العَوْلَمَة والفقراء

 

 

إسم الكتاب: العَوْلَمَة والفقراء

إسم المؤلف : جي آر . ماندل

تعريب :وليد شحادة

الناشر : بيروت-الحوار الثقافي، 2004

الصفحات:240 صفحة

عرض: إبراهيم غرايبة

 

يتميز هذا الكتاب بموقف وسطيّ من العَوْلمة، فهو يدعو إلى تشجيعها كرافعة للنّمو الاقتصاديّ وتخفيف حِدّة الفقر، ويدعو الحكومات في الوقت نفسه إلى تبنّي سياسات تقلّل من وحشيّة العولمة وآثارها السلبيّة على المجتمعات والدّول، ويؤكد على الإمكانات الكامنة في العولمة، ويوجّه النّقد أيضا إلى المدافعين عن العَوْلمة الذين لا يقرّون بالتكاليف التي تفرضها هذه العملية على الضّحايا الأبرياء.

العولمة الاقتصاديّة وتنمية الشّعوب الفقيرة

كانت أهمّ تجليات العولمة وتطبيقاتها بتطور تقنيات المعلوماتية والاتصال والتصغير، بالإضافة إلى التطور الطبيعي في تقنيات النقل، وبوجود هذه الابتكارات غدا التكامل الاقتصادي يمتلك فرصة أكبر مما كان عليه الحال في الماضي ولكنّ العولمة ليست قدرا حتميًّا أو أمرا تلقائيًّا، وليست أمرا يتعلق بالتكنولوجيا وتحرير التّجارة، بل إن الوفرة في رأس المال البشريّ ضروريّة أيضا لنجاح الدولة في هذه العمليّة، فلا يمكن تحقيق مشاركة ناجحة ومجدية في الاقتصاد العالميّ ، إلا إذا أُضيفت العمالة المتعلّمة إلى التكنولوجيات الحديثة في الاتّصالات والتحكّم والمراقبة ومعالجة المعلومات فقد تغيّرت بُنْية الاقتصاد العالميّ تغيّرا جذريا، ولعب ارتقاء مستوى التّعليم دورًا أساسيًّا في هذا التغيّر، ولكن: ماذا يعني هذا التغيّر في مجال رفاه الناس؟ فالعولمة والتّنمية الاقتصاديّة ليستا غاية في حد ذاتهما، وهما مطلوبان طالما يؤديان لتحسين مستوى المعيشة، وتخفيف حِدّة الفقر في دول تشهد هاتيْن العمليّتين (العولمة والتنمية الاقتصاديّة).

بدائل العولمة

يعتقد معارضو العولمة أن المقياس الجغرافيّ للإنتاج والاستثمار يجب أن يُختزل من وِحدات عالمية إلى وحدات أصغر، ويرون في "المحليّة" العلاج الوحيد لهيمنة الشركات متعدّدة الجنسيّات، وتدعم وجهة النظر هذه الدّعوة إلى "اقتصاديات متوطّنة في المجتمعات، وإقامة نظام زراعيّ يتحرك بالسّرعة الممكنة نحو الاعتماد على الذات إقليميا، ودعم الشركات الخاصة بالإنتاج والاستهلاك المحلّيين، ومعارضة اتفاقية التجارة الحرة ولكن ثمة صعوباتٍ جسيمةً تكتنف وجهة النّظر هذه؛ ففي حين نستطيع بسهولة أن نوضح الدّور المهم للاستثمار الأجنبي المباشر في تسريع عمليّة التّنمية الاقتصادية وكيف تعمل التنمية على تخفيف حِدّة الفقر، فإننا لا نجد بين أيدينا ما يشير إلى أي نجاح حقّقته استراتيجية "المحلّية" في الإقلال من نسبة الفقراء ، فالدّراسات التي أعدها البنك الدولي تشير على الدّوام إلى أن البلدان المصنّفة "ذات توجه داخليّ قويّ" في مجال استراتيجيّتها التنمويّة شهدت معدلات في النمو أقل من مثيلاتها من البلدان التي شاركت مشاركة فعّالة في الأسواق العالميّة.

وقد حاولت بعض بلدان العالم الثّالث أن تفكّ ارتباطها بالاقتصاد العالميّ، ولم تكن النتيجة في أي من هذه الحالات شيئا يمكن أن نعدّه تحديثا في الاقتصاد أو ارتفاعا في مستوى المعيشة، فما كان من غالبية هذه الدول إلا أن تخلّت عن هذه الفكرة وعادت أدراجها نحو تكامل ودمج أكبر من السابق في الاقتصاد العالميّ فالمحليّة تحرم الشّركات من الاستفادة من التكنولوجيّات المتقدمة في الاتّصالات والتحكّم والمراقبة والنقل التي تخفض تكلفة الإنتاج، وتحدد الإنتاج بكميات صغرى من تشكيلة قليلة التنوّع من البضائع تباع بأسعار أعلى كثيرا مما هو الحال في اقتصاد مندمج عالميّا، والنّتيجة المتوقعة من ذلك انخفاض مستوى المعيشة وبما أن المحلية تتضمن نبذ آلية مهمة حدا في التنمية الاقتصاديّة المعاصرة، فمن المؤكد أنّها سوف تؤدّي لضغط متزايد على رفاه الفقراء في البلدان النامية والغنيّة أيضا، فهي لن تكون البديل المفيد للعولمة، حتى وإن وظّفت العداء المستحكم للشّركات العملاقة عابرة الجنسيّات في حشد مظاهرات عارمة في الشّوارع إن ما يحتاجه الفقراء هو عولمة عادلة أكثر مما هي عليه الآن، وليس إفشالها ولا تجاهل المنجزات المترافقة معها.

تنظيم أسواق المال الدوليّة

وقع الخطأ في الاتفاقية المتعددة الأطراف حول الاستثمار أن يضعوا تفاصيل المبدأ القاضي بأن تعامل كل دولة جميع المستثمرين فيها معاملة واحدة، وثانيهما التفاوض على اتفاقية ملزمة في مجالات محدّدة بالسّياسات يمكن التوصل إلى اتفاق جماعيّ دوليّ حولها، لكن الاتفاقيّة المتعدّدة فشلت في تحقيق هذا التّناغم العالميّ في السياسات الحكوميّة تجاه الاستثمارات الأجنبيّة بحيث يتمّ وضع قواعد وأحكام شاملة تقتضي التنفيذ العالميّ لها، وبحيث تضمن معاملة موحّدة للاستثمارات، أي يتوجب على كافة الدول أن تعامل المستثمرين الأجانب بالطّريقة نفسها.

فقد تجاهلت المفاوضات حقيقة ثابتة، وهي أنّ الدّولة – الأم تبقى على الدّوام الوحدة الأساسيّة في صنع القرار السياسيّ، ولا يمكن بحال التّغاضي عن واقع أكيد يتمثل بوجود تفاوت في الأهداف الوطنيّة لكل أمة، فأيّة جهود تبذل ولا تأخذ باعتبارها التنوّع الدوليّ محكوم عليها بالفشل والإحباط وينظر الاقتصاديّون نظرة إيجابيّة إلى تطوّر الأسواق الماليّة، رغم أنهم يشعرون بأخطارها المتزايدة، فهي تولّد منافع أكيدة ،وإن كانت لا تُؤسس لأعمال جديدة، ولا تزيد الطّاقة الإنتاجيّة، ولكنّها تشجّع على تحريك المدّخرات والتّخصيص الفعّال للاستثمارات ورغم هذه المنافع الظّاهرة في تحرير أسواق المال فإن أسواق رأس المال تتميز باللاتماثل المعلوماتي الذي يمكن الذي يمكن أن يؤدي إلى تصحيحات حادّة وتجاوزات تتخطّى حدود الاعتدال،وفي بعض الحالات إلى أزمات ماليّة.

وتؤكد الحقائق الثابتة بالتّجرِبة وجود عدم استقرار مالي في البيئة المحدثة مؤخّرا لتحرير أسواق رأس المال أكبر بكثير من السّابق، وقد حلت في السنوات الأخيرة اضطّرابات مالية، مثل الأزمة التي حلت بأمريكا اللاتينيّة في السنوات 1979 – 1981، وأزمة ديون الدّول النّامية التي بدأت في سنة 1982، والأزمة المالية في المكسيك في عامي 1994 و 1995، والأزمة الآسيويّة في عامي 1997 و 1998، وتخلّف روسيا عن سداد القروض المعلقة سنة 1998، والانخفاض الشّديد في قيمة العملة في البرازيل عام 1999، ويبدو أن حدّة الأزمات المالية وتكرار حدوثها تزايدت في العشرين سنة الماضية، وقد أفضت هذه الأزمات إلى اضطرابات اقتصادية حادة، وارتفاع معدلات البطالة، حتى إنها في كثير من الأحيان تسبّبت في عودة الفقر إلى الكثير من الأسواق الناشئة.

والواقع أن الضّرر الناتج عن هذه الأَزَمات الماليّة كان كبيرا جدًا، فقد جاء في تقرير صدر مؤخّرا عن البنك الدوليّ: إنّ الأثر الاجتماعيّ السّلبي لأزمة شرق آسيا،والأزمات التالية التي حصلت في روسيا والبرازيل ثم الأرجنتين كبير جدا، ففي سنة 1998 التي أعقبت الأزمة الآسيوية حصل هبوط حادّ في الإنتاج وارتفاع شديد في معدلات الفقر، وأصيب اقتصاد إندونيسيا بنكسة حادّة، حيث انخفض إنتاجها بنسبة 15.1% عما كان عليه سنة 1997ن وما أصاب تايلاند لا يقلّ ضررا عنها، فكانت النتيجة انحسار ذلك المد الذي استمر لعدة سنوات في العمل على تخفيض نسبة الفقر فيها ويعترف صندوق النقد الدوليّ أن تدفقات رأس المال غير المقيّدة تعرّض البلدان للاضطرابات الخارجيّة، وقد يكون لها أثر في حدوث عدم الاستقرار، والأخطار الناتجة عن التدفّقات المفاجئة نحو الخارج فد تكون مفهومة، إنما تدفّقات رأس المال نحو الداخل تحمل مها أخطارا، فقد تسبّب صعوبات في إدارة السّياسية النقديّة وصعوبات في ضبط التّضخم إضافة لما قد يؤثر في استقرار سعر الصرف والتنافسيّة التصديريّة.

وجاء في دراسة للصندوق عام 1997 أن هناك سببين يؤدّيان لإضعاف التفاؤل بمحفظة التمويل، أحدهما: احتمال حصول تغيّرات في السوق العالمية للاستثمار، والتغير الحاصل في دورة الأعمال في العالم المتقدّم، أو الاضطراب المالي، مثل: حصول هبوط مفاجئ في أسعار الأسهم، قد يسبب تزايدا كبيرا في بيع الأسهم، وفي مثل هذه الحال ربما تنضب فجأة تدفّقات محفظة الاستثمار إلى دول العالم النامي، وقد تكون عواقب ذلك كارثيّة، أي تجد دولة نفسها فجأة بلا موارد مالية هي بحاجة إليها للحفاظ على مستوياتها الحاليّة في الاستهلاك والإنتاج والسبّب الثاني :فيتمثل في احتمال أن تتعرض دولة ذات أسعار صرف ثابتة لاعتداءات المضاربين على عملتها، وإذا حدث مثل هذا الهجوم فقد تنشأ حالة من عدم الثبات، مما يؤدي إلى إغلاق الباب بوجه تدفّقات رأس المال.

إنقاذ العَوْلمة وإصلاحها

ليس الأوان متأخرا لإصلاح العولمة، فالمؤسّسات التي تقتضيها العولمة ما تزال في طور البناء، والتكنولوجيات التي أوجدت هذا التكامل ما تزال حديثة نسبيًّا، والقواعد والهيكليّات التي تنظم العمل الاقتصاديّ العالميّ ما تزال في طور التكوين وما يبدو واضحا وملحا وجوده في النّظام الاقتصاديّ العالميّ هو وجود آليات معينة تختص بالقضاء في النزاعات، والمراقبة وتصحيح الأنظمة، وإعادة تشكيل العولمة لتكون أكثر عدلا وإنصافًا وبالطّبع فإن المقولة التّقليدية إن تحرير الأسواق هو كل ما يلزم لدفع عملية الازدهار أصبحت بحاجة لمراجعة، بل إن قضايا إصلاح العولمة أصبحت بعد عام 1997أكثر القضايا إلحاحا وتعرضا للدراسة والنشر في المجلات المتخصّصة ووسائل النّشر العامة وتتضمن قائمة الإصلاحات المقترحة تشكيل شركة دوليّة للتأمين على الودائع، ومحكمة دوليّة للإفلاسات، ووضع أنظمة التحكم على تدفقات رأس المال نحو الداخل أو نحو الخارج أو في كلا الاتجاهين، وإيجاد منظم عالميّ للأسواق والمؤسسات الماليّة، وإحداث مصرف مركزيّ عالميّ، وهي أفكار ليست جديدة، وإنما بدأت تطرح منذ انتهاء الحرب العالميّة الثانيّة.

لقد ثبت برأي معظم المحلّلين الاقتصاديين ودلالة الأحداث الكبرى التي هزّت الاقتصاد العالميّ أن الشركات الماليّة في "وول ستريت" لها مصلحة ذاتيّة في وجود عالم يتمتّع بحريّة رأس المال، لأن عالما كهذا يعني استاع مجالات كسب المال، لذلك ليس غريبا أن نجد شركات وول ستريت قد أدلت بدلوها في ذلك، وحركت مجاديفها في المياه العكرة للمسرح السياسي بواشنظن لتجذف بهذا الاتجاه.

والواقع أن جماعات الضغط في" وول ستريت" ومن خلال دعوتهم ومناداتهم بأسواق ليس فيها قيود على رأس المال كانوا يضغطون على باب مفتوح، فالأشخاص الذين كانوا يحاولون كسب تأييدهم، والذين هم في مواقع صنع القرار السياسيّ والاقتصاديّ وبخاصة أولئك الموظفين الحكوميين في الولايات المتحدة، هم أنفسهم مشاركون في القطاع المالي من الاقتصاد سابقا، وربما مستقبلا، وهذه الشبّكة القويّة صاحبة النفوذ والسّلطان غير قادرة على النّظر إلى ماوراء مصالح شركات "وول ستريت" التي تعتبرها خيرا للعالم أجمع ورغم ذلك كله فقد بدا العالم على وشك التّحرّك نحو التّنظيم وفرض القيود على رأس المال قصير الأجل، وذلك لفترة وجيزة أعقبت الأزمة الآسيويّة عام 1997، وعجز روسيا عن سداد ديونها، وخفض قيمة الريال البرازيلي، ففي التقرير الاقتصادي لرئيس الجمهورية عام 1999 ظهرت دعوة لإصلاح البُنية الماليّة الدوليّة مع الإشارة إلى الولايات المتحدة الأمريكيّة، فقد تقدّمت باقتراحات للإصلاح تهدف إلى الإقلال من مخاطر حدوث أَزَمات ماليّة، كما تهدف إلى إيجاد نظام ماليّ دوليّ للقرن الحادي والعشرين يأخذ باعتباره كلّ منافع السّوق العالميّة وتدفّقات رأس المال، وفي الوقت نفسه يُقلّل إلى أدنى حد ممكن خطر الاضطّرابات، ويوفّر الحماية الأفضل للجماعات الأكثر ضعفا في المجتمع.

وكل ذلك بحسب المصدر المذكور نصا ودون تعليق.

المصدر:islamtoday