كتاب:الاقتصاد
اسم الكتاب :
الاقتصاد
اسم المؤلف :
الإمام الشهيد السيد حسن الشيرازي
الناشر :
مؤسسة الوفاء - بيروت - لبنان
الطبعة الأولى :
1379هـ - 1960م
الطبعة الثانية :
1400 هـ - 1980 م
عدد الصفحات : 298
صفحة
عرض : فلاح
العاشوري
فكرة
الكتاب :
لقد صوَّر الاستعمار
الكافر(في عين العالم عامة ، وفي عين المسلمين خاصة ) بان الإسلام ضحلا
وهزيلا ، وعدم قدرته على أن يُسَّن كقانون فيه تقدم وتطور ورقي حضارة
الشعوب. كما وصف ضعف المستوى العام للوعي الإسلامي، فبث أفكاره
الاقتصادية ( من الشيوعية، والاشتراكية ، والرأسمالية الديمقراطية )
المسمومة ، لتبعد أي ظهور للفكر الإسلامي .
فجاء
الكتاب :
- ليستعرض صورا واضحة عن
الاقتصاد في النظام الرأسمالي والاشتراكي ، والتنويه إلى تناقضهما مع
الإسلام في النقاط المركزية التي لا تقبل التزوير والتأويل .
- وليوضح فكر الاقتصاد
الإسلامي ، مع شرح كيف انه يستقل بتنظيم الحياة الاقتصادية ، ويعالج
المشاكل الحاضرة ، وفق نظام دقيق يرفع المستوى الاقتصادي للمجتمع إلى
درجة بحيث لا يمكن أن يقاربها المجتمع الرأسمالي ، أو الاشتراكي .
الرأسمالية : فلسفتها :
تتركز فلسفة الرأسمالية
الديمقراطية العامة ، على الإيمان بالفرد ومصالحه الخاصة . وتعتقد : إن
توفير مصالح الأفراد ، خير ضمان لتعديل المجتمع، وحمايته بصورة طبيعية
، فالمجتمع ليس إلا الفكرة العامة عن الأفراد ، وبتموين مصالح الأفراد
، تكون مصالح المجتمع أما الدولة فهي عميلة المواطن ،وحاميتهم ،
ونائبتهم في القيام بخدماتهم العامة . هذا هو الخط العريض للنظام
الرأسمالي الديمقراطي . حيث يبتدئ من الإيمان بعصمة الفرد وحاجاته ،
وينتهي بإعلان الحريات الثلاث : السياسية ، والاقتصادية ، والفكرية أما
الحرية الدينية فهي فرع من فروع الحرية الفكرية العامة ، والتي تعني أن
يعيش الناس أحرارا في أفكارهم وعقائدهم .
والذي يعنينا هنا هو
الحرية الاقتصادية لدى الرأسماليين ، وإذا استعرضنا هذا النظام لوجدنا
الاقتصاد لديهم عن ثلاث مباحث :
1-
حاجات الإنسان وهذه الحاجات :
أ- قد تكون محسوسة
ملموسة للأفراد . مثل : الطعام والكسوة والمسكن ...وغيرها .
ب - قد تكون محسوسة غير
ملموسة . مثل : حاجة الإنسان إلى النظام والطبيب .
2-
وسائل إشباعها :
أما وسائل إشباعها ،
فيطلق عليها الاقتصاديين الرأسماليين اسم السلع (كالقمح ، والأرز،
والرمان ) والخدمات (كالهندسة ، والتطبيب ، والتعليم ) .
3-
كيفية توزيع وسائل
الإشباع على الحاجات :
وجود الحانات ، والمواخير
، كغيرها من المستشفيات ، والمطاعم ، فكلها تشبع الحاجات ،وتؤدي إنتاجا
شريفا - حسب رأي الرأسمالية - فالاقتصادي ينظر إلى الأشياء من الزاوية
المادية فقط . فالمقامر والفلاح كلاهما ينتج ما يشبع رغبته ... وبعد
ذلك فلا يفرق بينهما شيء .
فشل
الرأسمالية :
إن مهمة أي نظام اقتصادي
هي إلغاء الفقر عن المجتمع . لا ازدياد حجم الإنتاج ، ولا توفير الثروة
ولكن الاقتصاد الرأسمالي لا يهمه فقر الأفراد ، وما يصيبهم بعد ذلك ،
وإنما يهدف إلى غاية واحدة ، وهي الوصول إلى ارفع مستوى ممكن من
الإنتاج ، وزيادة ثروة البلاد أما توزيع الإنتاج على الأفراد ، فعلى
الشعب أن يقوم بذلك إذن فماذا فعل النظام الاقتصادي الرأسمالي ؟ لان
المشكلة الاقتصادية هي توزيع الإنتاج على الأفراد ، ولا غير ، والنظام
الرأسمالي يعجز عن معالجتها ، فهو فاشل .
سيئات
الرأسمالية :
أ- تكوين الطبقات :
مع دوي المعامل ، وهدير
المصانع، واكتساح القسم الأكبر من العمال ، وإهمال الصناعة اليدوية
،انقسم المجتمع إلى طبقتين :
- الأقلية المتربعة على
قمة الثراء ، والمزودة بأوسع الحريات والضمانات القانونية ، والتي تملك
مصير الملايين ، وتستخدم حتى السلطة الحاكمة في أعمالها الابتزازية .
- الأكثرية السحيقة ،
المنهارة في أعماق الفقر المدقع البريء ، والحطام البشري المنتشر في
الشوارع والطرقات ، والعمال الذين يكدحون مع العجلات والدواليب في
الزيوت النتنة السوداء كأنهم الحديد المتحرك .
ب-
إلغاء الأديان :
فالرأسمالي يحاول تكريس
جهود الناس ، ومجالات نشاطهم في الإنتاج والاستهلاك . فلابد أن يعبدوا
ربا واحدا هو المادة كي لا يفكروا إلا فيها ، ولا يعملوا إلا لها . أما
الأديان : فتوزع القوى والثروات على جميع جوانب الحياة ، وتحدد علاقة
الفرد بالمادة ، فهي تعرقل طريق الاقتصاد ، فلابد - حسب رأيهم -
من إلغائها.
ت
- انهيار المجتمع :
فرجل الاقتصاد لا يحاول
تنظيم المجتمع كما يجب أن يكون ، وإنما ما يهمه هو المنافع والمصالح .
فعندما يتكفل الفقراء لا تلبية للبواعث الدينية أو العاطفية ، وإنما
مخافة أن يسرقوه أو يقتلوه ، أما إذا أمن مكرهم فالتفكير الرأسمالي
يؤكد عليه تجويعهم .
ث
- انتشار الخمر والربا والقمار :
كان لوجود الخمارات
بكثرة ، وابتكار الطرق الحديثة للقمار ، وتفشي النظام الربوي بين
الناس ، الأثر الكبير في تفسخ الأخلاق ، ونشر الفقر والحرمان ، في حين
النظام الرأسمالي يعد العناصر هذه من أهم، واكبر موارد زيادة الأرصدة
في البنوك باسم حرية إشباع الرغبات .
الخلاصة :
وهذه الرأسمالية - كما
تراها - مادية كافرة لا تؤمن إلا بالفرد القائم بذاته ، والمنفصل عن
الله والدين والآخرة وتلك بعض من سيئاتها ومفاسدها ، التي أباحتها بكل
جرأة ، تبعا لحرية الاقتصاد والتجارة ، التي أعلنتها بادي ذي بدء ،
فصبت العذاب الأليم على رأس الإنسان وهي الآن ، وبعدما وقعت على
أخطائها وجرائمها ، لا ترضى أن تعلن انهزامها من الميدان ، عنادا
للاشيء . ولقد آن للناس أن يعرفوا إن فكرة الرأسمالية لا تصلح شيئا من
حياتهم الاقتصادية ، لابد أن ينبذوها لا إلى الاشتراكية ، ولا إلى
الشيوعية ، فهما أسوا من الرأسمالية ، بل إلى الإسلام .
الاقتصاد الشيوعي : فلسفته :
يزعم قادة الشيوعية : إن
الإنسان بفطرته الأصيلة ، ليس مجبولا على الاستئثار والاستغلال ، وإنما
البيئة هي التي تطبعه بطوابعها ، وتوحي إليه بكل ذلك ، ومن الممكن
تجريده من الميول الشريرة ، والعقلية الفردية ، حتى يلبي نداء العقلية
الجماعية ، والمدنية المركزة في الإنسان وعندما يحقق ذلك ، يقضي بصورة
تلقائية ، على الصراع القائم بين إنسان وإنسان كنتيجة طبيعية لتسابقهما
على المنافع الشخصية المعينة ، ويعود الإنسان ملاكا طهورا ، مجردا على
حب الذات ، والظهور ، والاستغلال ، والاستئثار ، والاستعلاء ،... ويصبح
فوق منال النوازع والجواذب الداخلية والخارجية ، وينصهر في بوتقة
الاجتماع ، حتى يتسم بنكران الذات ، نكرانا تاما ، فلا يكاد يشعر
بكيانه ومصالحه الفردية ، وإنما ينتصب تجاهه الاجتماع ومصالحه ، فهو
أبدا يعمل ويعمل للاجتماع ، ولا يتذكر نفسه ، إلا عندما تلح عليه
الحاجة ، فيتناول من البضائع ما يشبعها ، دون أيما ترف ، ثم يستمر في
الجهاد والتضحية بنفسه ومواهبه في سبيل الاجتماع . عندئذ يخرج الإنسان
من مملكة الحيوان إلى دولة الإنسان ، وتنطبق عليه الصيغة الشيوعية " من
كل حسب مقدرته ، ولكل حسب حاجاته " . وتتلخص هذه الفلسفة في صيغتين :
- فطرة الإنسان ليست
مختمرة بحب الذات ، أو الاستغلال والاستبعاد، وإنما هي فطرة جماعية لا
فردية ، وطبعتها البيئة بطوابع يمكن تجريدها منها ، وإعادتها إلى ما
كانت عليه أول يوم .
- إن المراحل التي مرت
بها البشرية عبر التاريخ والقرون هي : الشيوعية الأولى . الرق .
الإقطاع . الرأسمالية . الشيوعية الثانية .
أهدافه
:
- استيلاء البروليتاريا (
طبقة العمال ) المتمثلة بالحزب الشيوعي ، على الحكم ، بالقوة ، والعنف
.
- القضاء على رأس المال ،
والربح الناتج منه .
- القضاء على كل ما يعزز
كيان الفرد ، ويوقظ فيه النزعة الفردية ، وذلك بانتزاع الملكية الفردية
، وبعثرة العائلة .
- تأميم وسائل الإنتاج
بمصادرة الثروات ( سيطرة الدولة على الممتلكات بصفتها ممثلة لمجموع
الأفراد ) .
- القضاء على الطبقات ،
وعلى البروليتاريا ذاتها بصفتها طبقة.
- تجريد المجتمع من الدين
والأخلاق ، وكل ما يعرقل سير الشيوعية من القوانين السائدة .
- إجبار الأفراد على
العمل حسب طاقتهم .
- توزيع البضائع حسب
حاجات الأفراد .
- القضاء على الدولة .
فشل
الشيوعية :
ولمناقشة فشل الشيوعية لابد من الجواب على هذه الأسئلة :
- التساؤل عما إذا كانت
النظرية الشيوعية أمرا واقعيا يستطاع تطبيقه، أم هي فكرة من نوع "
المثاليات " التي تتأبى على الواقع ، ويلفظها الصعيد التطبيقي ؟ مع فرض
الاقتناع بعدالتها ، وعدم خطورتها .
- هل يعتبر عدم تطبيق
النظام الشيوعي عيبا في النظام نفسه ؟ أم يعتبر عيبا في أولئك الذين
طبقوه ؟
- هل تتسم النظرية
الشيوعية وبالأخطاء والأغلاط ؟ وهل هناك خسائر وأضرار تتبع تطبيق
الشيوعية ؟
وللجواب عن السؤال الأول نقول :
نعم انه نظام مثالي غير
صالح للتطبيق . فحين ظهر لينين على المسرح ، عمل على نسخ النظريات
الشيوعية، وابتداع نظرية أخرى هي الاشتراكية فحاول أن يوفق بين نظرياته
والمبادئ الماركسية وأعتبر نفسه في فترة الانتقال . مدعيا استحالة
القفزة الفجائية من المرحلة الرأسمالية إلى الشيوعية ، دون أن تتخللهما
المرحلة الاشتراكية ، فالاشتراكية هي الطريق المعبد إلى الشيوعية
وبعدما انطوت حياة لينين ، وخلفه ستالين ، وسائر زعماء الشيوعية،
وانقضت عشرات السنين وبلغ الاتحاد السوفيتي العقد الخامس من عمره ،
والى الآن، ولا يزال زعماء الروس يمنون النفس بقيام المجتمع الشيوعي ،
لان بعض البلاد السوفيتية لم تنتقل بعد إلى الاشتراكية، فكيف يسنح لها
الانتقال إلى الشيوعية ؟ والواقع إن الشيوعية لم تطبق ، وإنما ظلت حتى
الآن حلما شرودا ، رغم كل المحاولات السخية ، التي أهدرها الحزب
الشيوعي ، والذي اخضع جميع المواهب والطاقات ، وهذا اكبر دليل على فشل
هذا النظام ، وعدم صلاحيته لتوجيه المجتمع وتنظيمه .
وللجواب على السؤال الثاني :
إن عدم تطبيق نظام من
الأنظمة ، حينما يكون أما بسبب جبن أنصاره ، وعدم إخلاصهم لمبدئهم، فان
ذلك العيب راجع إلى القيادة أو عدم تطبيق ذلك النظام ناشئا عن استعصائه
، وعدم تطويعه للواقع ، ومصادمته لنواميس الأشياء ، فلا شك أن ذلك يكون
نقصا في النظام والواقع أن جميع قادة الشيوعية هم من المخلصين
لمبادئهم ، فبالرغم من جميع محاولاتهم الصادقة ، إلا أن الشيوعية بقيت
بمعزل عن واقع الحياة ، لاستعصائها على التطبيق ، ومناوئتها لفطرة
الأشياء ، وهي التي أورثت الفشل الذريع .
وللجواب على السؤال الثالث :
لا توجد حاجة إلى تعداد
أخطاء الشيوعية ، لان جميع ما ذكر من أهدافها هو بحد ذاته مجموعة من
الأخطاء والأغلاط ، بل ولا نجد بندا من بنودها بريئا من الطيش والتناقض
.
الخاتمة :
لقد تلخص مما تقدم - إن
الشيوعية ليست إلا مجموعة الأغلاط ، وأنها مبادئ أسطورية ، بعيدة عن
طبيعة الإنسان ، وواقع الحياة ، وهذه الفكرة تذرعت بالدكتاتورية ،
وسلبت الحريات ، وفرضت الأفراد كأدوات ميكانيكية بسيطة مسخرة لانجاز
واجباتها ، ثم اصطدمت بالأديان . والأخلاق والقوانين ، فألغتها ،
واحتكرت مصادر الإنتاج ، والملكيات الخاصة ، وقضت على العائلة ، وحاولت
تحطيم الطبقات ، وتكفلت توزيع البضاعة بنفسها ، ليكون مصير الناس
وحاجاتهم طوع إرادتها ، وهتفت باسم الفلاحين والعمال لتكسبهم قوة هائلة
عمياء ، وارتكبت شتى الجرائم والمهلكات ، علها تفلح في فرض نفسها على
الشعب ، ولكنها فشلت .
الاقتصاد الإسلامي
: فلسفته :
للإسلام رأي آخر حول
مكانة الفرد ، يختلف عن فكرة الرأسمالية ومنطق الشيوعية ، لأنه يعرف
الفرد موجودا ذا اعتبارين - في آن واحد - :
- صفته كفرد مستقل ، له
كيان خاص ، ومؤهلات معينة .
- صفته كعضو في المجتمع ،
فهو يلبي حاجاته الفردية حينا ، ويستجيب لعلاقاته الاجتماعية مرة ،
فلابد أن يكون للفرد كيان ، وللمجتمع كيان - طبقا للموازين - لا يصطدم
احدهما بالآخر وعلى ضوء ذلك ، يرسم الإسلام خطة جديدة بين المرحلتين ،
على حد سواء ، ثم يسير قدما والى الأمام حيث يأمن العثار ويجعل حجر
الزاوية للمجتمع : المال والروح ، ويضع الدولة مهيمنة عليهما وهنا
نستعرض بعض النماذج ، من شتى ادوار الاقتصاد ، التي يسنها بوحي من هذا
المبدأ الرشيد :
الملكية الفردية في الإسلام :
هنا مفترق الطرق ، الذي
تذهب منه الشيوعية إلى الملكية الجماعية ، والرأسمالية إلى الملكية
الفردية المطلقة ، والإسلام إلى الملكية الفردية المقيدة حيث يقرر
الإسلام الملكية الفردية - بوسائل مشروعة - ثم يصون هذا الحق لصاحبه ،
ويقطع الأيدي المعتدية عليه فالفرد حين يعمل فانه يعمل لنفسه ،
والتوفير على حاجاته ، ويستنزف طاقاته بانبساط وإلحاح ، ولا يحس انه
مسخر للعمل ، فلا يشعر بالتعب مهما كد وكدح .
ونطاقها :
ولكن الإسلام لا يدع الملكية الفردية تطغي على مصالح الجماعة ،
فالإسلام يقنن نظام الملكية الفردية للمصلحة المشتركة بين الفرد
والمجتمع ، وتقدم ضرورات الجماعة على حاجات الفرد عند الاصطدام .
فكرة
الإسلام عن الملكية :
تدور فكرة الإسلام عن
الملكية على نقطة واحدة ، هي مبعث التحليل والتحريم في منابع الثروة ،
وهي قانون " تكافؤ الفرص " ، فالعمل سبب لتنمية المال ، فلذلك العامل
يستحق للنماء . وأما عين المال، فبنفسه لا ينمو، والنقود لا تلد النقود
، ولو مر عليها ألف سنة ، فبم يطالب صاحب رأس المال ؟
وعلى هذا الضوء يحرم
الإسلام أشياء ويحلل أشياء.
فمن
المتاجر المحرمة :
الربا، البنوك الربوية،
الغش، الاكتساب بالحرام، الجزاء على الفرائض، الرشوة، الاحتكار، وغيرها
.
الملكية العامة :
وهي : إن الإسلام لا يدع
التجار يستأثرون بخيرات الأرض ، ويحتكرون منابع الثروة العامة ، وخلفهم
الشعب يقاسي الألم والحرمان ، بل الموارد العامة جميعها ملك مشاع
للجميع فالمال لله ثم للجماعة بواسطة الفرد ، ومصلحة الفرد محفوظة في
نطاق مصلحة الاجتماع ، فإذا اختل صالح الفرد بواسطة الجنون ، أو السفه
، أو غيرها ، فليس له التصرف في أمواله ولكن الحاكم ينصب له وليا يقوم
بصالحه .
فالملكية تتحقق من :
الصيد، إحياء الموات (
الأراضي القفرة )، استخراج المعادن ، المضاربة، المزارعة والمساقات ،
العمل باجر ،الهدايا والهبات ، وغيرها هذه هي موارد الرزق
الأولية البدائية ، والطبقات تتبادل هذه الأعمال ، وهي التي تعيل
الشعب. وبعد ذلك يأتي دور التجارات ، وقطائع السلطان ، وغنائم الحروب ،
والصدقات ، والحقوق الشرعية ، والإرث وسوف نغفل عن الثلاثة الأولى
لخروجها عن نطاق البحث ، ونتناول الثلاثة الأخيرة .
1-
الصدقات :
-
مهمتها :
جعلها الإسلام كرصيد للفقراء ، والحوائج الوقتية الملحة ، والدولة
الإسلامية توزع هذه الثروات توزيعا دقيقا لا يشذ عنه احد . ويطالب
الإسلام بالصدقات كالواجب.
- حكمة
الصدقات :
- في نظر الفقراء إن
الأغنياء مجرمون، وأموالهم من الحرام ولا يعرفون المنطق، بل ولا يعرفون
الله ، فالصدقة تجعل نوع من الألفة والمحبة بين الغني والفقير ، بعد ما
كان الفقير يتربص بالغني الدوائر .
- تقريب مستوى معيشة
الفقراء والأغنياء ، والحرص على التوازن الاجتماعي قدر الإمكان .
- ارتفاع نفسية الغني ،
وشعوره بأنه قوة فعالة في حفظ أمان المجتمع .
- إن الصدقات الطوعية
تجعل الإنسان يتحلل من عبادة المال ، وسيطرته الغاشمة التي تؤدي
بالإنسان إلى الانتحار أحيانا ، والى المرض أحيانا أخرى .
- ما في الصدقات من
الآثار الخارجية : من دفع الفقر ، والمرض، والموت ، و..
2. الحقوق الشرعية :
أ.الزكاة :
الزكاة أولى ضرائب
الإسلام ، والركن البارز في المجالات الاقتصادية، وليست ضريبة نظامية
فحسب ، بل إنها عبادة وضريبة – في وفت واحد – فالزكاة في آن واحد هي
طهارة للنفس ، ونماء للمال ، ولذلك سميت بـ ( الزكاة ) التي هي الطهارة
والنماء .
-
حدودها :
الزكاة فكرة كريمة سبق إليها الإسلام ، فهو :
أولا : يجبيها من الأموال
المتضخمة ، أو الجامدة ، ويعفي النقود السائلة والفقراء . وليست
كالضرائب الحكومية التي يتحمل منها الفقراء أكثر من الأغنياء أو كلاهما
على حد سواء .
وثانيا : يعتبرها الإسلام
حقا لا صدقة ، فليس فيها ما يخدش كرامة الفقير ، أو يلثم عزته .
وثالثا :يجبيها الإسلام
بنفسه ، ثم يعيد توزيعها على المرافق المرسومة لها ، ولا يدع الفقراء
يستقضونها من الأغنياء ، لتحول تفضلا وإحسانا من المعطين، وخسّة ودناءة
من الآخذين .
صدقات
شتى : ولا
ينسى الإسلام عواطف الفقراء ، فهي لا تختلف عن عواطف الأغنياء ، وربما
كانت أشواق الفقراء أرهف وانبض من إحساسات الثري الكسول ، فكما إن
الأغنياء يوفرون على أنفسهم وعلى أولادهم في الأعياد ، كذلك الإسلام
يرفه عن الفقراء وأطفالهم في الأعياد ، ففي عيد الفطر يأمر بزكاة
الفطرة تخرج إلى الفقراء ، وفي عيد الأضحى تكون القرابين نصيب الفقراء
، وفي سائر الأيام يتناولون من كفارات ( إفطار الصوم ) ، و(حنث النذر
والعهد واليمين )، و( كفارات الحج ) ،وغيرها ما يغيرون به سير حياتهم
البطيء .
ب.
الخمس :
-
مصادره :
غنائم الحرب ، المعادن، الكنوز المستخرجة من باطن الأرض ، ما يستخرج من
البحر بالغوص ، المال المختلط بالحرام ، العقار الذي يشتريه الذمي من
المسلم ، الفائض من الأرباح .
3. الإرث:
نظام الإرث من العوامل
الدائبة على توزيع الملكيات الكبرى ، وتحطيم كتلتها : أثلاثا ، وأرباعا
، وأسداسا ، وإثمانا ،...وأول ما يلاحظ الإسلام في تقسيم التركة : أن
يجعله إجباريا بالنسبة للوارث والموروث ، فليس للموروث سلطان على ماله
بعد وفاته ، ليعمل بنظرته الطائشة ، في إيثار البعض ، وحرمان الآخرين ،
حسب ما تقتضيه أحقاده الثائرة ،وأفكاره الهوجاء ساعة الاحتضار ، وحتى
معاملاته الغبنية تعتبر باطلة . إلا في الثلث ، فللموروث السلطة عليه ،
ليتدارك تقصيرا دينيا أو دنيويا فاته ويحاول ألان استدراكه وكذلك
الوارث ليس له الحق في أن يطلب الزيادة من حقه ، وإنما هو ملك مقدر،
فعليه أن يقبله طوعا أو كرها .
توزيع
التركة :
تعتمد الفكرة الإسلامية في توزيع الإرث على ثلاث دعائم :
- إيثار الأقرب إلى
المتوفى على غيره ،مع ملاحظة تفتيت الثروة ،فعمود النسب اقرب من
الحواشي . فالطبقة الأولى ، ثم الثانية ، فالثالثة .
- ملاحظة الاحتياج المالي
. ولعل ذلك هو السر في زيادة نصيب الأولاد على حصة الأبوين .
- عدم الاستئثار في جانب
، والحرمان في جانب ، فليس الميراث للولد الأكبر فحسب ، ولا للأبناء
دون البنات ، ولا للأولاد دون الآباء والأزواج .
الخلاصة :
من ذلك كله : يبدو النظام
الإسلامي في مكافحة الفقر والرأسمالية والشيوعية ، صريحة وصارخة ، لا
تشوبها الغياهب والتمويهات ،فان تلك الموارد التي حرمها الإسلام
كالربا، والاحتكار، والمكاسب المحرمة، ...هي العلقات التي تمتص دماء
الشعوب بصمت وصمود ، لتفرغها في كؤوس المترفين مرة واحدة ، ولولاها لا
ينشب الفقر ، ولا تتزايد الرأسمالية ، ولا الشيوعية .
|