البقيع الغـرقـد

 

 

إسم الكتاب : البقيع الغـرقـد

المؤلف : الإمام الراحل السيد محمد الحسيني الشيرازي - ر -

الحجم : متوسط

عدد الصفحات : 48

سنة الطبع : 1420هـ -  1999م

 

لماذا هذا الكتاب ؟

الإمام الشيرازي- ر - يقول في مقدمة الكتاب :

( البقيع الغرقد ) اسم هذا الكتاب.... وقد ذكرت فيه بعض النقاط التي يلزم مراعاتها بالنسبة إلى هذا المكان المقدس المشتمل على آثار الرسالة النبوية ، وقبور أئمة أهل البيت (عليهم السلام ) .

عسى أن يهدي الله الحكام ويوفق المسلمين لإعادة قبورهم الطاهرة..  فانه يجب الإهتمام بذلك ، والله الموفق المستعان .

ويصف المؤلف - ر- قرن العشرين بقرن الحدود الجغرافية قائلاً :

نصف قرن مضى ، ومضت مقوماته وأسبابه ومسبباته ، فاللازم على أن الإنسان أن يجدّد حياته لهذا القرن الآتي حسب تجدّد المقتضيات ، وإلاّ صار من المتخلفين الذي يخسرون الدين والدنيا ـ والعياذ بالله ـ .

أذكر قبل ستين سنة كان الذهاب إلى مكة المكرمة يكلّف ثلاثة دنانير فقط .

وفي الغالب كانت السيارات تحمل مؤن السفر بالاضافة إلى الخباء الذي كانوا يضربونه خارج المدينة المنورة أو خارج مكة المكرمة ، ولم يكن لهم تذكرة ولا جنسية ولا خروجية ولا دخولية ولا ما أشبه هذه الأمور المستوردة من الغرب.

وكذلك كانوا يأتون من ايران أو يذهبون إليها بدون كل ذلك وكأنك تسافر من النجف الأشرف إلى كربلاء المقدسة ‎‎‎‎‎‎‎‎‎‎‎‎‎‎‎‎‎‎‎‎‎‎‎‎‎‎‎‎‎‎‎‎‎‎‎‎‎‎‎‎‎‎‎‎‎‎‎‎‎‎‎أو بالعكس.

وهذا ما فعلته أوروبا أخيراً حيث أسقطت الحدود الجغرافية بينها.

فهم قد أخذوا ما في الإسلام ـ ولو بنسبة ـ ونحن أخذنا منهم المساوئ.. كالحدود الجغرافية ومئات القوانين .

والآن حيث أسقطوها في بلادهم ، فلماذا بقينا نحن متمسكين وملتصقين بها ؟.

تم ينقل للحديث عن البقيع فيقول :

.. وذلك اليوم كان البقيع قد هدّم حديثاً ، والمسلمون كانوا يرقبون بناءها كما كانت منذ أكثر من ألف سنة ، لكنها لم تجدد.. والى يومنا هذا!.

مع أنه قد مات وذهب عامل خرابه الذي كان المستعمر الماكر، فهل تبقى القبور هكذا خراباً ؟

أو يهدي الله المسلمين لتجديدها ؟

ويعرج الإمام الراحل - ر - الى المظاهر الإيجابية التي شاهدها في رحلة الحج بصحبة والده (1304ـ1380هـ) المرجع الديني الكبير سماحة آية الله العظمى السيد ميرزا مهدي الحسيني الشيرازي في السبعينات من القرن الرابع عشر للهجرة بقوله :

وقد رأيت أنا إبّان زيارتي الحج ـ وذلك في خدمة الوالد (رحمه الله) ـ أمرين حسنين لكن بعدئذ سمعت برفعهما :

الأول: خلط الحجاج بعضهم مع بعض ـ بما للكلمة من معنى ـ من جميع أصنافهم ومن كل البلاد الإسلامية ، حتى أن الوالد( قدس سره ) كان يصلي الجماعة هناك .. فكان المأمومون في جماعته من كل لون وبلد ومذهب.

لكنْ بعد ذلك جعلوا لكل بلد مكاناً خاصاً حيث لا يختلط بعضهم ببعض وذلك بحجة النظم وما أشبه !!.

الثاني: إن جماعة من الحجاج كانوا يحملون معهم الخباء ويسكنون في أطراف المدينة المنورة ومكة المكرمة من دون حاجة إلى استئجار بيت.

بينما اليوم قد منعوا من ذلك، وهو تضييق للحجاج الكرام حيث أن الفقراء لا يمكنهم الحج لغلاء الأسعار.

ثم يفصل - ر - في ظاهرة توحيد الصلاة بقوله :

منذ ما يقارب ثمانين سنة سعوا في أن تصبح الصلاة في المسجدين الشريفين خاصة بإمام جماعة واحد معيّن من قبل الحكومة ، وقد نجحوا في ذلك ، مع وجود كل المذاهب هناك ، ولكل مذهب الحق في أداء الصلاة في أوقاتها الخاصة ، ولكل مأموم حرية الاقتداء بأي إمام شاء.

 وقد بنى الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في زمانه في المدينة المنورة سبعة وأربعين مسجداً ، وكانت تقام الصلاة في جملة منها ، ولم يدل دليل على أنه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أمر الناس جميعاً بصلاة واحدة في مسجده.

بل عيّن بنفسه الشريفة ( أم ورقة ) لأن تصلي بالنساء ، فمن شاءت كانت تصلي معه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، و منْ شاءت كانت تصلي مع أم ورقة.

وفي زمان أمير المؤمنين علي (عليه السلام ) كانت مساجد خاصة بالنساء في مسجد الكوفة ، مما يظهر منه عدم حضورهن جميعاً للصلاة معه (عليه السلام) في المسجد.

إن الإسلام دين الحرية إلا فيما استثنى ـ وهو نادر جداً ـ وليست صلاة الجماعة من المستثنى .

فاللازم أن يرجع أمر الصلاة في الجماعة والفرادى إلى السابق من عهد الإسلام الطويل..

ولو صحت البدعة لصح إجبار الناس على أن يطوفوا بشكل منظم كصفوف عسكرية ، ولا شك أنه أجمل لكنه خلاف الحرية.

حاله حال ما إذا أجبر الناس على لبس لباس واحد في الصلاة أو غيرها كما في نظام الجند ، أو بأكل الجميع طعاماً واحداً ظهراً أو مغرباً ، أو بالسكن في نوع واحد من الدور ، أو بألف توحيد وتوحيد مما يخالف قانون السلطنة والحرية.

وكل ذلك خلاف الشرع والعقل وخلاف عمل الرسول الأعظم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ومن جاء بعده من الحكام والخلفاء والى هذا اليوم ، و في كل البلاد الإسلامية وغير الإسلامية حيث تتعدد الصلوات في المساجد الوسيعة في البلاد الإسلامية أو غير الإسلامية.

وهكذا في آفاق البلاد ، فان كل بلد بحسبه في الوقت ، ولا يصح شرعاً ولا من الناحية العلمية توحيدها ، ففي الحديث:

( إنما عليك مشرقك ومغربك ) .

وإطلاق الحديث ، وسيرة المسلمين أيضا على تعدد أول الشهر حتى بالنسبة إلى أول شهر رمضان وأول شوال ، وقد ذكرنا تفصيل ذلك في ( الفقه ).

بالإضافة إلى أن للاختلاف جمالاً لا يوجد في ما يرونه من الاتحاد ، مضافاً إلى أن فيه رعاية ما أوجبه الشرع من حفظ حرية الإنسان وكرامته..

فاللازم أن تقام صلوات الجماعة لكل من أراد من مختلف الأئمة والمذاهب في الحرمين الشريفين وفي البقيع الغرقد ومن دون أي محذور، كما كان عليه سيرة المسلمين .

وعن بدعة منع نشر الكتاب في الحج الذي يقول الإمام الراحل - ر - :

كنت أبعث إلى الحج ـ وأنا في العراق ـ كتباً صغيرة لتعريف الشيعة إلى العالم الإسلامي ، مثل : ( هكذا الشيعة ) و : ( من هم الشيعة ؟ ) وما أشبه إلى ثلاثة عشر كتاباً ، والعالم السني استقبلها بكل رحابة صدر ، حيث أن الكتب كانت معرّفة بأصول الشيعة وفروعها بإيجاز .

لكن الوهابية منعت كل كتاب للشيعة أشد المنع .

فلماذا المنع؟

وفي القرآن الكريم ـ وهو الأصل في دين الإسلام ـ أشير إلى أدلة اليهود والنصارى والمشركين ومن إليهم ولم يتصور أحد أن ذلك يضرّ بدين الإسلام.

وهكذا كان الحال في التوراة والإنجيل..

واليوم في العالم المسمّى بالحر، سواء في الشرق كالهند أو في الغرب كأمريكا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا، حيث لا منع للكتاب إطلاقاً..

فكيف يكون مركز الوحي ـ الذي يجمع المسلمين في كل عام من شتى بقاع الأرض ـ  يمنع فيه العلم والكتاب، خصوصاً ما يوجب تعريف المسلمين بعضهم إلى بعض!!

وقد رأيت كتاب ( هورال المولال ) الذي ألفه البعض ضد إسرائيل وبيّن فيه كيفية هدم إسرائيل ، مع ذلك لم تتمكن إسرائيل من منعه ، والكتاب مطبوع متداول في إسرائيل ، وفي البلاد العربية.

وهكذا رأيت كتاب ( إسرائيل ذلك الدولار الزائف ) وهو متداول في العالم وفي إسرائيل بالذات.

ولعل البعض كان يتصور أن لمنع الكتاب في العالم السابق وجه.. أما منعه اليوم و في عالم منفتح والذي اصبح كقرية واحدة فهو بلا دليل إطلاقاً.

مضافاً إلى انه لم يُر ضررٌ  للكتاب بل العكس هو الصحيح ، وذلك :

أولاً: لأنه بكتاب الضد ـ فرضاً ـ يتجلى الضد أكثر فأكثر، إذ ( وبضدها تتعرف الأشياء) وببيان الحق يظهر زيف الباطل.

وثانياً: الكبت يولّد الانفجار ، أما عدم الكبت فلا ، ومن هنا : كان الحزب الشيوعي في الغرب الرأسمالي مجازاً ولا يتمكن أن يفعل أيّ شيء.

وفي لبنان ، الكتاب مجاز بكل أشكاله وصوره ، فهل تمكن الكتاب أن يوجد خللاً في البلاد أو تحريفاً للمسيرة ، بل بالعكس .. الفوضى نتيجة الكبت ، والإنسان حريص على ما منع ، بالاضافة إلى سوء السمعة العالمية.

أما ما كان من الارهاب العملي وحرق المكتبات وما أشبه فقد انتهى دوره كما في قصة المغول والقرون الوسطى في أوروبا وفي بعض البلاد أحياناً ، فقد ولّى من غير رجعة.

فاللازم الاهتمام حتى تتحرر تلك البلاد الطاهرة المشتملة على بيت الله الحرام وحرم رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم ) والبقيع الغرقد من هذه المشكلة التي انقضى زمانها بلا رجوع . نسأل الله سبحانه إيقاظ المسلمين وهدايتهم إلى السبيل القويم.

وتحت عنوان : البقيع مدفن الأولياء يقول الإمام الراحل - ر - :

الذين دفنوا في البقيع من الأئمة المعصومين (عليهم السلام ) والأولياء الصالحين والمؤمنين والمؤمنات بكثرة حيث لم يحصهم التاريخ ، والمشهور منهم :

1 ـ الإمام الحسن الـمجتبى (عليه السلام) الــذي قال فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) أنه : ( سيد شباب أهل الجنة ) .

وهذا الكلام يشمل جميع الأنبياء والأولياء، فالإمام الحسن (عليه السلام )  سيدهم ، نعم يخرج منهم بالدليل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) وعلي أمير المؤمنين (عليه السلام)  والصديقة الطاهرة الزهراء ( سلام الله عليها ) فانهم (عليهم السلام)  أفضل منه (عليه السلام).

2 ـ الإمام على بن الحسين زين العابدين (عليه السلام).

3 ـ الإمام محمّد الباقر(عليه السلام).

4 ـ الإمام جعفر الصادق (عليه السلام).

وكل واحد من هؤلاء الأربعة إمام على كل مؤمن ومؤمنة ، وهم من ضمن الأئمة الاثني عشر(عليهم السلام)  ، حسب نص الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وقد صرح (صلى الله عليه وآله وسلم) بعددهم وأسمائهم من أولهم وهو أمير المؤمنين (عليه السلام)  إلى آخرهم الإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) الذي يظهر في آخر الزمان ليملأ الأرض عدلاً وقسطاً ويوحد الأرض تحت لواء الإسلام .

5 ـ صفية بنت عبد المطلب عمة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم).

6 ـ عباس بن عبد المطلب عمّ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).

7 ـ فاطمة بنت أسد والدة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)  ووالدة طالب وجعفر وعقيل .

8 ـ عبد الله بن جعفر بن أبي طالب (عليه السلام)  أما جعفر فقد استشهد في غزوة الاردن ـ تبوك ـ مسقطه ومقامه هناك.

9 ـ عثمان بن مظعون الصحابي الجليل.

10 ـ إبراهيم بن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم).

11 ـ عقيل بن أبي طالب (عليه السلام)  والد مسلم بن عقيل (عليه السلام) الذي استشهد في الكوفة وقبره هناك.

12 ـ السيدة فاطمة أم البنين زوجة الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام).

13 ـ عدد من بنات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهم : رقية وزينب وأم كلثوم.

14 ـ السيد إسماعيل بن الإمام الصادق (عليه السلام).

15 ـ عاتكة بنت عبد المطلب عمة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم).

16 ـ السيدة حليمة السعدية مرضعة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).

17 ـ عدد من زوجات النبي(صلى الله عليه وآله وسلم).

18 ـ أبو سعيد الخدري.

19 ـ جملة من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والتابعين لهم باحسان والعلماء العظام .

20 ـ كما يحتمل أن يكون هناك قبر سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (سلام الله عليها ) وقبر الشهيد محسن السقط (عليه السلام) ابن الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) .

وعن القبور والقباب وتاريخها في البقيع يقول - ر - :

ابتدئ الدفن في جنة البقيع منذ زمان النبي الأعظم( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وأحياناً كان الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم )  بنفسه يعلّم على قبر المدفون بعلامة.

ثم بنيت قباب وأضرحة على جملة من القبور من قبل المؤمنين وبأمر من العلماء.

كما كان البناء على قبور الأولياء معتاداً منذ ذلك الزمان ، فكانت عشرات منها في المدينة المنورة ومكة المكرمة وحولهما.

وقد تلقى جميع المسلمين بكل حفاوة وترحاب هذه الظاهرة الشرعية لا في المدينتين وأطرافها فحسب ، بل في سائر بلاد الإسلام كالهند بما فيها الباكستان وبنغلادش ، وكذا العراق وايران ومصر وسوريا وإندونسيا وغيرها.

إلى أن هدم الوهابيون أكثرها في الحجاز منذ مأتي سنة ، ثم استرجعها سائر المسلمين ، وبعد زهاء ثمانين سنة استولى الوهابيون على البلدين المقدسين مرة ثانية وهدموا القباب وأحرقوا المكتبات ! وكانت فيها كتب ثمينة جداً ..

كما أنهم أرادوا هدم قبة الرسول الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لكن تظاهر المسلمون في الهند ومصر ولعل غيرهما أيضاً ، أوقفهم عن ذلك في قصة معروفة ، وهم يحنّون إلى ذلك إلى الآن ، حتى أن عالمهم (بن باز) لا يزور مسجد الرسول قائلاً :

ما دام هذا الصنم ( أي قبة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ) هناك لا أزوره ، لكن الزمان مرّ عليه ولا يأبه بكلامه أحد.

ويصف - ر-  القبور قبل الهدم :

كان البقيع قبل هدمه هكذا:

الأئمة الأربعة (عليهم السلام )  في قبة ، وتزار  فاطمة الزهراء (سلام الله عليها ) في بقعتهم حيث من المحتمل أنها دفنت هناك ، وإن كنت أنا رأيت في المنام رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) واقفاً في قبره الشريف.. وقال لي وهو يشير إلى ما بين قبره ومنبره:

أن قبر فاطمة ابنتي(سلام الله عليها) هناك، والله العالم بحقيقة الحال.

كما يحتمل أنها (عليها السلام)  دفنت في بيتها ، ولعل أمير المؤمنين(عليه السلام) حمل صورة جنازة إلى عدة أماكن ، كما حمل الإمام الحسن (عليه السلام)  صورة جنازة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى البصرة.

ومن هنا لا بأس بزيارة الصديقة الطاهرة ( سلام الله عليها )  في البقيع ، وفي المسجد ، وفي بيتها وذلك لخفاء القبر الشريف ، وسيظهر ان شاء الله تعالى عند ظهور ولدها الإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) وإن كان من المحتمل إخفاء قبرها (سلام الله عليها ) إلى يوم القيامة ليبقى سنداً على مظلوميتها طول التاريخ .

وكان في نفس تلك القبة مدفن العباس عمّ النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ).

وكانت خارج القبة بفاصلة قليلة قبةٌ مبنية على بيت الأحزان ، حيث كانت الزهراء ( سلام الله عليها )  تخرج إلى ذلك المكان وتبكي على أبيها.

وكانت تشتمل مقبرة البقيع على قباب كثيرة ، مثل أزواج النبي وأولاده وبناته ومرضعته ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حليمة السعدية ، و كانت هناك قبة فاطمة بنت أسد (سلام الله عليها ) والدة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وقبة أم البنين ( سلام الله عليها ) زوجة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام )  وقبتها قرب قبة عمات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وكانت أيضاً قبة جابر بن عبد الله الأنصاري ، وغيرهم مما هو مذكور في التاريخ .  

وعن باب خيبر ينقل - ر - :

أن أستاذنا الشيخ علي أكبر النائيني (رحمه الله)  ذكر لي أنه كان بقرب حصن خيبر(باب خيبر) وقد كان من المرمر الكبير وكان بعيداً عن الحصن قرابة أربعين ذراعاً..

وقال : كلما ذهبنا في سفرتنا إلى الحج كنا نزور هذا الباب  تبركاً بما ورد من أخذ الإمام (عليه السلام) له ورميه هناك.

ولما استولى الوهابيون قطّعوا هذا الباب قطعاً وذهبوا بها عملاً بما أملي لهم، وبعد ذلك لم نجد له أثراً.

ويقع البقيع في طرف الجنوب الشرقي من مسجد النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ).

وقد اتسعت البقيع لكثرة من دفن فيها ، فأدخلت فيه أراض كثيرة ، وأول أرض اتصلت به محل دفن عثمان ، وله قصة مذكورة في التواريخ.

وقد أخذوا بمحاربة البقيع وما تبقّى من آثار الرسول( صلى الله عليه وآله وسلم ) حتـى منعت الحكومة الصلاة فــي البقيع ، وزيـارة الــنساء لـه ، وإضاءة مـصابيح في الليالي وما أشبه ذلك ، مما ليس إلا رأياً واحداً تبنّته الحكومة وحملته على المسلمين ـ كذباً وافتراءً ـ وهم ملياران ، والوهابية لا تزيد على حفنة قليلة جداً.

وبلاد السنة والشيعة كلها بريئة من مثل هذه الأمور وإلى الله المشتكى.

وعن العلاقة بين الإرهاب وهدم القباب الطاهرة يقول - ر - تحت عنوان :  

لماذا تخريب البقيع ؟

الذين هدموا بقاع البقيع وسائر البقاع المباركة لم يفعلوها إلا بالسيف من دون أي منطق عقلائي ، وهذا خلاف سيرة جميع الأنبياء والمرسلين والأئمة الصالحين(عليهم السلام).

إنك تجد نوحاً(عليه السلام) لم يحارب بالسيف ، وهكذا ابراهيم (عليه السلام) ، وهكذا موسى (عليه السلام) وعيسى (عليه السلام) ، ومن بعدهم النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) .

نعم إنما حمل (صلى الله عليه وآله وسلم)السيف دفاعاً ، وذلك عندما حمل المشركون السيف ضده ، فدافع عن الإسلام ضد المحاربين الذين أرادوا اجتثاث الإسلام والمسلمين بالسيف ، وأمير المؤمنين علي( عليه السلام ) حارب الذين حاربوه وعندما ظفر عفى عنهم.

وباقي الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) لم يستعملوا السيف إطلاقاً إلاّ الإمام الحسن(عليه السلام)  والإمام الحسين(عليه السلام) في الدفاع كما ثبت ذلك في التاريخ.

ولو كانوا يستعملون السيف لم يكن لهم ذكر حسن ، كما ذهب فرعون ونمرود  وهيرودس وأبو جهل ومن أشبههم أدراج الرياح .

إن المنطق هو الذي يصلح للبقاء، وإلا فصاحب السيف يسقط حين يسقط سيفه ، والسيف مؤقت جداً.

وبقاء القبور المباركة مهدومة دليل على أنه لازال السيف بيد الهادمين إلى الآن ولكن عندما يسقط السيف من أيديهم ، ستجد المسلمين جميعاً في نفس اليوم آخذين في البناء.

وقد ورد في زيارة الإمام الحسين(عليه السلام):

(وفي قلب من يهواك قبرك).

هذا بالنسبة إلى القبور الطاهرة ، أما الكتب الكثيرة الثمينة المخطوطة التي أذهبوها بالإحراق ونحو ذلك فلا يمكن إعادتها حتى بعد اسقاط السيف من أيديهم.

وهكذا الكثير من آثار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والتراث الإسلامي كـ (باب خيبر) الذي قلعه أمير المؤمنين علي(عليه السلام) ، وقد كان الباب موجوداً إلى قبل تسلطهم على هذه البلاد الطاهرة.

أدلة العقل في الأزمان باقيــة                وليس يذهب إلاّ السيف والحجر

إن هارون والمتوكل ومن إليهما أعملوا كل ما لديهم من سلاح ومال لهدم قبة الحسين (عليه السلام) لكنهم ذهبوا إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم ، والقبة النوراء باقية بأجلى مظاهرها وستبقى إلى يوم يبعثون.

وعن العنف والتكفير والسباب الوهابي في الحج يقول - ر - مستغرباً :

لا للخشونة والسباب

ومن الغريب أن البلدين الطاهرين وهما أفضل بقاع الأرض ومشرق الإسلام والأخوة الإسلامية ومهبط الوحي صارا محلاً لسباب كل المسلمين بـ :

(مشرك) و(كافر) و(زنديق) وما أشبه..

منذ ذلك اليوم إلى يومنا هذا، ولم يسمع في أي بلد آخر في العالم الإسلامي وغيره هذه الكثرة من السبابات على طول التاريخ المحفوظ إلى الآن.

وقد رأيت أنا سنة ذهابي إلى الحج رواج مختلف أنواع السباب وأنواع الخشونة إلى حد غريب من أناس يدّعون أنهم أتباع القرآن! الذي يقول:

( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ).

ويقول :

( ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم ).

ويقول :

(لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم، ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيراً منهن ولاتلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب)...

ويقول.. ويقول...

هذا وقد قال أحد الصحابة مخاطباً شخصا  ً:

يابن السوداء!

فقال له الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم):

 يا فلان أفيك جاهلية؟.

وقال أمير المؤمنين علي (علـــيه السلام) حـــيث سمـــع أن بعض أصحابه يسب من حاربو ه:

(اني اكره لكم أن تكونوا سبابين).

والحاصل إن هؤلاء كأنهم أرادوا أن يعرف الناس أخلاق الإسلام من باب (وبضدها تعرف الأشياء)!!.

ونتيجة لذلك العنف والخشونة التي ما أنزل الله بها من سلطان ، وبأمر من المستعمرين جاء هدم البقيع وسائر البقاع المشرفة هناك.

وقد ولدت هذه الظاهرة السيئة مع ولادة تلك الخشونة المشينة والسباب المقذع ، فيجب أن يذهب كلاهما بإذنه سبحانه، ولا يكون ذلك إلا إذا احترمت الحكومة نفسها.

وعن خطورة مشروع هدم الآثاريقول الإمام الراحل :

إزالة العشرات من آثار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وآله الأطهار(عليهم السلام) وأصحابه الكرام باسم توسيع مسجد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) أمر غير عقلائي  وغير شرعي ، بل تضييع للتراث الإسلامي والتاريخي.

فإن لتلك الآثار دلالات للبشرية ومقومات للهداية ، بالإضافة إلى أنها من أحسن الذكريات لا الذكرى فقط .. والدنيا بأجمعها تحتفظ بالآثار بكل أنواعها، حيث أن العقل والعرف يدلان على حفظها، ولا يكون ذلك خلاف الشرع الذي يصرح بالمرور في ديارهم والنظر إلى آثارهم ، وقد قال القرآن الحكيم :

(وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل أفلا تعقلون ) سورة الصافات: 137و138.

وقال تعالى : ( وإنها لبسبيل مقيم ) سورة الحجر: 76.

فان حفظ آثار العذاب عبرة فكيف بآثار الصالحين.. وكيف بالنبي العظيم (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة الطاهرين (عليهم السلام) والأصحاب المكرمين ، وهكذا بالنسبة إلى المؤمنات الطاهرات.

ومن هنا حفظ عقلاء العالم أهرام مصر، وان كان فيه نوع من إحياء الآثار الفرعونية.

وحفظوا موضع عبور موسى البحر، ومحل إحراق إبراهيم (عليه السلام ) ، ومسجد أصحاب الكهف ، وغار حراء ، وغار ثور، وغيرها.

هذا بالاضافة إلى وجود المعنوية في تلك الأماكن، كيف لا وقد قال سبحانه: (فقبضت قبضة من أثر الرسول) سورة طه: 96.

فإن كان تراب حافر فرس جبرئيل له ذلك الأثر الخارق الذي سبب الخوار في العجل  الجسد ، أفلا يكون لتلك الآثار الكثيرة البركات العظيمة ؟.

إن لريح ثوب يوسف (عليه السلام ) ـ كما أشار إليه القرآن الحكيم - وقميصه الذي ارتد أبوه بصيراً بسببه.. كما في قوله تعالى :

( فلما أن جاء البشير ألقاه على وجهه فارتد بصيرا) سورة يوسف : 96.

تلك الآثار ، فكيف لا تكون للأماكن المقدسة في المدينة المنورة الآثار العظيمة ؟.

لقد حفظها المسلمون لينالوا من كرامتها.. وكيف لا تكون البركات الكثيرة لجنة البقيع الغرقد وقد تضمن جسد عدد من الأئمة المعصومين(عليه السلام) وأولاد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وزوجاته وأصحابه!.

إن للآثار واقعيةً ، وللذكرى أثراً حقيقياً وإنْ لم يقترن بأثر مادي ، فالواجب الاهتمام بكل ذلك حتى يأذن الله بإعادتها وما هو عليه بعزيز.

وفي الختام

وفي الختام نسأل الله تعالى أن يوفق أولئك الحكام ويهديهم ليرفعوا اليد عن مثل هذه الفكرة التي ما أنزل الله بها من سلطان ، وأن يكفوا عما ارتكبوه ضد الإسلام والمسلمين ، ويتركوا ما ابتدعوه من الأفكار والأعمال التي تمنع بسببها زيارة المسلمين لتلك البلاد الطاهرة ولجنّة البقيع الغرقد وتصد عن بنائه.

فتصبح الزيارة حرة كما يزورون العراق وايران ومصر وسوريا وغيرها.

وهو الموفق المستعان.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد واله الطاهرين

قمّ المقدسة         

محمّد الشيرازي      

ذي القعدة- 1419هـ ق 13