العالم والطاقة، رهانات جيوستراتيجية

 

 

 

الكتاب: العالم والطاقة، رهانات إستراتيجية

Le monde et l'énergie. enjeux géostratégiques

تأليف: صموئيل فورفاري 

Samuele Furfari

الناشر: تكنيب ـ باريس 2007

الصفحات:432 صفحة من القطع المتوسط

 

يعمل صموئيل فورفاري، مؤلف هذا الكتاب، منذ ربع قرن في إطار المفوضية الأوروبية وتحديدا في إدارة الطاقة والنقل. وكان أحد المساهمين الرئيسيين في صياغة السياسة الأوروبية في هذا الميدان، وهو أيضا أستاذ مادة جيوستراتيجية الطاقة في جامعة بروكسل الحرّة كان قد حصل على شهادة الدكتوراه عن أطروحة حول «تحول الفحم إلى غاز». صموئيل فورفاري إيطالي الجنسية.

تشكل الطاقة، كما يتفق الجميع، أحد الرهانات الجيوستراتيجية الرئيسية في عالم اليوم. ويتفق الجميع أيضا على أن العولمة كانت قد شهدت تطبيقاتها على أرض الواقع حول مسألة الطاقة، وبالتحديد أكثر اعتبارا من الصدمة البترولية الأولى التي أعقبت الحرب العربية ـ الإسرائيلية في خريف عام 1973 ولا شك أن الطاقة كانت قد اكتسبت أهمية عالمية كبرى منذ الحرب العالمية الأولى إذ حاولت القوى الكبرى السيطرة على مصادرها في أفق تدعيم مواقعها العسكرية.

في هذا الكتاب «العالم والطاقة»، يقدم المؤلف الذي أمضى عمليا كل مسيرته المهنية في قطاع الطاقة، رؤية «بانورامية» للإشكاليات التي يطرحها هذا القطاع على المستوى العالمي. وهو يقدّم هذه الرؤية من خلال أربعة مشارب رئيسية، لا يمكن فصلها عن بعضها، وهي: الاقتصاد والطاقة والبيئة والمنظومة الأخلاقية ولا يتردد المؤلف في القول منذ بداية تحليلاته إن قضية الطاقة ليست رهانا كثيرة وإنما هي رهان جيوستراتيجي استثنائي، وليس ب«طبيعته» و«ضرورته» وإنما أيضا من حيث الكم الهائل من الأموال المرتبطة به إلى درجة أنه يشكل «العصب الرئيسي» للمنظومة المالية العالمية وتدل دراسات قام بها أخصائيون معروفون بخبراتهم العالية على أن النفط الخام يمثل 45% من قيمة مبادلات السلع في مختلف بورصات التجارة.

ويقدم المؤلف في الفصل الأول من كتابه توصيفا لما يسميه «العصور المختلفة» لعالم الطاقة وبكل الحالات يتم التأكيد على أن الطاقة، قد شكّلت منعطفا «نوعيا» في تاريخ المسيرة الإنسانية حيث لعب البترول تحديدا دور «الدم» بالنسبة للاقتصاد العالمي. ويكرس المؤلف قسما هاما من كتابه للبحث في آليات تزود العالم الغربي بالطاقة، ولاسيما الأوروبي منه باعتبار أن القارة الأوروبية «القديمة» هي التي شهدت أصلا الثورة الصناعية الكبرى التي قامت إثر اختراع الكهرباء والمحرك الانفجاري.

كما تأخذ العلاقات بين الغرب والشرق حيّزا هاما من شروحات المؤلف على ضوء رهان الطاقة تحديدا. ولا يزال لهذا الرهان «راهنيته»، ذلك أن روسيا والدول التي كانت تدور حتى الأمس القريب في تلك الاتحاد السوفييتي (السابق) تلك احتياطات ضخمة من المادتين الأوليتين الإستراتيجيتين المتمثلتين بالبترول والغاز... وروسيا هي في صدارة القوى العالمية في حق الغاز.

كذلك يولي مؤلف هذا الكتاب أهمية خاصة لدراسة رهان الطاقة، ليس بالنسبة للدول المنتجة فحسب، وإنما أيضا بالنسبة للدول المستهلكة. وهو يفرّق بهذا الخصوص بين كبار الدول المستهلكة «التقليدية» وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية والدول الصناعية الغربية المتقدمة، وبين الدول المستهلكة «الصاعدة» وعلى رأسها الصين والهند لكن هذه الدول المستهلكة «التقليدية» منها و«الصاعدة» يجمع بينها قاسم مشترك واحد هو أنها كلها تقترب بل تثبّت مواقعها في «ملاعب الطاقة» المحسوبة على أوروبا «تاريخيا». فالولايات المتحدة تتطلع إلى منطقتي الشرق الأوسط وجنوب أميركا والصين والهند تؤكّد أن حضورهما في القارة الإفريقية وفي جميع الحالات «رهان الطاقة» ليس غائبا عن سياسات القوى الكبرى وتدل مؤشرات عديدة على أن مسيرة التصنيع ذات الوتيرة العالية التي تعرفها البلدان الصناعية التي تحقق معدلات نمو اقتصادي سنوي عالية منذ حوالي عقدين من الزمن تسمح بالقول إن المنافسة من أجل السيطرة على مصادر التزود بالطاقة سوف تزداد حدة خلال الفترة المقبلة ويقدم المؤلف العديد من الإحصائيات والتقديرات المثيرة، وهكذا يشير مثلا أنه إذا جرى افتراض أن يستهلك كل فرد في العالم نصف ما يستهلكه الفرد الأميركي حاليا فإن الحاجة البشرية من الطاقة سوف تتضاعف خمس مرات اعتبارا من الآن وحتى نهاية القرن الحادي والعشرين.

ولكن «لحسن الحظ»، كما يقول المؤلف، فإن تقديرات الخبراء التي تلقى القبول عامة هي أكثر اعتدالا بكثير من الفرضية السابقة، إذ تقول إن سنوات 2000 ـ 2030 لن تشهد زيادة في الاستهلاك العالمي للطاقة بأكثر من 70% أي ما يعادل زيادة سنوية بمعدل 8. 1% مقابل 4. 1% خلال العقد الأخير من القرن المنصرم، أي خلال سنوات 1990 ـ 2000 أما الكمية الإجمالية لاستهلاك الطاقة فإنها سوف تصل في أفق عام 2030 إلى 16 مليار طن (بترولي) مقابل 10 مليارات حاليا.

وسوف ترتفع حصة استهلاك مواد الطاقة التقليدية (المستخرجة من جوف الأرض) والمتمثلة بالبترول والغاز والفحم إلى 88% من مجمل مصادر الطاقة مقابل 81% في الوقت الراهن. المنافسة الكبيرة على مصادر الطاقة دفعت أسعارها نحو الارتفاع كثيرا، والمثال الصريح الذي يتم سوقه على هذا هو الارتفاع الكبير في أسعار برميل النفط. وما يؤكده المؤلف هو أنه إذا استمرّت أسعار الطاقة «التقليدية» بالارتفاع فإن النتيجة سوف تكون إعطاء أهمية أكبر ل«الطاقة النووية» التي سوف تشهد زيادة «حصتها» في مصادر الطاقة.

لاسيما في البلدان المتقدمة التي تمتلك التكنولوجيات المطلوبة. ويؤكد المؤلف في الفصل الذي يحمل عنوان: منظمة الأوبك والوكالة الدولية للطاقة» أن الاحتياطات العالمية من مادة اليورانيوم المستخدمة في توليد الطاقة حسب معالجات تكنولوجية متقدمة وفي إطار ما يجيزه ميثاق الوكالة الدولية للطاقة، ستكون متوفرة بدرجة كافية من أجل تزويد المفاعلات المقامة بعد عام 2040 بالوقود المطلوب وذلك حتى أفق عام 2100 أما حصة الطاقة المولّدة بواسطة آليات الاستفادة من المياه ومن الحرارة فإنها سوف تحافظ على مستواها الحالي أي ما يقارب 2% من الطاقة التي يجري إنتاجها عالميا وذلك حتى أفق عام 2030. بالمقابل سوف تبقى حصة الطاقة الشمسية وغيرها من مصادر الطاقة الأخرى متواضعة وفي حدود 1% فقط من إنتاج الطاقة في العالم.

بالنسبة للخشب الذي كان أحد موارد «الطاقة» لدى القدماء فإن حصته سوف تتضاءل سنويا بما يقارب 3. 0% وسوف تتناقص حصته من 9% من إجمالي الاستهلاك العالمي للطاقة حاليا إلى 5% في أفق عام 2030. ومن بين جميع المواد المنتجة للطاقة سيبقى البترول في أفق العقدين القادمين هو الذي سيظفر ب«حصة الأسد» من الاستهلاك العالمي للطاقة وبواقع 34% مقابل 36% حاليا و42% عام 1973، أي عشية اندلاع الصدمة البترولية الأولى.

ومن خلال رؤية تحليلية للوحة واقع الطاقة في العالم، يؤكد مؤلف هذا الكتاب أن «الفحم لم يقل كلمته الأخيرة» في إطار المنافسة مع مصادر الطاقة الأخرى، وله بالتالي «مستقبل واعد». وهذا يعود لعدة أسباب في مطلعها «ثبات أسعاره» بالقياس إلى الغاز والبترول اللذين يعرفان تأرجحا كبيرا من حيث الأسعار. وهناك أيضا سبب آخر هو «التوزيع العادل» لاحتياطاته الوفيرة بين مناطق عديدة في العالم. فهو متوفر في الصين والولايات المتحدة وروسيا واستراليا وجنوب إفريقيا وكندا وكولومبيا وبولندا.

لكن السبب الجوهري الأهم الذي يقدمه المؤلف يتمثل في التوصل إلى ما تتم تسويته ب«التكنولوجيات النظيفة» والمقصود بذلك تكنولوجيات تحويل الفحم وهو في جوف الأرض إلى حالة غازية أو سائلة بحيث يتم استخراج «غاز الفحم» المؤذي منه جوفيا. ويؤكد المؤلف هنا أن أفق التوصل إلى «محروقات سائلة نظيفة» سوف يؤدي إلى تغيير «نوعي» في عالم الطاقة لكن لا يزال البترول هو الذي يتربّع على «عرش» المواد الأولية للطاقة. وتدل المؤشرات على أن استهلاكه في أفق عام 2020 سوف يصل إلى 120 مليون برميل يوميا مقابل 85 مليون برميل في الوقت الراهن. كذلك تتم الإشارة هنا إلى أن منطقة الشرق الأوسط تمتلك ثلثي احتياطاته «المثبتة» في العالم. إجمالا يقدّم هذا الكتاب «مفاتيح» فهم العلاقات بين منتجي الطاقة ومستهلكيها. وكإشارة سريعة يقع هذا الكتاب في جزأين.

وكل ذلك بحسب المصدر المذكور نصا ودون تعليق.

المصدر:albayan