشيوعية" (مطبعة جامعة شيكاغو، 2000).

إختيار وإستعراض: عفاف حسين.

ملاحظة: المقالات تُعبر عن رأي أصحابها.

المصدر : - النهج الدستوري و الديمقراطيات الناشئة .