كتاب:الاقتصاد

 

 

اسم الكتاب : الاقتصاد

اسم المؤلف : الإمام الشهيد السيد حسن الشيرازي 

الناشر : مؤسسة الوفاء - بيروت - لبنان  

الطبعة الأولى : 1379هـ  - 1960م

الطبعة الثانية : 1400 هـ - 1980 م

عدد الصفحات : 298 صفحة

عرض : فلاح العاشوري

 

فكرة الكتاب :

لقد صوَّر الاستعمار الكافر(في عين العالم عامة ، وفي عين المسلمين خاصة ) بان الإسلام ضحلا وهزيلا ، وعدم قدرته على أن يُسَّن كقانون فيه تقدم وتطور ورقي حضارة الشعوب. كما وصف ضعف المستوى العام للوعي الإسلامي، فبث أفكاره الاقتصادية ( من الشيوعية، والاشتراكية ، والرأسمالية الديمقراطية ) المسمومة ، لتبعد أي ظهور للفكر الإسلامي . 

فجاء الكتاب :

- ليستعرض صورا واضحة عن الاقتصاد في النظام الرأسمالي والاشتراكي ، والتنويه إلى تناقضهما مع  الإسلام  في النقاط المركزية التي لا تقبل  التزوير والتأويل .

- وليوضح فكر الاقتصاد الإسلامي ، مع شرح كيف انه يستقل بتنظيم الحياة الاقتصادية ، ويعالج المشاكل الحاضرة ، وفق نظام دقيق يرفع المستوى الاقتصادي للمجتمع إلى درجة بحيث لا يمكن أن يقاربها المجتمع الرأسمالي ، أو الاشتراكي .

الرأسمالية : فلسفتها :

تتركز فلسفة الرأسمالية الديمقراطية العامة ، على الإيمان بالفرد ومصالحه الخاصة . وتعتقد : إن توفير مصالح الأفراد ، خير ضمان لتعديل المجتمع، وحمايته بصورة طبيعية ، فالمجتمع ليس إلا الفكرة العامة عن الأفراد ، وبتموين مصالح الأفراد ، تكون مصالح المجتمع  أما الدولة فهي عميلة المواطن ،وحاميتهم ، ونائبتهم في القيام بخدماتهم العامة . هذا هو الخط العريض للنظام الرأسمالي الديمقراطي . حيث يبتدئ من الإيمان بعصمة الفرد وحاجاته ، وينتهي بإعلان الحريات الثلاث : السياسية ، والاقتصادية ، والفكرية أما الحرية الدينية فهي فرع من فروع الحرية الفكرية العامة ، والتي تعني أن يعيش الناس أحرارا في أفكارهم وعقائدهم .

والذي يعنينا هنا هو الحرية الاقتصادية لدى الرأسماليين ، وإذا استعرضنا هذا النظام لوجدنا الاقتصاد لديهم عن ثلاث مباحث :

1- حاجات الإنسان وهذه الحاجات :

أ‌- قد تكون محسوسة ملموسة للأفراد . مثل : الطعام والكسوة والمسكن ...وغيرها .

ب‌ - قد تكون محسوسة غير ملموسة . مثل : حاجة الإنسان إلى النظام والطبيب .

2- وسائل إشباعها :

أما وسائل إشباعها ، فيطلق عليها الاقتصاديين الرأسماليين اسم السلع (كالقمح ، والأرز، والرمان ) والخدمات (كالهندسة ، والتطبيب ، والتعليم ) .

3-  كيفية توزيع وسائل الإشباع على الحاجات :

وجود الحانات ، والمواخير ، كغيرها من المستشفيات ، والمطاعم ، فكلها تشبع الحاجات ،وتؤدي إنتاجا شريفا - حسب رأي الرأسمالية - فالاقتصادي ينظر إلى الأشياء من الزاوية المادية فقط . فالمقامر والفلاح كلاهما ينتج ما يشبع رغبته ... وبعد ذلك فلا يفرق بينهما شيء .

فشل الرأسمالية :

إن مهمة أي نظام اقتصادي هي إلغاء الفقر عن المجتمع . لا ازدياد حجم الإنتاج ، ولا توفير الثروة ولكن الاقتصاد الرأسمالي لا يهمه فقر الأفراد ، وما يصيبهم بعد ذلك ، وإنما يهدف إلى غاية واحدة ، وهي الوصول إلى ارفع مستوى ممكن من الإنتاج ، وزيادة ثروة البلاد أما توزيع الإنتاج على الأفراد ، فعلى الشعب أن يقوم بذلك إذن فماذا فعل النظام الاقتصادي الرأسمالي ؟ لان المشكلة الاقتصادية هي توزيع الإنتاج على الأفراد ، ولا غير ، والنظام الرأسمالي يعجز عن معالجتها ، فهو فاشل .

سيئات الرأسمالية :

أ‌- تكوين الطبقات :

مع دوي المعامل ، وهدير المصانع، واكتساح القسم الأكبر من العمال ، وإهمال الصناعة اليدوية ،انقسم المجتمع إلى طبقتين :

- الأقلية المتربعة على قمة الثراء ، والمزودة بأوسع الحريات والضمانات القانونية ، والتي تملك مصير الملايين ، وتستخدم حتى السلطة الحاكمة في أعمالها الابتزازية .

- الأكثرية السحيقة ، المنهارة في أعماق الفقر المدقع البريء ، والحطام البشري المنتشر في الشوارع والطرقات ، والعمال الذين يكدحون مع العجلات والدواليب في الزيوت النتنة السوداء كأنهم الحديد المتحرك .

ب‌- إلغاء الأديان :

فالرأسمالي يحاول تكريس جهود الناس ، ومجالات نشاطهم في الإنتاج والاستهلاك . فلابد أن يعبدوا ربا واحدا هو المادة كي لا يفكروا إلا فيها ، ولا يعملوا إلا لها . أما الأديان : فتوزع القوى والثروات على جميع جوانب الحياة ، وتحدد علاقة الفرد بالمادة ، فهي تعرقل طريق الاقتصاد ، فلابد - حسب رأيهم -  من إلغائها.

ت‌ - انهيار المجتمع :

فرجل الاقتصاد لا يحاول تنظيم المجتمع كما يجب أن يكون ، وإنما ما يهمه هو المنافع والمصالح . فعندما يتكفل الفقراء لا تلبية للبواعث الدينية أو العاطفية ، وإنما مخافة أن يسرقوه أو يقتلوه ، أما إذا أمن مكرهم فالتفكير الرأسمالي يؤكد عليه تجويعهم .

ث‌ - انتشار الخمر والربا والقمار :

كان لوجود الخمارات  بكثرة ، وابتكار الطرق الحديثة للقمار ، وتفشي النظام الربوي بين الناس ، الأثر الكبير في تفسخ الأخلاق ، ونشر الفقر والحرمان ، في حين النظام الرأسمالي يعد العناصر هذه من أهم، واكبر موارد زيادة الأرصدة في البنوك باسم حرية إشباع الرغبات .

الخلاصة :

وهذه الرأسمالية - كما تراها - مادية كافرة لا تؤمن إلا بالفرد القائم بذاته ، والمنفصل عن الله والدين والآخرة وتلك بعض من سيئاتها ومفاسدها ، التي أباحتها بكل جرأة ، تبعا لحرية الاقتصاد والتجارة ، التي أعلنتها بادي ذي بدء ، فصبت العذاب الأليم على رأس الإنسان وهي الآن ، وبعدما وقعت على أخطائها وجرائمها ، لا ترضى أن تعلن انهزامها من الميدان ، عنادا للاشيء . ولقد آن للناس أن يعرفوا إن فكرة الرأسمالية لا تصلح شيئا من حياتهم الاقتصادية ، لابد أن ينبذوها لا إلى الاشتراكية ، ولا إلى الشيوعية ، فهما أسوا من الرأسمالية ، بل إلى الإسلام .

الاقتصاد الشيوعي : فلسفته :

يزعم قادة الشيوعية : إن الإنسان بفطرته الأصيلة ، ليس مجبولا على الاستئثار والاستغلال ، وإنما البيئة هي التي تطبعه بطوابعها ، وتوحي إليه بكل ذلك ، ومن الممكن تجريده من الميول الشريرة ، والعقلية الفردية ، حتى يلبي نداء العقلية الجماعية ، والمدنية المركزة في الإنسان وعندما يحقق ذلك ، يقضي بصورة تلقائية ، على الصراع القائم بين إنسان وإنسان كنتيجة طبيعية لتسابقهما على المنافع الشخصية المعينة ، ويعود الإنسان ملاكا طهورا ، مجردا على حب الذات ، والظهور ، والاستغلال ، والاستئثار ، والاستعلاء ،... ويصبح فوق منال النوازع والجواذب الداخلية والخارجية ، وينصهر في بوتقة الاجتماع ، حتى يتسم بنكران الذات ، نكرانا تاما ، فلا يكاد يشعر بكيانه ومصالحه الفردية ، وإنما ينتصب تجاهه الاجتماع ومصالحه ، فهو أبدا يعمل ويعمل للاجتماع ، ولا يتذكر نفسه ، إلا عندما تلح عليه الحاجة ، فيتناول من البضائع ما يشبعها ، دون أيما ترف ، ثم يستمر في الجهاد والتضحية بنفسه ومواهبه في سبيل الاجتماع . عندئذ يخرج الإنسان من مملكة الحيوان إلى دولة الإنسان ، وتنطبق عليه الصيغة الشيوعية " من كل حسب مقدرته ، ولكل حسب حاجاته " . وتتلخص هذه الفلسفة في صيغتين :

- فطرة الإنسان ليست مختمرة بحب الذات ، أو الاستغلال والاستبعاد، وإنما هي فطرة جماعية لا فردية ، وطبعتها البيئة بطوابع يمكن تجريدها منها ، وإعادتها إلى ما كانت عليه أول يوم .

- إن المراحل التي مرت بها البشرية عبر التاريخ والقرون هي : الشيوعية الأولى . الرق . الإقطاع . الرأسمالية . الشيوعية الثانية .

أهدافه :

- استيلاء البروليتاريا ( طبقة العمال ) المتمثلة بالحزب الشيوعي ، على الحكم ، بالقوة ، والعنف .

- القضاء على رأس المال ، والربح الناتج منه .

- القضاء على كل ما يعزز كيان الفرد ، ويوقظ فيه النزعة الفردية ، وذلك بانتزاع الملكية الفردية ، وبعثرة العائلة .

- تأميم وسائل الإنتاج بمصادرة الثروات  ( سيطرة الدولة على الممتلكات بصفتها ممثلة لمجموع الأفراد ) .

- القضاء على الطبقات ، وعلى البروليتاريا ذاتها بصفتها طبقة.

- تجريد المجتمع من الدين والأخلاق ، وكل ما يعرقل سير الشيوعية من القوانين السائدة .

- إجبار الأفراد على العمل حسب طاقتهم .

- توزيع البضائع حسب حاجات الأفراد .

- القضاء على الدولة .

فشل الشيوعية :

ولمناقشة فشل الشيوعية لابد من الجواب على هذه الأسئلة :

- التساؤل عما إذا كانت النظرية الشيوعية  أمرا واقعيا يستطاع تطبيقه، أم هي فكرة من نوع " المثاليات " التي تتأبى على الواقع ، ويلفظها الصعيد التطبيقي ؟ مع فرض الاقتناع بعدالتها ، وعدم خطورتها .

- هل يعتبر عدم تطبيق النظام الشيوعي عيبا في النظام نفسه ؟ أم يعتبر عيبا في أولئك الذين طبقوه ؟

- هل تتسم النظرية الشيوعية  وبالأخطاء والأغلاط ؟ وهل هناك خسائر وأضرار تتبع تطبيق الشيوعية ؟

وللجواب عن السؤال الأول  نقول : نعم انه نظام مثالي غير صالح للتطبيق . فحين ظهر لينين على المسرح ، عمل على نسخ النظريات الشيوعية، وابتداع نظرية أخرى هي الاشتراكية فحاول أن يوفق بين نظرياته والمبادئ الماركسية وأعتبر نفسه في فترة الانتقال . مدعيا استحالة القفزة الفجائية من المرحلة الرأسمالية إلى الشيوعية ، دون أن تتخللهما المرحلة الاشتراكية ، فالاشتراكية هي الطريق المعبد إلى الشيوعية وبعدما انطوت حياة لينين ، وخلفه ستالين ، وسائر زعماء الشيوعية، وانقضت عشرات السنين وبلغ الاتحاد السوفيتي العقد الخامس من عمره ، والى الآن، ولا يزال زعماء الروس يمنون النفس بقيام المجتمع الشيوعي ، لان بعض البلاد السوفيتية لم تنتقل بعد إلى الاشتراكية، فكيف يسنح لها الانتقال إلى الشيوعية ؟ والواقع إن الشيوعية لم تطبق ، وإنما ظلت حتى الآن حلما شرودا ، رغم كل المحاولات السخية ، التي أهدرها الحزب الشيوعي ، والذي اخضع جميع المواهب والطاقات ، وهذا اكبر دليل على فشل هذا النظام ، وعدم صلاحيته لتوجيه المجتمع وتنظيمه .

وللجواب على السؤال  الثاني : إن عدم تطبيق نظام من الأنظمة ، حينما يكون أما بسبب جبن أنصاره ، وعدم إخلاصهم لمبدئهم، فان ذلك العيب راجع إلى القيادة أو عدم تطبيق ذلك النظام ناشئا عن استعصائه ، وعدم تطويعه للواقع ، ومصادمته لنواميس الأشياء ، فلا شك أن ذلك يكون نقصا في النظام  والواقع أن جميع قادة الشيوعية هم من المخلصين لمبادئهم ، فبالرغم من جميع محاولاتهم الصادقة ، إلا أن الشيوعية بقيت بمعزل عن واقع الحياة ، لاستعصائها على التطبيق ، ومناوئتها لفطرة الأشياء ، وهي التي أورثت الفشل الذريع .

وللجواب على السؤال الثالث : لا توجد حاجة إلى تعداد أخطاء الشيوعية ، لان جميع ما ذكر من أهدافها هو بحد ذاته مجموعة من الأخطاء والأغلاط ، بل ولا نجد بندا من بنودها بريئا من الطيش والتناقض .

الخاتمة :

لقد تلخص مما تقدم - إن الشيوعية ليست إلا مجموعة الأغلاط ، وأنها مبادئ أسطورية ، بعيدة عن طبيعة الإنسان ، وواقع الحياة ، وهذه الفكرة تذرعت بالدكتاتورية ، وسلبت الحريات ، وفرضت الأفراد كأدوات ميكانيكية بسيطة مسخرة لانجاز واجباتها ، ثم اصطدمت بالأديان . والأخلاق  والقوانين ، فألغتها ، واحتكرت مصادر الإنتاج ، والملكيات الخاصة ، وقضت على العائلة ، وحاولت تحطيم الطبقات ، وتكفلت توزيع البضاعة بنفسها ، ليكون مصير الناس وحاجاتهم طوع إرادتها ، وهتفت باسم الفلاحين والعمال لتكسبهم قوة هائلة عمياء ، وارتكبت شتى الجرائم والمهلكات ، علها تفلح في فرض نفسها على الشعب ، ولكنها فشلت .

الاقتصاد الإسلامي : فلسفته :

للإسلام رأي آخر حول مكانة الفرد ، يختلف عن فكرة الرأسمالية ومنطق الشيوعية ، لأنه يعرف الفرد موجودا ذا اعتبارين - في آن واحد -  :

- صفته كفرد مستقل ، له كيان خاص ، ومؤهلات معينة .

- صفته كعضو في المجتمع ، فهو يلبي حاجاته الفردية حينا ، ويستجيب لعلاقاته الاجتماعية مرة ، فلابد أن يكون للفرد كيان ، وللمجتمع كيان - طبقا للموازين - لا يصطدم احدهما بالآخر وعلى ضوء ذلك ، يرسم الإسلام خطة جديدة بين المرحلتين ، على حد سواء ، ثم يسير قدما والى الأمام حيث يأمن العثار ويجعل حجر الزاوية للمجتمع : المال والروح ، ويضع الدولة مهيمنة عليهما وهنا نستعرض بعض النماذج ، من شتى ادوار الاقتصاد ، التي يسنها بوحي من هذا المبدأ الرشيد :

الملكية الفردية في الإسلام :

هنا مفترق الطرق ، الذي تذهب منه الشيوعية إلى الملكية الجماعية ، والرأسمالية إلى الملكية الفردية المطلقة ، والإسلام إلى الملكية الفردية المقيدة حيث يقرر الإسلام الملكية الفردية - بوسائل مشروعة - ثم يصون هذا الحق لصاحبه ، ويقطع الأيدي المعتدية عليه فالفرد حين يعمل فانه يعمل لنفسه ، والتوفير على حاجاته ، ويستنزف طاقاته بانبساط وإلحاح ، ولا يحس انه مسخر للعمل ، فلا يشعر بالتعب مهما كد وكدح .

ونطاقها : ولكن الإسلام لا يدع الملكية الفردية تطغي على مصالح الجماعة ، فالإسلام يقنن نظام الملكية الفردية للمصلحة المشتركة بين الفرد والمجتمع ، وتقدم ضرورات الجماعة على حاجات الفرد عند الاصطدام .

فكرة الإسلام عن الملكية :

تدور فكرة الإسلام عن الملكية على نقطة واحدة ، هي مبعث التحليل والتحريم في منابع الثروة ، وهي قانون " تكافؤ الفرص " ، فالعمل سبب لتنمية المال ، فلذلك العامل يستحق للنماء . وأما عين المال، فبنفسه لا ينمو، والنقود لا تلد النقود ، ولو مر عليها ألف سنة ، فبم يطالب صاحب رأس المال ؟

وعلى هذا الضوء يحرم الإسلام أشياء ويحلل أشياء.                           

فمن المتاجر المحرمة : الربا، البنوك الربوية، الغش، الاكتساب بالحرام، الجزاء على الفرائض، الرشوة، الاحتكار، وغيرها .

الملكية العامة :

وهي : إن الإسلام لا يدع التجار يستأثرون بخيرات الأرض ، ويحتكرون منابع الثروة العامة ، وخلفهم الشعب يقاسي الألم والحرمان ، بل الموارد العامة جميعها ملك مشاع للجميع فالمال لله ثم للجماعة بواسطة الفرد ، ومصلحة الفرد محفوظة في نطاق مصلحة الاجتماع ، فإذا اختل صالح الفرد بواسطة الجنون ، أو السفه ، أو غيرها ، فليس له التصرف في أمواله ولكن الحاكم ينصب له وليا يقوم بصالحه .

فالملكية تتحقق من :

الصيد، إحياء الموات ( الأراضي القفرة )، استخراج المعادن ، المضاربة، المزارعة والمساقات ، العمل باجر ،الهدايا والهبات ، وغيرها  هذه هي موارد الرزق الأولية البدائية ، والطبقات تتبادل هذه الأعمال ، وهي التي تعيل الشعب. وبعد ذلك يأتي دور التجارات ، وقطائع السلطان ، وغنائم الحروب ، والصدقات ، والحقوق الشرعية ، والإرث وسوف نغفل عن الثلاثة الأولى لخروجها عن نطاق البحث ، ونتناول الثلاثة الأخيرة .

1- الصدقات :

- مهمتها : جعلها الإسلام كرصيد للفقراء ، والحوائج الوقتية الملحة ، والدولة الإسلامية توزع هذه الثروات توزيعا دقيقا لا يشذ عنه احد . ويطالب الإسلام بالصدقات كالواجب.

- حكمة الصدقات :

- في نظر الفقراء إن الأغنياء مجرمون، وأموالهم من الحرام ولا يعرفون المنطق، بل ولا يعرفون الله ، فالصدقة تجعل نوع من الألفة والمحبة بين الغني والفقير ، بعد ما كان الفقير يتربص بالغني الدوائر .

- تقريب مستوى معيشة الفقراء والأغنياء ، والحرص على التوازن الاجتماعي قدر الإمكان .

- ارتفاع نفسية الغني ، وشعوره بأنه قوة فعالة في حفظ أمان المجتمع .

- إن الصدقات الطوعية تجعل الإنسان يتحلل من عبادة المال ، وسيطرته الغاشمة التي تؤدي بالإنسان إلى الانتحار أحيانا ، والى المرض أحيانا أخرى .

- ما في الصدقات من الآثار الخارجية : من دفع  الفقر ، والمرض، والموت ، و..

2. الحقوق الشرعية :

أ‌.الزكاة : الزكاة أولى ضرائب الإسلام ، والركن البارز في المجالات الاقتصادية، وليست ضريبة نظامية فحسب ، بل إنها عبادة وضريبة – في وفت واحد – فالزكاة  في آن واحد هي طهارة للنفس ، ونماء للمال ، ولذلك سميت بـ ( الزكاة ) التي هي الطهارة والنماء .

- حدودها : الزكاة فكرة كريمة سبق إليها الإسلام ، فهو :

أولا : يجبيها من الأموال المتضخمة ، أو الجامدة ، ويعفي النقود السائلة والفقراء . وليست كالضرائب الحكومية التي يتحمل منها الفقراء أكثر من الأغنياء أو كلاهما على حد سواء .

وثانيا : يعتبرها الإسلام حقا لا صدقة ، فليس فيها ما يخدش كرامة الفقير ، أو يلثم عزته .

وثالثا :يجبيها الإسلام بنفسه ، ثم يعيد توزيعها على المرافق المرسومة لها ، ولا يدع الفقراء يستقضونها من الأغنياء ، لتحول تفضلا وإحسانا من المعطين، وخسّة ودناءة من الآخذين .

صدقات شتى : ولا ينسى الإسلام عواطف الفقراء ، فهي لا تختلف عن عواطف الأغنياء ، وربما كانت أشواق الفقراء أرهف وانبض من إحساسات الثري الكسول ، فكما إن الأغنياء يوفرون على أنفسهم  وعلى أولادهم في الأعياد ، كذلك الإسلام يرفه عن الفقراء وأطفالهم في الأعياد ، ففي عيد الفطر يأمر بزكاة الفطرة تخرج إلى الفقراء ، وفي عيد الأضحى تكون القرابين نصيب الفقراء ، وفي سائر الأيام يتناولون من كفارات ( إفطار الصوم ) ، و(حنث النذر والعهد واليمين )، و( كفارات الحج ) ،وغيرها ما يغيرون به سير حياتهم البطيء .

ب‌. الخمس :

- مصادره : غنائم الحرب ، المعادن، الكنوز المستخرجة من باطن الأرض ، ما يستخرج من البحر بالغوص ، المال المختلط بالحرام ، العقار الذي يشتريه الذمي من المسلم ، الفائض من الأرباح .

3. الإرث:

نظام الإرث من العوامل الدائبة على توزيع الملكيات الكبرى ، وتحطيم كتلتها : أثلاثا ، وأرباعا ، وأسداسا ، وإثمانا ،...وأول ما يلاحظ الإسلام في تقسيم التركة : أن يجعله إجباريا بالنسبة للوارث والموروث ، فليس للموروث سلطان على ماله بعد وفاته ، ليعمل بنظرته الطائشة ، في إيثار البعض ، وحرمان الآخرين ، حسب ما تقتضيه أحقاده الثائرة ،وأفكاره الهوجاء ساعة الاحتضار ، وحتى معاملاته الغبنية تعتبر باطلة . إلا في الثلث ، فللموروث السلطة عليه ، ليتدارك تقصيرا دينيا أو دنيويا فاته ويحاول ألان استدراكه  وكذلك الوارث ليس له الحق في أن يطلب الزيادة من حقه ، وإنما هو ملك مقدر، فعليه أن يقبله طوعا أو كرها .

توزيع التركة : تعتمد الفكرة الإسلامية في توزيع الإرث على ثلاث دعائم :

- إيثار الأقرب إلى المتوفى على غيره ،مع ملاحظة تفتيت الثروة ،فعمود النسب اقرب من الحواشي . فالطبقة الأولى ، ثم الثانية ، فالثالثة .

- ملاحظة الاحتياج المالي . ولعل ذلك هو السر في زيادة نصيب الأولاد على حصة الأبوين .

- عدم الاستئثار في جانب ، والحرمان في جانب ، فليس الميراث للولد الأكبر فحسب ، ولا للأبناء دون البنات ، ولا للأولاد دون الآباء والأزواج .

الخلاصة :

من ذلك كله : يبدو النظام الإسلامي في مكافحة الفقر والرأسمالية والشيوعية ، صريحة وصارخة ، لا تشوبها الغياهب والتمويهات ،فان تلك الموارد التي حرمها الإسلام كالربا، والاحتكار، والمكاسب المحرمة، ...هي العلقات التي تمتص دماء الشعوب بصمت وصمود ، لتفرغها في كؤوس المترفين مرة واحدة ، ولولاها لا ينشب الفقر ، ولا تتزايد الرأسمالية ، ولا الشيوعية .