تقليد وتزييف البضائع يغزو العالم والصين في قفص الاتهام
اليابان تدعو المتضرّرين الى مؤتمر دولي اتفقت الولايات المتحدة واليابان على عقد مؤتمر دولي، لمنع انتشار البضائع والمنتجات المقلّدة. ودعا البلدان كلاًّ من سويسرا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وكوريا الجنوبية وسنغافورة، للمشاركة في المؤتمر، الذي كان رئيس وزراء اليابان جونشيرو كويزومي قد اقترحه خلال قمّة مجموعة الثماني في غلين إيغلز في اسكوتلندا العام الماضي. وسيعقد المؤتمر في اليابان عام ٢٠٠٨، عندما تستضيف القمّة المقبلة لمجموعة الثمانية، للبحث في كيفية معالجة هذه المشكلة التي انتشرت داخل المجتمعات بشكل واسع، وباتت تلحق أضراراً كبيرة في الاقتصاديات العالمية. ومن بين القطاعات التي تعاني المنتجات المزوّرة أو المقلّدة، الصناعات اليابانية ومنتجو الساعات السويسرية والأزياء الفرنسية والأفلام الأميركية وبرامج الكمبيوتر وقطع غيار السيارات ومستحضرات التجميل وغيرها... وعمليات التزوير على اختلاف أنواعها، لم تعد حالات فرديّة يمكن لها أن تختفي في أي لحظة، بل أصبحت عملية منظّمة تديرها «عصابات المافيا»، وتستخدم عوائدها في الجريمة المنظّمة، كما أنها تكبّد الدول خسائر ماديّة تقدّر بنحو ١٠٪ من إجمالي حركة التجارة العالمية، وهي موجودة في كل البلدان، إلا أنها تنشط في البلاد الأقلّ قدرة على تطبيق النظم المحلّية والدولية لحماية الملكية الفكرية، وبشكل خاص في الصين وروسيا وبعض دول شرقي آسيا، حيث يتمّ تقليد أو تزوير معظم المنتجات والسلع العالمية، ليتم تصديرها الى أسواق الدول الناشئة، وأبرزها منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا ودول أوروبا التي تعاني تفاقم ظاهرة الغش التجاري، المتمثّلة في إغراق غير مسبوق بالبضائع المغشوشة والسلع المقلّدة، نظراً لانفتاح الأسواق على العالم الخارجي، وزيادة الانفاق الاستهلاكي للسكان الذين باتوا يتمتعون بقدرة شرائية عالية، في ظلّ النموّ الاقتصادي الهائل، خصوصاً في منطقة الخليج، وازدهار الأسواق المالية، على الرغم من أن السلطات المختصّة في هذه الدولة لا تألو جهداً في احتواء ظاهرة الغشّ التجاري، من خلال تفعيل القوانين والأنظمة الحمائية للمستهلكين من الاستغلال، وجعلها أكثر مواكبة لفنون الغشّ التجاري الآخذة في التطوّر يوماً بعد يوم. والغشّ التجاري له وجوه وأشكال مختلفة، إذ نجد أن الغشّ قد اخترق معظم الأنشطة ومعظم السلع والخدمات، فهناك الغش في البيع والشراء والخدمات، ويتمثّل ذلك في محاولة عدم إظهار العيب في السلعة، والتلاعب في عناصر البضاعة، أو صفاتها الرئيسية، أو بلد صناعتها، أو تاريخ انتهاء الصلاحية. يقول رجال القانون إن الغشّ التجاري بمفهومه الحديث، يعمد الى تزييف المنتجات الأصليّة من خلال وضع العلامة التجارية نفسها، مثلاً على ما ينتجه قراصنة السلع من منتجات مقلّدة شبيهة بالمنتج الأصلي، وبالتالي الدخول في منافسة غير عادلة مع المنتج الأصلي، فتتنافى مع مبدأ حرّية التجارة والمنافسة الشريفة، إذ هي تسبّب أضراراً مباشرة للمنتج الأصلي من حيث جني ثمار العائدات المستحقّة. كذلك، فإنه عندما تكون جودة السلعة المزيّفة رديئة، فإن المشترين الذين يقتنونها، اعتقاداً منهم بأنهم يشترون المنتج الأصلي، سوف تتكوّن لديهم فكرة سيئة عن الشركة الأصلية المتمتّعة بحقوق الملكية الفكرية، كما أن بيع السلع المزيّفة بصورة غير مشروعة ستحرم الوكلاء والموزعين الشرعيين من حقوقهم، مما يؤثّر في نجاح علاقتهم بالمنتج الأصلي. ومن نماذج الغشّ التجاري الكذب على المشتري بالنسبة الى بلد المنشأ، كأن تكتب على البضاعة التايوانية أو الصينية أنها من صنع بلد آخر. وتشير مصادر الى أن الصين تحظى بسوق واسعة للسلع المزيّفة والمقلّدة، تراوح سنوياً ما بين ٢٠ و٢٥ مليار دولار، وقد بدأت الولايات المتحدة منذ أعوام بمطالبة بكين العمل على القضاء على البضائع المقلّدة. وفي أواخر العام الماضي أعلنت الولايات المتحدة عن مبادرة جديدة في منظّمة التجارة العالمية تضغط على الصين، ومطالبتها بفتح سجلاّتها في مكافحة أعمال القرصنة التجارية، وانتهاك حقوق الملكية الفكرية، وسط تزايد قلق واشنطن لعمليات تقليد المنتجات الأميركية. ودعم الموقف الأميركي طلبات مماثلة الى منظّمة التجارة العالمية من قبل اليابان وسويسرا. ويومها أعلن الممثّل التجاري الأميركي روبرت بورتمان، أن القرصنة الفكرية وعمليات التقليد، ما زالت كبيرة في الصين، رغم مرور سنوات من الجدل حول هذه المسألة، موضحاً أن على بكين استغلال هذه الحملة لإثبات سلامة موقفها. وأكثر ما يقلق الدول هو أعمال القرصنة لبرامج الكمبيوتر التي انتشرت في معظم الدول. ويقول رئيس اتحاد منتجي البرامج التجارية روبترت هوليمان، أن إجمالي الخسائر العالمية، بسبب قرصنة برامج الكمبيوتر، بلغت العام الماضي نحو ٣٤ مليار دولار، بزيادة نسبتها ١.٦ مليار دولار عن عام ٢٠٠٤. وبرأيه أن القرصنة لها تأثير أبعد من الخسائر الماليّة، لأن القراصنة يسرقون الوظائف وعائدات الضرائب، كما يسرقون الملكية الفكرية. ويعتقد هولمان أنه إذا انخفضت القرصنة في منطقة الشرق الأوسط بنسبة ١٠٪ بحلول عام ٢٠٠٩، فإن حجم هذه الصناعة سيبلغ ٢٧.٥ مليار دولار مرتفعاً من ١٧ مليار دولار حالياً. ويبلغ متوسط نسبة القرصنة لبرامج الكمبيوتر في الشرق الأوسط وأفريقيا نحو ٥٨٪. وطبقاً لبيانات اتحاد منتجي برامج الكمبيوتر، وهو منظّمة لمراقبة القرصنة على البرامج، فإن نحو ٧٦٪ من جميع البرامج المبيعة في منطقة الخليج عام ٢٠٠٥ غير مرخّصة، وهي نسبة كبيرة مقارنة بالولايات المتحدة وبريطانيا حيث تقلّ النسبة عن ٣٠٪. و كل ذلك بحسب المصدر المذكور. المصدر: المشاهد السياسي- العدد549
مواضيع ذات علاقة
◄الصين... مستقبل غامض لتجربة "الجمع بين نقيضين" ◄الصين في القرن الحادي والعشرين :المؤتمر السنوي للمجلس المصري للشئون الخارجية مَـنْ يـنـتـظـر مَـنْ ؟ ... الهـنـد والـعـالـم ◄ ◄.. لكي لا تلعب الصين في المنطقة الرمادية..! ◄منْ سيفوز بسباق القرن··· الصين أم الهند؟ ◄الصين: القمع الديني للمسلمين الايغور ◄فلنكن على بصيرة بطموحات الصين العسكرية ◄آفــاق التجربــة الصينيــة··· وأسئلتهــا ◄فرصة العرب على المسرح الدولي في ظل تنامي نفوذ التنين الصيني ◄ماذا لو توقّفت الصين عن دعم الولايات المتحدة ؟ ◄توجه الصين لزيادة مخزونها النفطي يثير قلق الأسواق ◄صراع القوتين العُظميين··· هل بلغ ساعة الخطر؟ ◄ميزان القوة العالمي يميل إلى آسيا ◄سؤال مرهق: هل تسيطر آسيا على القرن الحادي والعشرين...؟ ◄هل عاد بوش من الصين بخفي حنين؟ ◄مسلمو الصين... آخر المستفيدين من نفط مناطقهم
جوسوا كورلانتزك** ترجمة: عمرو فرحات***
استطاعت الصين في السنوات الأخيرة أن تستفيد من عثرات الإدارات الأمريكية، بدءا برد الفعل البطيء حيال الأزمة المالية الآسيوية في عهد الرئيس كلينتون، وصولا إلى قصر نظر إدارة الرئيس بوش في مواجهة الإرهاب بعد أحداث 11 سبتمبر 2001. وانعكس ذلك في اتباع الصين لسياسة القوة الناعمة، واستخدامها الإقناع بدلا من الإكراه، وتعظيم قدرتها على جذب الآخرين عبر وسائل عديدة، ثقافية ودبلوماسية واقتصادية، فضلا عن المشاركة في المنظمات المتعدية الجنسيات. وعندما أطلق الكاتب الأمريكي "جوزيف ناي" مفهوم القوة الناعمة، فقد استخدم مفهوما أكثر تحديدا، مستبعدا الدبلوماسية الرسمية والاستثمار، وسائر أشكال التأثير التقليدية مثل القوة العسكرية، إلا أن الصين وجيرانها أوجدوا فكرة أوسع للقوة الناعمة في الإطار الآسيوي يشمل جميع المجالات -باستثناء المسائل الأمنية- بما فيها الاستثمار والمساعدات. فالقوة الناعمة "العليا" تشتمل مفهوما يخص النخب، بينما المفهوم "الأدنى" أو القوة الناعمة "المنخفضة" تتناول القاعدة الجماهيرية الأوسع، وهو ما عملت بكين على تعزيزه من أجل تعظيم تأثرها بمنطقة جنوب شرق آسيا. ورغم أن هذه القوة أوجدت إيجابيات كبيرة في العلاقات الصينية الآسيوية وخاصة جيرانها الأقرب، إلا أن القيم والنماذج التي وضعتها الصين لجنوب شرق آسيا أو للدول النامية الأخرى يمكن أن تكون كارثية على الديمقراطية والحكم الرشيد والمجتمعات المدنية الضعيفة، والأكثر من ذلك، تبدو الصين وكأنها تستخدم قوتها الناعمة لكي تدفع اليابان وتايوان وحتى الولايات المتحدة بعيدا عن التأثير الإقليمي. القوة الناعمة طريق الصين للنفوذ الإقليمي مارست الصين حتى وقت قريب قوة ناعمة محدودة، حيث كانت تتبع سياسة خارجية دفاعية، ويفتقر الرأي العام إلى الثقة في إمكانية أن ترسم الصين سياستها كقوة عظمى، إذ رأى ثلث المستطلع آرائهم في استطلاع أجرته مجموعة "هورزون" البحثية عام 1995 أن الولايات المتحدة هي أكبر قوة عالمية، بينما رأى 13% أن الصين هي القوة الأكثر نفوذا، لكن هذه النسبة ارتفعت إلى 40% في استطلاع أجرته نفس المجموعة بعد عام، ثم جاء عام 1997 ليكون علامة بارزة لظهور القوة الناعمة الصينية حينما رفضت تقليل قيمة عملتها على خلفية الأزمة المالية في أسواق آسيا. ومنذ ذلك التاريخ (1997) بدأت الصين تستخدم بعض تطبيقات القوة الناعمة، حيث دشنت ما عرف باسم (إستراتيجية "توزيع المكاسب "win –win strategy") في سياستها الخارجية، وأعلنت أنها ترغب عبر ذلك إلى الاستماع للدول الأخرى بمنطقة جنوب شرقي آسيا، واتخذت مبادرات حقيقية بالتوقيع على اتفاقية "صداقة" مع دول شرق آسيا، كما ألزمت نفسها بالعمل على إيجاد طريقة للتعامل المرن في منطقة بحر الصين الجنوبي. وبينما رأت واشنطن أن تلك الإستراتيجية لا تحترم السيادة وتتخذ منحى عقابيا تجاه منطقة جنوب شرق آسيا، إلا أنه من الناحية الواقعية لم توقع الولايات المتحدة اتفاقية للصداقة ولم تلغِ العديد من العقوبات على منطقة جنوب شرق آسيا. وتشمل عناصر الإستراتيجية الصينية بعض المكونات الأخرى أبرزها التركيز على الدول ذات العلاقة المضطربة مع الولايات المتحدة مثل الفلبين وكمبوديا، فقد عززت لصين علاقاتها مع رئيس الوزراء الكمبودي "هون شين" بالتزامن مع تدهور علاقاته مع واشنطن، وتتبع الصين أمرا مشابها خارج آسيا مثل علاقتها بالسودان وفنزويلا وأوزبكستان. لقد عملت الصين ولا تزال على الدفع بقوتها المرنة في جنوب شرقي آسيا، إذ يفوق الدعم الذي تقدمه بكين إلى الفلبين أربع أضعاف حجم المساعدة الأمريكية لها في 2003، وتفوق نظيرتها الأمريكية في "لاوس" بثلاثة أضعاف في عام 2002، وتساوت المساعدة الصينية مع الأمريكية لدولة إندونيسيا، لكنها تفوقت عليها في تنوعها وتشعب اتجاهاتها. ويمكن القول إنه منذ نهاية تسعينيات القرن الماضي كان لبكين مساعدات أفضل تبتعد عن الأهداف السياسية، وتشمل تشجيع الشركات الصينية للاستثمار في الخارج، ودعم الفاعلين السياسيين، وتقليل المخاوف من نمو الاقتصاد الصيني، فقد استخدمت المساعدات الصينية المقدمة إلى تايلاند لجذب السياسيين التايلانديين للدراسة في الصين، كما اشترت الصين منتجات لإرضاء المزارعين التايلانديين الذين أعربوا عن قلقهم من تأثير التجارة مع الصين، وهو ما بدا أنموذجا واضحا في توظيف القوة الناعمة "المنخفضة". ويعمل الصينيون على التسويق للسياسة الصينية كجزء من دبلوماسية عامة مركبة، وهو ما يعد نوعا آخر من القوة الناعمة "المنخفضة"، فالمسئولون الصينيون قاموا في عام 2004 و2005 بضعف عدد زيارات نظيرهم الأمريكيين بالمنطقة، وبينما خفضت الولايات المتحدة ميزانية دبلوماسيتها العامة منذ انتهاء الحرب الباردة، فإن الصين قد برعت في تطبيق إستراتيجية تعزز مفهوم "التنمية السلمية" من خلال تنظيم المعارض الفنية بالعديد من دول العالم، كما أسست معاهد كونفشيوسية لتعليم اللغة الصينية داخل الجامعات الكبرى في شرق آسيا، وساهمت النشرات الدولية التي تقدمها الإذاعة الصينية في توسيع انتشار اللغة الصينية بالمنطقة. ومن الأمثلة الأخرى أن الصين شجعت طلاب مدارس اللغات بكمبوديا، ذوي الأصول الصينية، على تلقي منح دراسية، واتبعت سياسة التجارة الحرة لتكون مصدرا للاستثمار الخارجي المباشر، فالصين اليوم تنتقل من مرحلة اتفاقيات التجارة الحرة مع دول جنوب شرق آسيا، إلى مرحلة التفاوض من أجل بناء شراكة اقتصادية، ويتوقع مع نهاية عام 2006 أن يتجاوز حجم التبادل بين الصين ودول المنطقة نظيريه الأمريكي والياباني. ورغم أن الصين حتى الآن لا تعد مستثمرا أجنبيا مهما إلا أن استثماراتها المباشرة في الخارج تنمو أسرع مما يتوقع الخبراء، حيث أصبحت الصين أكبر مصدر لهذه الاستثمارات في كبموديا خلال 2004، كما غير استقبال الصين للهجرات الخارجية الوضع الديموجرافي في بورما وفيتنام الشمالية. مردود القوة المرنة الصين وأمريكا.. تنافس محتدم في جنوب شرق آسيا ولكي ندرك حقيقة ما حققته القوة المرنة الصينية من نجاح، لا بد من إدراك حالة التشابك بين الأهداف المتعددة للصين بمنطقة جنوب شرق آسيا، لا سيما تداخل الأهداف الأمنية مع كل الأهداف الأخرى وصعوبة الفصل بينها جميعا، فأحد الأهداف الصينية الرئيسة هي السلام في محيطها، الأمر الذي يتيح لاقتصادها أن ينمو كما يتيح فرصا لشركاتها الباحثة عن منافذ للتسويق، وربما ترغب الصين في امتلاك قواعد على طول ممرات بحر الصين وتهيمن على الممرات المائية والجزر في المنطقة خاصة بحر الصين الجنوبي، كما تريد تقليل النفوذ الياباني والتايواني. ولهذا استخدمت منذ عام 1994 كل الموارد الاقتصادية والدبلوماسية لمكافأة الدول الراغبة في عزل تايوان، حيث تسعى لأخذ موافقة هذه الدول على سياسة "الصين الواحدة"، وتمنع المسئولين التايوانيين من المشاركة في المنتديات غير الحكومية، وتمنع الاستثمارات الآسيوية من العمل في تايوان، وتسعى لإثناء هذه الدول عن تأييد أية مبادرات يابانية إقليمية. ومن ثم فالقوة المرنة الصينية بدأت تتقبل التعامل مع القادة المنتخبين ديمقراطيا مثل الفلبين، ونجحت في إبعاد تايوان عن لعب دور إقليمي، كما همشت بدرجة متزايدة الدور الياباني، وهو ما ظهر في التأييد الإقليمي المحدود لرغبة اليابان في الحصول على مقعد دائم بمجلس الأمن. ومن جانب آخر، ربما ترغب الصين في تحويل دفة النفوذ في منطقة جنوب شرق آسيا بعيدا عن أمريكا، إذ تسعى لتطبيق مبدأ "مونرو" الذي تتبعه الولايات المتحدة في أمريكا الشمالية في إطار محيطها الإقليمي. وبالفعل، فقد نجحت الصين في تغيير موقف قادة المنطقة منذ خمس سنوات، فلم يألوا جهدا في إزالة الآثار السلبية للتجارة مع الصين ومنح رجال الأعمال الصينيين والنخب الثقافية وصناع القرار فرصة الدخول للمنطقة إثر تحفظ النخب الأمريكية. ويشارك الرأي العام في جنوب شرق آسيا نفس هذا الإحساس تجاه العلاقات مع الصين رغم التهديدات الجدية التي تمثلها التجارة الحرة مع الصين، فغالبية أعضاء القطاع الخاص يبدون وجهة نظر إيجابية حيال بكين، ولم تعد صحف المنطقة تنتقد السياسات الاقتصادية والأمنية الصينية كما كانت تنتقدها منذ فترة قريبة، وتسارعت شعبية اللغة والدراسات الثقافية الصينية، ويذكر أنه بحلول عام 2008 سوف تستقبل الجامعات الصينية أكثر من 120 ألفا من الطلاب الأجانب فيما كان هذا الرقم يقدر بنحو 8 آلاف طالب فقط منذ عقدين. قوة الصين.. إيجابيات وسلبيات إن صعود القوة الناعمة الصينية يمكن أن يكون أمرًا مفيدًا في بعض المجالات، التي لا تستطيع واشنطن معارضتها مثل تنظيم بكين ندوات عن الأقليات الصينية أو دعم اللغة الصينية، أو حتى إبرام اتفاقيات للتجارة الحرة، فتجمع الآسيان وما نتج عنه من اتفاقات اقتصادية وتجارية يثبت قوة الصين كنموذج اقتصادي يجبر دول المنطقة على التفكير في المنطقة ككتلة اقتصادية، وهي خطوة تفضلها الشركات الأمريكية، ويمكن استثمارها في مواجهة قضايا أمنية غير تقليدية مثل تجارة المخدرات والاتجار بالبشر. بيد أنه في بعض الحالات يمكن أن تكون القوة الناعمة الصينية كارثية على المنطقة أو على مبادرات مكافحة الفساد والحكم الرشيد. ففي بورما أبدت الصين اهتماما محدودًا حول الآثار السلبية الناتجة عن تشييد الصين لعدد من السدود في منطقة نهر ميكونج، ورفضت الصين الانضمام إلى لجنة لإدارة النهر. وفي بورما كمبوديا، دعمت الصين النظم السلطوية، حيث تشتكي المعارضة السياسية في بورما من تأييد الصين للحزب الحاكم، كما قوضت المساعدات الصينية وزيارات مسئوليها المستمرة لبورما الجهود الأمريكية لدفع الحزب الحاكم للدخول في مفاوضات مع المعارضة، وشجعت الصين دولا أخرى مثل الهند للتقارب مع بورما، وقد يحبط ذلك الديمقراطية أو على الأقل الحكم الرشيد في بعض دول المنطقة. إن أسوأ ما يتصور هو نجاح الصين في تعزيز النمو الاقتصادي والإبقاء على سيطرتها السياسية على القادة الأكثر سلطوية في المنطقة مثل "هون سين" في كمبوديا والذي يعجب بالنظام السياسي والاقتصادي الصيني. ومن هنا ففي الوقت الذي تنمو فيه قوة الصين عالميا، فإن نفوذها الذي تخطط له في جنوب شرق آسيا يمكن أن يكون ضارا لعدد من الدول النامية، بسبب مساعدة الصين للنظم السلطوية مثل زيمبابوي وأنجولا، وهو ما حذرت منه منظمات مراقبة الفساد الدولية، حيث تشير إلى أن الصين تقدم لأنجولا مساعدة تبلغ 6 بلايين دولار، لا تقترن بممارسة ضغوط من أجل تقليل معدلات الفقر في أنجولا بقدر ما تخدم فقط مصالح الصين. وفي كل الأحوال لا يجب على أمريكا أن تسعى لموازنة هذه القوة الصينية الناعمة بالمنطقة، أولا لصعوبة تعريف مثل هذه القوة أو تحديد عناصرها، وثانيا لأن الولايات المتحدة يمكن أن تستفيد من الآثار الإيجابية المترتبة على ذلك، أما بعض الآثار السلبية لهذه القوة الصينية يجب أن يترك لدول المنطقة التعامل معها. أمريكا وقوة الصين المرنة بطبيعة الحال يمكن أن تهدد قوة الصين الناعمة المصالح الأمريكية الصلدة في المنطقة، فالوحدة الإقليمية لدول المنطقة قد تطال من دعم هذه الدول لأمريكا حال نشوب نزاع خاصة في ظل أفول نجم التواجد الياباني والتايواني في المنطقة، كم يمكن أن يؤدي ذلك إلى تراجع في تحالف الولايات المتحدة مع تايلاند ولعلاقتها الحميمية مع الفلبين أو تقليص وجود القوات الأمريكية في سنغافورة. وإذا أسفر النفوذ الصيني عن تقويض الديمقراطية في المنطقة أو حماية البيئة والحكم الرشيد، فيمكنه تدمير المبادرات الأمريكية، ويدعم القادة المعارضين للديمقراطية والذين سعت أمريكا لعزلهم مثل سان شيوي في بورما. من هنا يجب أن تهتم الولايات المتحدة بأن الصين يمكنها استخدام نفوذها وقوتها المرنة بالمنطقة لدفع دولها إلى اتخاذ خيارات أكثر وضوحا حيال التقارب مع القوى الخارجية، ولكي تحمي مصالحها الأساسية. ومن ثم على الولايات المتحدة أن تتخذ سياسة محددة ومركزة تتفهم كيفية تصاعد القوة الناعمة الصينية، فكما كان لأمريكا خلال الحرب الباردة دبلوماسيا على الأقل في كل سفارة يقوم بدراسة ما كان يفعله السوفييت على الأرض في تلك الدولة، فإنه يجب العودة لذلك مجددا لشرح علاقات الولايات المتحدة الثنائية مع الصين. وتعتمد هذه السياسة المركزة على إعادة بناء القوة الأمريكية الناعمة بالمنطقة، بما فيها زيادة عدد الأشخاص العاملين في قنصلياتها في الدول الكبرى مثل إندونيسيا، وإعادة النظر في العقوبات الأمريكية المفروضة على المنطقة، وإعادة النظر في انقطاع الإذاعات الإقليمية مثل "صوت أمريكا" الموجه إلى تايلاند، واتباع النموذج الصيني في استقطاب الزيارات السياسية ورجال الأعمال من دول المنطقة. وإذا قوض النفوذ الصيني بوضوح العملية الديمقراطية والحكم الرشيد بالمنطقة، فيجب على أمريكا العمل علانية لفضح العلاقات الصينية بالحكومات الأوتوقراطية، ومحاولة إقناع الصين بأن دعمها للنظم السلطوية سيعرض مصالحها للخطر على الأمد البعيد. وإذا عملت التجارة الحرة بين الصين وأمريكا على عزل تايوان، فإن أمريكا يجب أن تعمل على استخدام سلطتها لدفع دول المنطقة لإشراك تايون في المؤتمرات والقضايا المختلفة، وإذا استخدمت الصين دعوتها لبناء علاقات وثيقة مع النخب من أجل علاقات عسكرية أوثق مع من كانوا أصدقاء أمريكا، فيجب على الأخيرة أن تعترف بذلك، وأن تلتزم بإعادة بناء العلاقات مع "مانيلا" لمواجهة العلاقات العسكرية بين بكين والفلبين، وإذا تخلت الصين عن سياسة الكسب للطرفين السابق الإشارة إليها أو استخدمت عضويتها في المؤسسات الإقليمية بالمنطقة لإقصاء أمريكا، فيجب على الأخيرة أن تستجيب كما بدأت مؤخرا في العمل من أجل شراكة معززة مع "الآسيان"، وكما هو في الجهود الأمريكية للدخول مجددا للمؤسسات الإقليمية بالمنطقة. * موجز لدراسة نشرت على موقع معهد كارنيجي للسلام الدولي تحت عنوان: "جاذبية الصين: تطبيقات القوة الناعمة الصينية"، ضمن سلسلة Policy Brief، العدد 47، يونيو 2006. ** دارس زائر بمعهد كارنيجي، ويعمل مساعدا بالصين لتنمية العلاقات الصينية مع دول جنوب شرق آسيا. *** باحث سياسي. و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصاً و بدون تعليق. المصدر: إسلام أونلاين- 27-9-2006
مواضيع ذات علاقة:
◄الصين... مستقبل غامض لتجربة "الجمع بين نقيضين" ◄الصين في القرن الحادي والعشرين :المؤتمر السنوي للمجلس المصري للشئون الخارجية مَـنْ يـنـتـظـر مَـنْ ؟ ... الهـنـد والـعـالـم ◄ ◄.. لكي لا تلعب الصين في المنطقة الرمادية..! ◄منْ سيفوز بسباق القرن··· الصين أم الهند؟ ◄الصين: القمع الديني للمسلمين الايغور ◄فلنكن على بصيرة بطموحات الصين العسكرية ◄آفــاق التجربــة الصينيــة··· وأسئلتهــا ◄فرصة العرب على المسرح الدولي في ظل تنامي نفوذ التنين الصيني ◄ماذا لو توقّفت الصين عن دعم الولايات المتحدة ؟ ◄توجه الصين لزيادة مخزونها النفطي يثير قلق الأسواق ◄صراع القوتين العُظميين··· هل بلغ ساعة الخطر؟ ◄ميزان القوة العالمي يميل إلى آسيا ◄سؤال مرهق: هل تسيطر آسيا على القرن الحادي والعشرين...؟ ◄هل عاد بوش من الصين بخفي حنين؟ ◄مسلمو الصين... آخر المستفيدين من نفط مناطقهم
أ.عبد السلام مسعود رحومه
تتكون هذه الورقة من مبحثين، المبحث الأول يتناول الخصخصة في مفهومها وأهدافهـا وأساليبها. اما المبحث الثاني فيخوض في الخصخصة وآثارها الإقتصادية المتوقعة على الإقتصاديات العربية. المبحث الأول : الخصخصة مفهومها وأهدافهـا وأساليبها تمــهيد : لقد بدأت موجة الخصخصة تجتاح دول العالم خلال النصف الثاني من العقد التاسع من القرن العشرين ، وقد كانت إنجلترا من أوائل الدول التي سبقت إلى ذلك، ثم تبعتها دول متقدمة أخرى مثل فرنسا وإيطاليا وأسبانيا وكندا وغيرها. وانتقلت موجة الخصخصة إلى الدول النامية مثل الأرجنتين والبرازيل وشيلي وبنجلادش ، وباكستان وتركيا ونيجيريا ومصر وغيرها . كما بدأت الدول الاشتراكية سابقاً في تبني برامج الخصخصة مثل الإتحاد السوفيتي وجمهوريتي التشيك والسلوفاك وبولندا والمجر وغيرها . ولقد ظهر هذا الاتجاه نتيجة للشروط التي وضعها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي أثناء التمهيد لعملية إعادة جدولة ديونها " طبقاً للقواعد المعروفة لنادي باريس ونادي لندن " ، حيث يقوم الفكر لدى هاتين المؤسستين على التحليل التالي(1) : " لكي تتجنب هذه الدول مصاعب خدمة ديونها ومشكلات ميزان مدفوعاتها، فإنها تحتاج لإعادة هيكلية إقتصادياتها ؛ حتى تتمكن من رفع كفاءة تشغيل وتخصيص مواردها ، ويلزم ذلك مجموعة من السياسات النقدية والمالية ، مع برنامج للتكيف الهيكلي تأتي الخصخصة من أهم مكوناته"(2) . "ويرى خبراء البنك الدولي أن سياسة الخصخصة تحتاج إلى وضع برنامج يبدأ بإجراء عملية مسح كامل لمشروعات القطاع العام ومشكلاته ، وتصنيف هذه المشروعات حسب أوضاعها ، ثم تحديد المشروعات المراد خصخصتها ، مع وضع أسس لتقييم أصول الشركات المباعة ، وتحديد جدول زمني يحدد دفعـات البيع ، وإنشاء جهاز خاص يكون مسئولا ًعن برنامج الخصخصة"(3) . ولا يمانع البنك من تقديمه للدعـم المالي والفني لوضع هذا البرنامـج وتنفيذه ، كمـا يتعين لإنجاح البرنامج أن تقوم حكومة الدولة بخلق مناخ يعمل على إنعاش إقتصاديات السوق ، مثل : (4) 1- تحرير الأسعار وبصفة خاصة سعر الصرف ، وسعر الفائدة . 2-تحرير التجارة الخارجية . 3-تغيير القوانين المنظمة لشركات القطاع العام . 4-عودة وتنمية بورصة الأوراق المالية . أولا : مفهوم الخصخصة : لقد ظهرت مصطلحات عديدة في الآونة الأخيرة للتعبير عن عملية تحويل بعض الوحدات الإنتاجية (على المستوى الوطني) ، من نطاق القطاع العام إلى نطاق القطاع الخاص ، من أبرزها الخصخصة والتخصيص والإستخصاص ، ونزع الملكية العامة وغيرها . ولكن من أكثر هذه المصطلحات شيوعاً في الاستخدام تعبير الخصخصة ، وهو الاصطلاح المستخدم في هذه الدراسة ، ولقد ظهرت تعريفات عديدة للخصخصة ، فيعرفها البعض "على أنها نقل لملكية مشروع من القطاع العام إلي القطاع الخاص " (5) . وفي تعريف آخر تشير الخصخصة إلى "تحويل الملكية العامة إلى القطاع الخاص ، إدارة أو إيجاراً أو مشاركة أو بيعا وشراء في ما يتبع الدولة أو تنهض به أو تهيمن عليه ، في قطاعات النشاط الاقتصادي المختلفة أو مجال الخدمات العامة " (6) . وفي تعريف آخر ينظر إليها " باعتبارها عملية انتقال الملكية والإدارة التشغيلية للمؤسسات المملوكة للدولة إلي القطاع الخاص إما جزئيا أو كليا ، ويمكن للقطاع الخاص إن يكون أما مؤسسات أو رجال أعمال أو شركات أجنبية " (7) . وفي تعريف آخـر تشير الخصخصة إلى " تحويل ملكية المنشآت العامة إلى أطراف أخرى تقوم بإدارتها وفقاً لمبادئ قطاع الأعمال الخاص" .(8) ويشير تعريف ثالث إلى أن الخصخصة تتمثل في " زيادة كفاءة إدارة وتشغيل المشروعات العامة من خلال الاعتماد على آليات السوق والتخلص من الترتيبات البيروقراطية " (9). ومن جملة هذه التعريفات يمكن أن يستنتج ، إلى أن الخصخصة تتمثل في زيادة الدور الذي يقوم به القطاع الخاص في ملكية وتشغيل وإدارة الوحدات الإنتاجية في المجتمع ؛ بغرض تحسين الكفاءة الإنتاجية لهذه الوحدات ، بما يخدم أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية ، ومن هذا المنطلق تتضمن الخصخصة عددا من العناصر أهمها ما يلي (10) : 1- إن أهم عنصر في عملية الخصخصة ، هو تغير أسلوب تشغيل وإدارة المشروعات العامة ، لتتفق مع مبادئ القطاع الخاص ، والتي تتمثل في إتخاذ الربح أو الإنتاجية كأساس لتقييم الأداء ، والاعتماد على الأسعار الإقتصادية في حساب المنافع والتكاليف ، وتبنى نظام الحوافز في تشغيل وإدارة الموارد . وعليه يمكن أن يتحقق هذا المعنى للخصخصــة ( على المستوى المحلي ) بإسناد المشروعات العامة إلى وحدات قطاع خاص ، طبقاً لعقود إدارة مع احتفاظ الدولة بملكيتها العامة ، كما يمكن أن يتحقق بتأجير هذه المشروعات العامة لوحدات قطاع خاص ، لتتولى تشغيلها وإدارتها مقابل الأرباح بنسب معينة يتم الإتفاق عليها ، كما يتحقق بمساهمة وحدات القطاع الخاص سواء المحلي أو الأجنبي في رأس مال هذه المشروعات ، مع اشتراكها في الإدارة . 2- تتضمن الخصخصة نقل ملكية بعض وحدات القطاع العام المحلي إلى القطاع الخاص ، ويتم نقل الملكية بأكثر من أسلوب ، مثل بيع الشركات العامة إلى مستثمر واحد ، أو مجوعة من المستثمرين ، أو طرح أسهم هذه الشركات للبيع إلى الجمهور، أو إرجاعها لأصحابها قبل التأميم ، أو أي توليفة من هذه الأساليب. 3- إن الخصخصة لا تقتصر على مجرد تحويل ما بيد القطاع العام إلى حوزة القطاع الخاص ، وإنما تتضمن زيادة الدور الذي يوكل إلى القطاع الخاص المحلي في خطط التنمية على المستويات المحلية ؛ من خلال الحوافز التي تقدم له ، بحيث يستحوذ تدريجياً على النصيب الأكبر من الإستثمار والعمالة والناتج على المستوى المحلي . ثانياً: أهداف الخصخصة : من الخصائص الرئيسية للوضع الإقتصادى في الدول العربية ، سيطرة القطاع العام في هذه الدول على نسبة عالية من الأنشطة الإقتصادية ، وتغلغله في كل نواحي الحياة الإقتصادية بشكل مباشر أو غير مباشر . وجاءت هذه الهيمنة عن طـريق امتلاك الدولة لعناصر الإنتاج ، عن طريق التأميم وقيـام مشاريع إقتصادية عـامة . وأصبحـت بذلك معظـم الأنشطة الاقتصادية في يـد الـدولة ( الصناعة ، المصارف ، التجارة الداخلية والخارجية ، المقاولات ، المرافق العامة، النقل والمواصلات وغيرها) ، وتراجع دور القطاع الخاص ، بل كاد أن ينعدم خلال فترات معينة ، وحل التخطيط المركزي محل نظام السوق ، كقوة فاعلة في تخصيص الموارد(11) . كان من المفروض أن يسهم القطاع العام إسهاماً إيجابياً في عملية النمو والتنمية ، غير أن التجربة خلال السنوات الماضية تشير إلى أن الأداء كان دون المستوى المطلوب . وباستخدام المؤشرات العامة لقياس درجة الكفاءة ، مثل مقدار الأرباح والخسائر ، عجز الميزانية العامة ، نسبة العائد على رأس المال المستثمر ، قدرة الدولة التنافسية في الأسواق الخارجية ، وغيرها ، فيلاحظ ، أن النتائج بصفة عامة غير مرضية ، فمعظم المشاريع العامة تعانى من خسائر متوالية ، وتدنى العائد والإنتاجية بها ، كما أن نسبة عالية من طاقتها الإنتاجية معطلة وتعتبر عدم كفاءة معظم مؤسسات القطاع العام السبب الأساسي في تنامي الدين العام . وفى أغلب الأحيان ، لم تراع قراراته اعتبارات الكفاءة والإنتاجية. وبالتالي فأن أهداف الخصخصة يمكن حصرها فيما يلى(12) : 1- إعادة توزيع الأدوار بين القطاع العام والقطاع الخاص وانسحاب الدولة تدريجيا من بعض النشاطات الاقتصادية وفسح المجال أمام المبادرات الخاصة عن طريق تشجيع الاستثمار الخاص. 2-التخفيف من الأعباء التي تتحملها ميزانية الدولة نتيجة دعمها للمنشات الاقتصادية الخاسرة ، وتكريس موارده لدعم قطاعات التعليم والبحث العلمي والصحة ، والاهتمام بالبنية الأساسية والمنشات الاقتصادية ذات الأهمية الاستراتيجية . 3-تطوير السوق المالية وتنشيطها وإدخال الحركية على راس مال الشركات بقصد تطويرها وتنمية قدرتها الإنتاجية . 4-خلق مناخ الاستثمار المناسب ، وتشجيع الاستثمار المحلي لاجتذاب رؤوس الأموال المحلية والعربية والأجنبية . ثالثا : أساليب الخصخصة : 1- طرح الأسهم في اكتتاب عام ( الطرح الكلي أو الجزئي ) : "يقصد بالطرح العام قيام الحكومة بطرح كل أو جزء من أسهم رأسمال المنشاة للبيع للجمهور ، من خلال سوق الأوراق المالية"(13) . ويعتبر هذا الأسلوب أفضل الأساليب من وجهة النظر الاقتصادية ، لما يؤدي هذا الأسلوب من توسيع نطاق الملكية وقاعدة المنافسة . وفي حالة قيام الحكومات ببيع نسبة من أسهمها في الشركة ، فإن النتيجة هي أن تصبح الشركة مختلطة " حكومية / قطاع خاص " ، وقد يكون الغرض من هذا التصرف تنفيذ سياسة التحرير الاقتصادي أو الرغبة من جانب الحكومة في الاحتفاظ بوجود لها في الشركة ، أو أن يكون بمثابة الخطوة الأولى نحو الخصخصة الكاملة لهـا . ولنجاح هذه الطريقة يتعين توافر الشروط التالية(14) : أ- أن تكون الشركة مستمرة ولها سجل أداء مالي معقول ومبشر في المستقبل . ب- أن يكون هناك قدر كبير ومتاح من المعلومات المالية والإدارية عن الشركة ، ويتم الإفصاح عنه للمستثمرين. ج- توافر قدر محسوس وملموس من السيولة النقدية في السوق المحلي لتمويل الشراء . د- وجود سوق نشط للأسهم . 2- طرح الأسهم في اكتتاب خاص : " يقصد بالطرح الخاص بيع أسهم المنشأة أو جزء منها لمستثمر واحد أو مجموعة مختارة مـن المستثمرين . ويمكـن التمييز بين أسلوبين شائعين للطـرح الخاص هما المعطاءات ، والتفاوض المباشر(15) . ويفضل هذا الأسلوب في حالة الشركات ذات الأداء الضعيف ، أو الشركات التي تحتاج إلى مالكين أقوياء تتوافر لديهم الخبرات الصناعية والمالية والتجارية اللازمة لنجاح الشركات ، وكذلك الدعم المالي القوي (16). كما يلاحظ أن هذه الطريقة قد تكون هي الطريقة المجدية الوحيدة في حالة غياب سوق أسهم نامي ، حيث لا توجد آلية يمكن من خلالها الوصول إلى جمهور المستثمرين ، علاوة على أن أحجام بعض الشركات قد لا يكون من الكبر بحيث يبرر الاكتتاب العام. 3- بيع أصول الشركة بالمزاد العلني : يلاحظ في الطريقتين السابقتين أن عملية الخصخصة تتم من خلال قيام القطاع الخاص بشراء أسهم الشركة الحكومية والمستثمرة في أداء نشاطها ، أما هذه الطريقة فتأخذ شكل شراء أصول الشركة بصفة أساسية ، وتتم هذه العملية بالمزاد العلني . وفي الواقع يوجد العديد من صور بيع الأصول ، ومن أهمهما(17) : أ- إذا كان المرغوب فيه خصخصة جزء من الشركة ، فإنه يمكن التصرف في هذه الأصول مع بقاء الجزء الرئيسي من الشركة مستمرا في نشاطه ، وبالتالي فان هذه الطريقة تكون مفيدة في حالة الرغبة في تقليص حجم الشركة . ب- إذا كان الاتجاه هو بيع الشركة بالكامل ، ولكن لا يمكن تحقيق ذلك خلال استمرارها في ممارسة نشاطها الطبيعي " أي لايمكن بيع أسهمها " ، وقد تضطر الحكومة إلى حلها وتصفيتها ، وبيع أصولها " مع ديونها أو بدون هذه الديون " إلى المستثمرين من القطاع الخاص ، الذين يقومون بدورهم بتكوين شركتهم الجديدة من خلال السيطرة على كل أو بعض الأنشطة التي كانت تمارسها الشركة الحكومية المنتهية . ج- قد يكون من الممكن بيع الشركة وهي ما زالت تمارس نشاطها ، ولكن لأسباب مالية . ( كالضرائب مثلا )، أو أسباب قانونية ، قد يكون بيع أصولها في مصلحة جميع الأطراف . أن بيـع الأصول لشخص معروف يحقق نفس مزايا البيع المباشر للأسهم لـه ، كما أنه يمكن من التمتع بمزيد من المرونة ، فقد يكون من المجدي بيع أصول منفردة بدلا من البيع الكامل للشركة ، أو أن السماح ببيع الشركة المستمرة في نشاطها قد يقابله صعوبات جسيمة في التطبيق العملي . مع ذلك ، يجب أن يبقى دائما في الحسبان أن هذه الطريقة قد تخلق التزامات متبقية على الحكومات بعد البيع(18) . 4- ضخ استثمارات خاصة جديدة في الشركة : قد لا ترغب الحكومات في إضافة المزيد من رأس المال إلى الشركة التي تملكها ، وغالباً ما يحدث ذلك بسبب رغبتها في التوسع أو التحديث لعملياتها ، ويتم ذلك من خلال فتح باب المساهمة في رأس المال الشركة للقطاع الخاص . ويلاحظ في هذه الطريقة للخصخصة أن الحكومات لا تتصرف في ملكيتها الحالية للشركة ، بل تزيد من الملكية الخاصة في الشركة وهذا يؤدي إلى التخفيـــف ،من مركز ملكيتها ، وتتولد تركيبة ملكية مشتركة بينها وبين القطاع الخاص ، وتسمى في هذه الحالة شركة مشتركة(19) . وتجدر الإشارة إلى أن هذا النوع من الخصخصة لا يصاحبه دائما زيادة في رأس مال الشركة ، حيث يخفض رأس مال الشركة أولاً لامتصاص الخسائر إذا كانت موجودة ، ثم يلي ذلك زيادة الملكية الجديدة ، والنتيجة الطبيعية هي أنه قد لا توجد زيادة ملموسة في رأس مال الشركة. 5- شراء الإدارة و / أو العاملين للشركة : يقصد بشراء الإدارة للشركة قيام مجموعة صغيرة من المديرين بالسيطرة والتحكم في رأس مال الشركة ، كما انه يمكن تصميم عملية مشابهة من خلالها يحقق العاملون أو الإدارة مع العاملين نفس السيطرة السابقة ، ويفرق بين العملية السابقة وبين إتمام عملية الشراء من خلال الاقتراض من المصارف ، حيث يحصل المشترون ( الإدارة / أو العمال ) على ائتمان مصرفي لتمويل حصولهم على الشركة ، ويقدمون أصول الشركة كضمان لهذا التمويل ، ونشير إلى أنه من النادر حدوث الخصخصة في الدول النامية بهذه الطريقة ، ولكنها شائعة في الولايات المتحدة الأمريكية ، حيث تتحول الشركـات المساهمة إلى شركات خاصة(20). 6 - عقود التأجير والإدارة : وتتضمن هذه الطريقة التعاقد مع خبراء من القطاع الخاص ، لتسير وإدارة الوحدات الاقتصادية المملوكة للدولة ، في مقابل أتعاب معينة ، أو مقاسمة الربح الصافي مع الدولة(21) . "وهذا التعاقد لا يعرض المستأجر لأي مخاطر مالية كما أن الشركة الحكومية تتحمل المخاطر التجارية بالكامل ، وتتمثل ميزة هذا العقد في احتفاظ الحكومة بملكيتها للشركة"(22) .وتعتبر عقود الإدارة من طرق الخصخصة الآخذة في النمو ، وذلك بسب مـزايا عديدة أهمها : التوفير في تكاليف أداء الخدمـة ، والتغلب على مشكلة عدم مرونة العمالة الحكومية مع التغيرات في طبيعة العمل وظروفه(23) . المبحث الثاني : الخصخصة وآثارها الاقتصادية المتوقعة على الاقتصاديات العربية أولا : الآثار الاقتصادية لتطبيق الخصخصة ( على المستوى الجزئي والكلي ) : 1- الآثار على المستوى الكلي: قام العديد من الكتاب بإجراء دراسات هامة(24) ساهمت في توضيح الأثر الذي يترتب على تغيير نمط ملكية إدارة المشروعات العامة . وقد لعبت الاختلافات وهياكل السوق والتنظيم والتكنولوجيا للمشروعات التي تم تحليلها دور كبيرا في هذه المقارنات ولقد أشارت هذه الدراسات إلى الآثار التي ترتبت على عملية الخصخصة على المستوى الكلي والتي تتمثل فيما يلي : أ - اتساع قاعدة الملكية و انتعاش سوق رأس المال : إن اتساع نطاق الملكية يعد عاملا له أهمية كبيرة ، حيث يجعل هؤلاء الذين يمتلكون الأسهم وبصفة خاصة المواطنون والعمال يشعرون أنهم يحصلون على ثمار نجاح الشركة، وهذا يعد دافعا أساسيا لزيادة إنتاجيتهم ، من ثم يؤدي بصورة غير مباشرة إلى زيادة الاهتمام بأداء الاقتصاد القومي ."ولقد أصبح القطاع الخاص يمثل حاليا ما يزيد على نصف النشاط الاقتصادي في تسع دول من أوروبا الشرقية والدول المستقلة حديثا "(25) ، "كما أن خصخصة شركة الشحن الوطنية في المملكة المتحدة ، أدى إلي تحول العاملون إلى ملاك وزاد عدد الأسهم المصدرة و المتداولة في سوق الأوراق المالية"(26) . ومن ناحية أخرى فإن سوق رأس المال هي المحرك الأساسي للأداء الاقتصادي، والذي يمثل تطويره هدفا أساسيا في بعض الدول النامية ، ولذلك فأن زيادة حجم ومدى الأسهم الذي يتم في نطاقها التبادل في هذه السوق سيكون له أثر أساسي في جذب الاستثمارات الرأسمالية ، كما يؤدي إلى زيادة تعبئة المدخرات وتوجيهها من خلال سوق رأس المال إلى أوجه استثمارية إنتاجية . " وتعد جاميكا كدولة نامية مثلا واضحا لتطور سوق راس المال خلال عقد الثمانيات بصفة عامة والنصف الأخير منه بصفة خاصة ،حيث زادت نسبة القيمة المرسملة للسوق ومعدل دوران السوق كنسبة من إجمالي الناتج من ( 0.2 % ، 0.11 % ) عـام (1980 ) إلي (0.25 % ، 2.32 % ) عام (1989 ) "(27) . ويرجع هذا النمو إلى تنفيذ برنامج الخصخصة . وفي بعض الدول فإن حجم السوق المالية من الممكن أن يعوق حجم الأسهم التي يمكن استيعابها وجذبها، ولكن مع ازدياد الخصخصة فأن هذا العائق يبدأ في الزوال ، كما يتم رفع كفاءة وقدرة المؤسسات المالية والمصرفية من خلال برنامج الخصخصة وهذا يساهم في زيادة تعبئة المدخرات . ب - تدعيم القوى التنافسية في المجتمع : الخصخصة تكون أكثر كفاءة في تطوير أداء المشروعات عندما تكون مصحوبة بتحرير القيود وزيادة المنافسة ، ولكن في حالة المشروعات التي لديها احتكار طبيعـــي ، فلابد أن تكون الخصخصة في هذه الحالة مصحوبة ببعض القوانين اللازمة لرفع عنصر الكفاءة وتحسين أو رفع مستويات الخدمة ، وتكون النظم والقوانين فعالة في القطاع الخاص عندما تكون الحكومة هي المنظم وليس المساهم أو الممول للمشروع(28) . فتخصيص القطاع المالي في بنجلاديش هو مثال على أن المنافسة أدت إلى إسراع عملية الخصخصة فاثنين من مصارف بنجلاديش تم خصخصتها من خلال الطرح العام 1984، 1985 بالإضافة إلى أن التطوير والإصلاح الذي تم في النشاط المصرفي وإزالة العوائق التي كانت أمام الدخول في هذا النشاط نتج عنه إنشاء ستة مصارف خاصة جديدة في بنجلاديش مـا بين 1984 ، 1989 و"كذلك فأن إزالة العوائق والقيود أمام شركة الهاتف في شيلي أدت إلى تضاعف طاقتها الإنتاجية خلال أربع سنوات بعد خصخصتها"(29) . وفي ماليزيا فأن الحصيلة الصافية من الخصخصة كـانت ايجابية وضخمة حيث حققت حـوالي (9.3) مليار دولار (30)، وذلك بفضل إزالة العوائق والقيود البيروقراطية السابقة ، وبذلك فأن تطبيق الخصخصة في الدول النامية أدى إلى تشجيع المنافسة وتحرير الأسواق . وقد تم ذلك من خلال الآتي (31): 1- إزالة جميع العوائق الحمائية للدخول للأسواق والوسائل الأخرى التي تؤدي إلى تقليل المنافسة مثل الإعانات والدعم . 2- تقليل احتكار الحكومة. 3- إلزام مؤسسات القطاع العام بالعمل في ظل بيئة تنافسية مثل الشركة الخاصة. ج - زيادة إيرادات الدولة من عمليات الخصخصة : تؤدي الخصخصة إلى حصول الدولة على رؤوس أموال نتيجة تحويل المشروعات العامة إلى القطاع الخاص . فعلى سبيل المثال زادت إيرادات الأرجنتين بنحو(19) مليار دولار نتيجة عملية الخصخصة . وتم تخفيض ديونها التجارية بنسبة (40%) عندما استخدمت(11) مليار دولار من حصيلة الخصخصة في خفض هذه الديون ، كما خفضت المكسيك ديونها وقامت كذلك بتخصيص جزء من إيرادات الخصخصة ، والتي بلغت (22) مليار ، لتمويل برامج مكافحة الفقر، مما أدى إلى زيادة درجة التأييد العام لبرنامج الخصخصة(32) . ومن ناحية أخرى خفضت برامج الخصخصة من الإعانات الحكومية الصريحة والضمنية للمؤسسات العامـة ، ففي المكسيك انخفضت التحويلات الحكومية إلى المؤسسات العامة بنسبة قدرها (50 %) مما يمثل تخفيضا بمقدار(4) مليارات دولار في نهاية 1998 بالمقارنة بعام 1982(33). ويوضح الجدول التالي عدد الصفقات التي تم عقدها بالدول النامية في إطار برامج الخصخصة المطبقة بها والتي تمت من خلال بيع المشروعات الكبرى المملوكة لهذه الدول . د - تغيير سياسات الدولة : يمكن النظر للخصخصة على أنها وسيلة لتسهيل الانتقال إلى الأسواق الحـرة ، حيث يكون النشاط الاقتصادي متاحا لقوى السوق التنافسية ،مع ضمان حرية الدخول والخروج من والى السوق . كذلك تمنح الخصخصة الدول النامية فرصة لدراسة العديد من السياسات التي تؤثر على جميع المشروعات ، فالسياسات الخاصة بالبيئة الخارجية في غاية الأهمية ،مثل تعريفات أسعار الصرف – التي تؤثر على الصادرات والواردات – وكذلك النظم والقوانين الخاصة بالمستثمرين الأجانب(34) . وبصورة أكثر إلحاحا تكون السياسات المتعلقة بالبيئة الاقتصادية المحلية مثل طبيعة الأسواق المالية شاملة سهولة الحصول على رأس المال، وحرية الحركة لأسعار المدخلات والمخرجات ، وعدالة تطبيق الضرائب والقوانين، بالإضافة إلى ضرورة توافر المحاكم والتشريعات في حالة حدوث نزاعات في مجال الأعمال(35) . فإذا لم تتمكن الحكومة من تغيير السياسات والتشريعات اللازمة، والتي تستطيع بواسطتها مواءمة المناخ الإقتصادي لظروف الخصخصة ، فأن ما أصاب القطاع العام من فشل سيلحق بالقطاع الخاص . ولن يتحقق السلوك التنافسي ما لم يكن مصحوبا بالقواعد والتنظيمات التي تحيط الممارسات المانعة للمنافسة . وقد اختلفت الدول النامية فيما بينها في درجة السرعة التي يتم بها التغيير في السياسات ؛ فرومانيا على سبيل المثال قامت بتحرير الأسعار بخطوات معتدلة خلال ثلاث سنوات ، بعد أن تم تحرير نصف الأسعار في عام 1990 . أما بولندا فقد قامت بتحرير سياستها بصورة مفاجئة وسريعة ،حيث حررت(90%)من الأسعار، وأزالت معظم الحواجز التجارية، وألغت احتكارات الدولة التجارية وجعلت عملتها قابلة للتحويل وتم كل ذلك في يناير 1990. (63) 2- الآثار على المستوى الجزئي : هناك عدة اعتبارات مرتبطة بالمشروعات التي يتم خصخصتها، والتي تمارس تأثيرها على الاقتصاد القومي على المستوى الجزئي ، وتشمل المستهلكين الذين يتأثرون بصفة خاصة بالتغيرات في سياسات التسعير، والمستثمرون الذين يتأثرون بالسياسات الإنتاجية ، والعمال الذين يتأثرون بسياسات التعيين وطرق تعويضات الأجور . وعلى هذا ستركز الدراسة على الآثار الاقتصادية لكل من : أ-المستهلك : تختلف الآثار الاقتصادية للخصخصة والتي تظهر على المستهلك وفقا لطبيعة المشروع في حد ذاته ، فالظروف المتباينة التي يتم خلالها تحويل مشروعات عامة إلى خاصة تختلف بحسب طبيعة المشروع ، ويمكن أجمال هذه الظروف في مـايلي (37) : 1-عندما يتم خصخصة مشروع ما – كأن يتعرض للخسائر بسبب عدم الكفاءة يبذل مالكي المشروع الجدد قصارى جهدهم لتقديم أسعار اقتصادية، ولمحاولة رفع مستوى كفاءته دون اللجوء إلى الارتفاع المفاجئ في الأسعار ، وهذا يعتبر وحده عنصرا كافيا كي يحقق المشروع ربحية عالية، وبالتالي من الممكن أن يتحقق فائض للمستهلك في هذه الحالة . 2-أحياناً يتمتع مشروع ما بوجود قوى الاحتكار، إلا أنه يحقق أرباحا ضئيلة، وفي بعض الأحيان يتعرض للخسارة بسبب عدم الكفاءة ، ولكن مع خصخصة هذا المشروع وتحوله للعمل في بيئة تنافسية يؤدي إلى رفع مستوى كفاءته ، وتخفيض الأسعار، فيمكنه أن يحقق ربحية عالية دون الحاجة إلى رفع الأسعار، أي أنه لن تتوافر لديه القدرة على رفع الأسعار واستغلال موقفه الاحتكاري، وهذا يكون في صالح المستهلك . 3-في بعض الأحيان يتمتع مشروع ما بوجود قوى الاحتكار ، إلا أنه يحقق أرباحا ضئيلة ، بل ويتعرض لخسارة، بسبب أهداف السياسة العامة، والتي هي في صالح المستهلكين ، وبعد خصخصة هذا المشروع يبدأ في رفع أسعاره، وبالتالي سيفقد بعض المستهلكين الفائدة التي كانوا يتمتعون بها من قبل ، ألا وهي توفير الخدمات المدعمة . وتشير الدراسات التطبيقية (38)التي قامت بها مجموعة من البنك الدولي عن 12 منشأة لتحليل آثار الرفاهية العامة كنتيجة للخصخصة في كل من شيلي ، ماليزيا ، المكسيك ، بريطانيا ، حيث تبين أنه من ضمن 12 حالة لم تتغير الأسعار في نصف الحالات وفي النصف الآخر ، عكست الأسعار الندرة النسبية للموارد ، إلى جانب تحسين كفاءة المنتج من ناحية الكم والكيف بعد الخصخصة ، وهو ما أدى إلى زيادة الرفاهية العامة . ففي بريطانيا استفاد مستهلكو التليكوم أكثر منذ إعلان البيع وخاصة مستهلكو الخطوط الدولية ، وساعد على ذلك عوامل مثل زيادة المنافسة والتغييرات الفنية والتكنولوجية التي قامت بدور كبير في رفع مستوى الخدمة ، وأيضا وجود المديرين الجدد والذين أصبحت لديهم استقلالية إدارية في ظل إطار أدارى منظم وكفء . وقد حدث نوع من التدهور في مستوى الخدمـة في السنوات الأولى بعد الخصخصة ، بسبب الزيادة غير المتوقعة في الطلب ، ولكن التحسينات المتتابعة أدت إلى جعل الخدمة افضل من قبل عملية البيع(39) . وفي الأرجنتين بعد عملية بيع التليكوم وخطوط الطيران ارتفعت الأسعار بصورة كبيرة ، وهو ما كان مسموحا به ضمن عقد البيع، ولكن هذا أدى إلى إثارة المستهلكين ، مما جعل الحكومة تعيد النظر في الإطار الإداري المستقبلي لاختيار مستثمرين اكثر قدرة على ضمان تعريفات منخفضة لهذه الخدمات ، وعلى الرغم من هذا فأن الشركات التي تم تخصيصها قد قامت بتقليل نسبة الأعطال التليفونية، وبدأت في برنامج طموح لتوسيع الشبكات التليفونية مما سينعكس على زيادة حجم ومستوى الخدمة في المستقبل(40) . ب - المستثمر : اتسم أسلوب الخصخصة في معظم الدول النامية باتباع مزيج ما بين أسلوبين هما الطرح الخاص والطرح العام ، ويلاحظ أحياناً سيادة أحد الأسلوبين على الآخر وفقا لظروف كل دولة . وفي بعض الدول اتضح أنه كان لديها تحيز في اتجاه الطرح الخاص ، "ففي الفلبين تم إعادة خصخصة 40 مشروعا من بين 63 بأسلوب الطرح الخاص وفي سريلانكا تم بيع 60 % من الأسهم لمستثمر رئيسي ، وكذلك أنتشر نظام بيع المشروعات الكبيرة دون تقسيمها إلى وحدات صغيرة "(41) . وفي بعض الدول لم يكن نظام الطرح العام أمرا سهلا ويرجع ذلك إلى ندرة وعدم كفاءة نشاط سوق الأوراق المالية ، فعلى سبيل المثال في سريلانكا في الفترة ما بين 1989 – 1993 تم اتباع أسلوب الطرح العام لحوالي خمس برامج للخصخصة . وكذلك تركزت كل الجهود المبذولة للإسراع في عملية الخصخصة نحو جذب رأس المال الأجنبي ، وهو ما يؤكد على أن معظم عمليات الخصخصة تتم لصالح كبار الملاك أو كبار مالكي المشروعات والذين يكون لديهم الإمكانيات لزيادة الإنتاجية و إدخال فنون تكنولوجية متقدمة (42) . أما المحاولات الخاصة بتوسيع قاعدة الملكية فقد انحصرت في الآتي : 1- تخصيص نسبة محدودة من الأسهم في الصفقات الصغيرة ومن ثم يتوافر عدد كبير من المستثمرين . 2- توفير نظام تسليم الحصص ( أو الأسهم ) الامتيازية للموظفين . 3- تأييد شراء الموظفين لحصص المشروعات التي يعملون بها . 4- تقديم المعونات المالية لصغار المستثمرين . وقد يتعارض هذا التوسع في تفتيت الأسهم ، مع الافتراض القائم على أن الخصخصة تؤدي إلى تكوين قوتين : الأولى هي قوة التأثير على السلوك الإداري والثانية هي القدرة على تحقيق أرباح عالية، وبالتالي فلا يمكن اعتبار أن عشرات الآلاف من صغار المساهمين يتمتعون بوجود هاتين القوتين . وبالإضافة إلى ذلك فأن تفتيت الأسهم قد يؤدي إلى اضطرار المساهمين إلى بيع نصيبهم في الأسهم فجأة ، بسبب ارتفاع مغر في سعر الأسهم في السوق أو الحاجة إلى سيولة وهي ظاهرة شائعة في معظم الدول الناميـة (43). غير أنه في كل الحالات سواء في الطرح العام أو الطرح الخاص يكون لدى المنتج الحافز لزيادة الإنتاجية وتحقيق الكفاءة الاقتصادية بهدف تعظيم المكاسب، ففي حالة الطرح الخاص يسعى المستثمر لإدخال تحسينات تكنولوجية حديثة من أجل خفض التكاليف وزيادة أرباحه مما ينعكس على الأداء الاقتصادي للمشروع وفي حالة الطرح العام فأن سوق رأس المال تضع ضغوطا قوية على المشروع في سوق الأوراق المالية ، وبالتالي زيادة ربحيته ومن ناحية أخرى وفي حالة وجود المستثمر الأجنبي فأنه يعمل على إدخال فنون تكنولوجية حديثة مما يؤدي إلى تحفيز المنتج المحلي على تحسين أدائـــه(44). وقد أوضحت الدراسات التطبيقية أن الشركات التي تم خصخصتها اتسمت بارتفاع مستوى الأرباح وبالاستقلالية من التدخل الحكومي في القرارات الإنتاجية، وبتحقيق كفاءة أكبر في اختيار الاستثمارات ، كما أنها أدت إلى تنويع في الإنتاج ودخولها في أنشطة متنوعة وفي أسواق جديدة ، بالإضافة إلى نظام التسعير اصبح يعبر عن الندرة النسبية للموارد والوصول إلى حجم اكبر من الإنتاج باستخدام حجم اقل من العمالة . وفي دراسة (45) قام بها مجموعة من خبراء البنك الدولي في 15 دولة في الفترة ما بين 1981 – 1989 عـن (41) منشاة تمت الخصخصة فيها جزئيا أو كليا ( من أهم هذه الدول شيلي ، المكسيك ، جامايكا ، سنغافورة ) ، أوضحت هذه الدراسة أن هناك مكاسب أساسية قد تحققت في مستوى الكفاءة ،حيث أن هذه المنشآت زادت من نسبة العائد إلى المبيعات ، نسبة العائد إلى الأصول ، نسبة العائد إلى الملكية ، كما ارتفع مستوى الإنتاجية عن طريق استخدام أفضل للموارد البشرية ، بالإضافة إلى الحد من معوقات الاستثمــار . فعلى سبيل المثال في شيلي فأن شركة تليكوم قد ضاعفت من طاقتها الإنتاجية خلال فـترة الخمس سنوات التالية للخصخصة نتيجة زيادة الإنتاجية بنسبة (3.5%) سنويا ، وهذا يرجع إلى إدارة أفضل ، ونظام مكافآت للعمالة مرتبط بمستوى الأداء . وفي المكسيك ظهر أن (62) شركة بتروكيماويات وقطع غيار زادت استثماراتها بنسبة( 75 %) خلال فترة الثلاث سنوات التالية للخصخصة ، كما ارتفع مستوى التكنولوجيا المستخدمة وأنخفض عدد المديرين و أيضا تم ربـط مستوى المكـافآت بمستوى الأداء ، وبعــد خصخصة شركة الطيران المكسيكية ( ايرمكسيكو) أدى إلى زيادة قدرها (92 %) من إنتاجية عنصر العمل ما بين 1981 – 1991(2) . ج - العمالة : من أهم المشاكل التي تواجه الدول النامية في تطبيقها الخصخصة في أنها قد تؤدي إلى إيقاف بعض العمالة عن العمل ، ويرجع السبب في هذا الشعور بالقلق إلى وجود قوى عاملة زائدة عن حاجة المشروعات العامة في العديد من الدول النامية(46) . فعندما يتم خصخصة هذه المشروعات العامة ، يترتب على ذلك حاجة المشروعات التي تم خصخصتها في الأمد القصير إلى إعادة تنظيم إنتاجها حتى يمكنها تحقيق ربحية عالية ، ومن ثم تصبح هذه المشروعات المخصصة مجبرة على تخفيض القوى العاملة الزائدة عن الحاجة بصورة مناسبة، بالإضافة إلى تقليص دور الدولة في توفير الخدمات الاجتماعية للموظفين العاملين بها ، ومعظم المشروعات العامة تقوم بتقديم الخدمات مثـل : التعليم ، الرعاية الصحية ، الإسكان ، المواصلات ، ويتم تقديم دعم كبير على هذه الخدمات أو تقدم مجاناً في بعض الحالات . أما المشروعات المخصصة فتعمل على تخفيض نفقاتها التي تتعلق بتوفير الخدمات الاجتماعية لموظفيها أو تقوم بفرض نفقاتها التي تتعلق بتوفير الخدمات الاجتماعية لموظفيها أو تقوم بفرض بعض المبالغ الاقتصادية ليدفعها الموظفين مقابل توفير الخدمات لهم والحل يكمن في قدرة بقية جوانب الاقتصاد على توفير العمل للعمال(47) . "أما في المدى الطويل فأن المشروعات قد يعاد تنظيمها بحيث تسمح بزيادة الإنتاجية وارتفـاع مستوى الربحية ، مما يؤدي إلى خلق فـرص عمل بديلة " ، وعلى أية حـال فإن هذه النتيجة تختلف تبعا لظروف المحيطة من مشروع إلى آخر(48). 1- في حالة وجود مشروع تم خصخصته ويتمتع بوجود سوق كبير ، ومن ثم يصبح هذا المشروع حرا في تنفيذ خطط الاستثمار الخاصة به بمجرد خصخصته ، وربما لا يحتاج هذا المشروع إلى خفض القوى العاملة ورجع السبب في ذلك إلى توسيع نشاطه الإنتاجي في السوق (49) . 2- في حالة وجود مشروع ما لايتسم بالكفاءة الكاملة بسبب عـدم ملائمة البيئة الاجتماعية ، فبمجرد خصخصة هذا المشروع وتحرير الاقتصاد القومي سوف يتمتع المشروع بمزيد من الحرية، ويصبح قادرا على المنافسة في ظل بيئة اقتصادية أكثر ملائمة ، ويصبح الأمر يسيرا على ذلك المشروع أن يحتفظ بالقوى العاملة الموجودة لتوفير الخدمات للأسواق ، و إعادة تنظيم هذه القوى العاملة وإعادة توزيعها، بالإضافة إلى تدريب ذوي المواهب المتميزة(50) . ويتضح من ذلك أن الخصخصة ترفع من كفاءة الاقتصاد ، وكذلك قد تعمل على توفير العمل للتخفيف من حدة الآثار السلبية التي تترتب على إيقاف الموظفين عن العمل ولكن الآمر يختلف من دولة إلى أخرى ومن قطاع إلى قطاع. "فعلى سبيل المثل ، فان تحليلا لواحد وستين شركة تمت خصخصتها في ثمانية عشر بلدا ( ست منها نامية وأثنى عشر بلدا صناعية ) تبين على الأقل في ثلثي حالات نقل الملكية ، زيادات لاحقه للخصخصة في الربحية والمبيعات وكفأة التشغيل والاستثمارات الرأسمالية . والمثير للدهشة أن كل ذلك يتم بدون شواهد على انخفاض في العمالة ، ولا يوجد في اقتصاديات السوق الراسخة والاقتصاديات النامية ذات الدخل المتوسط إلي المرتفع كثير من الشك في أن الملكية الخاصة عامل محدد مهم للأداء الإقتصادى " (51). ثانيا : نطاق الخصخصة عربيا : على مستوى المنطقة العربية اقدم القطاع الخاص العربي على لعب دورا متزايدا في التطوير الاقتصادي ، ودعم أحد التعاون بين المنطقة ، بيد أن أغراض مختلفة أملتها الظروف السائدة في كل دولة كانت وراء اتساع نطاق الخصخصة والأخذ ببرامجها ، من هذه الإغراض مما تعلق بتوقيع هذه الدولة أو تلك لاتفاقيات الإصلاح الاقتصادي، ومنها ما تعلق بتصحيح العجز في الموازنات العامة ، وقد اتخذت العديد من الدول العربية في المنطقة برامج شاملة للإصلاح الاقتصادي في إطار اتفاقيات هذه الدول مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وهذه البرامج الإصلاحية موجهة نحو إعادة الهيكلة الاقتصادية والمالية ، ونحو دعم الإنتاج المهيأ للتصدير ، ويجري التوصل إلى هذه الأهداف من خلال مجموعة من السياسـات المؤدية لإزالة الحواجز المعوقة لتدفق رأس المال والتجارة ، فضلا عن تعظيم إسهام القطاع الخاص في التطور الاقتصادي(52) . ومن بين السياسات التصحيحية لبرنامج الإصلاح الاقتصادي تطفو سياسة الخصخصة على السطح كوسيلة للتغلب على اختلاقات التوازن داخليا وخارجيا ، لتحقيق المعدلات المقبولة للنمو الاقتصادي "وتأتي المغرب ومصر والأردن والكويت وتونس في مقدمة ، الدول العربية التي التزمت ببرامج طموحه للخصخصة " (53)، وقد لجأت العديد من دول الخليج إلى برامج الخصخصة لتخفيف الأعباء عن موازناتها العامة وتحقيق التخصيص الأمثل للموارد(54) ، ولا مراء في أن خصخصة عدد معين من شركات القطاع العام سوف تكون ذات فائدة ملموسة ، لا تنطوي على تعزيز موارد الموازنة العامة للدولة المعنية فحسب ، بل أيضا على زيادة الناتج والدخل القوميين . تجارب الخصخصة في الدول العربية : بلغت حصيلة الخصخصة في الدول العربية خلال الفترة ( 1990– 2001 ) حوالي (17.5) مليار دولار أمريكي ، حيث ارتفعت الحصيلة في المغرب من (273) مليون دولار أمـريكي عام (1993) إلى (2.104) مليار دولار أمريكي عام (2001) ، وقد شكلت الحصيلة في المغرب حـوالي( 70 % ) من إجمـالي إيرادات الخصخصة في الدول العربية في عـام (2001) ، وبلغت نسبة إيرادات الخصخصة في مصر حوالي (30 % )من أجمالي إيرادات الخصخصة في الدول العربية وبلغت نسبة الإيرادات في الكويت حـوالي (23 %) ونسبة الإيرادات في كل من تونس والأردن حوالي( 6 %) من أجمالي الإيرادات في الدول العربية ، وبمقارنة إيرادات الخصخصة إلى متوسط الناتج المحلي الإجمالي بين عامي( 1990 و2001) ، يلاحظ بأنها نسبة منخفضة حيث سجلت في مصر( 7% ) فقط من متوسط الناتج المحـلي و في الكـويت حـوالي (14%) وفي الأردن حـوالي (12% )(55). والجدير ذكره أن برنامج الخصخصة في المغرب انطلق في عام (1988) ، عندما أعلن الملك الحسن الثاني ، في 8 أبريل 1988، عن قرار الدولة لتحويل قسط مهم من نشاطها الصناعي والتجاري إلى القطاع الخاص ، وبمصدقت الحكـومة على القانون رقـم (93 – لعام 1989) ، الـذي أذن بموجبه بيع عـدد (112) مؤسسة تجارية وصناعية وفندقية إلى القطاع الخـاص (1) ، "ومند تنفيذ برنامـج الخصخصة ، وحتى نهاية عام (2001)، تمت خصخصة حوالي (65) مؤسسة ، من بينها( 26 ) فندقا بمبلغ أجمالي يقدر بحوالي ( 5.2 ) مليار دولار . وقد شكلت إيرادات خصخصة قطاع الاتصالات قرابة (61)في المائة من مجمل إيرادات الخصخصة ، وتشمل حصيلة بيع الحكومة لنسبة (35) في المائة من حصتها في شركة الاتصالات إلى شركة فرنسية مقابل (2.1) مليار دولار في عام (2001) ، بالإضافة إلى الرسوم التي حصلت عليها في عام(1999) مقابل منحها لشركة أجنبية أخرى لتوفير خدمات الهاتف النقال والتي تقدر بحوالي (1.1) مليار دولار "(56) وفي مصر كانت البداية بالاتجاه نحو الخصخصة " بصدور قانون قطاع الأعمال العام رقم (203 ) لعام (1991) والذي بموجبه تحولت بعض شركات القطاع العام (314 شركة ) من القانون رقم (97) إلى القانون رقم (203 ) حيث سميت بشركات قطاع الأعمال العام و أصبحت تابعة لـ (27) شركة قابضة – تم تخفيضها إلى (17) شكة قابضة بعد ذلك " (57) ، وابتدأ من أبريل (1996) بدأت انطلاقة جديدة في مسيرة الخصخصة في مناخ اقتصادي كلي يسوده التحسن المستمر وفي ظل قبول مشجع من الرأي العام ، وتنامي قدرة سوق الأوراق المالية على استعاب المعروض من الأسهم ، وزيادة في تقة المستثمرين وإقبالهم على شراء الشركات العامـــة لتطويره وتشغيلها بكفاءة افضل ، " وخلال الفترة من( 1996-1999) تم خصخصت قرابة (116) مؤسسة بشكل جزئي أو كلي بقيمة إجمالية بلغت نحـو( 3.3) مليار دولار . واعتبـارا مـن نهاية عـام ( 1999) ، تراجعت وتيرة الخصخصة مع توجه الحكومة نحو خصخصة شركات تعمل في قطاعات مختلفة منها الغزل و النسيج والتشييد والصناعات الغذائية تعاني من مشكلات فنية ومـالية الأمرالذي جعلها اقل جاذبية للمستمرين.وفي عـام(2000) ، تم خصخصة نحو( 23 ) شركـة بقيمة إجمالية بلغت نحـو( 718) مليون دولار ، في حين تم خصخصة وبصورة إجمـالية قـرابة (185) مؤسسة بشكل جزئي أو كلي منذ بدء البرنامج وحتى نهاية عام (2001) وبقيمة إجمالية بلغت نحو (5.2) مليار دولار . وقد كان من المتوقع أن تنتهي الحكومة من تنفيذ برنامج الخصخصة في نهاية عام (2002) إلا أن التباطؤ في تنفيذ البرنامج أرجا هذا الموعد إلي اجل غير محدد (58) . وفي تونس بدأت عملية الخصخصة في عام (1989) اثر مصادقة مجلس النواب على القانون رقم( 9 لعام 1989) ، واهم ما جاء في هذا القانون (59): - تمكين الحكومة من التخلي كليا أو جزئيا عن مساهمات الدولة. - تحديد مفهوم الخصخصة : · التخلي أو تبادل الأسهم أو السندات التي تملكها الدولة. · إدماج أو ضم أو انفصال المنشات التي تملك الدولة فيها مساهمة مباشرة في رأسمالها · التخلي عن كل عنصر من مكونات الأصول من شانه أن يستعمل كوحدة استغلال مستقلة في منشاة تمتلك الدولة فيها مساهمة مباشرة في راس المال. ومع تقدم برنامج الخصخصة ، عدلت الحكومة سياستها فحددت في عـام (2000) برنامجا يشمل( 44 ) مؤسسة عامة يراد خصخصتها ، ومنذ بدء البرنامج وحتى نهاية عام (2001)، تمت خصخصة حوالي( 138) مؤسسة عامة وبمبلغ إجمالي يقدر بحوالي مليار دولار أمريكي . هذا وشكلت حصيلة بيع أربع شركات متوسطة الحجم لإنتاج الاسمنت في الفترة مابين عامي)1998 و 2001 ) أكثر من (50 %) من مجمل إيرادات الخصخصة في حين تتكون باقي الإيرادات من حصيلة بيع نحو(146) شركة صغيرة (60) . وفي الأردن قامت الحكومة الأردنية بإنشاء وحدة خاصة في رئاسة الوزراء في عام (1996) سميت بالوحدة التنفيذية للتخاصية (61)، وتتلخص مهامها في إجراء عمليات الخصخصة ضمن السياسة العامة للدولة ، ويعتبر برنامج الخصخصة في الأردن مـن انجح البرامج في الـدول العربية نظرا للسرعـة التي تم فيها تنفيذه ، " ولقد بلغ اجملي ما قامت الحكومة الأردنية ببيعه من شركات خلال الفترة مابين عامي( 1996و2001) ، (44) شركة (62)"، ويتوقع أن ينتهي برنامج الخصخصة في الأردن في نهاية عام (2003). وفي الكويت فعملية الخصخصة تدفع إليها ، في الأساس ، الحاجة إلى تنشيط حركة الاقتصاد الكويتي الذي عانى من البطء في معدل النمو الاقتصادي في الأعوام الأربعة الأخيرة ، ومن هنا بات من الضروري أن تصبح عائدات الخصخصة عاملا مساعدا في القضاء على عجز الموازنة العامة ، وقد بدا بتنفيذ برنامج الخصخصة في الكويت في عام (1994) مع قيام الهيئة العامة للاستثمار ببيع الأسهم المملوكة للدولة ، ومند أوائل عام (2001 ) ،أخد برنامج الخصخصة بالتسارع ، حيث أعلنت الحكومة عن عزمها خصخصة (70) مؤسسة تعمل في قطاعات مختلفة ، وقد تم منذ بدء تتقيد برنامج الخصخصة قي عام (1994) وحتى نهاية عام (2001) ، بيع جزء أوكل حصص الدولة في حوالي (33) مؤسسة وبقيمة إجمالية بلغت حوالي( 4) مليار دولار أمريكي ، وتمتلك الحكومة حاليا اسهم في نحو (21) شركة مدرجة في البورصة(63) . و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور. المصدر: مجلة العلوم الإنسانية- العدد 16
مواضيع ذات علاقة: ◄قراءات في فكر الإمام الشيرازي الراحل : الخصخصة والتخصص ◄البدائل الاقتصادية فـي زمـن الخصخصة
......................................
المصادر:
(1) انظر ريهام عبدالمعطى ، الخصخصة والتحولات الاقتصادية في مصر ، مركز المحروسة للبحوث والنشر ، القاهرة ، 1997، ص 40,39. (2) د. محمود صبح ، الخصخصة لمواجهة متطلبات البقاء وتحديات النمو ، جامعة عين شمس ، القاهرة ،1995 ،ص15.(3) المرجع السابق ص 15. (4) د. محمود صبح ، مرجع سابق ، ص15 ،16. (5) د.جمال محمود الكردي ، التنظيم القانوني للخصخصة ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1998 ، ص11. (6) مصطفى محمد العبد الله ، التصحيحات الهيكلية والتحول إلي اقتصاد السوق في البلدان العربية ، مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت ، 1999 ،ص47. (7) د. عبدا لعزيز بن حبتور ، إدارة عمليات الخصخصة ،دار صفاء ، عمان ، 1997 ، ص6. (8) د. عبد القادر محمد عبد القادر ، اتجاهات حديث في التنمية ، الدار الجامعية ، الإسكندرية ،1999 ، ص102. (9) المرجع السابق ، ص.103. (10) المرجع السابق ،103 ،105. (11) انظر د.عبدالقادر محمد شهاب ، طرق الخصخصة المختلفة ، ندوة التنمية الاقتصادية في ليبيا ، طرابلس ، 14-16. 2002 ، ص3. (12) مصطفى محمد العبد الله ، مرجع سابق ، ص36. (13) د. مصطفى حسين المتوكل ، الخصخصة خلق أفاق جديدة أمام القطاع الخاص ، المركز الوطني للمعلومات ، مجلة المعلومات ،عدن ، العدد الثاني ، مارس 2001 ، ص 1. (14) د. سليمان أبو صبحا وآخرون ، الخصخصة والآثار الاجتماعية على إنسان الخليج ، دار القراءة للجميع للنشر والتوزيع ، دبي،1996 ، ص58. (15) د. احمد صقر عاشور ، التحول إلي القطاع الخاص ، المنظمة العربية للتنمية الإدارية ، القاهرة ، 1996، ص166. (16) د. محمود صبح ، مرجع سابق ، ص26. (17) د. سليمان أبو صبحا وآخرون ، مرجع سابق ، ص58. (18) د. محمود صبح ، مرجع سابق ، ص 28. (19) د. سليمان أبو صبحا وآخرون، مرجع سابق ، ص 57. (20) د. محمود صبح ، مرجع سابق ، ص30. (21) الهيئة القومية للبحث العلمي ، الأسس العامة لإعادة هيكلة الاقتصاد الليبي ، طرابلس ، 1992 ، ص 316. (22) د.سليمان أبو صبحا ، مرجع سابق ، ص60. (23) د.احمد ماهر ، دليل المدير في الخصخصة ، مركز التنمية الإدارية ، جامعة الاسكندارية ، الاسكندارية ، 1998، ص152. (24) على سبيل المثال لا الحصر دراسة (كيم Kim ) في تنزانيا ، دراسة ( بركنز Perkins ) في تنزانيا ، دراسة (مليوارد Millward ) على مجموعة من الدول المتقدمة والنامية ، دراسة (جلاد ستونGladston) في بريطانيا ، دراسات البنك الدولي ، انظر مجلة البحوث والدراسات التجارية ، الدار الجامعية ، بيروت ،العدد الأول ، اكتوبر1998، ص241 ,266. (25) تقرير عن التنمية في العالم 1996 ، مرجع سابق ، ص 16 . (26) د. سعيد عبدالعزيز عثمان ، اقتصاديات الخدمات والمشروعات العامة ، الدار الجامعية ، بيروت ، 1997 ، ص296. (27) د. سعيد عبدا لعزيز عثمان ، مرجع سابق ، ص 337. (28) للمزيد حول هذا الموضوع أنضر ، علي توفيق الصادق ، مرجع سابق ، ص 34-36. (29) علي توفيق الصادق ، مرجع سابق ، ص316. (30) المرجع السابق ، ص 319. (31) انظر د.علي توفيق الصادق ،د.معبد الجارحى ، التخصيص في إطار التنمية القضايا والمضامين ،صندوق النقد العربي،أبوظبي ، 1995، ص33. (32) د. جمال الصغير ، التخصيص : خبرة البنك الدولي ونظرة عامة على العالم العربي ، صندوق النقد العربي ، أبو ظبي ،1995 ، ص230. (33) المرجع السابق ، ص230. (34) هالة حلمي السعيد ، التخصيصة في الدول النامية مع التطبيق على التجربة المصرية ، سلسلة رسائل البنك الصناع ،الكويت، 1997 ، ص 23. (35) المرجع السابق ، ص23. (36) البنك الدولي للإنشاء والتعمير ، مرجع سابق ، ص29 . (37) هالة حلمي السعيد ، مرجع سابق ، 25. (38) د. علي توفيق الصادق ، مرجع سابق ، ص316. (39) المرجع السابق ، 316. (40) المرجع السابق ، 316. (41) هالة حلمي السعيد ، مرجع سابق ، ص26. (42) المرجع سابق ، ص26. (43) الهيئة القومية للبحث العلمي ، الأسس العامة لإعادة هيكلة الاقتصاد الليبي ، ندوة غير منشورة ، طرابلس ، الصيف 1992، ص 314-315. (44) انظر د. سعيد عبدا لعزيز عثمان ، مرجع سابق ، ص245. (45) "Privatization : the lessons of Experience", world Bank , Country Economics Department, 1995 , p10 (46) المرجع السابق ، ص 10. (47) ستيف هانكي ، تحويل الملكية العامة إلي القطاع الخاص ، ترجمة محمد مصطفى غنيم ، دار الشرق ، القاهرة ، 1990 ،ص 44. (48) د.سليمان أبو صبحا ، مرجع سابق ، ص68,69. (49) انظر في ذلك ، د. علي توفيق الصادق ، مرجع سابق ، 315. (50) انظر في ذلك ، المرجع السابق ، 315. (51) انظر في ذلك ، د. علي توفيق الصادق ، مرجع سابق ،ص 317. (52) البنك الدولي للإنشاء والتعمير ، مرجع سابق ، ص64 . (53) د. عبدالغزيز بن حبتور، مرجع سابق ص10,9. (54) التقرير الاقتصادي العربي الموحد ،2002 ،ص 161 . (55) أسامة مكي الكردي ، مفهوم الخوصصة دوافعها والمعوقات التي تواجهها ، ندوة الخوصصة وإعادة هيكلة القطاع الصناعي ، المنظمة العربية للتنمية الصناعية والتعدين ، عمان ، 4-6/5/1998، ص6. (56) التقرير الاقتصادي العربي الموحد ، مرجع سابق ، ص161 . (57) حسن العمراني ، التخصيص و إعادة هيكلة المنشات العامة في المغرب ، صندوق النقد الدولــي ، 1995، ص277. (58) التقرير الاقتصادي العربي الموحد ، مرجع سابق ، ص162 (59) ريهام عبد المعطي ، مرجع سابق ، ص47. (60) التقرير الاقتصادي العربي الموحد ، مرجع سابق ، ص162 (61) المنصف عباس ، تجربة تونس في الإصلاح الهيكلي والخوصصة ، ندوة الإصلاحات الاقتصادية وسياسات الخوصصة في البلدان العربية ، مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت ، 1999 ، ص 349. (62) التقرير الاقتصادي العربي الموحد ، مرجع سابق ، ص .164 (63) جواد العناني ، ريما الخلف ، التخصصية في المملكة الأردنية ، ندوة الخوصصة وإعادة هيكلة القطاع الناعي في الدول العربية ، المنظمة العربية للتنمية الصناعية والتعدين ، الأردن ، 1998.
جيمس إم. بيوكانن
إن التقدم الاقتصادي في القرن العشرين أكد تماما أن اقتصاد السوق هو الوحيد القادر على تأمين فعالية عالية في الاقتصاد الوطني. ( ليونيد أبالكين)
مقدمة إن المعنى الرئيسي لعبارة أبالكين التي استشهدت بها في الافتتاحية واضح. وكما بينت هذه النقطة في مكان آخر، فهناك الآن اتفاق عام على أن اقتصاد السوق يعمل بشكل أفضل من الخيار الاشتراكي أو خيار التخطيط المركزي. وذلك يجعلنا متفقين على ما يعني أن الاقتصاد "يعمل بشكل أفضل". لأن مثل هذا الاقتصاد ينتج حزمات أكثر من السلع والخدمات حسب احتياجات الأشخاص الذين يستهلكونها. كما أن الاقتصاد الذي يستند الى مبادىء حرية السوق يستطيع أن يحقق معدلات إنتاجية ذات قيمة مضافة أعلى من تلك الناتجة عن اقتصاد يستند إلى مبادىء أخرى. يشير أبالكين إلى "الكفاءة" في توليد القيمة. ويعزي ارتفاع الكفاءة النسبية لاقتصاد السوق إلى ثلاثة أسباب: كونه يجعل حوافز الأطراف المشاركة متوافقة مع القيمة الاقتصادية المولدة؛ كما أنه يوفر كافة المعلومات المحلية المتاحة للأطراف المشاركة في بيئة محايدة ولامركزية؛ وأخيرا يتيح اقتصاد السوق البيئة المواتية لبروز المواهب الخلاقة والمبدعة للأطراف المشاركة التي اختارت أن تكون من الرياديين المحتملين. لن أقوم بالتطرق الى المزيد من الكلام بشأن الخصائص المتعارف عليها لاقتصاد السوق. إن الاهتمام الزائد والمبالغ فيه بميزات اقتصاد السوق المولدة للكفاءة قد يكون على حساب الميزة الطبيعية المرتبطة به والتي ُتعتبر مساوية لها، إن لم تتجاوزها بالأهمية. وهذ الميزة التي تهمنا هنا هي أن الاقتصاد الذي يستند إلى مبادىء حرية السوق يقلل بشكل ملحوظ من عدد القرارات الاقتصادية التي يجب أن تؤخذ لاعتبارات سياسية من قبل مؤسسة ما تمثل الوحدات الجماعية. وبتعبير عملي آخر، فبالإمكان القول إن الاقتصاد الذي يستند الى مبادىء حرية السوق يقلص من حجم وأهمية البيروقراطية السياسية. ولو اختار أبالكين أن يؤكد على هذه الميزة أكثر من ميزة الكفاءة لقال: "إن المنطق يؤكد أن اقتصاد السوق هو الوحيد القادر على السماح بالتسييس الأدنى للإقتصاد الوطني." وإذا أراد أيضا أن يوسع نطاق هذه العبارة، لأضاف قائلا: "وإنه من خلال هذا الحد الأدنى للتسييس—وتخفيض البيروقراطية—يمكن تحسين الوصول الى مختلف الأهداف الاجتماعية مهما كانت هذه الأهداف." في الجزء الثاني من هذه الورقة سوف أقوم بوصف العلاقة بين التسييس ونظام السوق بينما أقوم بإظهار الفارق بين التسعير السياسي وتسعير السوق. وفي الجزء الثالث سأقوم بمناقشة الآثار المترتبة على التسعير السياسي في اقتصاد ما من خلال العلاقات بين المواطنين وبين مجموعات من المواطنين. وسيتحدد من خلال هذا التحليل، الذي يستخدم المساهمات الحديثة لنظرية الخيار العام، المصادر المحتملة لهدر القيمة الاقتصادية، إضافة إلى تحديد الظروف التي يوضع فيها الأشخاص موضع التبعية وفي مجابهة مع الآخرين. إن التداعيات المعيارية الناجمة عن ذلك واضحة. وسيتناول الجزء الرابع الدور المحوري للعمل السياسي أو الجماعي في تصميم وبناء وتنفيذ ومتابعة الإطار الهيكلي الذي يسمح فيه بتوظيف اقتصاد السوق. ومن بين الخيارات المطروحة، يفضل الخيار الجماعي. ولكن مثل هذا الخيار سيكون مقيدا بردود الأفعال من التدخلات المعنية بتوليد القيمة ومن التدخلات البيروقراطية. وفي الجزء الخامس، سأعود للتفريق بين السعر السياسي وسعر السوق لبيان كيفية إمكان تطوير أهداف "اجتماعية" متفق عليها بدون تسييس علني للأسواق. كما وسأقدم فكرة حول سعر السوق المتأثر بالناحية السياسية، وسأظهر حدود التطبيق. وسيحتوي الجزء الأخير على الخاتمة والنتائج. السعر السياسي وسعر السوق إن الخاصية المميزة للأنظمة الاشتراكية تشتمل على استخدام أسعار محددة سياسيا لبعض السلع والخدمات المختارة والتي يُفترض أنها تستند إلى اعتبارات توزيعية ورعائية. ويتم إتاحة السلع والخدمات المختارة بواسطة هذه الطريقة للمستهلكين وفق أسعار تعكس تقديرات سياسية بدلا من أسعار تستند الى آليات الطلب والعرض. تشمل هذه السلع والخدمات المختارة عادة: الخدمات الطبية والخدمات التعليمية ورعاية الطفل ووسائل المواصلات داخل المدن والإسكان والحليب والخبز وغيرها. ويتم توفير وإتاحة بعض أو جميع هذه السلع والخدمات للمستهلكين أو المستخدمين بأسعار دون تلك التي يتم تحديدها بواسطة قوى السوق.3 فلنأخذ بعين الاعتبار مثالا مبسطا. نفترض أنه قد تم اتخاذ قرار سياسي جماعي لتزويد الخبز للمستهلكين بسعر "صفر"، والذي يمكن تسميته "سعرا سياسيا" لأنه بمعزل عن أية علاقة بين تكلفة الإنتاج والطلب. وإذا اقتصر الفعل السياسي على الإعلان عن هذا السعر السياسي، فإنه يمكن التنبؤ برد الفعل مسبقا. حيث سيقوم المستهلكون المحتملون بطلب كميات كبيرة من الخبز بسعر الصفر، في حين لن يكون هناك موردون محتملون يرغبون بتوفير الخبز في السوق بهذا السعر. ويتوجب على صانعي القرار السياسيين، الذين يحاولون بداية تلبية طلب المستهلكين المحتملين، تخصيص كميات كبيرة من الموارد لإنتاج الخبز، إما بواسطة الأمر المباشر أو بواسطة مخطط محدد لدعم الموردين المحتملين. وهذا يعني أنه حتى إذا توفر ما يكفي من الخبز لتلبية جميع الطلبات بالسعر السياسي الزائف، فإنه يجب القيام بعمل سياسي إضافي علاوة على تحديد الأسعار نفسها، لجعلها قابلة للتطبيق. وهذا بدوره يعني ضرورة سحب الموارد من استخدامات أخرى وتخصيصها لإنتاج الخبز، مما سيشجع الإسراف في استهلاك الخبز نظرا للسعر الزائف المنخفض. (إن المثال التوضيحي من التجربة السوفييتية الذي يقدم غالبا هنا هو قصة الفلاحين الذين يطعمون الخبز للماشية). ومع ذلك، وكما ذكرت آنفا، لا أريد أن أشدد على آثار التسعير السياسي المتمثلة في الإسراف وخفض الكفاءة. من الممكن بالطبع أن تكون عدم الكفاءة الإدارية في التوزيع كبيرة جدا لتجعل الأسعار الشمولية لمثل هذه السلع أعلى من أسعار السوق الحرة وبالرغم عن قصد المخططين. باسم الجماعة سيوجهون الموارد لإنتاج الخبز بالكميات المثلى للطلب تقريبا وبسعر السوق. بينما يتم العرض بسعر الصفر وينتج عن هذا المزيج من توافر أقصى درجات العرض مقابل سعر صفر للطلب نتيجتان: سيكون هناك فائض من الخبز، وسيتطلب تمويل تكلفة انتاج الخبز توفير موارد مالية من مصادر أخرى من غير مستهلكي الخبز. ويستدعي ذلك اتخاذ قرارات وافعال سياسية على مستوى مؤسستين اضافة الى اجراءات بشأن ضبط ضمان عدم تجاوز تحديد السعر. من الممكن مقارنة هذا النظام من التسعير السياسي مع نظام تسعير السوق بافتراض عدم وجود تدخل مسيّس في سوق الخبز؛ وعليه، فان السعر يعكس نتيجة التفاعل فيما بين الطلب والعرض. وفي هذا الإطار، من الممكن أن يقدم الموردون والمنتجون الخبز للمشترين المحتملين بالشروط التي يختارونها، ومن الممكن أن يختار المستهلكون المحتملون الشراء أو عدمه وبالكميات التي يريدونها. وبالتالي من خلال ذلك يتم التوصل للوضع الكفؤ تقريبا لسوق الخبز ("الكفؤ" مقاسا من حيث جداول الطلب في الاقتصاد). وبالتالي تحت هذا النظام من تسعير السوق ستغيب النتيجتان الناجمتان عن التسعير السياسي. ولن يكون هناك فائض أو نقص في الطلب على الخبز؛ كما لن يكون هناك فائض أو نقص في العرض. ولن يكون هناك أي داعٍ لقيام أطراف أخرى في الاقتصاد، بخلاف مستهلكي الخبز، بوجوب تمويل إنتاج الخبز. ولذا تصبح القرارات السياسية المتعلقة ب(أ) وضع السعر السياسي، (ب) تخصيص العرض المتاح بين المستهلكين المحتملين، و(ج) تمويل إنتاج العرض المتاح، غير ضرورية في ظل نظام تسعير السوق. ويتوقع بالطبع أن يكون هناك فروقات بين النظامين في مجال التوزيع. وقد يكون أولئك المستهلكون، الذين نجحوا في الحصول على الخبز بسعر الصفر تحت نظام التسعير السياسي، في حال أفضل بكثير عما قد يكونوا عليه تحت نظام تسعير السوق. (بالرغم من أنهم قد لا يكونوا في وضع أفضل حقيقة عندما يتم الأخذ بالاعتبار السعر الكامل، بما في ذلك كلفة الوقت الضائع في انتظار الدور). ولكن مقابل هذه المكاسب المحتملة للمستهلكين ستكون هنالك خسائر واضحة يُمنى بها من توجب عليهم تمويل العرض المتاح. كما أنه في ظل نظام التسعير السياسي يتم نوع من تحويل القيمة بين مستهلكي السلع وغير المستهلكين. بينما في إطار نظام تسعير السوق لا يوجد مثل هذه التحويلات في القيمة. التسعير السياسي، التحفظ البيروقراطي، والهدر الاجتماعي يستند نظام تسعير السوق الى وظيفتين تنسيقيتين يفشل نظام التسعير السياسي في أدائهما. يتم تخصيص العرض المتاح بين المستهلكين المحتملين، كما يتم تقديم الكمية المعروضة لمواجهة الطلب المحتمل. وإذا تم وضع سعر سياسي أقل من سعر السوق، يتوجب عندها اللجوء لاستخدام بعض وسائل الترشيد غير السعر لضبط العملية إلا إذا تم تعديل العرض لمقابلة أي طلب يظهر. وفي هذه الحالة، سينجم عنه فاقد ضخم في القيمة الاقتصادية. تحت ظروف الطلب المفرط، فان وسائل الترشيد اللاسعري قد تأخذ أي شكل من الأشكال المتعددة، إما منفردة أو مجتمعة. من الممكن تخصيص العرض المتاح بواسطة بعض آليات الترشيد الواضحة، على سبيل المثال بواسطة إصدار كوبونات حصص للتمكن من الشراء. أو من الممكن القيام بالتقنين بواسطة نظام آخر مختلف يأخذ بالاعتبار "من يأتِ أولا، يُخدم أولا" والتي تشمل على فترات انتظار وطوابير طويلة في المحلات. وأخيرا، يمكن ترشيد استهلاك السلع عبر وسائل التسعير الخاص. ويترتب على اختيار أي من وسائل الترشيد هذه إنشاء مؤسسة بيروقراطية لتنفيذ هذه الإجراءات، لن يكون هنالك حاجة إليها في ظل نظام تسعير السوق. كما تبرز الحاجة إلى إقامة مؤسسات بيروقراطية أخرى عندما نتناول الموضوع من جانب تنسيق العرض. فإذا كان التعديل التلقائي لأسعار العرض كما في ظل نظام السوق غير مسموح به، يتوجب عندئذ على المنتجين، وبطريقة ما، أن يحفزوا على إنتاج كمية السلع التي تم تحديدها سياسيا. ويمكن تنظيم الإنتاج مباشرة عن طريق مؤسسات الدولة أو يمكن دعم الموردين الخاصين. وعلى أية حال، يتم تحصيل الإيرادات من مصادر أخرى في الاقتصاد وهذا التحصيل يعتمد مرة أخرى على المؤسسات البيروقراطية. أو من الممكن أن يطلب حجم الإنتاج مباشرة بالأمر، وفي هذه الحالة يخضع الموردون لضغوط بيروقراطية قسرية. يتطلب التسعير السياسي انشاء مؤسسة بيروقراطية يكون دورها مكمل وصلاحياتها متسعة لتحقيق التنسيق المطلوب لتحقيق الأهداف. إن جميع الافراد ليس فقط بصفتهم طالبين أو مستخدمين للسلع المنتجة النهائية، ولكن أيضا بصفتهم موردين للمدخلات التي تدخل في إنتاج مثل هذه السلع، لا بد أن يخضعوا للمعاملة التمييزية للمؤسسات البيروقراطية، التي لا ضرورة لوجودها في ظل نظام السوق. وسيخلق ذلك اعتمادا كاملا من قبل المواطنين على البيروقراطية القائمة بغض النظر عن خصائص السلوك الفردي للبشر الذين يعيشون في ظل حكم البيروقراطية. وحتى لو كانت البيروقراطية في ظل هذا الوضع مثالية وعادلة، إلا أن علاقة التبعية ستستمر ومع ذلك، وكما تقترح نظرية الخيار العام الحديثة، فإنه من غير المحتمل أن يكون العملاء البيروقراطيون مختلفين عن الأشخاص الآخرين في المجتمع؛ ولا يتوقع بروز أنماط سلوك مغايرة. وسيسعى البيروقراطي، كما سيفعل غيره، لزيادة منفعته الخاصة للحد الأقصى، رهنا بالقيود التي تواجهه. ونظرا لأن الهيكل المؤسسي في نظام التسعير السياسي يضع الأشخاص الآخرين في علاقة التبعية، فمن غير المتوقع أن يرفض البيروقراطي عمدا أن يمارس هذه السلطة التحفظية لكي يُعّظم منفعته. إن المحسوبية، والمعامله التمييزية (الإيجابية والسلبية)، والتصنيفات التعسفية، جميعها خصائص ُتميز أي نظام يضع الناس في علاقة التبعية مع بيروقراطيين بشر يتنفسون ويعيشون. ستكون هذه الخصائص موجودة تحت نظام التسعير السياسي وإن كان لا يوجد فساد بالمعنى المفهوم للكلمة. وسيكون للبيروقراطيين الذين يمتلكون سلطة تحفظية لتخصيص أو توزيع القيمة الاقتصادية، بالتأكيد، فرصًا لتحقيق المنافع الربحية لأن السلطة التي تقوم بالتخصيص والتوزيع يصبح لها قيمة بحد ذاتها. وبالتالي سيكون هنالك علاقة طردية مباشرة بين السلطة وفرص الربح واستغلال المكاسب. لكن مشاكل التمييز البيروقراطي لا تكمن حصرا، أو حتى أساسا، في الرشوة. فأولا، تتواجد هذه المشاكل بسبب التمييز البيروقراطي، والذي يعني أنه يجب أخذ الخيارات بين مختلف المطالبين على أسس أخرى غير القيمة المضافة. وفي هذا الصدد، يصبح إدخال التمييز البيروقراطي، الذي برز بسبب التسعير السياسي، مصدرا لعدم الكفاءة على كافة مستويات لاقتصاد. وثانيا، فإن علاقة التبعية القائمة بين هؤلاء الأشخاص الذين يمتلكون سلطة تمييزية وأولئك الواقعين تحت تلك السلطة تخلق تفرقة طبقية تعسفية. وثالثا، وربما الأكثر أهمية، فإن النقص المفتعل في ظل نظام التسعير السياسي يصبح النتيجة الطبيعية لاستثمارات مبددة اجتماعيًا. ويجد الافراد أنه من المنطقي استثمار الموارد في محاولة لتأمين الوصول التفضيلي إلى مكامن القوة الاقتصادية المتأصلة في التمييز البيروقراطي. إن الارباح المتولدة من أنشطة غير منتجة والتي يحصلها أولئك الذين يتنافسون لضمان الوصول، رغم صعوبته وندرته، إلى السلع المقيّمة (مثل أولئك الذين يطلبون الخبز بسعر الصفر)، تمثل استثمارات مبددة لجمهور الأفراد غير القادرين على النجاح في الجهد التنافسي. يجب أن يكون هناك القليل من الخلاف أو أن لا يكون هناك خلاف أصلا بخصوص التحليل الاقتصادي العلمي (القائم على الحقائق وعلاقات السببية) لتأثيرات التسعير السياسي على حجم ومجال والحدود التمييزية والنتائج السلوكية الثانوية للمؤسسة البيروقراطية. فلا يوجد نتائج معيارية موحدة يمكن الوصول إليها مباشرة من التحليل. ومع ذلك، وللدرجة التي يمكن أن يتفق عليها المحللون والمراقبون، فان الآثار الناجمة في حد ذاتها تعتبر خصائص غير مرغوبة لأنظمة التسعير السياسي، كما ان المنافع النسبية التي تدعيها مثل هذه الأنظمة مقارنة مع أنظمة تسعير السوق ليست بالأهمية. يجب الاعتراف بأن تقليل التسييس-البيروقراطية في التفاعل الاقتصادي، والذي يحققه نظام تسعير السوق، هو عامل هام في مفاضلة الحكم النهائي، علاوة على المناقشة المألوفة حول الكفاءة. الدستور السياسي للنظام الاقتصادي لقد أشرت لغاية الآن إلى أنظمة التسعير السياسي وتسعير السوق بدون ذكر مباشر للبنية الدستورية التي تحدد الإطار الذي يعمل من خلاله أي نظام للتفاعل الاقتصادي. إنه في غاية الأهمية التأكيد على ضرورة العمل السياسي أو الجماعي في تأسيس وصيانة بنية النظام في جميع الأحوال. إن التقليل من مدى ونطاق التمييز البيروقراطي الذي تمت مناقشته في الجزئين السابقين يشير بشكل خاص إلى وضع التفاعل الاقتصادي داخل بنية النظام، أي داخل دستور النظام الاقتصادي. وكما اقترح التحليل، فإن أسعار السوق تميل إلى التقليل من التحفظ البيروقراطي بالنسبة إلى ذلك الذي يقتضيه التسعير السياسي. لكن أسعار السوق تعمل بفعالية فقط في إطار مجموعة من القواعد والذي يجب تأسيسها أو المحافظة عليها بشكل جماعي . ولا مفر من التسييس على مستوى الخيار الدستوري. ساقصر مناقشتي علي مجمل هذه الملامح للبنية الدستورية التي ستسمح لاسعار السوق أن تبرز وأن تعمل. ولن أقوم بمناقشة كيف يتم أخذ الخيار الدستوري الأساسي ضمن مجموعات من القواعد. أولا، يجب أن يكون هناك توزيعا منتشرا ولامركزيا للقدرات لإنتاج القيمة الاقتصادية مع اعتراف سياسي وقانوني واضح لهذا التوزيع. يجب أن تنتشر الملكية أو حقوق الملكية على نطاق واسع في التملك، في كل من الموارد البشريه والأصول غير البشريه، كما أنه يجب توفر حماية قانونية صريحة لنمط الملكية نفسها. ثانيا، يجب السماح للملاك الخواص تبادل حقوق الملكية فيما بينهم، كما يجب أن يكون هناك إنفاذ سياسي وقانوني للعقود الطوعية المعتمدة لتبادل هذه الحقوق. وفي ظل مثل هذا النمط من الملكية الخاصة المنتشرة واللامركزية، مع الاعتراف السياسي والقانوني وانفاذ العقود، ستكون العناصر الأساسية لدستور نظام السوق في مكانها. سيتم تخصيص مصادر الموارد بين عدة استخدامات منفصلة؛ وسيتم تنظيم الإنتاج من خلال مجموعة من المدخلات؛ وسيتم إنتاج السلع والخدمات وتوفيرها وتسعيرها للمستهلكين الذين يطلبونها. لا يُطلب من أي أحد مباشرة، سواء كفرد عادي أو في موقع سياسي، الاهتمام بتفاصيل الإنتاج، أو الأنماط المستخدمة للإنتاج، في ظل تشابك عمليات السوق. هذا الناتج، أو أنماط الانتاج، سيكون محصلة التفاعل المستقل بين العديد من الأشخاص. وبهذا لا تتم عمليات التخصيص أو التوزيع نتيجة لاختيار أي طرف. وعند هذه النقطة بالتحديد قد تكون المبالغة في التركيز على معيار الكفاءة لتقييم أداء اقتصاد السوق مضللة. ومما لا شك فيه أن الكفاءة التي تم تحقيقها بواسطة تفاعل السوق ُتعرّف بمثل هذا التفاعل. وتظهر جداول القيمة وفق خيارات السوق التي أخذها جميع المشاركين؛ ولكنها لا توجد بصورة مستقلة. ولا حاجة لأن يكون هناك علاقة بين أداء اقتصاد السوق والكفاءة لتحديد جداول القيمة من قبل المخطط أو صانع القرار السياسي. وفي حالة واحدة يمكن أن تكون عبارة أبالكين صحيحة، ألا وهي عندما يرغب صانعو القرار بالسماح للسوق تحديد الكفاءة. سيظهر نظام السوق بأنواعه في اللحظة التي يتكامل فيها وجود العناصر الأساسية. بينما من الممكن أن تمتد البنية الدستورية لتشمل قواعد أخرى أو مؤسسات من المتوقع أن تيسر عملية التبادل الشاملة. ومن الممكن أن تأخذ المؤسسة السياسية، أي الدولة في هذه الحالة، مسؤولية تحديد الوحدة النقدية للنظام الاقتصادي، كما يمكن أن تسعى للحفاظ على استقرار قيمة هذه الوحدة. كما يمكن أن يكون هناك ترتيبات مؤسساتية متخصصة تهدف إلى تشجيع القوى التنافسية، وخاصة تلك التي تعزز حرية الدخول في الإنتاج والتي تحظر الترتيبات الاحتكارية. اما المرافق العامة والسلع الأخرى المستهلكة جماعيا (على سبيل المثال حماية البيئة) تبقى ضمن سلطة الدولة، كما أنه من الممكن إدخال التشريعات الدستورية التي ُتحدد الوسائل التي يتم عبرها تمويل السلع والخدمات الموردة من قبل الدولة. البيروقراطية الدنيا واقتصاد السوق الاجتماعي يترتب على الاهتمام والتركيز على العلاقة بين الخصائص التنسيقية لسعر السوق ونطاق التمييز البيروقراطي تأثير على فعالية التدخل السياسي الذي يتم لتعزيز الأهداف الاجتماعية. وقد يرفض صناع القرار السياسي، الذين يعملون كوكلاء للنخبة الحاكمة أو أولئك الذين يدعون انهم يمثلون الدوائر الانتخابية في الديمقراطيات، معيار الكفاءة كما هو معرّف بإجراءات اقتصاد السوق حتى وإن تم توسيع القطاع الجماعي ليشمل تمويل السلع غير المستثناة والمستهلكة جماعيا. وقد يسعى هؤلاء الوكلاء، ولذات الأسباب التوزيعية والرعائية التي حّفزت العديد من التجارب الاشتراكية في الأنظمة التي تتحكم فيها الدولة بالأمور الاقتصادية والاجتماعية، إلى استخدام السلطة السياسية لتعديل نتائج نظام السوق، ولو بشكل جزئي. في الوقت ذاته، يمكن قبول منافع نظام السوق من حيث إنتاج قيمة اقتصادية وتقليل دور التمييز البيروقراطي. والسؤال هو كيف يمكن الإبقاء على الخصائص التنسيقية للأسواق في ظل استخدام السلطة السياسية لتعديل الأنماط التوزيعية والحصصية في اتجاه تلك الأنماط المرغوبة بشكل أكبر من قبل صانعي القرار (والمخططين)؟ افترض أنه قد تم تأسيس القواعد الأساسية لاقتصاد السوق. عندها ستصبح حقوق الملكية لامركزية ويتم إنفاذ العقود الطوعية. استرجع مناقشتي السابقة في الجزئين الثاني والثالث. إذا تم توفير الإمدادات بشكل كاف لتلبية جميع المطالب بسعر الطلب المقرر سياسيا والذي يواجه المستهلكين والمستخدمين المحتملين، عندئذ، لا تستدعي الحاجة استخدام نظام مكمل للترشيد. وإذا قبلت جميع الإمدادات المعروضة بسعر العرض المقرر سياسيا، عندئذ لا تبرز الحاجة إلى استخدام نظام لترشيد البيع بين المزودين المحتملين. وعليه، يمكن استخدام السعر لترشيد الطلب ولتنشيط العرض. ولكن، في هذه الحالة، ستغيب خاصية توازن السوق. وقد لا يكون سعر طلب السلعة للمستهلكين معادًلا لسعر العرض للمزودين. وكما اشير سابقا، تتم تحويلات في القيمة في الأسواق في ظل نظام التسعير السياسي. وإذا شجع صناع القرار السياسي المشاركين في السوق على شراء المزيد من سلعة ما غير تلك التي ُتمليها خياراتهم سيحدث خلل في هيكل الأسعار في السوق بين سعر الطلب الذي تعرض به السلعة إلى المستهلكين وسعر العرض الذي يقدم للمنتجين وبالتالي ينخفض سعر الطلب عن سعر العرض. وهنا يتوجب العثور على وسائل لتمويل الفارق حتى لو حققت هذه الأسعار هدف الترشيد المطلوب. وفي هذه الحالة، يجب أن يرغب صانعو القرار السياسي بإحداث خلل في الاتجاه المعاكس في السوق لسلعة أو سلع أخرى. ويعني هذا جعل سعر الطلب أعلى من سعر العرض في سوق سلعة أخرى (أو عدة سلع) لتوليد العوائد اللازمة لتمويل الدعم المالي للسلعة أو الخدمةالمفضلة. وأسوة بما حدث في السوق الأول، يمكن استخدام الأسعار لإلغاء الحاجة إلى التمييز البيروقراطي في آليات الترشيد التكميلية. لكن هذا الاعتراف بتحويلات القيمة عبر الأسواق يفترض توازن الموازنة. وهذا يعني أن العائدات المحصلة من السلع غير المفضلة يجب أن تساوي بالضبط الدعم المالي المدفوع للمنتجين والمستهلكين للسلع المفضلة. وبالتالي يمكن تشجيع إنتاج واستهلاك سلعة واحدة؛ ويمكن عدم تشجيع إنتاج واستهلاك سلعة أخرى. ويمكن تحقيق الهدف الاجتماعي المزعوم ضمن مجموعة من القيود التي تفرضها تفضيلات المشاركين في الاقتصاد من خلال دورهم كطالبين ومزودين للسلعتين (أو مجموعة السلع). الخاتمة يجب أن يتم تحديد الموارد وتجميعها في أي نظام اقتصادي لإنتاج مخرجات ذات منفعة والتي بدورها يجب أن توزع على المستهلكين. فالاقتصاد الذي يستند الى مبادىء حرية السوق يستطيع أن يحقق هذه المجموعة من المهمات بفعالية أعلى وكذلك سيولد معدلات انتاجية ذات قيمة مضافة أعلى مقارنة بالاقتصاد الذي يستند إلى خيار التخطيط المركزي. لقد كان هدفي هنا التأكيد على أهمية الميزة الطبيعية لاقتصاد السوق الحر، التي تربط نظام الاقتصاد مع الخيارات السياسية والبيروقراطية. وإذا لم يتم تخصيص الموارد وتوزيع المنتجات من خلال نظام للسوق، عندئذ يجب أن يتم إنجاز الوظائف التخصيصية والتوزيعية مباشرة بواسطة مؤسسة سياسية بيروقراطية. والنتيجة المباشرة والواضحة هنا أن السوق يحد من التدخل البيروقراطي في حياة المواطنين للدرجة الممكنة. إلا أن هذه النتيجة لا تعني أن الأسواق أو منظومة السوق تستطيع إزالة المحددات الجوهرية المحكومة بُندرة الموارد كمفعول السحر، إلا أنها تستطيع تقليص حدة هذه المحددات بواسطة زيادة كفاءة استخدام الموارد. ومع ذلك، ستبقى المحددات الأساسية على الموارد قائمة؛ ويكون مفعول الاسواق عليها من خلال هياكل الأسعار الموضوعية، عوضا عن التدخل التمييزي والقسري للبيروقراطية المشخصنة. أي يتم استبدال النفوذ الخاضع لتقدير أو سلطة البيروقراطية بالسلطة الموضوعية للأسعار، وما يصاحب ذلك من انعكاسات على طبيعة العلاقات بين الاشخاص. يقلل نظام السوق من التمييز البيروقراطي، ولكنه يعمل فقط في إطار دستوري مستدام وفعال سياسيا. إن وجود العناصر الأساسية توزع الملكية الخاصة وإنفاذ العقود—ضرورية للسماح بنشوء الأسواق وإنتاج أنماط من المخرجات تعكس أعلى قيمة لأفضليات المشاركين، كما يُعبَّر عنها من خلال سلوك السوق. وقد لا تحصر السياسة، كيفما تعمل ومهما كانت آلية اتخاذ القرار وكيف يتم اختيار صانعي القرار، أنشطتها لتأسيس ومتابعة الإطار الدستوري بإرادتها. وقد يطلب السياسيون، بصفتهم الشخصية وكممثلين لدوائر المواطنين، تعديل بعض المخرجات التي تظهر نتيجة لتفاعلات السوق غير المسيطر عليها. قد يشارك العديد من المواطنين في تصنيف بعض السلع بأنها "تستحق التشجيع" (تسمى أحيانا "سلع الجدارة") وأخرى بأنها "لا تستحق التشجيع" (تسمى أحيانا "سلع الإسراف"). وسيحاول أي نظام سياسي تعديل نتائج تفاعل السوق باتجاه تشجيع المجموعة الأولى من السلع ومنع المجموعة الثانية. هناك وسائل أفضل من أخرى للتدخل في آلية عمل الأسواق إذا تم القبول بنتيجة تخفيض التمييز البيروقراطي وتحسين الكفاءة. وقد ُتعزَّز أهداف اقتصاد السوق الاجتماعي بواسطة التخطيط لآليات الضرائب والدعم المنتقاة بطريقة متوازنة تستجيب لسلوك العرض والطلب للمشاركين. المرجع أبالكين، ليونيد، "ما الذي يعيق الإصلاح؟" الجريدة الدولية الأدبية، العدد 6 (نيسان 1990) و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر و دون تعليق. المصدر: مصباح الحرية- 24-9-2006
حرية الصحافة المصرية في الميزان الأمريكي صنفت منظمة فريدوم هاوس Freedom house - إحدى المنظمات التي تَقِيسُ الحرياتَ حول العالم- مصر على أنها دولة "غير حرة" طبقا لخريطةِ عام 2005َ للحريةِ الصحفية في العالم. في هذا الإطار استضافت جمعية الصداقة الأمريكية المصرية في واشنطن- وهي منظمة غير حكومية هدفها توطيد العلاقات بين البلدين - مناقشة عنونها "التناقض الظاهري لقضية حرية الصحافة". شارك في المناقشة كل من عادل إسكندر – محاضر الإعلام بالجامعة الأمريكية في العاصمة واشنطن، والذي شارك في تأليف كتاب "تأثير قناة الجزيرة الفضائية في العالم العربي"، والسيد طارق عطية نائب تحرير جريدة الأهرام ويكلي الصادرة باللغة الإنجليزية في مصر، والسيد هوارد شنيدر Howard Schneider الرئيس السابق لمكتب صحيفة واشنطن بوست في القاهرة. الصحافة المصرية بين حرية زائفة واتجاهات متعددة استشهادا "بالانفجار العددي" في عدد صحف المعارضةِ في مصر في السنوات القليلة الماضية، بني عادل اسكندر حجته بأنّ الصحافةَ المصريةَ لا يَجِبُ أَنْ ننظر إليها على أنها كيان موحّد متسق. وقسّمَ اسكندر أنواع الصحف المصرية إلى ثلاثة فئات رئيسيةِ: صحف تشغلها وتملكها الحكومةَ، وتلك الصحف التي تشغلها وتملكها أحزابِ المعارضة، والصحف المستقلة لا تنتمي لا إلى الحكومة ولا إلى أي حزب سياسي آخر. وأكد إسكندر حقيقة أن وجود هذه المجموعاتِ الثلاث في بلاط صاحبة الجلالة المصري، لا يَعْني على أية حال، بأنّ مصر تَتمتع بصحافة حرة ومتفتحة. متطلبات إصلاح الصحافة المصرية لخّصَ اسكندر ستّة متطلباتِ ضروريةِ لإصلاحِ الصحافة في مصر وهي: - ضمان أن قوانينَ الصحافةَ تَحْمي حقوقَ الصحفيين بشكل كاف. - إعادة تَقييم ما يشكّلُ المبادئَ الصحفيةَ، مثل مفهومِ "الموضوعية"، بهدفِ تَوحيد هذه المبادئِ. - دعم الصحافة البديلة التي تُساعدُ مجموعةَ القرّاء المصريةَ لتَقدير الفرق بين النقدِ البنّاءِ للوطن والافتراء عليه. - تَقليل مشكلة الحس الإعلامي، ولفت نظر الإعلام لقضايا هامة في حياة الناس ولا تلتفت إليها أجهزةِ الإعلام. - الحث المستمر على الإصلاحاتِ الصحفيةِ مِن قِبل أعضاء مؤسسات الصحافةِ. - الضغط المستمر على السلطاتِ المصريةِ من قبل الجماعة الدوليةِ التي تتوقع مزيدا من المسئولية والشفافيةِ مِنْ الحكومةِ. أما طارق عطية فقد بدأ ملاحظاته بتَقسيم أجهزة الإعلام المصرية الحالية إلى ستّة فئات، مقابل التصنيف الثلاثي لإسكندر. والأنواع الستة هي: • الصحف التي تشغّلها الحكومةَ، مثل الأهرام والأخبار والجمهورية. • الصحف اليوميّة المستقلة، مثل المصري اليوم التي تعرض الآراء الموالية للحكومة والمعارضة في نفس الوقت بالنسبة لقضايا ما. • الصُحُف المستقلة الأسبوعية، مثل صوتِ الأمة والدستور، والتي تُتناول مواضيعِ تَعتبرُها الصُحُفِ الأخرى أمورا محظورة. • القنوات الفضائية، التي تُرغمُ محرّريَ الصحف لمُجَاراة الموضوعات السياسيِة اللاذعة التي يعرضونها في أغلب الأحيان. • وسائل الإعلام الإخبارية على الإنترنت مثل "البلاد" و"مصراوي"، الذين يعرضون أخبار متنوعة. • ومواقع البلوجز الشخصية weblogs، التي تَعْملُ كلجان رقابي على وسائل الإعلام بصفة متكررة على الرغم مِنْ انخفاض نسبة قرائها. البقاء للأصلح ويرى عطية أن التغيير في الصحافة المصرية سوف يسير بطريقة تصاعدية، حيث سوف تختفي تدريجيا الصحف التي تعاني من الخسارة المادية، وبالتالي تخرج من دائرة الصراع، ويحذر عطية من طول الوقت حتى تضمحل وتختفي تلك الصحف، على عكس ما يتوقعه الكثير من المراقبين. وبالرغم من الخطى البطيئة للتغيير، يرى عطية تحولا في القضايا التي يركز عليها الإعلام المصري بصفة عامة، حيث يجادل عطية بأن الإعلام المصري بدأ يراعي اهتمامات ورغبات القارئ المصري في الفترة الأخيرة. ويضيف عطية أن هذا الاتجاه سببه عمل الإعلام المصري على تقديم خدمات أكثر مثل النصائح الاقتصادية وبيان حالة العقارات، ويقترح عطية على الصحافة المصرية أن تستفيد أقصى استفادة من التركيز بشكل أكبر على التحقيقات الصحفية والمقالات الأدبية التي تغطي قضية ما بشكل شامل. الحكومة وقانون الصحافة استشهد اسكندر وعطية بمعارضةِ الصحفيين المصريينِ لقانون الصحافة الذي صدر في 10 يوليو 2006، وهو القانون الذي جرّم نشرَ المعلوماتِ بخصوص التعاملاتِ الماليةِ للمسئولين الحكوميين المصريينِ. واختلف الاثنان حول الضجة التي آثارها الصحفيين، والتي عبرت عن نفسها في تجميد النشر لمدة يوما كاملا، والتزم بالتجميد ما يقرب مِنْ 20 صحيفة، مما أدّى إلى تدخّلِ الرّئيسِ حسني مبارك، الذي أزالَ البندَ المسيء الذي يُحرّمُ ذِكْر معلومات عن المسئولين الحكوميين. وذكر كل من اسكندر وعطية مُلاحظة إيجابية أخرى فيما يتعلق بالتغطية الصحفيةِ لانتخابات مصر الرئاسيةِ الأخيرةِ. أشارَ عطية إلى الحقيقة بأنّ الصحافةِ المصريةِ قد طلب منها تَوفير تغطية إعلاميةِ مساويةِ لكُلّ المرشّحين الرئاسيين في مرحلة الحملة الانتخابية، ومع ذلك أعترف اسكندر بأنّ مبارك حصل في النهاية على التغطيةَ الإعلامية الأعظمَ. ولاحظ اسكندر أنه وعلى الرغم مِنْ هيمنة مبارك بدون تحد أو تعليق من قبلْ أجهزةِ الإعلام المصريةِ، فإنه أمضى هو وحزبه الوطني الديمقراطي الكثير من الوقت والجهد للخروج بحملة انتخابية برّاقة وجَذْابة لأول مرّة في التاريخ المصري. قانون الشفافية وحماية الصحفيين من ناحية أخرى تناول هاوارد شنيدر Schneider أجهزةِ الإعلام المصريةِ مِن زاوية أخرى، وجادلَ بأنَّ زيادة الحرية الممنوحة للصحفيين المصريينِ لن تبلغ الحد المطلوب بدون وجودِ قانون معلومات عامةِ يتم احترامه. ومن شأن مثل هذا القانون تمكين الصحفيين، أَو أيّ مواطن آخر من الحصول على المعلوماتِ المحظور الاقتراب منها حاليا. وتَتضمّنُ مثل هذه المعلوماتِ تفاصيلَ الحالة المالية للأفراد ذوي النفوذ، وسجلات ضريبةِ الشركاتِ المملوكة للدولةِ، والجدول الأساسي لميزانية الحكومةِ السنويةِ المصريةِ.وأصرَّ Schneider على أنّ هناك فجوة كبيرة تَفْصل بين الحالة التي يتمتع فيها الصحفي بحصانة عدم توقيفه والقبض عليه، ومن الحالة التي يتمكن فيها الصحفي من الوصولُ إلى المعلومات العامةِ التي توفرها الأجهزة الحكومية المسئولة الشفّافةِ. توصية نهائية في النهاية، وصل أعضاءِ لجنة المناقشة الثلاثة إلى نتيجة هامة، وهي أن حرية الصحافةِ في مصر كَانت ولا تزال تناقض نفسها. وفي الوقت الذي يشهد فيه المجتمع المصري بَعْض التَطَوّراتِ الإيجابيةًِ، خصوصاً فيما يتعلق بالتغطية الصحفيةِ للانتخابات التشريعية والرئاسية العام الماضي، إلا أن الإصلاح والتطوير البناء سَيَعتمدانِ على مجموعة كبيرة من العواملِ من أهمها استمرار الدور النشيطِ للصحفيين المصريينِ في المطالبة بالمزيد من الحرية من أجل إيصال المعلوماتِ عن القضايا الهامة إلى كل مواطن مصريِ. و كل ذلك بحسب المصدر المذكور. المصدر: تقرير واشنطن- العدد75
مواضيع ذات علاقة:
◄خبراء يطالبون مصر بتغييرات سياسية واقتصادية للوفاء بأهداف تنموية ◄نواب البرلمان المصري يؤيدون تخفيف شروط الترشيح للرئاسة ◄أزمة التغيير في مصر بين معارضتين متنازعتين ◄مسيرة الإصلاح بمصر.. "للخلف در" ◄نادي القضاة المصري يتجه إلى التهدئة ويرجئ التصعيد بانتظار تدخل مبارك ◄مشوار الإصلاح أصابه عطب ... في مصر ◄أزمة الديمقراطية في مصر... وليست مشكلة القضاة ◄مـصـر : هلْ المستقبل السياسي للطبقة الوسطى ؟ ◄فضيحة النظام المصري في مجلس حقوق الإنسان ◄الحكومة الأمريكية تحث الكونجرس ألا يقطع المعونة عن مصر 228 ◄نائبا مصريا تقدموا بمقترحات لإصلاح الدستور ◄هل للتعدية الحزبية الشكلية من قيمة ؟... مصر مثالا ◄الحوار النخبوي حول تعديل الدستور في مصر "◄جيل الطوارئ" بمصر... "قنبلة موقوتة" ◄مـصـر : الوعود الرئاسية .. من يمنعها ومن يطبقها؟ ◄نـهـايـة عـهد الإصـلاح بـمـصـربالتـزامـن مـع الإنسـداد السياسي في العراق ◄اصلاح مصر: البحث عن استرتيجية ◄مـن جـذور العنف الطائفي في مصر ◄تفاعلات المشهد السياسي الراهن في مصر ◄نقص في السياسة وليس فقط في الإصلاح: مصير الإصلاح السياسي في مصر
|