النبوءة و السياسة : الانجيليون العسكريون في الطريق إلى الحرب النووية

 

 

اسم الكتاب: النبوءة و السياسة : الانجيليون العسكريون في الطريق إلى الحرب النووية

تأليف: غريس هالسل

ترجمة: محمد السماك

الناشر: دار النفائس - الطبعة الخامسة - عام 2003

 

تعرض مؤلفة الكتاب غريس هالسل للمنطلقات الفكرية للحركة الصهيونية المسيحية و المنظمات الدينية التي تعمل تحت ظلال كنسية من أجل ترويج أفكارها وبالتالي تكوين ضمير ديني جماعي بوجوب دعم اسرائيل تحقيقاً لنبوءات مستخرجة من التوراة بما يتوافق مع الأهداف الاستراتيجية لاسرائيل في فلسطين وفي الوطن العربي.

ولعل مايعطي الكتاب أهمية خاصة هو أن مؤلفته مسيحية انجيلية نشأت في بيت مؤمن بالحركة التدبيرية والمسيحية الصهيونية وكانت من أتباعها.

والكتاب من القطع المتوسط جاء في 232 صفحة ، ترجمة محمد السماك وهو من أوثق المفكرين العرب علاقة مع المؤلفة غريس هالسل ، ترجم لها كتابيها "يد الله" و " النبوءة و السياسة" الذي نقدم عرضاًَ له و الذي يبدأه المترجم بمقدمة خاصة للطبعة الخامسة و يتحدث عن طبيعة الدور الذي لعبته غريس هالسل في كشف معالم الصهيونية المسيحية كأول دور من داخل أميركا يكشف مدى تغلغل هذه الحركة الدينية في المجتمع الأمريكي وكان أول صوت انجيلي يرفع ضد هذه الحركة الانجيلية التي أطلقت على نفسها اسم "الصهيونية المسيحية" .

كما يبين لنا السماك بداية ظهور نظرية جديدة تقول: "ان الله يريد عودة اليهود إلى فلسطين لعبادته من هناك ، لأنه يحب أن يعبد من هناك " هذه النظرية التي استعملها اليهود أساساً للهجرة اليهودية إلى فلسطين ، فهذه النظرية تقول أن للمسيح عودة ثانية وأنه لن يظهر إلا وسط مجتمع يهودي وانه لن يعود إلا في صهيون .

ومن أهم معتقدات هذه الحركة تعجيل الحروب حتى تعجل بعودة المسيح المعتقد بأنه سيظهر بعد معركة هرمجيدون النووية" نسبة إلى سهل مجيدو في فلسطين" ولذلك نرى اهتمام هذه الحركة بالشرق الأوسط والسعي للسيطرة على الادارات الامريكية للتأثير على قرارها المتعلق بالشرق الأوسط .

ومن معتقدات هذه الحركة أن قيام دولة اسرائيل عام 1948 كان المؤشر الأول من ثلاثة مؤشرات على تحقيق الإرادة الإلهية بالعودة الثانية للمسيح ، وكان المؤشر الثاني احتلال القدس عام 1967 ، أما المؤشر الثالث المنتظر فهو تدمير المسجد الأقصى وبناء الهيكل مكانه.

يبين لنا المترجم في المقدمة الجديدة التي أوردها في الطبعة الخامسة أن الأصولية الانجيلية المتصهينة لاتقتصر على مجرد تقديم تفسيرات معينة لمفاهيم دينية محددة ، ولكنها تحاول أن تصنع المستقبل وفقاً لهذه التفسيرات، وذلك من خلال الموقع الممتاز الذي تتبوؤه في مصنع القرار الامريكي.

وفي مقدمة الطبعة الثالثة يظهر لنا المترجم أهمية هذه الدراسة في بيان عمل مؤسسات و أشخاص داخل أمريكا والكيفية التي يتم بها جمع الأموال وإثارة الرأي العام والدفاع و التنسيق مع الحكومة الاسرائيلية ، ويلقي هذا الكتاب الضوء على مسألة الصراع بين الحركة المسيحية الصهيونية و الكنائس المسيحية الأخرى التي تتخذ مواقف مناقضة إلى حد كبير.

أما في مقدمة المؤلفة غريس هالسل فتتحدث فيها المؤلفة عن حياتها ونشأتها في بيت مسيحي يؤمن بأن تاريخ الانسانية سوف ينتهي بمعركة هرمجيدون النووية التي سوف تتوج بعودة المسيح ، وتخبرنا كيف كانت معرفتها بالشرق الأوسط تنطلق بشكل أساسي من الكتاب المقدس شأنها بذلك شأن أغلبية الأمريكيين ، وكيف فوجئت عند زيارة فلسطين بأن فلسطين ليست أسطورة لكنها أرض تخص فلسطينيين عاشوا فيها طوال الألفي سنة الماضية، وهي حقيقة مغيبة عن الشعب الأمريكي .

وتشير المؤلفة إلى مدى تأثير أشخاص مثل "هول لندسي" مؤلف كتاب " آخر أعظم كرة أرضية" وتأثير الحملات التبشيرية الانجيلية التلفزيونية التي ترسخ في عقول الشعب الامريكي فكرة أن الله قضى علينا ان نخوض غمار حرب نووية ومدى تأثير هذه الأفكار على الادارات الامريكية كإدارة "رونالد ريغان" المتحمس جداً لهذه الأفكار و الذي لم يتوان في التعبير عنها أكثر من مرة في أكثر من مناسبة.

هذه الأفكار الهامة التي تطرقت لها المؤلفة في مقدمة الكتاب قامت بشرحها وتفصيلها من خلال صفحات الكتاب عبر عدد من الفصول وهي:

مع جيري فولويل في أرض المسيح (معركة هرمجيدون):

هنا تعود بنا المؤلفة إلى اولى رحلاتها إلى تل أبيب والتي نظمها جيري فولويل أحد أكثر المسيحيين الصهاينة ولاء لاسرائيل ، وتبين لنا المؤلفة مدى إيمان المسيحيين الامريكيين بأن عودة المسيح لن تتم إلا بعد معركة هرمجيدون النووية التي هي باعتقادهم مشيئة الله والتي ذكرت تفاصيلها في الكتب المقدسة.

النهاية قريبة:

إن فكرة أن نهاية العالم قريبة هي فكرة كل المعتقدين بمعركة هرمجيدون وعودة المسيح المخلص والتي يسبقها حسب اعتقادهم تورط روسيا في حرب ضد اسرائيل بالتعاون مع الشرق الأوسط وهي إحدى المراحل التي تسبق نهاية العالم.

ريغان : التسلح من أجل هرمجيدون حقيقية:

تقدم لنا المؤلفة ومن خلال دراسة أجراها "أندرو لانغ" مدير الأبحاث في المعهد المسيحي نظرة معمقة عن حياة رونالد ريغان وتأثير أبواه في ترسيخ أفكار المسيحية الصهيونية ، وكيف استغل منصبه من أجل زيادة التسلح في الولايات المتحدة للتعجيل بمعركة هرمجيدون التي كان من أشد المعتقدين بها.

استراحة في الناصرة:

تستخلص لنا المؤلفة من وقائع رحلتها إلى القدس أن الحكومة الاسرائيلية و المسيحيين الصهاينة القيميين على رحلات مايسمى بالحج يبذلون جهداً كبيراً للفصل بين المسيحيين الغربيين و بين الفلسطينيين المسلمين و المسيحيين على حد سواء ، ويحاولون زرع فكرة أن فلسطين هي أرض بلا شعب .

استحسان المسيح العسكري:

إن مباركة المسيحيين الأصوليين واليهود للعمليات العسكرية ضد العرب المسلمين و المسيحيين ينبع من تحميل نصوص الكتاب المقدس ما لا تحتمل ، وبالتالي التشجيع على زيادة التسلح بالأسلحة النووية وجمع الأموال من أجل تأييد الاسرائيليين شعب الله المختار حسب اعتقادهم.

بحث عن حياة فولويل:

هنا تغوص المؤلفة في حياة جيري فولويل من أكبر مؤيدي الدولة الصهيونية والعاملين لمصلحتها بعد ان كان من دعاة فصل السياسة عن التبشير في محاولة منها أن تكشف النقاب عن الأسباب و النتائج من وراء دعمه لها .

وفي هذا القسم من الكتاب تشير المؤلفة إلى المراحل التي تمهد بعودة المسيح حسب الفكر المسيحي المتصهين :

أولاً: عودة اليهود إلى أرض فلسطين.

ثانياً: إقامة دولة يهودية.

ثالثاً: التبشير باللاهوت لجميع الأمم بما في ذلك اسرائيل .

رابعاًً: صعود الكنيسة .

خامساً: وقوع الفتنة.

سادساً: وقوع معركة هرمجيدون.

والمرحلة السابعة والأخيرة مرحلة الذروة :إقامة مملكة المسيح ، حيث يحكم المسيح من القدس لألف سنة.

زيارة الجبل المقدس:

تخصص المؤلفة هذا الفصل لوصف مدينة القدس وقبة الصخرة والمسجد الأقصى ، وبيان تاريخ هذه المدينة العظيمة وأهميتها الروحية بالنسبة للمسلمين و المسيحيين و اليهود.

التحريض على الحرب المقدسة:

تكشف لنا في هذا الفصل طبيعة المؤسسات و المنظمات الإرهابية التي يدعمها مسيحيون صهاينة في محاولة منهم لتدمير المسجد الأقصى وبناء الهيكل مكانه وذلك بناء على المعتقدات التي استطاع الصهاينة خلال سنوات كثيرة نشرها وترسيخها في عقول الكثير من اليهود والمسيحيين الأمريكيين خاصة، مما جعلهم يؤيدون الأعمال الارهابية التي تقوم بها منظمات يهودية متطرفة.

الدليل المسيحي الممنوع :

ان حركة السياحة في اسرائيل والتي في أغلبها أفواج حجاج تمتاز بالدليل السياحي اليهودي فرخصة الدليل السياحي لاتمنح لفلسطينيين مسيحيين كانوا أم مسلمين لأن هذه الرحلات في حقيقتها هي هدف اسرائيلي لتعريف الحجاج بالانجازات السياسية و العسكرية للدولة الصهيونية بدلاً من أن تكون تعريفاً للأماكن المقدسة المسيحية وتاريخها العريق.

البحث عن صهيونية غير يهودية:

ترى المؤلفة أن المسيحيون البروتستانت الانجيليون هم من كانوا وراء خلق حركة تشجيع اليهود للانتقال إلى فلسطين قبل ثلاثة قرون من المؤتمر اليهودي الصهيوني الأول ، وأن فكرة تحرير انكلترا وأوروبا من اليهود ساعدت في خلق الدولة اليهودية في فلسطين ،كما ترى المؤلفة أن مسيحيين صهاينة أمثال جيري فولويل هم من يحثون اليهود للمطالبة بكل الأراضي العربية التي تمتد من الفرات إلى النيل.

زواج المصالح ...لماذا عقدت اسرائيل حلفاً مع اليمين المسيحي الجديد:

من خلال كلمات القادة اليهود و قادة اليمين المسيحي التي ساقتها المؤلفة ترى ان القادة في المعسكرين يفضلون بناء قوة عسكرية غير محدودة من الأسلحة النووية في كلا الدولتين "أميركا و اسرائيل" .

مكاسب اسرائيل من التحالف: المال

تلخص المؤلفة أهداف اسرائيل في الولايات المتحدة على النحو التالي:

ان اسرائيل تريد المال.

ان اسرائيل تريد الكونغرس أن يكون مجرد خاتم مطاطي للموافقة على أهدافها السياسية.

ان اسرائيل يريد سيطرة كاملة ومنفردة على القدس.

مكاسب اسرائيل من التحالف : مزيد من الأراضي

يعتقد المعسكر اليميني المسيحي أن المسيحيين يؤخرون عودة المسيح من خلال عدم مساعدة اليهود على مصادرة الأرض من الفلسطينيين، لذلك فهم يعملون على جمع الأموال من الأشخاص والمؤسسات ومن المنظمات الانجيلية الأصولية ويتم نقلها إلى اسرائيل بهدف توسيع أراضيها.

مكاسب اسرائيل من التحالف :تجذير الدعم المسيحي

تكشف المؤلفة من خلال ورقة أعدها احد القادة الانجيليين الأصوليين ذكر فيها أسماء 250 منظمة انجيلية موالية لاسرائيل في أميركا ، تقوم بتنظيم أحداث بارزة للتضامن مع اسرائيل ودعمها ، ومن هذه المنظمات:

* مؤتمر القيادة الوطنية المسيحية لاسرائيل.

* المؤتمر الوطني المسيحي.

* الاتحاد الاميركي من اجل سلامة امريكا.

* تاف الكاتدرائيات الانجيلية.

* الائتلاف الامريكي من أجل القيم التقليدية.

* الصوت المسيحي.

مزج السياسة بالدين:

تبين المؤلفة في هذا الفصل تركيز اليهود الصهاينة على جعل التفسيرات التوراتية أساساً للسياسة ، وبالتالي استدراج المسيحيين للدفاع عن اسرائيل كمطلب إلهي مقدس.

وفي خاتمة الكتاب تظهر لنا المؤلفة رؤيتها النقدية للأفكار الصهيونية المسيحية فهي تعتبر ان الحلف الاسرائيلي - الاصولي الأمريكي ليس مجرد حشد للمبادئ النظرية و المعتقدات الروحية ، إنما يقوم على عوامل سياسية وعسكرية أكثر منها نظرية ، ومن هنا يجب أن ندرك أنه نتيجة لوجود أهداف بعيدة المدى بين أطراف التحالف فإن تحالفهم وتنظيمات أعمالهم يجب أن تبقى مؤقتة ، فإذا لم نعترف بالخطر الذي يفرضونه سيكون أمام الطرفين الوقت الكافي في حلفهم غير المقدس لتفجيرحرب لاتنتهي قبل أن تدمر الكرة الأرضية من خلال التحقيق الذاتي للنبوءة وهذا مانراه اليوم مجسداً على أرض الواقع على شكل إبادات جماعية عنصرية وإغتصاب للأراضي وإنتهاك للأعراض كما في فلسطين و العراق ، فالاحتلال الأمريكي للعراق - والذي تدفعه اليد الاسرائيلية متمثلة بزمرة المحافظين الجدد الذين يسيطرون على مواقع صنع القرار في الإدارات الأمريكية - يعتبر مثالاً واضحاً على ضرب هذا التحالف قرارات الأمم المتحدة بعرض الحائط في سبيل تحقيق هدفهم الذي لا يقف عند العراق وفلسطين فحسب بل يمتد ليشمل الشرق الأوسط كله.

و كل ذلك بحسب المصدر المذكور نصا و دون تعليق.

المصدر: darbabl