![]() |
||||
![]() |
||||
العـــراق إلى أيــن؟
إسم الكتاب: لكي نفهم العراق إسم المؤلف: وليم بولك عدد الصفحات:244 تقديم: المحامي علي مردي السوداني
الآونة الاخيرة وتحديداً في الاسابيع الاخيرة الماضية قرأت بضعة كتب، ما بين مترجم ومؤلف وقد لفت نظري من بينها كتاب كان بعنوان- لكي نفهم العراق- للمفكر الاميركي وليم بولك، وقام بترجمته حازم طالب مشتاق وقدمه للقراء العرب الدكتور عبد الحي يحيى زلوم، لقد احتوى هذا الكتاب على ستة فصول سبقتها للمؤلف مقدمة وتمهيد. إن فصول الكتاب الستة جميعها مكرسة للعراق وتاريخه منذ القدم وحتى يومنا هذا، فنرى الفصل الاول قد تناول فيه المؤلف تاريخ العراق القديم والفصل الثاني تم فيه تناول تاريخ العراق خلال الفترة الاسلامية، والفصل الثالث تناول الاحتلال البريطاني، وقد اطلق المؤلف على هذا الفصل اسم- العراق البريطاني - والفصل الرابع تناول المؤلف خلاله الفترة العسكرية والبوليسية التي مر بها العراق التي تبدأ بحركة تموز عام 1958 وتنتهي بالاحتلال الاميركي للعراق وقد عنون المؤلف هذا الفصل - بالعراق الثوري - والفصل الخامس من هذا الكتاب خصص لفترة الاحتلال الاميركي للعراق التي تبدأ من 2003. واطلق المؤلف على هذا الفصل اسم- العراق الاميركي - اما الفصل السادس والاخير من هذا الكتاب والذي اطلق عليه المؤلف - عراق من؟- فهذا الفصل يعكس افكار المؤلف واستنتاجاته بشأن مصير ومستقبل العراق المنظور. والكتاب مختصر جداً ويكاد اختصاره ان يكون مخلاً في عكس مضامينه،اذ ان العراق وتاريخه يحتاجان الى اضعاف صفحات الكتاب البالغة 244 صفحة. ومع ذلك فالمؤلف استعرض من خلال صفحات كتابه، تاريخ العراق الراهن، منذ عصوره الموغلة في القدم. وحتى يومنا هذا، فالفصل الاول من هذا الكتاب المكرس لتاريخ العراق القديم جاء بمعلومة جديدة تضاف الى ما هو معروف عن تاريخ العراق القديم، فهذه المعلومة تقول: اولاً ان الاقوام العراقية القديمة جاءت الى السهل الرسوبي بعد تكونه في جنوب ووسط العراق، نازلة من شماله. وثانياً تقول ان السومريين ليسوا هم اول الاقوام العراقية التي استوطنت الجنوب والوسط قبل الساميين الذين جاؤوا من الجزيرة العربية موطنهم الاصلي وانما سبق السومريين اقوام اخرى استوطنت جنوب العراق ونزلت من شماله اطلق عليهم المؤرخون والآثاريون اسم العبيديين كما يقول المؤلف. ومن الجدير بالذكر ان السومريين بعد ان استوطنوا العراق اخذوا الكثير من المظاهر الحضارية من سابقيهم العبيديين ومن الامور البارزة التي تجير لصالح الكتاب ومؤلفه هي المقارنة الذكية التي قام بها المؤلف بين ما تطرحه الادارة الاميركية في نطاق سياساتها الخارجية من افكار وشعارات في الديمقراطية وحقوق الانسان، وبين ما تطبقه في الواقع والممارسة، فالمراقب مهما كان منحازاً الى الولايات المتحدة لا يجد صعوبة في وضوح الاختلاف الصارخ بين شعارات اميركا البراقة وبين الواقع العملي المر لتلك السياسة، فالذي بات واضحاً ان السياسة العملية الاميركية تتعارض كلياً مع الشعارات والمفاهيم المطروحة من قبلها، وفي كثير من الاحيان تنحو السياسة العملية منحى يتميز بالتعسف وهذه السياسة المتناقضة تدل بوضوح على عدم فهم يصل احياناً الى حد الغباء للاوضاع العراقية الراهنة خصوصاً والشرق اوسطية عموماً. ثم لا يمكن نسيان التناقض بين مواقف الحكومة الاميركية بخصوص ما تدعيه وما تعمله تجاه النظم الراهنة في الشرق الاوسط. فالسياسة العملية الاميركية قبل احتلالها للعراق كانت تقوم على دعم واسناد النظم الاستبدادية وفي اكثر الاحيان حمايتها، ليس هذا فحسب، وانما قدمت الولايات المتحدة الكثير من الدعم لهذه النظم بما فيها الوسائل القذرة التي استعملتها هذه النظم ضد شعوبها كالاسلحة الكيمياوية والجرثومية. وكثيراً ما غضت الطرف عن الاعمال البشعة لتلك النظم تجاه شعوبها اما في عشية حربها ضد العراق وما بعدها فان الامر تبدل بخصوص العراق فقط. والاهم من كل ذلك فأن المؤلف قد فضح وعرى بشجاعة الاهداف الاقتصادية والسياسية للادارة الاميركية من وراء احتلالها للعراق، التي تتمثل في الاستحواذ على الاحتياطي الهائل للنفط والغاز الخام في العراق وفي رخص كلفة استخراجه اذا ما قورنت حتى بالدول المجاورة للعراق. وازاء وضوح الاهداف السياسية والاقتصادية وراء الاحتلال االاميركي، فلن تبقى الا الوسائل المؤدية لتحقيق تلك الاهداف، فالمؤلف يتوقع احتمالين لمستقبل العراق بالارتباط مع آلية الاحتلال الاميركي. فهو يتوقع اما بقاء الاحتلال الاميركي لفترة قد تزيد على خمس سنوات او الانسحاب الفوري والفجائي من العراق. وما لم يقله المؤلف في كتابه وينبغي علينا كعراقيين ان نقوله، لانه يخصنا ومن صميم مهامنا وواجباتنا في الاول والاخير، فالكتاب العراقيون او معظمهم يكثرون ويبالغون في المقترحات لحل لمشكلة العراقية المعقدة، وهم من حيث يدرون او لا يدرون يخلطون بين الواقع العراقي المعقد وبين طموحهم واحلامهم الوردية لذلك كانت المقترحات وسوف تكون مثالية بعيدة عن الحل الواقعي للمشكلة العراقية. ولعل وراء هذه المقترحات المثالية معاناة العراقيين والكتاب والمؤلفين منهم من الوضع المأساوي الذي يأخذ بخناق الجميع والافضل من هذه المقترحات المثالية هو رصد الواقع العراقي بكل تعقيداته والانطلاق منه الى رؤية عملية للمستقبل العراقي المتوقع والمحتمل في ضوء العوامل المؤثرة فيه الخارجية منها والداخلية. والتي تتحكم في القضية العراقية فكل واحد من هذين الاحتمالين اللذين طرحهما المؤلف في كتابه، مرهون بالمصالح الاميركية وبخاصة بمصالح قواها المؤثرة في داخل الولايات المتحدة وفي خارجها. فهذه القوى المؤثرة متفقة ومنسجمة في الاهداف ومختلفة في الوسائل والاساليب المؤدية الى تحقيق تلك الاهداف، فاذا كانت الاهداف تقتضي الانسحاب الفوري من العراق فسوف يتم هذا الانسحاب دون الالتفات او الاهتمام بارواح واموال العراقيين وغير العراقيين، اما اذا كانت الاهداف تقتضي بقاء القوات الاميركية في العراق حتى لو تكبدت تلك القوات خسائر فادحة او غير فادحة. وامر الانسحاب من عدمه مرتبط بامر آخر، فاذا اريد للعراق والشرق الاوسط وبالارتباط مع القوى المؤثرة في داخل الولايات المتحدة او في خارجها، ان يعاد النظر في خارطته السياسية اي تقسيمه الى دول او دويلات جديدة تراعى فيه اولاً مصالح القوى الكبرى وبالذات الولايات المتحدة الاميركية. وثانياً مراعاة بعض الظروف المحلية. واوضاع سكان المنطقة اما اذا كانت الاهداف من وراء الاحتلال تقتضي وتستلزم بقاء الاوضاع الاقليمية على حالتها الراهنة. فان الاحتمال المرجح الاخذ بنظام لا مركزي في النواحي السياسية والادارية. وفي ذلك يستعان بنظام تعددي برلماني يأخذ بنظر الاعتبار خصوصية كردستان العراق في الشمال ومنح بعض الحقوق للمنطقة الغربية التي كانت حاكمة للعراق لفترة غير قصيرة جنباً الى جنب مع اعطاء الجنوب والجنوب الاوسط - الفرات الاوسط - بعض الحقوق باعتبار ان سكانها يشكلون اغلبية للشيعة، واعطاء بعض المناطق حلولاً تتسم بالخصوصية لكل منها- كركوك، بعقوبة وبغداد بحكم تنوع السكان الاثني والمذهبي فيها بشكل عميق. في الختام نرى ان المؤلف قد نظر كأجنبي وامريكي الى القضية العراقية من زاوية خاصة وغير عراقية واستحوذ على تفكيره كيفية تخليص الولايات المتحدة من ورطتها في العراق الا انه وفي هذه المعمعة لا ينسى الجانب الانساني للعراقيين اذ ان من ايجابيات المؤلف التي تستحق التقدير والتثمين هي عطفه العميق على العراقيين وتضامنه معهم في قضيتهم وهذا العطف نابع من ابتعاد المؤلف عن السياسة وألاعيبها، باعتبارها اقذر واصعب مهنة عرفها الانسان خلال تاريخه الطويل القديم والحديث مهما تمت تغطية قذاراتها بمختلف الاساليب ومهما استعين بكافة السبل والوسائل للتخفيف من وطأة صعوبتها. واذا كان لا بد من الترجيح بين احتمال الانسحاب الفوري من العراق او البقاء فيه فان معظم المؤشرات تشير الى رجحان بقاء الاحتلال واستمراره لحين استكمال البنى والمؤسسات الامنية والعسكرية التي تحل محل قوات الاحتلال. والادارة الاميركية ليست في عجلة من امرها بسبب الاختلافات المستعصية بين الكيانات العراقية الرئيسية الثلاثة- شيعة وسنة واكراد- التي من المستحيل عليها الاتفاق على حد ادنى في الاقل. واخيراً، هذا الكتاب برغم سلبياته ونواقصه القليلة لا يستغني اي عراقي عن قراءته للاهمية الفائقة التي يتمتع بها بشأن العراق لاحتوائه على معلومات هامة ومفيدة لكل مثقف عراقي.
|
||||
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
|
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |