تمهيدات في الاقتصاد الإسلامي

 

 

اسم الكتاب :  تمهيدات في الاقتصاد الإسلامي

اسم المؤلف :  آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي

الناشر : منشورات هيئة المشروعات الخيرية - الكويت - الطبعة الأولى - 1394 هـ  - 1974 م

عدد الصفحات : 64 صفحة

 عرض : فلاح العاشوري

 

فكرة الكتاب :

الكتاب يفصح عن رأي الإسلام الأصيل والثابت في الاقتصاد الإسلامي، ومع اختلاف أساليب بحث العلماء فيه ، وتباين نظرياتهم بقدر ذلك التوسع . إلا أن الإسلام  بحث كل الجوانب المختلفة (للاقتصاد) ليكون بمثابة تمهيد لبيان     ( الأولويات ) في الاقتصاد الإسلامي . وخاصة عندما تصل النوبة إلى التجربة العملية .

الاقتصاد :

هو حقيقة ، ومذهب ، ونظام ، وفلسفة ، وتطبيق و هذا يعني : أن هناك أمورا خمسة يجب البحث عنها لاستيفاء البحث عن الاقتصاد . وهي :

1- الاقتصاد حقيقة: وهو الاعتراف بان الاقتصاد حقيقة علمية ، وله الأثر في بناء الأمة ورقيها. وهذا قبال الرهبنة التي تعتبر الاقتصاد وهماً من الوهميات وليس  شيئا حقيقياً يستدعي البحث عنه ودراسته .

2- المذهب الاقتصادي: وهو الخطوط العامة الرئيسية التي تفرق الأنظمة الاقتصادية بعضها عن بعض . فهناك المذهب الاقتصادي الاشتراكي ، والمذهب الاقتصادي الرأسمالي ، وكلاهما يختلفان عن المذهب الاقتصادي الإسلامي ، بل ويباين سائر المذاهب الاقتصادية في خطوطه العامة وفي أصوله الأساسية تباينا كاملا ً.

وخذ لذلك مثلا ( الملكية ) .

 أ‌- الملكية في الاشتراكية : فالمذهب الاقتصادي الاشتراكي ، يجعل الملكية للأمة كأمة ، وللشعب كشعب ، ولا يعترف بالملكية الفردية كقاعدة أساسية ، وإنما كاستثناء خاص في بعض الموارد. فكل شيء ملك للشعب ، وللشعب فيه كامل الحرية بان ينفذ مطلق إرادته في كل شيء . ولا يصح حصر الحرية الكاملة في شيء بشخص معين إلا في صورة استثنائية .

ب‌ - الملكية في الرأسمالية :

والمذهب الاقتصادي الرأسمالي : يجعل الملكية للفرد كفرد ، كقاعدة أساسية في الملكية ، ولا يعترف بالملكية للأمة كأمة كقاعدة أساسية ، وإنما كاستثناء في بعض الموارد الخاصة . فكل شيء ملك لفرد من أفراد الأمة ، ولذلك الفرد كامل الحرية في ذلك الشيء ، ولا يصح تعميم كامل الحرية في تنفيذ مطلق الإرادات بالأمة كأمة والشعب كشعب .

ت‌- الملكية في الإسلام : أما الإسلام فهو يرى ( الرأسمالية ) و ( الاشتراكية ) في جانبي     ( الإفراط ) و( التفريط ) في مذهبيهما الاقتصاديين، ويضع للملكية تفسيرا متوسطا عادلا فالمذهب الاقتصادي الإسلامي : لا يقرر الملكية المطلقة في كل شيء للفرد،  ولا ينفيها عن الأمة كأمة نفيا أولياً أساسيا كما يقوله المذهب الرأسمالي وكما لا يقرر الملكية المطلقة في كل شيء للأمة كأمة  ولا ينفي الملكية عن الفرد نفيا مطلقا  كما يقوله المذهب الاشتراكي وإنما الإسلام يعترف بالملكية للفرد وللأمة كقاعدة أساسية أصيلة ، وكأصل أولي ثابت ويمكننا أن نطلق على هذا النوع من الملكية التي يقررها الإسلام  بـ ( الملكية المزدوجة ) أو ( الملكية الفردية والجماعية ) أو ما شابه مثل هذه التعبيرات .

3- النظام الاقتصادي : وهو المواد القانونية ، والبرامج ، والدساتير التي تدور حول ذلك ( المذهب العام ) ويختلف النظام الاقتصادي ( تفوقاً وانحطاطاً ) بمقدار مرونته ، وحنكته ، ومدى صلاحيته للتطبيق على الأفراد والجماعات  والنقاط التالية هي نماذج تمهيدية للعلم بسعة وعمق النظام الاقتصادي في الإسلام :

 أ‌- إن  كتاب ( جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام ) كتاب ألف في الفقه الإسلامي وهو دراسة موضوعية معمقة لمواد وأحكام الإسلام ، بأسلوب استدلالي واسع ، فيه قرابة أربعة ألاف صفحة كلها بحث موضوعي عن مواد أحكام الإسلام في الاقتصاديات . فانظر ماذا يشتمل عليه النظام الاقتصادي الإسلامي من السعة والشمول ؟

ب‌ - يدرس الفقهاء الإسلاميون الكبار ، للتلاميذ أصحاب الاختصاص في الفقه الإسلامي الاستدلالي مسائل الاقتصاد الإسلامي سنين متعددة . قد يستغرق استيعاب مسائلها وشرح موضوعي واف لها .

ت‌ - جزء الفقهاء المجتهدون بحوث الاقتصاد الإسلامي وما يتعلق به إلى أبواب كثيرة ، حسب ما يستفاد من القران الحكيم ، والسنة المطهرة ،وقد ناهزت الخمسين بابا . نذكر منها ( باب المكاسب ، باب البيع ، باب الخيارات ، باب أحكام العقود ، باب الدين والقرض ، وغيرها ).

ث ‌- الأحاديث الشريفة الواردة في المواد القانونية من أبواب البحوث الاقتصادية الإسلامية هي كثيرة وكثيرة جدا . وقد ضُمَّت في موسوعتين من كتب الحديث وهما :

- موسوعة وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة ، تأليف المرحوم الشيخ الحر العاملي قدس سره .

- موسوعة مستدرك الوسائل ، تأليف المحدث العلامة الميرزا حسين النوري ( نور الله ضريحه ) .

الخلاصة : لو بحثنا في جميع الأنظمة الاقتصادية ، فإننا لا نجد قانونا ، أو دينا ، أو فكرة ، أو مبدءا ، أو مذهبا ، أو دولة ، أو نحوها لا في القديم ، ولا في العصر الحاضر ، تبلغ مستندات مسائلها الاقتصادية خمسة ألاف مستند، وعشرة ألاف مستند وهذه الأمور الأربعة التي ذكرناها أعلاه ، إنما تدل بكل وضوح على دقته النظام الاقتصادي في الإسلام ، وعلى مدى سعته ، وشموله ، وعمقه ، ويكاد لا يوجد له نظير في الماضي والحاضر ، بل ولا في المستقبل .

4- فلسفة الاقتصاد : وهي الأدلة ، والبراهين ، والشواهد ، والمقارنات ، والنتائج  التي تدل على مدى صلاحية ( المذهب والنظام ) . فللإسلام فلسفة خاصة في الاقتصاد ، هي التي نبع عنها (المذهب الاقتصادي الإسلامي) و ( النظام الاقتصادي الإسلامي ) , وهذه الفلسفة تنحل إلى نوعين :

1) الفلسفة العامة : ونعني بها الأسباب الرئيسية ، والعلل الأصلية التي جعلت الإسلام يضع مذهبه الاقتصادي بهذا اللون الخاص دون غيره متميزا بخطوط عامة معينة وجعلته لا يعترف بغيره من سائر المذاهب الاقتصادية. ونشير إلى أن الخطوط العامة للاقتصاد الإسلامي هي فلسفات عامة . ونذكر لذلك هذا النموذج التالي : ســؤال : ما هي فلسفة الإسلام في وضع ( الملكية فردية وجماعية )؟ ولماذا لم يجعل (الملكية فردية فقط ) كالرأسمالية ؟ ولماذا لم يجعل (الملكية  للأمة فقط ) كالاشتراكية ؟

الجــواب :  إن مما بني الإسلام اقتصاده عليه هو العدالة والعدالة  بمعناها الواقعي الحقيقي: هو التوسط في كل شيء ، ومنح كل شيء بحسب قابليته وحقه وليست العدالة معناها التسوية المطلقة بين أي شيء وأي شيء آخر . ويدل على صحة ذلك المثال التالي : لو أردت بناء دار ، وجئت بالمهندس والبنّاء والعامل وعمل كل واحد منهم يوما كاملا ، ثم أعطيت لهم بالتساوي كل واحد منهم دينارا واحدا أهذه عدالة ؟ أم العدالة أن تعطي المهندس عشرة دنانير ، والبنّاء خمسة دنانير ، والعامل دينارين وخذ مثالا آخر : لو انك تملك حصانا وببغاء ثم أتيت لهم بالطعام لكل واحد بقدر الآخر تنفيذا للتسوية بينهما . فماذا يكون ؟ سوف يموت احدهما لا محالة . لأنه : إما يموت الحصان جوعا إذا قدمت له بقدر ما يأكل الببغاء  وإما يموت الببغاء من التخمة إذا أكل بمقدار ما يشبع منه الحصان . أهذه التسوية تسمى عدالة ؟ إذن فالعدالة هي إعطاء كل شيء بحسبه ، ووضع كل شيء في موضعه فإذا كانت العدالة هذه ؛ فمن حق الإسلام أن لا يحصى الملكية في الفرد فقط ، ولا يحتكرها للأمة فقط . لان كل واحد من هذين ظلم لقسم من البشر . وفلسفة الإسلام في جعل الملكية فردية وجماعية هي لحفظ العدالة الاجتماعية، وإعطاء كل من الفرد الأمة بحسب ما يستحقه ؟   

2)  الفلسفة الخاصة : وهي الأسباب المعينة ، والعلل الفرعية الجزئية التي جعلت الإسلام يسن نظامه الاقتصادي بهذه التشكيلة الخاصة – في كل واحدة واحدة من مواد قانونها ومسائلها الجزئية للاقتصاد - دون غيرها . مثلا :

لماذا احل الله البيع وحرم الربا ؟

لماذا جعل شرط ( الهدية ) كذا ؟

لماذا جعل ( عقدة الإجارة ) هكذا ؟

فلكل واحد من ذلك فلسفة خاصة تختص به ، وبسبب معين من اجله جعل التشريع هكذا ، لا كذا وكذا .

ما هي فلسفة حليّة البيع؟ وحرمت الربا ؟

الربا : هو أبشع أنواع الربح ، بأبشع طريقة  ، وهي استغلال حاجات الناس الملحة ، والتي لا مناص لهم منها .

أما البيع : فهو عمل شريف ، وعمل إنساني ، فكل من البائع والمشتري يبدي عملا ، وعلى أثره ينتفع هذا ، وينتفع ذاك .

5- تطبيق النظام الاقتصادي :  وهو عبارة عن مقدار تمكن ( النظام الاقتصادي ) من المجتمع ، ومدى سيطرته على الأمة سيطرة تامة صالحة ، بلا تعقيد ، أو خلق مشاكل .

ويمكننا القول بان الإسلام هو الأول في هذا الميدان . فان البحوث العلمية والعملية معا نشأت في القرون المتأخرة عن فجر الإسلام ، وتحديدا في القرنين السادس عشر والسابع عشر الميلاديين ، بعد اكتشاف أمريكا ، فكان الداعي إلى كثرة البحث في وجوه كسب المال واستغلاله فالإسلام وضع أصول علم الاقتصاد ، فوضع نظاما كاملا شاملا واسعا في الاقتصاد  وطبقه على الأفراد والجماعات  وأفضل دليل على صلاحية النظام وكفاءته هو :

الدليل الأول : إن الإسلام طبق نظامه الاقتصادي : الدولة الإسلامية حكمت وملكت طيلة ثلاثة عشر قرنا تقريبا، وامتدت لتضم دول الشرق الأوسط ، والهند ، وكثيرا من مدن الصين ، وسائر دول أسيا ، ومعظم بلاد أفريقيا، هذا الامتداد الزمني ( العمودي ) ، والامتداد المكاني ( الأفقي ) للدولة الإسلامية كان يسيرها نظامها الاقتصادي المحكم . فإننا نكاد لا نجد اقتصادا آخر - غير الاقتصاد الإسلامي -  استطاع أن يحكم هذه البقعة ، وطيلة هذه الفترة .

الدليل الثاني : إن تطبيقه كان بلا مضاعفات : إما تطبيق الإسلام لنظامه الاقتصادي كان تطبيقا موفقا سليما وبلا مضاعفات  فيكفينا أن نعلم : إن الإسلام استطاع أن يطبق نظامه الاقتصادي – بما يحتوي من آلاف المواد ، وبنود كثيرة - بدون إراقة الدماء ، أو تشريد ، أو تعذيب ، أو حبس ، أو ما شاكل ذلك وإنما تم ذلك كله في جو من السلام والطمأنينة ، والتفاهم ، والرضا والهدوء، والسكينة  واليك تذكرة عن الاقتصاد الشيوعي : ففي تنفيذ بند واحد من بنود النظام الشيوعي وهو بند ( الكولخوزات ) أي : المزارع التعاونية ، نتج عنه :

- قتل الشيوعيون (19,000,000 ) تسعة عشر مليون إنسان !

- وحكموا على (2,000,000 ) مليوني شخص بعقوبات فادحة .

- نفي قرابة أربعة، أو خمسة ملايين إنسان .

- إحراق العمال والفلاحون لكثير من محاصيلهم الزراعية .

- ونتج عن ذلك مجاعة رهيبة راح ضحيتها الألوف .

فلتطبيق هدف واحد كان هذا الثمن . فانظر حكمة الإسلام وتوفيقه في تطبيق النظام الاقتصادي سليما وبلا مضاعفات .

الإسلام الأفضل اقتصاداً : الإسلام وهو دين الله الذي وضعه لإسعاد البشرية. بل لم يسبقه غير من الأديان  بأن أعطى هذا الاهتمام لهذه الجوانب الاقتصادية . فلم يغفل الأمور الخمسة المتقدمة ( الاقتصاد حقيقة ،مذهب ، نظام ، فلسفة ، تطبيق ) وأعطى كل واحد منها القسط اللازم من العناية والاهتمام ، وصولا إلى غايته وهدفه وهو القدرة على تقليل الفقر , أو نفيه عن المجتمع ، وخلق وإيجاد مجتمع غني بلا فقر .