مـع الرسول الأكرم ( صلى الله عليه وأله وسلم ) في : إستقبال شهر رمضان المبارك
خطبة الرسول الأكرم ( صلى الله عليه وأله وسلم ) في إستقبال شهر رمضان الفضيل : أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ قَدْ أَقْبَلَ إِلَيْكُمْ شَهْرُ اللَّهِ بِالْبَرَكَةِ وَ الرَّحْمَةِ وَ الْمَغْفِرَةِ شَهْرٌ هُوَ عِنْدَ اللَّهِ أَفْضَلُ الشُّهُورِ وَ أَيَّامُهُ أَفْضَلُ الْأَيَّامِ وَ لَيَالِيهِ أَفْضَلُ اللَّيَالِي وَ سَاعَاتُهُ أَفْضَلُ السَّاعَاتِ هُوَ شَهْرٌ دُعِيتُمْ فِيهِ إِلَى ضِيَافَةِ اللَّهِ وَ جُعِلْتُمْ فِيهِ مِنْ أَهْلِ كَرَامَةِ اللَّهِ أَنْفَاسُكُمْ فِيهِ تَسْبِيحٌ وَ نَوْمُكُمْ فِيهِ عِبَادَةٌ وَ عَمَلُكُمْ فِيهِ مَقْبُولٌ وَ دُعَاؤُكُمْ فِيهِ مُسْتَجَابٌ فَاسْأَلُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ بِنِيَّاتٍ صَادِقَةٍ وَ قُلُوبٍ طَاهِرَةٍ أَنْ يُوَفِّقَكُمْ لِصِيَامِهِ وَ تِلَاوَةِ كِتَابِهِ فَإِنَّ الشَّقِيَّ مَنْ حُرِمَ غُفْرَانَ اللَّهِ فِي هَذَا الشَّهْرِ الْعَظِيمِ وَ اذْكُرُوا بِجُوعِكُمْ وَ عَطَشِكُمْ فِيهِ جُوعَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَ عَطَشَهُ وَ تَصَدَّقُوا عَلَى فُقَرَائِكُمْ وَ مَسَاكِينِكُمْ وَ وَقِّرُوا كِبَارَكُمْ وَ ارْحَمُوا صِغَارَكُمْ وَ صِلُوا أَرْحَامَكُمْ وَ احْفَظُوا أَلْسِنَتَكُمْ وَ غُضُّوا عَمَّا لَا يَحِلُّ النَّظَرُ إِلَيْهِ أَبْصَارَكُمْ وَ عَمَّا لَا يَحِلُّ الِاسْتِمَاعُ إِلَيْهِ أَسْمَاعَكُمْ وَ تَحَنَّنُوا عَلَى أَيْتَامِ النَّاسِ يُتَحَنَّنْ عَلَى أَيْتَامِكُمْ وَ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَ ارْفَعُوا إِلَيْهِ أَيْدِيَكُمْ بِالدُّعَاءِ فِي أَوْقَاتِ صَلَاتِكُم فَإِنَّهَا أَفْضَلُ السَّاعَاتِ يَنْظُرُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ فِيهَا بِالرَّحْمَةِ إِلَى عِبَادِهِ يُجِيبُهُمْ إِذَا نَاجَوْهُ وَ يُلَبِّيهِمْ إِذَا نَادَوْهُ وَ يُعْطِيهِمْ إِذَا سَأَلُوهُ وَ يَسْتَجِيبُ لَهُمْ إِذَا دَعَوْهُ . أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ أَنْفُسَكُمْ مَرْهُونَةٌ بِأَعْمَالِكُمْ فَفُكُّوهَا بِاسْتِغْفَارِكُمْ وَ ظُهُورَكُمْ ثَقِيلَةٌ مِنْ أَوْزَارِكُمْ فَخَفِّفُوا عَنْهَا بِطُولِ سُجُودِكُمْ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ أَقْسَمَ بِعِزَّتِهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَ الْمُصَلِّينَ وَ السَّاجِدِينَ وَ أَنْ لَا يُرَوِّعَهُمْ بِالنَّارِ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ . أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ فَطَّرَ مِنْكُمْ صَائِماً مُؤْمِناً فِي هَذَا الشَّهْرِ كَانَ لَهُ بِذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ عِتْقُ نَسَمَةٍ وَ مَغْفِرَةٌ لِمَا مَضَى مِنْ ذُنُوبِهِ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَلَيْسَ كُلُّنَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ ص اتَّقُوا النَّارَ وَ لَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ اتَّقُوا النَّارَ وَ لَوْ بِشَرْبَةٍ مِنْ مَاءٍ . أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ حَسَّنَ مِنْكُمْ فِي هَذَا الشَّهْرِ خُلُقَهُ كَانَ لَهُ جَوَازاً عَلَى الصِّرَاطِ يَوْمَ تَزِلُّ فِيهِ الْأَقْدَامُ وَ مَنْ خَفَّفَ فِي هَذَا الشَّهْرِ عَمَّا مَلَكَتْ يَمِينُهُ خَفَّفَ اللَّهُ عَلَيْهِ حِسَابَهُ وَ مَنْ كَفَّ فِيهِ شَرَّهُ كَفَّ اللَّهُ عَنْهُ غَضَبَهُ يَوْمَ يَلْقَاهُ وَ مَنْ أَكْرَمَ فِيهِ يَتِيماً أَكْرَمَهُ اللَّهُ يَوْمَ يَلْقَاهُ وَ مَنْ وَصَلَ فِيهِ رَحِمَهُ وَصَلَهُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ يَوْمَ يَلْقَاهُ وَ مَنْ قَطَعَ فِيهِ رَحِمَهُ قَطَعَ اللَّهُ عَنْهُ رَحْمَتَهُ يَوْمَ يَلْقَاهُ وَ مَنْ تَطَوَّعَ فِيهِ بِصَلَاةٍ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بَرَاءَةً مِنَ النَّارِ وَ مَنْ أَدَّى فِيهِ فَرْضاً كَانَ لَهُ ثَوَابُ مَنْ أَدَّى سَبْعِينَ فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ مِنَ الشُّهُورِ وَ مَنْ أَكْثَرَ فِيهِ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَيَّ ثَقَّلَ اللَّهُ مِيزَانَهُ يَوْمَ تَخِفُّ الْمَوَازِينُ وَ مَنْ تَلَا فِيهِ آيَةً مِنَ الْقُرْآنِ كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ خَتَمَ الْقُرْآنَ فِي غَيْرِهِ مِنَ الشُّهُورِ . أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ أَبْوَابَ الْجِنَانِ فِي هَذَا الشَّهْرِ مُفَتَّحَةٌ فَاسْأَلُوا رَبَّكُمْ أَنْ لَا يُغَلِّقَهَا عَنْكُمْ وَ أَبْوَابَ النِّيرَانِ مُغَلَّقَةٌ فَاسْأَلُوا رَبَّكُمْ أَنْ لَا يُفَتِّحَهَا عَلَيْكُمْ وَ الشَّيَاطِينَ مَغْلُولَةٌ فَاسْأَلُوا رَبَّكُمْ أَنْ لَا يُسَلِّطَهَا عَلَيْكُمْ . قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام فَقُمْتُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ فِي هَذَا الشَّهْرِ فَقَالَ يَا أَبَا الْحَسَنِ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ فِي هَذَا الشَّهْرِ الْوَرَعُ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ .
محمد سعيد المخزومي
الحلقة السادسة التحضر والعنف ثقافتان متناقضتان في الحياة، واحدة تلتزم البناء والأخرى تتهالك في الهدم والدمار، والإسلام دين التحضر، والمبدأ الذي يهتم بالإنسان والإنسانية، وقد تبين من بحوثنا في الحلقات السابقة أن العنف أمر طرأ على الغالب الأعظم من المسلمين بفعل الإرادة الأموية التي سنت فيهم مناهج العنف وزجت بالأمة لأن تمارس أبشع أنواع العنف وسنّوا فيهم سنة التطرف، ووضعوا فيهم مناهج الإرهاب ضد أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم على طول التاريخ حتى يومنا هذا . وقد سموا ذلك كله بالسنة النبوية زورا وبهتانا، وقد بينا فيما قد سبق أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حذر من السنة الأموية التي ستعشعش تحت ستار السنة النبوية الشريفة. فخطب أمير المؤمنين عليه السلام على ملأ من الأمة قائلا: ( إني سمعت رسول الله "صلى الله عليه وآله وسلم" يقول كيف أنتم إذا لبستكم فتنةٌ يربو فيها الصغير ويهرم فيها الكبير يجري الناس عليها ويتخذونها سنةً فإذا غير منها شيءٌ قيل قد غيرت السنة) .(1) وبالفعل فقد جاء معاوية والأمويون من بعده وأرسوا قواعد سنة العنف الأموي والثقافة التطرف الدموي التي جاءت تحت غطاء الفكر الإسلامي تارة، وبإدارة علماء لبسوا مسوح الدين تحت عنوان قضاة البلاط ووعاظ السلاطين وهيئات علماء المسلمين وأجهزة الإفتاء الشرعي وجماعات الأوقاف الديني ونظائرها قديما وحديثا كثير. ولكي تعود هذه الأمة أمة وسطا متحضرة تهواها الأمم لتتعلم منها لأمم كما أرادها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وليس تتهالك عليها الأمم لتتوزعها لقمة سائغة فيما بينها، وجب عليها أن تتخلص من مخالب الثقافة الأموية المتلبسة بالفكر المسمى بالفكر الإسلامي الذي بين أيديهم، الأمر الذي يتطلب منهم قصقصة منابع الفكر الأموي الذي يعمل على تغذيتهم بالعنف والتطرف والطائفية . وهذا يلزمها العودة إلى حقيقة المشروع الحضاري الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وسيكتشفون منه أنه عين السنة النبوية التي جاء لتأصيلها أهل بيته عليهم السلام وعملوا على تجذيرها في الواقع العملي في الحياة وتعلمها منهم المسلمون من شيعتهم ومواليهم ومن هنا كرههم الأمويون وزجوا الأمة العريضة في نصب العداوة لأهل البيت وشيعتهم على طول التاريخ . فكانت حقيقة المشروع الحضاري ذاك هو موضوع السر السابع من أسرار منهاج التحضر والانبعاثة الحضارية المرجوة من هذه الأمة، فقلنا في: السرُّ التاسع أن قطع مصادر التغذية الأموية يكمن في العودة إلى حقيقة مشروع الرسول في الحياة فإذا فهم المسلمون حقيقة المنهج الأموي المتجلية في ثقافة العنف والتفنن في قتل أهل البيت عليهم السلام وملاحقة شيعتهم ومن يحبهم ويواليهم، وقتالهم بكل وسيلة بشعة، وإذا أدركوا أن ما يُصبُّ الآن على رؤوس شيعة أهل البيت عليهم السلام ليس إلا من نتائج مشروع خططت له الأيادي الأموية وربّت الأجيال عليه، ورسمت له مناهج عنيفة بقصد وضع الأمة في مواجهة مع أهل بيت نبيهم الذين أمر الله ورسوله بطاعتهم واحترامهم وإجلالهم والأخذ منهم وأمر بمودتهم وجعلها فريضة واجبة وجوبا عينيا على كل مسلم ومسلمة. فإذا ما أدركوا أن ذلك العنف كله من نتائج النجاح الباهر للمشروع الأموي في الانتقام من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي أزاحهم من العروش التي كانوا متربعين بها على رقاب الأمة، ومقدرات الإنسانية، والهيمنة على قدسية الديار قبل بزوغ فجر الإسلام. وإذا وفق الله من أدرك هذه الحقائق التاريخية واكتشف المناهج الأموية المظلمة التي اُلقيت عليها مسوح القداسة والدين ونسبتها إلى السنة النبوية، فسيدركون عندئذ أن العنف الذي نجده الآن في العراق وغيره ما هو إلا من معطيات تلك المناهج الأموية التي تعشعشت في فكر المسلمين منذ القرون الغابرة، وتهالك وعاظ السلاطين في تربية الناس عليها، وحرص به طلاب السلطة في تطييف الدين بالعمل على ربط التدين بالعصبية الطائفية ضد أهل البيت، وذلك لصالح تسلطهم على العباد وتدميرهم الثروات والبلاد. وإذا أدرك المسلمون ذلك فسيدركون أن عليهم السعي الحثيث والعمل الدؤوب على قطع مصادر التغذية الأموية ورموز الفكر الدموي العنيف الجاهدة على تحريفهم عن سنة نبيهم، وبها سيصلون إلى أن حقيقة الحياة تكمن في العودة إلى مناهج الرسول ومطالبه في بعث الحياة في الأمة والبشرية معها جمعاء، تلك المناهج التي كان عنوانها: (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم) .(1) ذلك لأن الإسلام الذي جاء به رسول الله هو دين الإنسانية الذي أصّلته السنّة النبوية المطهرة وجسدته عمليا في محبة الإنسان واحترام البشر، بل والرأفة حتى بالحيوان بما لم تصل إليه أرقى المدنيات الديمقراطية قديما وحديثا. وهنا وجب أن نتسائل: ما هي إذن معالم مطالب المشروع الذي عمل عليه رسول صلى الله عليه وآله وسلم ؟ . والجواب على ذلك ما سنسلط عليه الضوء في بحثنا عن السر العاشر من أسرار النهوض الحضاري المنشود فنقول في بحث : السرُّ العاشر أن حقيقة مطالب الرسول تكمن في المنطلقات الحضارية التالية أن حقيقة مطالب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كثيرة لكني اوجزتها في المنطلقات الحضارية التي تمثل المعالم التالية:
المعْلم الأول: الإسلام رسالة علم وتربية وليس جهلا وجاهلية وهذه حقيقة قرآنية نص عليها كتاب الله وطبقها الرسول الأكرم وأصّل مناهجها أئمة أهل البيت وعملت على خلافها ثقافة السنة الأموية والسيرة السفيانية على طول التاريخ الإسلامي إلى هذا اليوم، وما واقع العراق علينا ببعيد. وقد قال تعالى عن حضارية هذا الدين وإنسانيته (هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ) . (3) فأول كلمة في أول سورة نطق بها الوحي مبلغا بها رسول الله ليعلمها البشرية هي كلمة (إقرأ) بعد البسملة، وأن سورة الرحمن ناطقة بذكر الرحمن الذي علم القران وخلق الإنسان وعلم البشرية البيان ليخرج من الجاهلية إلى الحضارية . فبدأت السورة بذكر الرحمان ليعلّم الإنسانية الرحمة ويُعلمها انه (الرحمن) (4) الذي لم يترك القرآن مجهولا يفسره كلٌ حسب رأيه بل (علّم ) (5) نبيه الأكرم حقائق (القرآن) (6)، وهو الذي( خلق الإنسان) (7) فلم يهمله ليعيش وحشا كاسرا في الحياة يتخبط كيف فيها يشاء بل (علمه البيان) (8) وفهّمه منطق الحضارة والحياة، ونظّمها له فكان من حكمته أنْ كانت (الشمس والقمر بحسبان)(9) محسوب يجريان، فكل العالم له عابد مطيع (والنجم والشجر يسجدان ) (10) فخلق كل شيء بنظام وهو بحكته قائم ( والسماء رفعها ) (11) بدون عمد بقدرته، وبنى الوجود بدقته ( ووضع الميزان ) (12) فيها كيلا يطغي شيء على شيء، ولما خلق البشر لم يتركهم ليكونوا وحوش غاب يقتل بعضهم بعضا، ويأكل فيهم القويُ الشرسُ الآمن المسالمَ، فكانت عدالته حاكمة في كل شيء، وكل شيء بميزان فأمرهم (ألا تطغوا في الميزان )(13) الذي بيّنه الله ووضعه لهم، وإذا كان الله قد أمر الوجود بطاعة والعمل بميزان بحكمته، وقبل الوجودُ ذلك كله من ربه لكونه مخلوقا على غير اختيار، فمن باب الأولى لم يكن ليترك البشر يجور بعضهم على بعض، بل أمرهم أنْ اعدلوا في الحياة (وأقيموا الوزن بالقسط ) (14) ونهاهم عن الحيف بأن تحذروا الجور (ولا تخسروا الميزان ) (15)لأن الحياة قد خلقها الخالق بميزان (والأرض وضعها للأنام) (16) لا ليدمرونها تدميرا ويخربوها على راس الإنسان، بل عمّرها العلي القدير ونوّع فيها كل شيء فكان فيها الخير الذي يحتاج إليه الإنسان وجعل ( فيها فاكهة ) (17) كثيرة متنوعة (والنخل ذات الأكمام ) (18) (والحب ذو العصف والريحان) (19) كل ذلك كي يفهم الإنسان انه لم يكن مخلوقا سدى، ولا لكي يسن لنفسه سننا وقوانين كما يشتهي، بل الذي خلق ورزق هو الذي وضع الموازين الحق، وأمره بطاعته، ومع هذا كله فان الإنسان كفار غشوم تغافل عن أن الله قد نهاه عن الكفر والتمرد، فلا يطغى ولا يشمخ بأنفه ويستكبر، وبعد كل هذا البيان (فبأي آلاء ربكما تكذبان ) (20) يا بني الإنسان ؟! إن هذه السورة الكريمة تبين أول معالم التحضر التي أمر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الناس بها، ليكون من والواجب على كل من ينتسب إلى سنته العمل بمناهجه في الحضارة والتحضر وليس الهمجية والجاهلية الرعناء.
المعْلم الثاني : حياة الناس غاية القرآن وليست القتل والإفساد وهذه حقيقة غابت عن الكثيرين ممن يدّعون وصلا بالدين، وأنهم أئمة وعلماءاً للمسلمين، فاتبعهم على تدمير البشرية كثير من الغاوين وجموع المفسدين المتعطشين للدم والقتل والهيمنة على الحكم، والسيطرة على رقاب الناس، والإستثراء على طول التاريخ الإنساني التعيس، وقد صرح القرآن الكريم علنا عن حقائقه التي أرادها الله تعالى لإخراج البشرية المعذبة من ظلمات الجهل والقتل والدماء على رحاب الإنسانية والأمن والأمان والحرية وكرامة الإنسان كما في قوله تعالى: (كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد ) (21) وهذا ما على خلافه والضد منه ثقافة المتوشحين بثقافة الإسلام الزائف التي تستخدم العنف باسم الدين وتحت شعار الخلافة الإسلامية وما شابه، ذلك لان الخلافة الإسلامية هي خلافة الله في الأرض ولها شروطها وأهلها ومستلزماتها ومن أول شروطها أن تكون منصوبة من قِبل مالك الأمر وهو الله تعالى، وإلا فمن غير المقبول عقلا ولا شرعا أن ينصب الناس لله خليفة من عند أنفسهم، لما في ذلك من فساد للحياة. ولو صح ذلك في خلافة الله لكان من الأصح أن ينصب كل إنسان للآخر خليفة له في شؤونه ويتصرف بها وبممتلكاته في حال غيابه وسفره أو رحيله أو موته أو غيره.
المعْلم الثالث: عمارة الإنسان والإنسانية وبهذا المعلم لن تجد منهجا في الحياة أسمى من منهج الإسلام الذي جعل إحياء إنسان واحد يعادل إحياء البشرية جميعا، وقتل إنسان واحد يعادل قتل البشرية جمعاء، وهذه أسمى قيمة تخلف عنها دعاة الدم وأنصار القتل وشورى الذبح وأعوان الجبارين وأدعياء الديمقراطية المتهادنين مع جزاري الإنسانية، من أجل مآرب سياسية دنيئة وسلطوية رخيصة. فكان الإسلام داعيا إلى عمارة الإنسان، متسارعا إلى حياة الإنسانية وليس إلى خرابها ودمارها حتى صار (من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا) وقد بين الإسلام أنها دعوة للعالم يجب الالتزام بها فقال( ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات) ومع ذلك لم يترك القرآن التنويه عن الذين يعيثون في الأرض فسادا ويهلكوا الحرث والنسل فسماهم المسرفين بقوله ( ثم إن كثيرا منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون ) (22)
المعْلم الرابع: الاخوة الإسلامية وقد رفع الله قيمة الإنسان المؤمن بالله وكتبه ورسالاته وعدّه أخا للمؤمن الآخر فقال (إنما المؤمنون اخوة ) (23) وقال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام : (رب أخ لم تلده أمك) (24) وعلى هذا فقد نهى الله تعالى عن ذبحه وقتله إلا أن يتجبر أحدهم فيعيث في ارض الفساد بعد أن يُنصب نفسه إماما للفاسقين بمرسوم أميري غاشم، ليفسد فيها ويهلك من يشاء فيعمل على خلاف مبدأ الاخوّة الإسلامية فيعتبره الإسلام مفسدا في الأرض وللمفسدين حكمهم الخاص بهم.
المعْلم الخامس: الاخوة الإنسانية في الوقت الذي رفع الله قيمة الإنسان المؤمن عاليا فقد أصر على رفع قيمة الإنسان الآخر وإن لم يكن مؤمنا فقال ( إلا أنبئكم لم سمي المؤمن مؤمنا لإيمانه الناس على أنفسهم وأموالهم إلا أنبئكم بالمسلم، المسلم من سلم الناس من يده ولسانه ) (25) كما في نص الإمام الصادق عليه السلام. وبناءا على هذا فإن ثقافة السنة الأموية لا تكترث بمؤمن ولا تعتني بغيره، وكل الإنسان عندهم والحذاء سواء. خلافا تعاليم السماء التي أكدت على القيمة الكبرى للإنسان، فهذا أمير المؤمنين عليه السلام يقول في تعليمه البشرية، ومخاطبا المسلمين ومؤكدا معالم السنة النبوية حينما كلّف أحد قادة جيشه إدارة شؤون الناس آمرا إياه في وجوب الاهتمام بالقيمة الحضارية للإنسان فأعلن له دستوره التاريخي بقوله عن الناس ( فانهم صنفان إما أخ لك في الدين وإما نضير لك في الخلق) (26) ثم يأتي تأصيل هذا المنهج علميا وعمليا على لسان أئمة الحضارة والتحضر ومنهم الإمام الصادق عليه السلام فيعتبر: (صحبة عشرين سنة قرابة )(27) كما أكد أهل البيت عليهم السلام على إنسانية السنة النبوية التي اهتمت بالإنسان الذي أوجب أن يكون اجتماعيا بينما العف من ابرز معالم التقاطع والتدابر وقتل الترابط الاجتماعي، وبالتالي فالتمزق الاجتماعي من ابرز معطيات العنف الذي حاربه الإسلام. والإمام الصادق يؤكد على هذه السنة الإنسانية المطهرة فيقول عن أبيه الإمام الباقر عليهما السلام قال: (قرأت في كتاب علي (عليه السلام) : أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) كتب بين المهاجرين والأنصار ومن لحق بهم من أهل يثرب أن الجار كالنفس غير مضار ولا آثمٍ و حرمة الجار على الجار كحرمة أمه) (28) بينما تجد المسلمين الذين تثقفوا بثقافة العنف الطائفي يقتل الجار جاره والقريب قريبه والصديق صديقه لمجرد التطرف على أساس الهوية الدينية والولاء العقائدي والمحبة لأهل البيت عليهم السلام. وفي ذلك خروج على السنة النبوية التي عرفنا من معالمها إنسانية الإسلام .
المعْلم السادس: الخير فيما يصلح الإنسان فقط لقد حصر الإسلام الخير كله في كل ما يخدم الإنسان ويحترم الإنسانية، فجعل الشر مجتمعا في كل ما يضر بالإنسان ويفسد عليه حياته ويخرب استقراره، حتى بلغ الأمر بالإسلام إلى درجة المنع من النجوى بين اثنين أو جماعتين لتدبير أمر ضد إنسان أو جماعة أخرى، إلا أن تكون تلك النجوى للإصلاح وليس الإضرار بالإنسان والإفساد للمجتمع . كما حرّم تبرير الفساد بمبررات يلقي بها الإنسان مسوح الشرعية والصلاح على فساده، ذلك لأن الله لا يطاع من حيث يعصى، وبذلك فإن الإسلام قد سلب الخير من النجوى إلا في الإصلاح والخير للإنسانية، فقال تعالى ( لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما ) (29) فتكون النجوى عندئذ في تدبير ما يفسد على الإنسان حياته ويقتله أو يربك استقراره ومعاشه من ابرز مصاديق ابتغاء غير مرضاة الله تعالى التي تظهر وزرا عظيما بدل (أجرا عظيما). ومن ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في وصاياه لأمير المؤمنين: (يا علي ! لا خير في قول إلا مع الفعل، ولا المنظر إلا مع المخبر، ولا في المال إلا مع الجود، ولا في الصدق إلا مع الوفاء ولا في الفقه إلا مع الورع، ولا في الصدقة إلا مع النية، ولا في الحياة إلا مع الصحة، ولا في الوطن إلا مع الأمن والسرور ) (30) فجمع انتفاء وجود الخير قولا وفعلا ، علما وعملا، فكرا وسلوكا إلا بما يصلح الإنسان ويسعد البشرية. وقد قال أمير المؤمنين عليه السلام على منبر الكوفة لجموع الأمة: (أيها الناس ثلاث لا دين لهم ، لا دين لمن دان بجحود آية من كتاب الله ، ولا دين لمن دان بفرية باطل على الله ، ولا دين لمن دان بطاعة من عصى الله تبارك وتعالى، ثم قال : أيها الناس لا خير في دين لا تفقه فيه، ولا خير في دنيا لا تدبر فيها، ولا خير في نسك لا ورع فيه) (31) . وبهذا فقد نفى الدين والتدين لمن تشربت نفسه بمعصية الله الذي أراد للإنسان العيش في أرضه وفق مناهج الخير والأمان لا مناهج القتل والتدمير والإهلاك والإرهاب والإرعاب، ليكون الأشر من ذلك إذا اقترف تلك الجرائم وتذرع أنه الخليفة لله ولا يريد إلا إقامة الخلافة الإسلامية المزعومة على جماجم البشر، ذلك أنه منهاج قطعي البربرية، حتمي الهمجية، لا يمت إلى الحضارية بصلة، بل إلى الوحشية الضارية.
المعْلم السابع: تحريم منع الإنسان دوره في الحياة وبهذا المَعْلَم يكون الإسلام قد أسقط شرعية التعامل مع الإنسان بكل ما يشينه وعلى رأس ذلك الظلم السياسي والتجاوز على خصوصياته والتعدي على حيثياته وسلبه فرص العمل ومنعه من أداء أدواره الحيوية في بناء الحياة ومنها منعه وإعاقته والحيلولة دون كافة أنشطته السياسية والثقافية والفكرية والاقتصادية وغيرها، وهذا المعلم لمما يعمل على خلافه كل المتورطين في الشأن السياسي على هذه الأرض إلا من رحم الله. وهذا النوع من الظلم هو الذي سماه القرآن بخس الناس أشيائهم فقال تعالى: ( فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين ) (32) فاعتبر الإسلام هذا النوع من الظلم في مناهجه نوعا فاحشا من الإفساد في الأرض فقال :(ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها) (33) لأن الله تعالى قد أصلحها للإنسان وأرسى فيها مناهج اللازمة لصلاحها وإصلاحها. إضافة إلى أنه قد عدّ البخس في حقوق الناس، المادية منها والمعنوية نوعا صارخا من الظلم الذي يؤسس للفساد في الحياة الدنيا والخسارة في الآخرة، فسمى كل الظالعين بهذا الفعل الشنيع مهما كان اسمه ورسمه وعلمه من المفسدين في الأرض والمخسرين، فقال: ( أوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين. وزنوا بالقسطاس المستقيم . ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين ) (34) من هنا يجب القول انه إذا كانت مناهج الإسلام قد عدّتْ ذلك التلاعب في الموازين نوعا من فاحشا من الظلم المعروف بالتطفيف في ميزان التعامل المادي لما يترتب عليه من الإضرار بالإنسان وانتهاك حقوقه والتجاوز على حدوده فكيف إذن بالأمر إذا كان التطفيف في ميزان التعامل المعنوي المؤدي إلى سلب الإنسان حريته، وتزييف قوله والتطفيف في فعله والطعن في إيمانه والتلاعب بحقوقه في الحياة، ومنعه من أداء دوره فيها والحيلولة من أدائه واجباته التي كلفه الله بها، وسخّر له من أجلها عقله وقدراته التي يجب أن يوظفها في بناء الحياة وخدمة الإنسان ؟ لابد أن يكون ملاك القضية اكبر من حصر التطفيف المنهي عنه بالماديات فحسب، بل يصبح من باب الأولى التحذير من مغبة التطفيف بالأمور المعنوية للإنسان، وخصوصا من مغبة هذه الثقافة وممارسة التلاعب السياسي في مقدرات الإنسانية فقال سبحانه ( ويل للمطففين . الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون . وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون . ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون . ليوم عظيم . يوم يقوم الناس لرب العالمين . كلا إن كتاب الفجار لفي سجين . وما أدراك ما سجين . كتاب مرقوم . ويل يومئذ للمكذبين . الذين يكذبون بيوم الدين . وما يكذب به إلا كل معتد أثيم .) (35)
المعلم الثامن: التحذير من مغبة البغي على الآخرين وعلى الرغم من بيان الإسلام لمناهجه الحضارية التي أوجب على المسلمين اتباعها والعمل بها والتربية عليها، فانه قد بيّن لهم عاقبة مخالفة المباني الحضارية التي أمر بها لما ستؤدي بفاعلها إلى البغي على الآخرين، لتكون عاقبة الفاعلين في نهاية المطاف أن يذوقوا في الحياة الدنيا مرارة بغيهم فضلا عن الدنيا، كما قال تعالى عن هذه الحتمية بكتابه: (يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم متاع الحياة الدنيا ثم إلينا مرجعكم فننبئكم بما كنتم تعملون ) (36) وقد أكد الإمام الباقر عليه السلام على أن: ( من سل سيف البغي قُتل فيه، ومن حفر بئرا لأخيه وقع فيها، ومن هتك حجاب غيره انكشفت عورات بيته..) (37) وورد عن الإمام الصادق عن رسول الله عليهما الصلاة والسلام : (إن اعجل الشر عقوبة البغي) (38) ومن هذا الثقافة والمعين المعرفي يتبين أن الإسلام يريد أن يضع معْلما مهما بين يدي الناس جميعا بما فيهم المسلم ليكون واعيا للحياة، متحضرا فيها، حذِرا من مغبة التمادي في البغي على الناس، وهذا المعلم من المعالم التي تخلف عنها المسلمون ووضعها السياسيون وراء ظهورهم فوضعتهم الحياة وراء تحت أقدامها.
المعْلَم التاسع: وجوب إسقاط ثقافة العصبية والتعصب وذلك لما اسقط الإسلام كافة مصاديق التعصب الأعمى على حساب الحق وعدّها من حمية الجاهلية المحرمة وابتدأ ذلك بالإعلان التاريخي الكبير يوم (دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم البيت (الحرام) عام الفتح ومعه الفضل بن العباس وأسامة بن زيد ثم خرج فأخذ بحلقة الباب ثم قال: الحمد لله الذي صدق عبده، وأنجز وعده، وغلب الأحزاب وحده، إن الله أذهب نخوة العرب وتكبرها بآبائها، وكلكم من آدم وآدم من تراب و" أكرمكم عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ " ) (39) فكان من العصبيات التي أسقطها العصبية للعنصر واللون والقوم، والعصبية للحزب والرهط والجماعة وكلما يعمل على التفريق بين أبناء المتجمع الإنساني الواحد، فكان صريح مناهج الإسلام واضحا في محاربة هذا النوع من الصراع بين بني الإنسان، وقد أكد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أن ( من كان في قلبه حبة من خردل من عصبية بعثه الله في أعراب الجاهلية)(40) وبعد هذا فأي إسلام أو تحضر لمن كان ملءُ قلبه ثقافة تعصب وليس حبة من خردل ؟ خصوصا ما نشاهده اليوم من التعصب للقومية الذبح على أساسها والعصبية للطائفة وسفك الدماء من اجلها وأمثالها في عالمنا كثير.
المعْلم العاشر: المنطق الحضاري يأمر بعمارة الأرض إن من ابرز ما يميز المتحضرين عن الهمج الرعاع والجاهلية الرعناء هو اهتمام المتحضرين بعمارة الأرض وبناء الحياة بينما اهتمام الجاهلية منصب على تدمير الأرض وخراب العمارة وإبادة المعالم الأثرية وعلى رأسها معالم الدين والتراث والآثار. ولما كان الإسلام قد اعتبر الإنسان وأعلن تكريمه بلائحة (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا) (41) فكان من المفروغ منه الاهتمام بعمارة الأرض التي مهدها الله له ليعيش فيها ويهنأ بها لأنه ( هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها) (42). فيكون قد اعتنى بموجب هذا المعلم غاية العناية بالأرض وأمر الإنسان بعمارتها ونهى عن تدميرها لأن الذي خلقها وضع فيها وسائل العمارة ومناهج البناء وأمر الإنسان بالعمل على ذلك لا بهدمها، فكان المبدأ الحضاري الذي أمر به الإسلام هو الاهتمام بالبناء لا بالخراب وبالعمار لا بالدمار، لأن الأخير من شيم الجاهلية والبوار.
المعْلم الحادي عشر: التنوع الإنساني من اجل عمارة الأرض عادة ما يفهم البشر بما فيهم السياسيون والدينيون أن التنوع الإنساني مبعث لتخريب الأرض وتدمير الإنسان ودليل ذلك هو الصراعات التي تقوم على أساس العرق والدين والمذهب، وهذا على العكس مما عليه الأمر في دين الله الذي كرّم بني آدم وأرسى مناهجه على أساس احترامه وتقديره وبنى قواعد التشريع على الاعتزاز به وتحريم إهانته أو الانتقاص من شأنه والتلاعب في حيثياته والعبث في مقدراته تحت أي طائل أو مُسمى. حيث اعتبر الإسلام أن كل دعوى تبرر هدر كرامة الإنسان وانتهاك مقدساته، وتسوّغ التلاعب في مقدراته هي مدعيات - دعاوى- جاهلية فارغة، مثل التفاضل بين بني البشر على أساس العرق والانتساب إلى القوم واللغة وكل ما يدفع الإنسان لأن يعتبر نفسه الأفضل من غيره مستفيدا من الاعتبارات الطبيعية التي جعلها الله تعالى في خلقه، كأن يعتبر الإنسان نفسه الأفضل لكونه عربيا أو كرديا أو هنديا أو فارسيا أو إنكليزيا أو غيره، الأمر الذي ينشئ ثقافة التمايز القومي والتفاضل العرقي الذي يتحول حتما وبالتدريج إلى صراع وقتال، وما بينهما انتهاك كامل للإنسان وتدمير للإنسانية وتمزيق للبشرية. غير أن المبنى الحضاري الذي دعا إليه الإسلام هو أن الذي خلق التنوع الإنساني إنما خلقه لضرورات حضارية وغايات تكاملية استهدف منها بناء الحياة وعمارة الأرض وتلاقح الأفكار واجتماع الطاقات وتآلف العقول وتحالف القدرات وتجمع الثروات في بناء الحياة على أساس التكامل وذلك حينما أعلن القرآن الكريم (يا أيها الناس أنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا). (43) وهذا على العكس من مناهج الفكر الجاهلي وإن اعتبرت نفسها إسلامية زورا وديمقراطية كذبا وشتراكية خداعا للناس وتجبرا، لأنها تؤمن بل وتعمل على كل أساس من شأنه تبديد الثروات وتمزيق الشعوب وتناحر القبائل، فتجتهد في تفريق اجتماع الإنسان، وتضع للناس موازين للتفاضل على أسس ترسمها لذاتها، وتؤطرها بإطار من الخير المزعوم ليبرر لها تعصبها الحزبي والقومي والطائفي وغيره. بعبارة أخرى: تجدها تعمل في التفضيل بين أبناء النوع الإنساني على أساس الأنانية، فتمزق ولا توحد، وتفرق ولا تجمع. فتعمل على النقيض مما حكمت به قوانين الفطرة التي خلق الله البشر عليها، وتقيم ثقافتها على منطق إنما خلق الله الناس شعوبا وقبائل ليتناحروا وليتحول المجتمع الإنساني إلى غابة والناس فيها إلى وحوش، وكل يحوز النار إلى قرصه؟ وهذه بالطبع ثقافة المسلمين عموما إلا من رحم الله، الأمر الذي يعني أن عموم المسلمين لا يعملون بالمنطق الحضاري الذي أراده الله في دينه الذي يدعون وسنة نبيه التي بها يتشدقون.
المعلم الثاني عشر: التفاضل بين الناس على أساس البناء من المعالم الأخرى لمناهج الحضارة التي دعا إليها الإسلام وتباعد عنها المسلمون لتباعدهم عن السنة الحقيقية التي سنها رسول الله وأودعها أهل بيته عليهم السلام فتخلف المسلمون عن أهل بيته فعملوا بغير سنته. ومن تلك المعالم أن الإسلام أمر بتأسيس كل شيء على أساس خدمة الإنسان وعدم إهانته والعمل على التكامل مع الإنسان الآخر على أساس حضارية التنوع الإنساني، الأمر الذي يتطلب أن يكون الإنسان على درجة عالية من الدقة والاحتياط في اتباع معالم تلك المنطلقات الحضارية التي يريدها الله تعالى له ومنه، وهذا ما عبر عنه القران الكريم بالتقوى وهي شدة المراقبة والمواضبة في الالتزام بكل المعالم الحيوية التي تنصب في خدمة الإنسان وحماية الإنسانية، فقال (إن أكرمكم عند الله اتقاكم) (44) أي أن أفضلكم وأكرمكم هو الذي يراقب نفسه ويجتهد في بناء الحياة وليس التهامها واكل الناس وأموالهم بالباطل وبناءا على ذلك فإن حقيقة التفاضل الحضاري هي التي تجعل الأفضل من يبني الحياة ويحمي الإنسان ويحترم المقدسات.
المعْلم الثالث عشر: أمن الإنسان ومعاشه من أولويات التحضر كل منهج يدعي الحضارة ويدعو إلى التحضر بعيد عن التحضر وأقرب إلى الجهل والجاهلية ما لم يهتم بحماية الإنسان ويضع أمنه واقتصاده ومعاشه موضع الاهتمام وفي سلم أولوياته في الحياة، ذلك لأن التحضر هو التعود على حضور مناهج الخير وحضور القيم في النفس والممارسة العملية بما يخدم الإنسان ويحفظ له أمنه وتطلعاته، وخلاف هذا تعتبر المناهج جاهلية غير حضارية لأنها ستكون ضالعة في إرهاب الناس وإرعابهم، متشوقة إلى تدمير اقتصادهم، متمرسة في زعزعة استقرارهم، وإرباك اجتماعهم. وتلك حقيقة أكدت عليها مناهج الإسلام في هذه الحياة، في كل موضع وموضع طبق الرسول معالم المناهج التي يريدها للناس بما يؤصل فيهم معالم الحضارة، فخاطب عبادة بطاعته والتزام منهجه لأنه قد منّ عليهم بأكبر عاملين من عوامل البناء الحضاري وهما تأمين المعاش وتوفير الأمن بقوله(فليعبدوا رب هذا البيت الذي آمنهم من خوف وأطعمهم من جوع) (45). وبهذا الإعلان الكبير يثبت زيف كل الداعين إلى الإسلام من الذين يلتزمون مناهج التدمير الاقتصادي للإنسان، وتخريب حياته، وإرهاب أمنه، وإرعاب نفسيه وإفساد اجتماعه.
المعْلم الرابع عشر: المنع من التصرف إلا بما هو خير للمجتمع الإسلام يمنع من التصرف في الحياة إلا بما يكون صالحا للإنسان نافعا للمجتمع، وبهذا يؤكد الإسلام في مناهجه الحضارية على قيمة الإنسان وأهمية التعامل معه بما يليق به كإنسانٍ رفعه الله تعالى إلى أعلى مراتب المخلوقات على هذه الأرض فقال (ولقد كرمنا بني آدم ) ولم يكتفي بهذا بل قال(وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات) ليتمتع بها ما يشاء حتى قال ( وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا)(46) فلهذه القيمة الكبرى ألزم بل أوجب بان يكون التعامل مع الإنسان بما يناسب هذا المقام وينسجم مع هذا التكريم، فلا يحق لأي أحد أن يتكلم مع الآخر مثلا إلا بأحسن الخطاب وأسمى معاني التعبير، فلا يغمز، ولا يطعن، ولا يؤذي فقال ( وقولوا للناس حُسْناً) (47) لأن الكلام عمل مؤثر في الحياة سلبا أو إيجابا كما بيّنه أمير المؤمنين عليه السلام بأن (الكلام ذكر والجواب أنثى فإذا اجتمع الزوجان فلابد من النتاج) (48) من هنا لزم أن يقول الإنسان حُسْناً للناس، لأن القول إما يهدم أو يبني, ولأن الإسلام يهتم ببناء الإنسان وحياته لزم أن يكون القول في حقه منسجما مع المعايير الإنسانية التي يريدها الإسلام للإنسان. وقد أكدت الثقافة والتربية القرآنية التي بينها أهل البيت عليهم السلام ومنها تفسيرهم لهذا الآية الكريم بما يركز حضارية الإسلام كما ورد عن حفيد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، الإمام الباقر عليه السلام : ( في قول الله عز وجل " وقولوا للناس حسنا" قال: قولوا للناس أحسن ما تحبون أن يقال فيكم ) (49) وبهذه التربية وهذا المفهوم فقد بلغ التأكيد على حسن الكلام والقول للناس، وفي وسط الناس، وعدم التسرع، مبلغا وصل إلى الدرجة التي أوجب على الإنسان الحيطة والحذر في القول بالغا ما بلغ ولو بمقدار شطر كلمة لأنها قد تؤدي إلى قتل إنسان أو خراب مجتمع أو تدمير حياة. فقال السنة النبوية على لسان الإمام الصادق عليه السلام : ( من أعان على قتل مسلم ولو بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوب بين عينية مكتوب: آيس من رحمة الله) (50) . من هنا يتبين أن شطر كلمة مثل(أق) وهو جزء من كلمة (اقتل) إذا نطقها أحد في حق آخر، أدتْ به لأن يكون آيساً من رحمة الله. وهذا هو شطر كلمة من القول في حق إنسان فكيف بمن وشى به ودلّ عليه وأشار إليه ؟ وكيف بمن قتل ومن ذبح ومثّل وأمر بقتله؟ وكيف بمن أفتى وشرّع قتل الإنسان ؟ وكيف بمن احرق وأرعب وأرهب؟ ؟ فهل سيكون مجاهدا (؟) من الطراز الرفيع أو ممن يري إقامة الخلافة الإسلامية المزعومة كما هو حال الإرهابيين في عراق اليوم؟ أم سيكون من اتعس الآيسين من رحمة الله ؟ وبعد ذكرنا لبعض المعالم الدالة على حقيقة مطالب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في تجذير المنطلقات الحضارية للحياة في نفوس البشر عموما والمسلمين خصوصا، وجب الإذعان إلى أن تلك المطالب الإنسانية مِمّا لن يرغب بها طلاب السلطة، بل يكرهها عشاق الهيمنة، ويتبرم منها كل المتزلفين لهم من وعاظ السلاطين وأئمة الفتوى المتلهفين على فتات العيش الرخيص وحطام الهدف الخسيس. هذه الفئات من السياسيين ووعاظ السلاطين ستعمل على محاربة هذا الوعي الحضاري من أجل الإبقاء بالمسلمين على درجة كبيرة من الفساد الفكري والتردي العقائدي من أجل زج العامة من الأمة نحو التخلف ليشكلوا لها الغطاء الذي يسبح به الجبابرة ومن حولهم من وعاظ السلاطين وأئمة الفتوى المأجورين، في هذا الزمان وفي كل زمان. وهذا هو واقع امتحان العامة من هذه الأمة في اختبار وعيها بانتهاج سبل الحياة والسلم والبناء، أو سبل الدمار والعنف والفساد، وكذلك حقيقة امتحانها الواجب عليها لتأتي مبيّضّة الوجه أمام نبيها يوم يلقونه، فيجدون أنفسهم بين يدي نبي الله الذين رفعوا لواء الالتزام بسنّته فيكتشفوا بأنهم كانوا الأبعد منه ومن سنته، لانتهاجهم مناهج الأمويين وسنتهم وسيرة الجبابرة ومسلكهم، وذلك يوم يقول الله تعالى للإنسان: (فكشفنا عنك غطائك فبصرك اليوم حديد) (51) - سورة ق/ آية 22 فيكتشفوا أنهم على غير سنته بسبب تنصلهم عن مناهج الحياة التي أرادها لهم، فزج بهم الفكر الأموي نحو قتل الإنسان وانتهاك حُرماته، وفي مقدمته أئمة الخير ودعاة الحضارة وزعماء التحضر وهم أهل البيت عليهم السلام ! من هنا يتبين أن الأمة الإسلامية بعيدة هذا اليوم كما هو حالها بالأمس عن مناهج الإسلام ومطالب الرسول في الرفق وترك العنف ونبذ الأحقاد واحترام الإنسان لكونها متورطة في مناهج العنف الذي أرسى قواعده الأمويون ومن كان على أحلامهم . فجب عندئذ على الأمة التخلص من براثن الفكر الأموي المتسرب إلى ثقافتهم وممارستهم وفهمهم للحياة. والعمل بموجب تلك المنطلقات الحضارية التي لم تبلغها حتى أحلى الديمقراطيات شعارا. أما كيف يمكن لهذه الأمة العمل على تلك المنطلقات ؟ ومن أين تجدها ؟ وعلى يد من يجب أن تتربى وتتلقى تعليمها وثقيفها ؟ خصوصا وأن كل فرد وجماعة في هذه الأمة تتدعي المعرفة والعمل بموجبها بينما واقع الحال يشير إلى خلاف ذلك حيث التمزق والإرهاب والقتل وشلالات الدم على الهوية والمحبة لأئمة الإنسانية ودعاة الخير والسلم والسلام. ولكي نشخص بالدقة منابع الفكر الحضاري بموجب تلك المنطلقات يجب علينا الوصول إلى حقيقة معرفة أئمة الحضارة ودعاة التحضر والرجال الذين يملكون القيمومة على تلك المعالم والمباني الحضاري في الحياة . وهذا ما سنبحثه في السر الحادي عشر من أسرار الانبعاث الحضاري المنشود لهذه الأمة ومنها، وهو موضوع الحلقة القادمة بحول الله تعالى.
القسم الثاني البداية 26- لا تعتمد على المجلات غير المتخصصة فى تربية ابنك( 1 ). 27- شجع طفلك على تكرار المحاولة. 28- حاول أن تهبط لمستوى إدراك طفلك من حين لآخر. 29- لا تحاول أن تكون شديد الحزم مع أطفالك ، فهم سيمرون بالعديد التجارب التى ستضعهم على أول طريق النضج دون تدخل منك. 30- احرص على " هدهدة " طفلك و هو فى مرحلة المهد ، فإن ذلك سيكون مفيدا ً لكليكما. 31- التقط الزهور البرية مع طفلك. 32- دعي طفلتك تلهو بأصص الزرع و آنية الطهي من حين لآخر. 33- كن حازما ً فى تعليم ابنك الصواب والخطأ ، لكن لا تكن متجهما ً . 34- تحدث كثيراً مع الآباء الآخرين لأن تربية الأبناء لا تتم بمعزل عن الآخرين. 35- تذكر أن كل الرضوض والكدمات لدى طفلك ليست ظاهرة لعينك. 36- إذا لم تجد الكلمات التى تعبر ن مشاعرك ، ضم طفلك إليك بحنان. فهذا كاف لكي تقول كل شيء . 37- لا تضايق طفلك بكثرة ملاحظاتك إذا كانت طريقتك فى إبداء الملاحظات غير ممتعة. 38- احتف بنجاح طفلك حتى لو كان هذا النجاح بتقدير متوسط. 39- قدَّر قيمة الحصول على باقة أزهار برية من طفلك . 40- تذكر أن كونك أباً يلزمك أحيانا ً بحب أشياء لم تكن تحبها من قبل. 41- اكتب الأشياء المضحكة والممتعة التى يقولها ابنك ؛ لأن ذلك سيكون مصدر متعتكما فى السنوات التالية. 42- اترك الحجرة مضاءة إذا كان ابنك يخاف الظلام . 43-أسس نظاماً يومياً لأن ذلك سيدعم إحساس طفلك بالأمان . 44- لا تجعل كل وجبة عبارة عن " صراع إرادات " بينك و بين طفلك . يجب أن تستسلم أحيانا ً . ( هل تذكر قصة الرئيس الذي لم يكن يحب القنبيط؟ ) 45- لا تقلق إذا كانت ابنتك الصغيرة أكثر ميلا ً للعب مع الصبية، أو كان ابنك الصغير يحب اللعب أكثر مع الدُمي . فلا ينبغي أن يرغم ( 2 ) الأطفال على معايشة تصورات الكبار عما ينبغي وما لا ينبغي أن يكون عليه الأطفال. 46- دع الأطفال يلعبون وهم يرتدون ملابسك القديمة . 47- حاول المحافظة على كتب الأطفال الخاصة بابنك ، فسوف يستمتع كلاكما بها فى المستقبل. 48- على الرغم من تحذيرات أطباء الأسنان و المتخصصين فى مجال التغذية ، تذكر أن كل طفل يحتاج إلى تناول الحلوى من حين لآخر. 49- لا تقل كلمة "مستحيل " حيث أصبحت هذه الكلمة تلازم الكثير من الآباء. 50- اصنعي لطفلك بعض الكعك المميز صبيحة أيام الإجازات. المصدر: 501 طريقة لتعزيز ثقة الطفل بنفسه- روبرت د.رامسي- ص18-27 ......................................................... ( 1 ) : راجع الكتب والمجلات الملتزمة المتخصصة فى تربية ابنك مثل كتاب : الطفل بين الوراثة والتربية – الفلسفي . ( 2 ) : القلق لا ينفع بل لا بد من العمل لترسيخ القناعات والسلوكيات والأخلاق الحميدة في الأطفال بسبل الإقناع التي يستوعبها الأطفال وبعيدا عن الإرغام ، فالتعلم في الصغر كالنقش على الحجر، للمثال راجع مقال : كيف نعلّم أطفالنا الصدق ؟ في باب الطفل
هل أخطأت الحكومة الأمريكية في تعاملها مع خطر تنظيم القاعدة قبل حدوث هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001؟ هل كان هناك مواطنون أمريكيون على علم بمخطط اختطاف الطائرات قبل حدوثه؟ شغلت هذه التساؤلات برامج وسائل الإعلام الأمريكي هذا الأسبوع في ظل الذكرى الخامسة لهجمات الحادي عشر من سبتمبر. وشملت مواضيع النقاش فيلما تلفيزيونيا أنتجته قناة إي بي سي ABC عن الأحداث التي أدت إلى المخطط الإرهابي الذي قام به تنظيم القاعدة في سبتمبر 2001. ومن المعروف أن الفيلم الذي من المقرر أن يذاع على عدة حلقات في الأسابيع القادمة ، يعرض تصورا لما حدث داخل البيت الأبيض في الأعوام التي سبقت سبتمبر 2001، ويقال أن هذا التصور يوحي بأن إدارة كلينتون تخاذلت في واجبها لمواجهة خطر بن لادن وأن ذلك ساعد تنظيم القاعدة على استغلال هذه القصور لشن هجماتها على الأراضي الأمريكية. وأليكم لأهم ملامح التغطية الإعلامية الأمريكية لهذا الأسبوع. أم إس أم بي سي MSNBC أجرت قناة أم إس أم بي سي مقابلة مع قائد القوات الأمريكية بأفغانستان كارل إيكنبيري الذي تحدث عن ذكرياته عن الوضع داخل مجمع وزارة الدفاع <البنتاغون> بعدما اصطدمت طائرة عمدا بمبنى الوزارة. وردا على سؤال مراسل القناة إذا كان يظن أن الولايات المتحدة منتصرة في الحرب على الإرهاب، قال الجنرال "نعم نحن منتصرون، فأفغانستان كانت تحت سيطرة القاعدة وجماعة طالبان المتطرفة واليوم هذه السيطرة تحطمت وأصبحت أفغانستان تحت حكم حكومة ديمقراطية." وسيطر على تغطية ذكرى الحادي عشر من سبتمبر طابع "البحث عن الحقيقية" بمعنى أن العديد من برامج القناة تناولت بعض الاتهامات والمضاربات المعنية بنظريات جديدة عن الحقائق التي لم تكشف عن هجمات الحادي عشر من سبتمبر. وفي أحد فقرات برنامج "كاونت داون" Count Down بثت القناة تقرير عن مقال نشرته مجلة "فاناتي فيير"Vanity Fair عن شرائط تسجيل المحادثات التي تمت في برج المراقبة الجوية صباح الحادي عشر من سبتمبر. وأبرزت القناة الارتباك الذي ساد الاتصالات بين العاملين بالبرج ونظرائهم في هيئات الدفاع المعنية. ويتضح من الشرائط أن الأمر الذي أصدره البيت الأبيض لمحاولة ضرب الطائرات المختطفة لم يصدر إلا متأخرا بعد استكمال العملية الإرهابية وموت العديد من الضحايا. وتكرر موضوع فيلم "الطريق للحادي عشر من سبتمبر" وما يثيره من تساؤلات حول قصور جهود مكافحة الإرهاب في عهد إدارة الرئيس بيل كلينتون في عدة برامج هذا الأسبوع. ونفى بي جاي كرولي مسئول سابق بإدارة كلينتون أن البيت الأبيض تخلى عن فرصة ذهبية للتخلص من بن لادن، إشارة إلى مشهد في الفيلم يعرض عميلا أمريكيا في أفغانستان يصوب سلاحه نحو أسامة بن لادن عن قرب ولكنه يتراجع عن إطلاق النار بناء على توجيهات من البيت الأبيض. وقال كرولي الذي عمل مستشار للرئيس كلينتون أن ذلك المشهد "لم يحدث في الحقيقة. وليس له وجود." وردا على كرولي قال ريموند تانتر، وهو مستشار سابق للبيت الأبيض في عهد الرئيس رونالد ريغان أن بالرغم من غياب الدقة في بعض مشاهد الفيلم إدارة كلينتون لم تعط مكافحة الإرهاب الأولوية المطلوبة والموارد المالية اللازمة، موضحا أن الإدارة لم تضم بن لادن إلى قائمة الإرهابيين الرسمية إلا متأخرا، مما يدل على فشل الحكومة في تلك الفترة في القيام بالاستعدادات الأمنية اللازمة للتصدي لخطر الإرهاب. كما عرض على شاشة مقتطفا من وثيقة سلمت إلى الرئيس الأمريكي تقول أن بن لادن يخطط لهجوم على مصالح الأمريكية من خلال عملية اختطاف طائرات مدنية. وأنتقد ريتشارد بن فينيستي العضو السابق بلجنة التحقيق لهجمات الحادي عشر من سبتمبر منتجي الفيلم، مؤكدا أن تداعيات الفيلم بأن بن لادن كان على بعد خطوات من عميل أمريكي هو أمر خاطئ، ومشيرا إلى أن الرئيس كلينتون أعطى أوامرا لأجهزة الاستخبارات الأمريكية للقبض على بن لادن حيا أم ميتا. وقال بن فينيستي إن الفيلم لا يعبر عن نتائج تحقيق اللجنة التي خدم بها، مضيفا أن الفيلم يعطي الانطباع الخاطئ بأن الرئيس كلينتون كان مشغولا بفضيحة مونيكا لوينسكي مما أثر على أدائه في إدارة جهود التصدي للإرهاب. وشكا العضو السابق بلجنة التحقيق من أن منتجي الفيلم لم يعرضوا الفيلم على المسئولين السابقين بإدارة كلينتون في حين أنهم أعطوا نسخا للعديد من الشخصيات اليمينية. وشملت قائمة منتقدي الفيلم روجر كريسي الذي عمل بمجلس الأمن القومي في عهد كلينتون الذي أدعى أن الفيلم يحتوي على الكثير من الأخطاء. ومن ناحيته قال ريتشارد مينيتير مؤلف كتاب "فقدان بن لادن" على برنامج سكارابو كاونتي Scarabough County إن البيت الأبيض أضاع ثلاث عشرة فرصة للقضاء على بن لادن قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر. وبث برنامج هارد بول Hardball with Chris Matthews عدة تقارير عن احتمال تواجد عناصر داخل الولايات المتحدة تعاونت مع مرتكبي هجمات الحادي عشر من سبتمبر. ويطرح التقرير التساؤل إن كان رفاق مختطفي الطائرات على علم بالمخطط قبل حدوثه. وورد في تقرير أخر لنفس البرنامج أن محمد عطا أحد المختطفين قام بزيارة لولاية ميين، وتسأل مقدم التقرير إن كان غرض الرحلة مقابلة شخصية مجهولة ساعدت على تنفيذ المخطط الإرهابي. و كل ذلك بحسب المصدر المذكور. المصدر: تقرير واشنطن- العدد75
د. عبدالله المدني
نقيضاً لما عرفته عوالمنا العربية والإسلامية من ظاهرة إمساك الزعماء بالسلطة حتى آخر رمق، يترك رئيس الحكومة اليابانية "جونيتشيرو كويزومي" منصبه هذا الشهر متقاعداً عن الحياة السياسية بإرادته ومحض اختياره، هو الذي لا يزال في كامل حيويته وعطائه ولم يستهلك سوى سنة واحدة من أصل أربع سنوات فاز بها حزبه الحاكم عبر الاقتراع الشعبي الحر والمباشر في الانتخابات التشريعية المبكرة التي جرت في سبتمبر 2005. وفي حين يترك البعض السلطة مجبراً في الدول الديمقراطية، إما اعترافاً بالهزيمة أو تحملاً لمسؤولية التقصير في واقعة معينة أو تحت وطأة شبهة أو فضيحة ما، فإن كويزومي يغادر الحكم مرفوع الرأس، بعد أن حفر اسمه في تاريخ بلاده كأكثر الزعماء شعبية ووهجاً وإصلاحاً وديناميكية منذ أكثر من ستة عقود. أما الدليل فنستمده من حصول الرجل على التخويل الشعبي في ثلاثة انتخابات متتالية منذ عام 2001. وفي بلد كاليابان التي عرفت بتغيير حكوماتها بمعدل حكومة كل سنة منذ عام 1885، شكلت قدرة كويزومي على البقاء رئيساً للوزراء لمدة خمس سنوات متصلة لوحدها ظاهرة ملفتة للنظر، وإنْ كان قد سبقه في ذلك عدد قليل من أسلافه في ظروف مختلفة ولأسباب ذات علاقة بجذورهم الحزبية المنيعة وانتمائهم إلى عائلات سياسية معروفة، وغير ذلك مما لا نجده في سيرة كويزومي. ومنذ مجيئه إلى الحكم خلفاً لأحد أقل رؤساء الحكومات اليابانية شعبية ودبلوماسية، ونقصد به "يوشيرو موري"، أقدم كويزومي على اتخاذ قرارات جريئة استهدفت تجديد شباب الحزب "الديمقراطي الحر" الحاكم، وتنظيف الحياة السياسية من التقليديين والرجعيين وضخ دماء جديدة فيها، وتخليص الاقتصاد القومي من 15 عاماً من الكساد والتعثر، وإطلاق عملية تفكيك وتخصيص مؤسسة البريد العملاقة من أجل إعادة توظيف أصولها البالغة 3 تريليونات دولار من المدخرات والتأمينات في القطاعات المنتجة. هذا ناهيك عن تبنيه لسياسات داعمة لحقوق المرأة اليابانية ووقوفه شخصياً إلى جانبها، بدليل دفعه لعدد غير مسبوق من النساء للترشح على قوائم الحزب الحاكم ومنحهن حقائب وزارية عديدة في حكوماته، بل إقدامه لأول مرة في تاريخ اليابان على اختيار سيدة لتولي حقيبة الخارجية المهمة. وهكذا استحق الرجل الوصف الذي أطلقته الصحافة عليه وهو "تيار الهواء المنعش". وفي السنوات الخمس من قيادته لبلاده، تعزز التحالف العسكري والاستراتيجي ما بين طوكيو وواشنطن، وتنامى الدور العسكري السلمي لليابان خارج حدودها، وبرزت سياسة خارجية يابانية جديدة من معالمها إيلاء قدر أكبر من الاهتمام لأمن واستقرار منطقة الخليج والشرق الأوسط، وللروابط الاقتصادية والاستراتيجية مع القطب الهندي. لكن في مقابل هذا شهدت العلاقات مع بكين وسيئول توترات على خلفية تمسك كويزومي بتقليد زيارة مقابر ضحايا الحروب الإمبريالية اليابانية في "ياسكوني"، وإقدام حكومته على تغيير نصوص كتب التاريخ المدرسية بطريقة لا تجرم ماضي البلاد الاستعماري والتوسعي بصراحة. ويُعتقد على نطاق واسع أن كبير أمناء مجلس الوزراء "شينزو أبي" (51 عاماً) الذي بات من المؤكد أن يخلف كويزومي في زعامة الحزب الحاكم ورئاسة الحكومة ابتداء من 20 سبتمبر الجاري، ويصبح بالتالي الزعيم رقم 57 في تاريخ البلاد وأصغرهم سناً منذ رئيس الحكومة الأول "هيروبومي إيتو"، سيواصل السياسات الخارجية والبرامج الإصلاحية لسلفه إنْ لم يزد فوقها أو يضفي عليها قدراً أكبر من الديناميكية بفضل ما عرف عنه من شباب وحيوية وطاقة خلاقة. فزعيم اليابان الجديد المعروف بأناقته البالغة وحديثه الهادئ، لئن لم يشغل من قبل حقيبة وزارية مهمة خلافاً لكل من سبقه في رئاسة الحزب والحكومة باستثناء رئيس الوزراء الأسبق "كيزو أوبوتشي"، وبقي إلى ما قبل خمس سنوات شخصية غير معروف خارج دوائر الحزب الحاكم، فإنه عمل كساعد أيمن لكويزومي ويحمل نفس أفكار وتوجهات الأخير الإصلاحية، مما جعله المرشح المفضل للزعيم المغادر من بين 3 مرشحين آخرين. كما أنه من أصلب دعاة تغيير الدستور الياباني عبر الاستفتاء الشعبي، ولاسيما المواد التي تحد من القدرات العسكرية والأمنية للبلاد، وذلك من أجل إضفاء لون جديد يتناسب مع ما بلغته اليابان من مكانة، وما تطمح إليه من دور في القرن الحادي و العشرين. إلى ذلك، فإن "أبي"، الذي يصفه "الليبراليون" بالقومي المتعصب فيما يصفه آخرون بالتوليفة المحبوكة ما بين التصلب والكياسة، عرف بمساندته لفكرة زيارة مقابر "ياسكوني" سنوياً، ولمشروع تغيير مناهج التاريخ المدرسية، ولجعل التحالف مع واشنطن ركيزة لسياسات اليابان الخارجية والأمنية. وبالنسبة لشخصية مثله تدين في شهرتها على الساحة المحلية لحملتها من أجل إطلاق المدنيين اليابانيين الذين اختطفتهم المخابرات الكورية الشمالية في الثمانينيات، ثم لاحقاً لتوليها قيادة المفاوضات مع بيونغ يانغ حول تحريرهم، فإن ملف العلاقات مع الأخيرة وضرورة اتخاذ موقف صلب إزاءها يحتل مكاناً بارزاً في أجندتها، بل كان سبباً في تنامي شعبيتها على حساب منافسيها على زعامة البلاد. ومما رشح عن أجندة "أبي" أيضاً، أنه سيسعى إلى الإتيان بحكومة جل أعضائها من الشباب المؤهل تأهيلاً عالياً و من الذين تخرجوا من أعرق الجامعات الأميركية مثل هارفارد وييل وجورج تاون، خاصة أنه شخصياً واصل تعليمه العالي في العلوم السياسية في جامعة جنوب كاليفورنيا من بعد تخرجه في عام 1977 من جامعة سايكاي اليابانية. بقي أن نذكر أن ما يختلف فيه "أبي" عن سلفه، أنه قادم إلى السلطة من أسرة سياسية عريقة. فخاله الأكبر "آيسوكي ساتو" الذي تولى زعامة اليابان ما بين عامي 1964 و1972 وحصل على جائزة نوبل لجهوده في نزع الأسلحة النووية، هو أحد أطول رؤساء الحكومات اليابانية بقاء في السلطة. وجده لأمه هو رئيس الحكومة في الخمسينيات "نوبوسوكي كيشي"، الذي سجن من قبل الحلفاء لدوره كوزير للتجارة في سنوات الحرب العالمية الثانية، قبل أن يطلقوا سراحه دون محاكمة في عام 1948. أما والده فهو "شينتارو أبي"، الذي تولى وزارة الخارجية في الثمانينيات فكان من ألمع من تولوا هذه الحقيبة، والذي أيضاً ظل محتفظاً بمقعده الانتخابي حتى وفاته في عام 1991، حينما تنافس ابنه على ذات المقعد وفاز به في عام 1993. إن اليابان حتماً ستفتقد خدمات كويزومي ونظرته الثاقبة، وما أضفاه على الحياة السياسية من حركة وحيوية غير مسبوقة، لكن عزاء هذه البلاد التي تشكل وضعاً فريداً لجهة أحادية العرق والثقافة واللغة والحضارة، هو أن خليفته لا يقل عنه جاذبية وديناميكية واندفاعاً نحو الإصلاح والتجديد، وإن وجده البعض "صقراً" في مسائل الأمن والدفاع وغير مستعد للمساومة حول مصالح اليابان القومية، وبما قد يجر البلاد إلى علاقات متوترة مع جارتيها الصينية والكورية. و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور. المصدر: الإتحاد الإماراتية- 10- 9- 2006
روس تيريل
يبدو أن صعود الصين في ساحة الاقتصاد العالمي بات أمراً حتمياً، ولا سبيل لمقاومته، خصوصاً إذا عرفنا أنها قد تفوقت في الآونة الأخيرة على بريطانيا وفرنسا وإيطاليا، وأصبح اقتصادها هو رابع أكبر اقتصاد في العالم، بسبب سرعة نموه الهائلة التي تبلغ 10 في المئة سنوياً. ويُسلي السماسرة في هونج كونج ونيويورك أنفسهم بمحاولة التنبؤ بالسنة التي سيتفوق فيها الناتج القومي الإجمالي في الصين على نظيره الأميركي. وهذه التنبؤات لها ما يبررها: فشره الصين للنفط والغاز والموارد الطبيعية من الخارج لا يشبع، وطبقتها المتوسطة تنعم برغد العيش ورفاهية الحياة، فتقتني الهواتف النقالة، وتستهلك أرقى أنواع الآيس كريم، وتعيش في شقق فاخرة داخل مجمَّعات لها أبواب يحرسها رجال أمن، وأفرادها يترددون إذا ما شعروا بقلق واكتئاب على الأطباء النفسيين، ويسافرون إلى الخارج لقضاء العطلات، ويقودون أحدث أنواع السيارات التي تجد لها بالكاد مكاناً في شوارع مدن بلادهم التي أصبح 40 في المئة من سكانها يعيشون في الحضر. وإذا ما كانت الصين تحاول إتقان تطبيق نظام يقوم على "اللينينية" وعلى الاستهلاكية، أي الجمع بين النقيضين في آن معاً، فإن هذا النظام الهجين سيكون هو الأول من نوعه. فالاتحاد السوفييتي، والدول التي كانت تدور في فلكه لم تنجح في المزج بين النظام السلطوي والاقتصاد غير المقيَّد، كما أنها لم تستطع أن تتماشى مع متطلبات فترة ما بعد سقوط الشيوعية بل تحطمت عدة دول من المعسكر الشرقي السابق وتفككت وهي تحاول تحقيق ذلك.
والصين أكثر هشاشة مما قد تبدو عليه من قاعات المطاعم الفاخرة المطلة على الرصيف البحري لمدينة شنغهاي، فناطحات السحاب التي ترتفع في سماء المدينة نصفها خالٍ، والحكومة قلما تقوم بتخصيص رأس المال للمشروعات الخاصة التي تعمل وفقاً لأسس تجارية رشيدة، والبنوك قدمت 65 في المئة من قروضها للمؤسسات المملوكة من قبل الدولة، التي لا تنتج سوى 25 في المئة من الناتج القومي الإجمالي للبلاد. والدعم الذي تقدمه الدولة يجعل من الصعوبة بمكان حساب العائد على رأس المال، وأجور العمالة في ازدياد في جنوب شرق الصين مما يدفع المصدرين إلى الانتقال إلى فيتنام وكمبوديا، ونسبة كبار السن تزداد، كما تزداد أيضاً نسبة المزارعين الذين يتركون قراهم وينتقلون إلى المدن الساحلية، وهواء المدن ملوث، وإمدادات الماء شحيحة خصوصاً في الشمال. والصين ترحب برجال الأعمال الأجانب، ولكنها لا تزال تتوجس من رجال الأعمال المحليين. وعلى الرغم من أنها تأتي في مقدمة الدول بالنسبة للناتج القومي الإجمالي والاستثمارات المباشرة والصادرات، فإن نظامها القضائي غير موثوق به مما يجعل من الرأسمالية في بعض الأحيان لعبة تصعب السيطرة عليها. وعلى الرغم من أن الدخل الفردي السنوي في الصين أعلى من مثيله في الهند بمقدار الضعف، فإن الصين لا تعد أكثر ثراء من الهند إلا بنسبة 37 في المئة فقط. لذلك ليس هناك ما يدعو للاندهاش عندما نعرف أن "المنتدى الاقتصادي العالمي"، في أحدث تقرير له عن التنافسية العالمية، والذي يأخذ في حسبانه اعتبارات مثل حكم القانون وتدفق المعلومات، كان أكثر تحمساً للهند منه للصين فيما يتعلق باحتمالات المستقبل. والنمو الأخير الذي شهدته الصين ساعدت عليه سيادة حالة من الهدوء الذي لم يسبق له مثيل، حيث لم تكن هناك أزمة عالمية لها تأثير على القرار الاقتصادي لبكين خلال السبعة وعشرين عاماً التي مضت منذ أن وضعت الحرب الفيتنامية أوزارها، كما لم تؤدِّ أي اضطرابات داخلية إلى هز استقرار الدولة خلال السبعة عشر عاماً التي انقضت منذ أحداث ميدان "تيانامين". ولمعرفة تأثير هذا الهدوء على النمو الاقتصادي الصيني علينا أن نتخيل مثلاً أن هناك اضطرابات وقلاقل قد حدثت خلال هذه المدة في كوريا الشمالية، فحينها كان ملايين اللاجئين سيتدفقون على الحدود الصينية ويهزون الاستقرار في الجزء الشمالي من البلاد. كذلك لو حدثت هناك مواجهة مع تايوان فإن ذلك كان سيؤدي إلى إيجاد نوع من التوتر السياسي بين جنوب الصين التجاري وبين شمالها المحافظ. ويبدو حدوث نزاع بين الاقتصاد والسياسة -وهو ما سيمثل إن حدث أصعب اختبار يمر به النظام الهجين الذي يجمع بين النقيضين أمر حتمي. فالرئيس "هو جينتاو" راهن واثقاً على أنه يمكن الفصل بين الحرية في المجالين (الاقتصادي والسياسي). ولكن العديد من الصينيين يديرون ظهورهم للمذهب الرسمي الذي تتبعه الدولة الذي يقوم على التحكم في الموارد وفي تخصيصها كأساس للحكم الشيوعي. والدليل على ذلك أن آخر مرة رأيت فيها صورة للزعيم الصيني التاريخي "ماوتسي تونج" كانت في مركز تجاري، وكانت الصورة تظهره مضطجعاً وقد ارتدي "بيجاما" خضراء ذات مظهر برجوازي. وعلى الرغم من أن "الماوية" قد دفنت، وأن "ماو" نفسه حذف من كتب التاريخ، فإن الغطاء اللينيني الموضوع بشكل غير محكم على المرجل الذي يغلي للاقتصاد والمجتمع الجديدين في الصين لا يزال موجوداً. الدليل على ذلك هو أن الحكومة الصينية قد قامت منذ شهر واحد بحبس محام واثنين من الصحفيين منهم "زهاو يان" الصحفي بـ"النيويورك تايمز" بتهم ملفقة تغطي السبب الحقيقي وهي الحديث بكلام غير لائق ضد الدولة. إن الاقتصاد الصيني سيواجه نكسات ونكبات ما في ذلك من شك ولكن مع وجود الطبقة الوسطى البازغة، فإن المتوقع أن تقوم هذه الطبقة بصياغة السياسات القديمة, وبهذا المفهوم يمكن القول إن الازدهار الاقتصادي الصيني سيزدهر وسيخفق في آن معاً: فبمزيج من اللينينية- والاستهلاكية سيصل هذا النظام إلى نهايته الحتمية، أما كقاعدة لنظام سياسي في عصر ما بعد الشيوعية، فإن ما يبدو هو أنه سيمضي بشكل جيد نحو المستقبل. *أستاذ مشارك لشؤون الأبحاث في مركز "هارفارد فيربانك" ومؤلف كتاب "الإمبراطورية الصينية الجديدة". و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور. المصدر: الإتحاد الإماراتية- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"-10- 9- 2006
الاستثمار: يعني توظيف الاموال في مشاريع اقتصادية واجتماعية وثقافية، بهدف تحقيق تراكم رأسمال جديد، ورفع القدرة الانتاجية او تجديد وتعويض الرأسمال القديم. انواع الاستثمار أ. يمكن تقسيم الاستثمار من حيث وسائله الى: 1- استثمار مباشر: وهو الاستثمار في جميع انواع المشاريع باستثناء المتعلقة بالمساعدات والمعونات المالية والفنية والتقنية التي تقدم الى الدولة.. 2- استثمار غير مباشر: وهو الاستثمار الذي يتم عن طريق شراء اوراق مالية لشركات تسهم في النشاط الاقتصادي المباشر بهدف الربح عن طريق البيع.. ب. من حيث دوافعه الاقتصادية على اطراف الاستثمار الرئيسية، فهي: 1. الاستثمار الحكومي (استثمار الدولة): وهو الاستثمار الحكومي بخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية للدولة، والاتجاه السياسي والفكري القائم فيها.. 2. الاستثمار الخاص: وهو استثمار القطاع الخاص، الذي تطور من المشروع الفردي او العائلي المحصور استثماره بنشاط محدود الى شركات ومؤسسات تضم عددا من المستثمرين من مختلف الشرائح الاجتماعية، الذين يقومون بتوظيف مدخراتهم في مختلف المشاريع الانتاجية والخدمية. وازاء التطور التقني خاصة في مجال المعلومات والاتصالات، الذي حول العالم الى قرية، بقي استثمار القطاع الخاص محدودا ازاء الاستثمار الاجنبي. 3. الاستثمار الاجنبي: هو الاستثمارات الخارجية التي اصبحت من مصادر التمويل الهامة لمشاريع التنمية الاقتصادية، خاصة في البلدان النامية، ودول اوروبا الشرقية والاتحاد السوفيتي السابق، فقد تميز عقد التسعينيات وما بعده بالتدفقات الكبيرة لرؤوس الاموال. فقد انكمش دور البنوك التجارية في تمويل الاستثمارات في البلدانالنامية: وقد ساعد على تطور وتوسيع دور الاستثمارات الاجنبية في اقتصاديات الدول النامية، عوامل ودوافع عديدة اقتصادية وتقنية، اهمها: 1. حاجة الدول النامية الماسة لرؤوس الاموال بهدف تحقيق مشاريع تنموية ووجود نقص هائل في هذه الاموال داخليا في حين وجود فوائض نقدية في الدول المتقدمة، التي تبحث عن فرص للاستثمار في مختلف الدول، بعيدا عن اعباء الضرائب وتقلبات اسعار البورصات والفوائد. 2. قيام الدول المتلقية للاستثمار بتقديم التسهيلات والمزايا والاعفاءات والضمانات لتشجيع وجذب رؤوس اموال اجنبية للاستثمار داخل دولها.. 3. ترابط المصالح بين عدد من المستثمرين والممولين الدوليين، دفعهم الى اقامة شركات متعددة الجنسيات تنتشر فروعها وتتوزع مصالحها في مختلف القارات. اشكال الاستثمار الاجنبي يمكن ان يأخذ الاستثمار الاجنبي انماطا متعددة اعتمادا على نوع المستثمر والهدف من الاستثمار ودرجة المخاطر التي يمكن ان يواجهها المستثمر وهي: 1. اسهم قليلة في شركات البلدان المضيفة.. وكثيرا ما يشار الى تلك الاستثمارات بالاستثمارات السالبة او المحافظة لانها لا تستطيع التحكم في عمليات تلك الشركات. 2. المشروعات المشتركة: وهي شركات تتكون من مستثمرين اجانب ومستثمرين محليين او مع مؤسسات حكومية للبلد المضيف وتتميز هذه المشروعات بالسماح للمستثمر الاجنبي بتواجد اكبر في السوق المحلية مع نسبة مخاطر اقل مما هو عليه في حالة الاستثمار بشكل منفرد. 3. اتفاقيات الترخيص مع شركات البلدان المضيفة: يجوز للشركات العالمية نقل حقوق استخدام تكنولوجيا معينة الى شركة محلية تضطلع بمسؤولية الانتاج والتسويق للسوق المحلية مقابل دفع مبالغ معينة الى الشركات العالمية صاحبة الامتياز.. 4. حصص اغلبية في شركات البلد المضيف: تتحقق هذه الحالة من خلال شراء الاسهم (الخصخصة) اي استبدال الديون بالملكية او البيع، ويتطلب هذا الخيار التزاما اشد من جانب المستثمرين الاجانب، ومنحهم مددا زمنية اطول للمستثمر في الاســــتثمار في البلد. 5. شركة فرعية يمتلكها المستثمر بالكامل في البلد المضيف: يمثل هذا الخيار اعلى درجات المخاطر والالتزام بالنسبة لشركات دولية النشاط، ويتيح هذا الخيار للمستثمر الاجنبي التواجد من خلال شركات تابعة يمتلكها داخل الاسواق الناشئة. صناديق الاستثمار تعتبر صناديق الاستثمار ادوات استثمارية توفر للاشخاص الذين لايملكون القدرة على ادارة استثماراتهم بصورة مباشرة، الفرصة للمشاركة في الاسواق العالمية والمحلية. وفكرة هذه الصناديق تتلخص: في قيام عدد كبير من المستثمرين بتجميع مواردهم وادارتها بواسطة مؤسسات مالية لتحقيق المزايا التي لا يمكن لهم تحقيقها منفردين مقابل رسم سنوي بسيط تتقاضاه هذه المؤسسات. من مزايا هذه الصناديق -توزيع المخاطر الاستثمارية، من خلال توزيع مبالغ الاستثمار بالعديد من الادوات الاستثمارية. -الحصول على ادارة استثمارية متخصصة. -اعفاء من الاعباء الادارية، اذ ان الصندوق يتكفل بهذه الاعباء بدلا من المستثمر نفسه. -السيولة: بمجرد تقديم طلب استرداد المبلغ المستثمر لمدير الصندوق سوف تحصل على المبلغ خلال المدة المحددة في الاتفاق. -التنظيم والرقابة: تعتبر صناديق الاستثمار من اكبر الخدمات الاستثمارية تنظيما، ومن اكثرها خضوعا للرقابة من قبل الدولة، خاصة البنوك المركزية. المناخ الاستثماري هو مجموعة القوانين والسياسات والمؤسسات الاقتصادية والسياسية التي تؤثر في ثقة المستثمر وتشجيعه في توجيه استثماره الى بلد دون آخر.. ويبدو ان المناخ الاستثماري لا يقتصر على الحدود الاقتصادية بل يتجاوزها الى الظروف السياسية والاجتماعية والقانونية والمؤسسة السائدة في البلد المعني، حيث تتداخل هذه العوامل والظروف فيما بينها لتشكل وحدة واحدة لا يمكن التغاضي عنها في مجمل الوضع الاستثماري والاقتصادي للبلدان المضيفة. وتأســــيسا على ما تقدم يمكن تقسيم مكونات المناخ الاستـثماري الى:- 1- الاطار الاقتصادي:ـ يتمثل هذا الاطار بالبنى والاوضاع الاقتصادية السائدة في البلد، وآفاق تطوره، وتعتقد الدكتورة نضال شاكر الهاشم في بحثها(رؤيا في المناخ الاستثماري الجاذب) ان توفر البنى التحتية الاساسية كالطرق ووسائل الاتصال المتطورة والخدمات الصحية والتعليمية وشبكات الماء والكهرباء لابد ان تلعب دورا مهما ومؤثرا ليس فقط في تحديد الحجوم الاستثمارية المستقطبة بل وتوزيعها بين القطاعات الاقتصادية المختلفة. كما يتأثر المناخ الاستثماري بالاختلالات(الماكرو اقتصادية) في البلد المعني، خاصة فيما يتعلق بـ (معدل التضخم، تقلبات سعر الصرف، مدى تطور الجهاز المصرفي، حجم السوق وامكانات نموها المتوقعة، مدى توفر المواد الاولية والعمالة المحلية الماهرة وغير الماهرة). 2- الاطار السياسي:- تعتبر العوامل السياسية واحدة من اهم العوامل في اتخاذ مختلف القرارات الاستثمارية الخاصة، فالمستثمرين يأخذون بنظر الاعتبار جميع المخاطر الاقتصادية وغير الاقتصادية، مثل طبيعة النظام السياسي، احتمالات التأميم ومصادرة الملكيات الخاصة، مدى التدخل الحكومي في النشاطات الاقتصادية، الاستقرار السياسي في البلد، قوة المعارضة وطبيعة التغيرات السياسية المحتملة، وغير ذلك من الاوضاع والظروف السياسية والاجتماعية في البلد المعني. 3- الاطار القانوني:- لابد من وجود اطار قانوني يرسي الاسس التشريعية والقانونية المنظمة للنشاط الاقتصادي عامة والحركة الاستثمارية خاصة، بشكل ينسجم مع اهداف التنمية والرخاء في شتى الميادين، والقطاعات الاقتصادية، كما لابد ان تميز القوانين بعدم التعقيد والتناقض خاصة فيما يخص الاجراءات او التطبيقات العملية لتلك القوانين على ارض الواقع، كما لابد ان يتسم الاطار القانوني بالتطور والمرونة التامة، بهدف جذب الاستثمارات، ويأخذ الظروف المستجدة والاحتياجات المتنامية للافراد والمؤسسات الوطنية، فضلا عن الشفافية ووضوح الرؤيا، والشفافية تعني هنا: الشعور بان التنافس شريف ونظافة الاجراءات، وعدم اللجوء الى التحايل والرشوة، واستغلال النفوذ. وبذلك يمكن تأمين مشروع وجذب استثماري حقيقي.. اما وضوح الرؤيا فيتمثل في ان تحدد الحكومات اهدافها وتعيد ترتيب اولوياتها بالنسبة للمشروعات التي يراد تشجيعها لخدمة خطط التنمية، وان تتسم قراراتها، على مختلف المستويات، بدقة الصياغة والوضوح ليسهل تنفيذها. المصدر: جريدة الصباح- 2- 7- 2006
ديندار شيخاني
شهدت الساحة العراقية بعد 2003/4/9 العديد من التغييرات، منها ظهور العديد من منظمات المجتمع المدني والتي حرم الشعب العراقي من حرية تأسيسها طيلة سني العهد الدكتاتوري. وانطلاقا من أهمية بناء منظمات فعالة للمجــــــتمع المدني من اجل خدمة العراق التعددي الديمقراطي الفدرالي الموحد، كان لابد من استحداث وزارة تعنى بالمجتمع المدني. فمنظمات المـــجتمع المــدني تعتبر العمود الفقري للمـجتمع الديمـــــقراطي، وهي تلعب العديد من الادوار المهمة في المجتمع، منها بناء وتنمية المجتمع وتوعية المواطن ودعم المسيرة الديمقراطية وتعتبر أداة يطالب الشعب من خلالها بحقوقه. نظراً لحداثة تجربة المجتمع المدني العراقية، فان المنظمات غير الحكومية عندنا تعاني من العديد من المشاكل ، ومن اجل تطوير أوضاع هذه المنظمات لتكون أكثر فعالية ولتصبح بالفعل مؤسسات ديمقراطية قادرة على الإسهام في التطور الديمقراطي للمجتمع، وتمكينها من اداء مهماتها، ولكون وزارة الدولة لشؤون المجتمع المدني هي الجهة الرسمية المعنية بشؤون المجتمع المدني في العراق فانه يقع على عاتق الوزارة القيام بالعديد من المهام: 1. دعم منظمات المجتمع المدني ماديا ومعنويا: إذ تعتبر مشكلة التمويل من أهم المشاكل التي تعاني منها المنظمات والتي تعرقل عملها وتحد من نشاطها، مما يتطلب معالجة هذه المشكلة وذلك من خلال العمل على تخصيص موارد مالية لها من ميزانية الدولة، وإنشاء صندوق لدعم المنظمات من موارد حكومية للارتقاء بها إلى مستوى الطموح وتمكينها من وقوفها على قدميها وان تكون الوزارة سنداً لها وان تعمل على تنظيم آلية عملها بالشكل الذي يتوافق ومتطلبات النهوض بواقع المجتمع العراقي وبالشكل الذي يخدم العملية الديمقراطية. 2. تنسيق وتطوير التعاون بين منظمات المجتمع المدني ويشمل هذا تنسيق وتطوير عملية إنشاء شبكات من المنظمات التي تعمل في مجالات مشتركة أو تنشط في نطاق جغرافي واحد، لدعم جهودها في هذه المجالات. ووضع آليات وأطر تكفل التبادل المنتظم للمعلومات والخبرات، وعقد اجتماعات دورية لبحث المشاكل المشتركة والعمل على ايجاد الحلول المناسبة لها، ومساندتها لقيامها بدور حقيقي في التنمية والتطور الديمقراطي. 3. المساهمة في نشر ثقافة المجتمع المدني في المجتمع، وتوفير المناخ المناسب لقيام المنظمات بنشاط فعال من خلال تعميق القيم المساعدة على التحول الديمقراطي وانعكاسها في سلوك المواطنين كقيم التسامح والحوار والاعتراف بالآخر، حيث أن بناء المجتمع المدني في العراق يتطلب القيام بمهام عديدة، من بينها إرساء ثقافة مدنية في المجتمع. 4. تنسيق وتطوير علاقة المنظمات مع مؤسسات الدولة بشكل يضمن حقوق تلك المنظمات في إطارٍالدستور والقانون، فمن المهم تطوير هذه العلاقة بحيث لا يفهم أن تقوية منظمات المجتمع المدني واستقلالها سيكون على حساب أضعاف الدولة، لأننا بحاجة الى دولة قوية قادرة عادلة تطبق الديمقراطية وتعطي المجتمع المدني فرصة النمو والازدهار، وذلك من خلال العمل على تطوير التشريعات القائمة وإلغاء القيود المفروضة على المنظمات لضمان استقلاليتها والحرص على تعميق الديمقراطية الداخلية لهذه المنظمات وتأكيد مبدأ الشفافية بالنسبة لبرامج النشاط والتمويل. 5. تطوير قدرات العاملين في المنظمات من خلال تدريب كوادر المنظمات وتطوير قدراتهم وتوفير المهارات والخبرات الضرورية لهم لممارسة مسؤولياتهم في كافة مجالات النشاط ، ويدخل في ذلك تقديم مساعدات فنية لهم وتنظيم الفعاليات المستمرة لبناء هذه الملاكات. يعاني مكتب مساعدة المنظمات غير الحكومية والذي تشرف عليه الوزارة، من العديد من المشاكل التي تمنعه من (مساعدة) المنظمات غير الحكومية. فحالياً يقوم هذا المكتب بمهمة تسجيل المنظمات، وربما كانت هذه احدى وظائفه، ولكنها ليست الوظيفة الوحيدة له. فعندما سمي المكتب بـ(مكتب مساعدة المنظمات غير الحكومية) لم يكن يقصد بذلك حصر مهمة المكتب بتسجيل المنظمات والاشراف عليها، بل ان هذه التسمية وهذا الجهاز الحيوي يعني اكثر من ذلك بكثير (اذا تم رفده بالوسائل التي تمكنه من القيام بمهامه). وقد سبق أن ذكرنا في مقالتنا الموسومة (تطوير المجتمع المدني العراقي بالافادة من التجربة اليابانية) المنشورة في جريدة الصباح – العدد (889) في 2006/7/18 بان مراكز مساعدة المنظمات غير الحكومية في اليابان تقدم مساعدات شاملة لانشطة المنظمات غير الربحية، ونحن في العراق بامس الحاجة الى انشاء مثل هذه المراكز عندنا. هناك مجموعة من العوائق التي تقف حائلاً دون قيام الوزارة والمكتب بالمهام الملقاة على عاتقها، تتمثل بكون الوزارة هي وزارة دولة وليست وزارة ذات حقيبة وزارية وبالتالي ليست لديها ميزانية مالية مستقلة تمكنها من تقديم الدعم اللازم للمنظمات، كما ان قلة ملاكها الوظيفي وعدم وجود فروع او مكاتب للوزارة في المحافظات والاقاليم يعيق من تواصل الوزارة مع منظمات المجتمع المدني في ربوع العراق . كل هذا القصور أدى إلى عدم قيام الوزارة بمهماتها كما ينبغي ، وبالتالي عدم الرضى الكامل عن أدائها، لأن المنظمات تعتبر الوزارة هي الجهة الرسمية في العراق المعنية بشؤون المنظمات لذلك فهي تنتظر من الوزارة القيام بالعديد من المهام، حيث طالبت هذه المنظمات خلال العديد من المؤتمرات والمناسبات بضرورة تطوير الوزارة من وزارة دولة الى وزارة كاملة. كما ان الوزارة قد طلبت من مجلس الوزراء باقرار قانون وزارة المجتمع المدني لتتحول بذلك الى وزارة ذات حقيبة وزارية ولتكون بمصاف الوزارات المستحدثة كوزارة حقوق الانسان ووزارة البيئة ووزارة المهجرين والمهاجرين، لكي تتمكن من تفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني بما ينسجم مع تطوير العملية السياسية وترسيخ مبادئ ومفاهيم اليمقراطية لكل ابناء العراق. ومن كل ذلك نرى بانه يتوجب تطوير وزارة المجتمع المدني ودعمها وتخصيص المبالغ المالية اللازمة لها من ميزانية الدولة وتوفير الملاك الوظيفي بالشكل الذي يمّكنها من القيام بالمسؤوليات الملقاة على عاتقها، وسيكون ذلك فخراً وانجازاً عظيماً للدولة والحكومة معا. و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور. المصدر: جريدة الصباح- 4-9-2006
هشام الدجاني
جاء تطور الدولة العصرية في البلدان الغربية، كما هومعروف، نتيجة لنضج أهداف موضوعية داخلية. وهذا ما سمح بإفراز البنى الفوقية، وبالتالي المفاهيم الفلسفية والأيدلوجيا والأخلاقية الجديدة. وجاءت هذه المفاهيم للتلاؤم مع مقومات سيادة الدولة التي تمحورت حول إعطاء الأولوية إلى مفهوم الفرد الحر المتعقل والمسؤول ضمن إطار الدولة الحديثة. ومن المعروف أنها كانت تتناقض مع المفاهيم اللاهوتية للكنيسة والإقطاع.
كان على الدولة – الأمة من أجل أن تقوم بدورها السياسي ضمن اقتصاد البلاد، أن تتحرر من أي تبعية. يأتي هذا من خلال النمو المستمر لهذه الدولة ضمن النظرة العامة لتأسيس قيم المواطنة لدى الفرد الذي يقوم انتماؤه إلى وطنه على قيم الحرية الشخصية. أما بالنسبة إلى الدولة الحديثة في الوطن العربي فهي قد نشأ ت استجابة لحاجة أولية، وهذا ما جعلها تتصف بعدة خصائص، منها التطور المحدود للنظام السياسي، والتناقض البنيوي للتكوين الإجماعي، بالإضافة إلى أساليب الإنتاج المتضاربة. هنا يمكن أن نلاحظ في معظم البلدان العربية أن المجتمع كان يعاني من هشاشة جوهرية نظرا لتبعية الدولة. وبالتالي نجد أن الدولة تعاني بدورها من انفصام جوهري في أدائها لوظيفتها، انفصام له انعكاسات واضحة وشديدة على جميع مظاهرها، وهذا ما يمكن قوى السلطة وحلفائها الداخليين من توليد التبعية والتخلف. مثل هذا التحليل يمكن أن يساعدنا على نحوأفضل في فهم تضارب الظواهر الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في البلدان العربية في ضوء الانقسام الفعلي لوظيفة كل من المجتمع والدولة. وهذا ما يمكن أن يفسر لنا ثانية الانفصام الظاهر ما بين البنى الفوقية والبنى التحتية، مما يفيد أن البنى الأولى هي التي تقود عمليا البنى الثانية في هذه البلدان (ا لثورة من فوق). يعرّض هذا أسس الأمة في الدولة المستقلة في بلداننا إلى نوع من الاضطراب في الجوهر السياسي والوظيفي، ويطرح للتساؤل مسألة سيادتها كدولة، لا سيما بسبب العنصر الخارجي الرئيس المتمثل في ذلك ا لتحالف ما بين الفئات العليا من الطبقة الحاكمة والقوى المهيمنة داخل الدولة. في الأقطار الأكثر تقدما نجد الدولة الحديثة تحاول أن تضع نفسها فوق علاقات الإنتاج السلعي والقاعدة الإنتاجية بصورة عامة. أن تكون قاعدة لمفاهيم المساواة والحرية. في حين نجد أن القاعدة الأساسية للديموقراطية تعاني من إعاقة جوهرية في الدولة العربية. فالتخلف الاقتصادي يتصف بتأثير معيق طويل المدى في نموواستقرار قوانين إعادة الإنتاج المعاصرة. وهناك عامل آخر هومساهمة أساليب الإنتاج ا لتقليدية (ما قبل الرأسمالية) كجزء من عملية إعادة الإنتاج. في هذا السياق نجد ثمة علاقات متداخلة ما بين التبعية والتخلف تعيق نموالدولة العربية بشدة. ضمن هذا السياق نجد أن الاقتصاد الريعي في الدول العربية قد أحدث هشاشة جوهرية في بنية الدولة وفي عملية الإنتاج والتنمية. كما نجد أنه إذا كان على السياسة أن تترابط مع الاقتصاد حيث يساهمان معا في علاقات الإنتاج والبنى الفوقية المتعلقة بحاجات التقدم الاجتماعي ينبغي أن يرتبطا بمجتمع موحد مستقل. بمعنى آخر يجب أن يتوفر انسجام ما بين المجتمع السياسي والمجتمع المدني. بيد أن هذا الانسجام الضروري لم يتحقق ولذا نجد، بسبب تبعية الدولة على الأصعدة السياسية والاقتصادية والاستراتيجية، أن القاعدة الأساسية لسياسة الأمة تظل غير متحكمة. مجمل هذه المعطيات أدت إلى بعض النتائج الخطيرة على مستويين: الأول يتعلق بقدرة الدولة على جعل سياستها مستقلة خارجيا، في الوقت الذي تتمحور فيه حول محور وطني داخلي لتحقيق مصالح كافة الطبقات. والثاني أن انفصال الدولة عن الأمة قد قاد إلى غياب التوافق ما بين المجتمع السياسي والمجتمع المدني، بحيث لم تعد العملية السياسية تتطابق مع وحدة المجتمع نفسه. إن جملة هذه العوامل تنسف مجمل العلاقة ما بين الدولة والمجتمع، بين الإقتصاد والسياسة. وضمن هذه الشروط تعاني العلاقة بين البنى الفوقية والبنى السفلية من اضطراب جوهري لعدة عوامل ومنها ضعف الآلية الديموقراطية في المجتمع والتي تعيق التفاعل بين البنيتين. ونستطيع أن نضيف أن هذه العلاقة مكنت الجماعات السياسية الطفيلية من الصعود أكثر فأكثر في مدارج السلطة ولتتمفصل مع قوى الهيمنة الخارجية. وهذا بدوره ما يفسر سلسلة التناقضات ما بين مصالح الأمة ومصالح ا لنظام. و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور. المصدر: الحياة اللندنية- 10- 9-2006
ريتشارد ستنغل
في كل تاريخ الولايات المتحدة، ما كان المواطنون الأميركيون يأبهون للسياسة الخارجية. فقد كنا وما نزال محميين بمحيطين. ثم إن الفكرة القائلة بالأمة الاستثنائية عنت من ضمن ما عنت أننا نحن الأميركيين نقع خارج خصومات العالم القديم أيضاً. وحتى في السنوات السابقة على الحربين الأولى والثانية؛ فإن الناخبين الأميركيين كانوا مهتمين بالابتعاد عن الحروب الخارجية، أكثر من اهتمامهم بمعرفة أسباب تلك الحروب. وخلال السنوات الثلاثين السابقة أوصل الأميركيون غالباً للبيت الأبيض رؤساء كانوا حكّام ولايات من قبل، وحكّام الولايات لا يملكون في العادة خبرة في السياسة الخارجية. وكان المرشحون للرئاسة يملكون دائماً سياسات تفصيلية في الضرائب والشؤون الاجتماعية والصحية؛ فماذا إذا لم يعرفوا اسم رئيس وزراء ماليزيا؟ كل ذلك تغير مع رنين ساعة اليقظة بتاريخ 11/9 بآلاف الطرق المتنوّعة. بيدَ أن هناك شيئاً أساسياً بقي بدون نقاش، وهو ضروري لمستقبلنا: كيف ينبغي أن تكون سياستنا الخارجية، وما هو الدور الذي نريده لأنفسنا في العالم؟ وما هي المصالح والقيم التي ندعي دائماً الدفاع عنها؟ وهذه أسئلة في الأمن الوطني، لا تقلّ أهمية عن حماية موانئنا ومطاراتنا. خلال تاريخنا كله كان مسلّماً أن السياسة الخارجية ليست من شغل المواطنين، وأنه لا بد من وضعها بأيدي الاختصاصيين والنُخَب السياسية والثقافية، ذلك أن المواطنين الأميركيين ليسوا مُعَدّين بحيث يستطيعون فهم المشكلات الخارجية وإصدار رأي أو قرار فيها. وهذه غلطة ما عاد بوسعنا متابعتها. المواطنون الأميركيون يدفعون الضرائب لدعم سياساتنا فيما وراء البحار، ويرسلون أبناءهم وبناتهم للقتال من أجل الأمة؛ ولذلك يكون من حقّهم أن يكون لهم رأي في السياسة الخارجية، كما أنهم يملكون معرفة بالعالم الخارجي الذي نتحرك فيه. إن ديموقراطية المشاركة لا تنتهي عند شواطئ المحيط. إننا ونحن نتحرك باتجاه الانتخابات الرئاسية عام 2008 نطالب من المرشحين للرئاسة أن يعرفوا الشرق الأوسط والصين معرفة جيدة، ولا يكتفوا بورقة اقتراحات حول إصلاح العناية الصحية. قبل أسابيع قليلة، كنت محظوظاً بحضور غداء صغير لدى الجنرال برنت سكوكروفت مستشار الأمن القومي السابق للرئيس بوش الأب. وقد شرح سكوكروفت الموضوعين الرئيسيين للسياسة الخارجية الأميركية، والتيارين اللذين يتصارعان عليها: التقليديون في مواجهة التغييريين، أو الواقعيون في مقابل المثاليين. وهذان القطبان يمثّلهما على الطرفين جون كوينزي أدامز، والرئيس وودرو ويلسون. كان أدامز يقول: "نحن لا نذهب للخارج باحثين عن وحوش لنقتلها". أما ويلسون فقد كان يعتقد أن أميركا هي مدنية مُشعّة على جبل، وأن قَدَرنا القومي أن نكون مبشّرين بالديموقراطية. ومع أن هذا الاختزال لا يؤدي الغرض؛ فإنني أردت من ورائه أن أوضح أن السياسة الخارجية تستحقّ أن تصبح موضوعاً للنقاش والحوار في المجال الوطني. ما هي مثلاً القيم التي نريد الكفاح من أجلها؟ وما هي الفوائد الحقيقية من وراء علاقاتنا المتشابكة بالعالم الخارجي؟ وكيف نوازن بين الواقعية والمثالية؟ وفي نقاش وطني حول السياسات الخارجية لا ينبغي اتّهام مشارك مهما كان رأيه أنه غير ذي ولاء وطني أو أنه خائن. وهذا ليس ملفاً للصراع بين اليسار واليمين أو بين الأزرق والأحمر؛ لأنه يتعلق بالقيم المشتركة للأميركيين. نستطيع الاختلاف على التكتيك، لكننا نحتاج للتوافق حول القيم والمصالح. في نهاية الحرب العالمية الثانية، واجهنا عالماً جديداً يتحدى في بعض قيمه وسلوكاته كل ما تعودنا عليه باعتبارنا أمة. وفي المقابل طوّرنا سياسة خارجية نشِطة. مهمتها التعامل مع التحديات الجديدة والمخاطر. وقد ساعدنا في تطوير مؤسسات منفتحة مثل حلف الأطلسي، والبنك الدولي، وخطة مارشال. وقد قبل الحزبان الكبيران سياسات الاحتواء المزدوج. والذي أراه أن الظروف الحالية تستلزم محاولة جدية بالمستوى نفسه من الكفاءة، وهذا أمر غير متوافر؛ لكنه يبقى التزاماً يمكن السير فيه وإن تأخر الوقت قليلاً. إنها فرصة لا نستطيع تركها تفوت أو تضيع، وعلينا أن نكون متمتعين بخيال مُبدع، كما كان عليه أسلافنا قبل ستين عاماً. ووجود الواقعية والمثالية يقتضيان القول أن هذين الخطين ليسا في سياستنا الخارجية فقط؛ بل وفي أخلاقنا كشعب. ونحن نتصرف بطريقة سويّة عندما يسير الأمران جنباً الى جنب. و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور. المصدر: المستقبل اللبنانية- 9-9-2006
طالب بتعامل "حذر" مع الإرهاب وتحدث عن تصاعد النفوذ الصيني أصدر معهد بريطاني للأبحاث، تقريرا دوريا راجع فيه القضايا والمشكلات التي يعاني منها العالم، ولا سيما الدواعي التي تقف وراء ما وصفه التقرير بـ "الإرهاب في أوروبا". وفي دراسة مستفيضة واستراتيجية للشؤون العالمية، نشرها المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، يوم الثلاثاء (5/9)، سجل فيها "استمرار التأثير القوي والعملي للسياسة الخارجية الأمريكية على الصعيد العالمي، إلى جانب التزايد المتصاعد في الدور العالمي للصين، كما أكدت الدراسة على أهمية السياسة الاجتماعية والاقتصادية في مكافحة ما يسمى بالإرهاب الداخلي في أوروبا". كما حاول التقرير، الذي بدأ بالصدور سنويا منذ العام 1966، تحت عنوان "المسح الإستراتيجي"، تفسير وتحليل ما تعرضت له بريطانيا بصفة خاصة من هجمات إرهابية، لا سيما تفجيرات السابع من تموز (يوليو) العام الماضي 2005، وإحباط مخطط تفجير طائرات تجارية بين بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، والتي ألقي القبض بسببها في 10 آب (أغسطس) على عدد من الأفراد بتهمة التآمر. ويقول أليكس نيكولي، محرر "المسح الاستراتيجي للعام 2006"، خلال عرضه للتقرير الجاري "لا بد للمرء أن يتعامل بحذر في موضوع الإرهاب الداخلي. فأنت لا تستطيع أن تعلن الحرب على أبناء وطنك على طريقة الحرب العسكرية الأمريكية ضد الإرهاب. إذ عليك أن تعاملها من وجهة نظر محلية، فآثارها قبل كل شيء محلية، ولذا فإنني أعتقد أنه بوجود استخبارات قوية، لا بد من وجود أمن قوي عند الضرورة، ومع ذلك فعليك تحليل الأسباب التي دفعت هؤلاء الأفراد للابتعاد ولاعتناق أفكار راديكالية". تصاعد النفوذ الصيني وبشأن ما أكده التقرير الإستراتيجي الجديد، الذي برر المعهد إصداره المبكر بالرغبة في أن يكون متاحا للجامعات والمعاهد العليا مع انطلاق العام الدراسي الجديد، حول الكيفية التي تمكنت بها السياسة الخارجية الصينية من التواصل مع العالم، والخروج من عزلتها التاريخية التقليدية، قال محرر التقرير نيكولي "تتوسع الصين بسرعة كبيرة منذ وقت غير قصير، وأصبح لها دور رئيسي على المسرح العالمي، فيما تفعله في إفريقيا، من حيث الاستثمارات القوية، ودورها في النزاع مع كوريا الشمالية"، حسب تعبيره. وأضاف "للناس وجهات نظر مختلفة تجاه الصين، البعض يعتبرها نوعا من القوة الضارة، تتحالف مع دول غير تحررية وحكام دكتاتوريين، بينما يراها آخرون على أنها في الأساس قوة غير ضارة، تريد أن يكون لها دور اقتصادي على المسرح العالمي. ومن الطبيعي أن لها حجم تجارة متزايدا مع أمريكا والعديد من الدول الأخرى"، حسب قوله. وترى الدراسة أن "السياسة الخارجية الأمريكية الآن أقل راديكالية، وأكثر عملية منها في الولاية الأولى للرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش، خاصة منذ أن تسلمت كوندوليزا رايس حقيبة الخارجية، من الوزير السابق كولن باول". تحول أمريكي ويسجل التقرير، حول السياسة الأمريكية فيما يتعلق بالشأن الإيراني ما يصفه بـ "تغير أمريكي ذو معنى"، ويضيف "وافق الأمريكيون على أسلوب التعددية لمعرفة إلى أين تصل تلك السياسة على الأقل. في الوقت ذاته فإنهم غير واثقين من تأثير ذلك التغيير، الأمر الذي جعل هناك تضارب في الآراء داخل إدارة بوش، بشأن هذا الموضوع". إلى جانب ذلك يذكر التقرير أن الخسارة في المكانة الدولية التي عانت منها الولايات المتحدة الأمريكية بسبب فشل إدارة بوش الأولى في تحقيق نجاحات في العراق، ما يعني أنها فقدت المصداقية التي يمكن أن تبرر لها محاولة التدخل في الشؤون الدولية من جديد. ويعتبر التقرير أنه وخلال الأزمة التي اندلعت في الشرق الأوسط أخيرا، لا سيما المواجهة بين إسرائيل وحزب الله، فشلت الإدارة الأمريكية بالظهور في مظهر الوسيط أو الفاعل الذي يمكن للأطراف المتنازعة أن تصغ إليه بعناية، على حد تعبير محرر التقرير. ولعل أهم ما في التقرير هو "الإشارة إلى أن التحول الذي شهدته السياسة الخارجية الأمريكية التي تخففت من مثالياتها وتبشيرها بالديمقراطية والإصلاح، لصالح رؤى واقعية تقبل فيه بالشركاء، ولا تتصرف منفردة، حتى لا تعاني مزيدا من العزلة"، على حد وصفه. و كل ذلك بحسب المصدر المذكور. المصدر: الوطن- 10-9-2006
عنوان الكتاب : الأسرة ومتطلبات الأطفال المؤلف : د. علي القائمي الناشر: دار النبلاء - بيروت عدد الصفحات : 648 قراءة : نادر الملاح يقع كتاب "الأسرة ومتطلبات الأطفال" في سبعة أبواب رئيسية، ينقسم الأول منها والذي عنونه الباحث : "نظرة عامة حول احتياج الإنسان" في ستة فصول تغطي محاور هذا الباب، حيث يسعى لبيان تلك الاحتياجات وتحديدها لينتقل خلال فصول هذا الباب لسبل إشباع تلك الحاجات من قبل المربين ومخاطر إهمال ذلك على الطفل والأسرة والمجتمع. الباب الأول: نظرة عامة حول احتياج الإنسان: في الفصل الأول، يناقش الباحث احتياجات الإنسان وأساس ومنشأ وماهية هذه الاحتياجات وخصائصها وأنواعها. كما يبحث الكاتب في هذا الفصل عن شمولية الحاجة واستمراريتها وعلاقتها بالسن والجنس. أما الفصل الثاني، فيتناول أهمية تلك الاحتياجات وضرورة إشباعها، مع بيان موقع تلك الاحتياجات على خريطة حياة النوع الإنساني حيث تعتبر من عوامل الحياة والنمو والحركة والسلامة. كذلك يتعرض هذا الفصل لماهية العلاقة بين الحاجة والسلوك، وبين الحاجة والتوازن، والحاجة وارتياح الإنسان، ليخلص إلى التأكيد على ضرورة تلبية تلك الاحتياجات للوصول بالطفل لبناء سليم لشخصيته وتكوينه. في الفصل الثالث ينتقل الباحث للحديث عن الأخطار والآثار الناجمة عن عدم شباع الاحتياجات، ويسعى لبحث علاقة تلك الأخطار بالجسم والروح والسلوك والأخلاق والفكر والذهن. كما يتطرق هذا الفصل إلى ضرورة الحرمان والمصلحة المبتغاة منه. كيفية تأمين الاحتياجات ومراعاة الضوابط اللازمة في هذا المجال من وجهة نظر الدين والأخلاق هو محور الحديث في : الفصل الرابع من الكتاب، حيث يشير الباحث في هذا الصدد إلى ضرورة حمل الطفل على التعاون وتأمين الإمكانيات من قبل الوالدين من خلال مراعاة الألولويات. أما الفصل الخامس، فيدور حول دور الأسرة في مجال تأمين الاحتياجات، وأهمية البناء الأسري وجدية الأسرة في تأمين تلك الاحتياجات، وأهمية هذا الأمر في السنوات الأولى من عمر الطفل، وكذلك ضرورة مراعاة الضوابط الأساسية ضمن عملية سد الاحتياجات. ويختتم الباحث هذا الباب في الفصل السادس منه بالحديث عن التصنيفات المختلفة للاحتياجات من وجهة نظر العلماء، والأسلوب الذي اعتمده الباحث في بحثه لتصنيف تلك الاحتياجات بما ييسر على القارئ فهم الأبواب اللاحقة. الباب الثاني: الاحتياجات المعيشية والجسمية: ينقسم هذا الباب في ثمانية فصول تركز على المحاور التالية: الحاجة للغذاء الحاجة للنوم والراحة الحاجة للتغوط الحاجة للملبس الحاجة للعلب والحركة الحاجة للصحة والنظافة الحاجة للمسكن الحاجة للتجربة والمهارة الباب الثالث: الاحتياجات العاطفية: ينقسم هذا الباب في ثمانية فصول أيضا، تركز على المحاور التالية : الحاجة للقبول الحاجة للمحبة الحاجة للاحترام الحاجة للتقدير والثناء الحاجة للمواساة والملاطفة الحاجة للسيطرة والرقابة الحاجة للبكاء الحاجة للسعادة والنشاط الباب الرابع: الاحتياجات النفسية : ينقسم هذا الباب في ثمانية فصول أيضا، تركز على المحاور التالية: الحاجة للحماية الحاجة للأمن الحاجة للنجاح الحاجة للتظاهر الحاجة لعزة النفس الحاجة للثقة بالنفس الحاجة التفحص الحاجة لسلامة النفس الباب الخامس: الاحتياجات الاجتماعية: ينقسم هذا الباب في ستة فصول تركز على المحاور التالية: الحاجة للتعلق الحاجة للمعاشرة والرفقة الحاجة للمشاركة في الحياة الاجتماعية الحاجة للتقليد والمشابهة الحاجة للمقررات والنظم والترتيب الحاجة للأدب والأخلاق الباب السادس : الحاجة إلى الأبعاد المثلى للنمو: ويغطي هذا الباب الواقع في تسعة فصول مجموعة من الحاجات المتصلة بمعرفة الذات والعلم والهدفية والدين والعدالة والحرية والاستقلال والرشد والكمال والدفاع. الباب السابع: متطلبات خواص الأطفال: يخصص الباحث هذا الفصل لاستعراض احتياجات الأطفال الاستثنائيين، وهم-حسب الباحث- أولئك الأطفال الذين يعيشون في وضع معين يتميزون فيه عن غيرهم من الأفراد العاديين وذلك بسبب ظروف جسمية أو عقلية أو عاطفية أو نفسية، والذين يختلف مستوى رشدهم وتطورهم عن أقرانهم في السن والحالة. وتشمل هذه الشريحة بطبيعة الحال ذوي الاحتياجات الخاصة بمعنى المعاقين حسب التعريف المتداول غير أنها لا تقف عند هذا التعريف حيث تمتد لتشمل الأيتام والمعلولين والنوابغ.. وكما هي الحال في الأبواب السابقة، فإن الباحث يقسم الحديث عن كل شريحة من هذه الشرائح في فصل مستقل، ليتألف هذا الباب الأخير من خمسة فصول تغطي التصنيفات الخمس التي اعتمدها الباحث للأطفال الاستثنائيين. ويعتبر هذا الكتاب، موسوعة تربوية مصغرة، تعين القارئ العادي والمختص على تشكيل صورة شمولية لمختلف الاحتياجات لدى الأطفال والأدوار المتوقعة من المربين مقابل كل صنف من اصناف تلك الحاجات. كما أن الباحث لا يكتفي بعرض الخطوط العريضة فقط وإنما يعمد للدخول في بعض التفصيلات التي تساعد القارئ على نسج خيوط شبكية لتلك الصورة التي يمكن أن يخلص إليها في نهاية الكتاب. وكل ذلك حسب قراءة نادر الملاح للكتاب نصاً في المصدر المذكور . المصدر : http://www.tarbya.ne
نزار حيدر
أكثر من عشر مرات، ورد التأكيد على وحدة العراق في الدستور. كما أكدت كل القرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن، بشأن العراق، على وحدة هذا البلد. فاذا جمعنا الارادتين العراقية والدولية الى بعض، يتضح لنا جليا بأن وحدة العراق أمر مفروغ منه، لا يجازف أحد بتهديدها، ما يعني أن حجة الذين يعارضون الفيدرالية في العراق الجديد، من كونهم حريصون على وحدة البلاد وأنهم يخافون على العراق من خطر التقسيم والتجزئة، انها حجة داحضة، لا تستند الى أي مبرر، وانها مجرد أباطيل يتسترون وراءها ويخفون خلفها أجندات طائفية وعنصرية معروفة لكل ذي عين بصيرة، أو ألقى السمع وهو شهيد. ان من يعارض الفيدرالية في العراق الجديد، والتي تعني النظام اللامركزي، يخفي وراء كل هذا التهويل من خطر التجزئة والتقسيم، مشروعا واحدا لا غير، انه مشروع العودة بالعراق الى سابق عهده، تحكمه الأقلية بنظام سياسي مركزي حديدي، يهمش المواطن، ويقضي على كل محاولات المشاركة في الحياة السياسية العامة، ويعيد العراق في ظله الى ما يشبه الصندوق الحديدي، تحكمه دولة المنظمة السرية، الخارج منه مولود، والداخل اليه مفقود، كما كان حاله خلال النيف والثلاثين عاما المنصرمة. كنت أتمنى أن يتسلح هؤلاء بشجاعة أكبر تؤهلهم وتمكنهم من الافصاح عن حقيقة ما يدور في خلدهم من أجندات سياسية، تضمر للعراق وشعبه الشر، والا متى كان هؤلاء حريصون على وحدة العراق أكثر من غالبية المجتمع العراقي؟. ان أخطر الأشرار يمارسون جرائمهم تحت مسميات مقدسة، اذ لا يوجد أحد في هذا العالم يضمر شرا ويفصح عنه، انما يحاول دائما التستر عليه بشعارات براقة تكسب ود الناس وعواطف الرأي العام لصالحه، وهذا ما يفعله اليوم على وجه التحديد، الذين يخالفون الفيدرالية في العراق الجديد ويحاولون عرقلة تمرير قانونها في مجلس النواب، انهم يرفعون لافتة وحدة العراق ليتستروا خلفها بأجنداتهم العنصرية والطائفية، وكأنهم أحرص على وحدة العراق من دون كل العراقيين. ان عودة سريعة الى تاريخ تأسيس الدولة العراقية الحديثة، يتضح لنا جليا بأن هؤلاء هم أول من دعا البريطانيين، ابان الاحتلال البريطاني للعراق مطلع القرن الماضي، الى فصل البصرة عن بلاد الرافدين لتأسيس امارة فيها يحكمونها هم دون سواهم من العراقيين، كما انهم لم يكونوا متحمسين كثيرا لضم ولاية الموصل الى الدولة العراقية حديثة التأسيس، والتي كانت تضم الى جانب محافظة الموصل الحالية، منطقة كردستان بكل محافظاتها، ولولا كفاح الأغلبية من الشعب العراقي(الشيعة) لتأسس العراق من منطقة الفرات الاوسط فقط، دون أن يشمل ولايتي الموصل والبصرة. كانت محاولات أجدادهم تنصب على اقتطاع أي جزء من أرض العراق الحالي، ليقيموا عليها امارتهم، كما فعلت القبائل في منطقة الخليج، الا أن نضال الأغلبية من العراقيين حالت آنئذ دون تقطيع أوصال بلاد الرافدين، وحافظت على وحدة شعبه وترابه. لقد اعتمد مشروع نضال الأغلبية في العراق، منذ البداية، على أساس وحدة العراق بحدوده الجغرافية الحالية، رافضا كل شكل من أشكال الابتزاز القائم على أساس انتزاع أي شبر من أرضه، أو التنازل عنه، وان كل شبر اقتطع من أرض العراق بعد ذلك، انما في ظل المشروع القومي العربي الذي قاده، منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة وحتى سقوط الصنم في التاسع من نيسان عام 2003، هؤلاء الذين يتباكون اليوم على وحدة العراق. أين كان هؤلاء من وحدة العراق، عندما تنازل نظام صدام حسين عن سيادة العراق على جزء كبير من شط العرب الى ايران ابان عهد الشاه المخلوع؟ وأين كانوا عندما عاد وثبت تنازله هذا بعيد حرب تحرير الجارة الكويت من احتلاله الغاشم؟ واين كانوا عندما تنازل الطاغية عن سيادة العراق على أراضي شاسعة في الغرب والجنوب ووهبها الى الجيران؟ وأين كانوا عندما وقع في خيمة صفوان على تلك الوثيقة المذلة التي باع فيها النظام البائد الأرض والعرض للأجنبي؟ وأين كان المتباكون على وحدة العراق يوم أن قرر النظام البائد سحب كل الدوائر الحكومية من محافظات كردستان، ليمهد بذلك الى انفصالها، لو كان في نية الكرد آنئذ الانفصال عن العراق؟ لقد عد المتباكون، كل تلك القرارات وقتها، تعبيرا عن ثورية النظام وقوميته الأصيلة وشعوره العالي بالمسؤولية ازاء وحدة العراق، فغنوا لها وصفقوا، أليس كذلك؟. كانوا لا يترددون في تأييد الطاغية بكل قراراته التي عرضت سيادة العراق لمخاطر جمة، أما اليوم فتراهم يبكون وينحبون على حدود رسمها الاستعمار، وعلى علم اخترعه الطاغوت من دون أن يأخذ فيه رأي الشعب العراقي، ويذرفون دموع التماسيح على وحدة لم تهددها الأغلبية من الشعب العراقي في أي وقت من الأوقات. بصراحة، انها محاولة بائسة ويائسة من الطائفيين والعنصريين للاستحواذ على العراق وخيراته مرة أخرى، ليعود العراق بستان لهم يتصرفون به كيف ومتى يشاؤون، يهبون منه لمن يشاؤون أنى يشاؤون، ولكن، عليهم أن يطمئنوا، فلقد ولى ذلك الزمن والى الأبد، فلم يعد العراق تملكه فئة معينة، ولم يعد يحكمه انقلابيون، ولم تعد خيراته تصرف على فئة دون أخرى، ولم يعد العراقيون فئتين، حاكمة الى الأبد، ومحكومة الى الأبد، ولم تعد الأغلبية مقموعة ومسحوقة بسبب انتمائها المذهبي، كما لم تعد الأقليات، خاصة أكبر الأقليات (الكرد) محرومة ومسحوقة بسبب انتمائاتها الاثنية، اذ بات العراقيون متساوون في الحقوق والواجبات، وفي التمتع بخيرات البلاد، في اطار شراكة حقيقية في السلطة، لا فضل لأحد منهم على الآخر، الا بالخبرة والنزاهة والكفاءة والانجازالوطني والحرص على خدمة البلاد والعباد. ان قبول هؤلاء بالفيدرالية لكردستان ورفضهم لها في المناطق الاخرى من العراق، دليل صارخ على طائفية منطلقاتهم، وهذا يعني أنهم لا يرفضونها كمبدأ يهدد وحدة العراق مثلا أو ما أشبه، وانما يرفضونها لشريحة معينة دون أخرى، وأنا أجزم هنا، وأقول، لو كان النفط في المنطقة الغربية من العراق، لما تردد هؤلاء في اعلان الفيدرالية بل الانفصال عن العراق ومن جانب واحد، لحظة واحدة، ولكن ماذا عسانا أن نفعل وقد حبى الله تعالى جنوب العراق وشماله بخيرات وفيرة ميزهما عن أي أرض في الدنيا، بما فيها المنطقة الغربية من بلاد الرافدين؟. يقولون بأنهم يقبلون الفيدرالية لكردستان لأنها أمر واقع لا مناص عنه، وهذا يعني بأنهم يقبلون بكل أمر واقع، بغض النظر عما اذا كان يدعم أو يهدد وحدة العراق، اذن، لتؤسس بقية محافظات العراق فيدرالياتها، وليظل هؤلاء يعارضون، لحين أن تتحول الى أمر واقع بعد نيف من السنين مثلا، وعندها سيقبل بها الجميع، لأنها ستكون، وقتها، أمرا واقعا. أما انا، فلا أقبل بالفيدرالية لكردستان لأنها أمر واقع، وانما لأنني أعتبر الفيدرالية أفضل أنواع النظم السياسية والادارية لبلد كالعراق تتعدد فيه مكونات المجتمع العراقي لدرجة كبيرة. لقد كنت من أوائل الذين أيدوا الفيدرالية لكردستان العراق يوم أن أقرها برلمان كردستان بداية التسعينيات من القرن الماضي.وقتها لم تلق قبولا من أغلب القادة العراقيين، حتى من قبل الكثير من المتحمسين لها اليوم، ولقد انطلقت بتأييدي لها بعد أن درست كل المبررات التي ساقها قادة الكرد وزعماءهم والأكاديميين منهم، الى جانب دراستي لعدد كبير من النظم الفيدرالية في هذا العالم، وبعد أن اطمئننت بأن الفيدرالية مشروع وحدة وليس مشروع تقسيم أو تجزئة، وانها يمكن أن تكون حلا مناسبا لمشاكل العراق منذ التأسيس، بسبب الأنظمة المركزية الحديدية التي حكمت البلاد من العاصمة، مع الغاء كامل لارادة الأطراف، والغاء كل أنواع المشاركة الحقيقية والفعلية في القرار السياسي، وبعد أن شعرت بأن الفيدرالية يمكن أن تكون عاملا لاستقرار العراق ونهضته ونموه وازدهاره، وبعد أن اطمئننت بأنها ستساهم في تقسيم ثروات العراق على الجميع بشكل عادل وموزون، من دون احتكار أو استئثار، لذلك، قررت وقتها أن أدعم المشروع وأؤيده بكل أشكال التأييد. ثم تطور المشروع في ذهني فبلورت نظرية فيدرالية المحافظات، والتي لا زلت اتبناها كنظام سياسي في العراق الجديد للمرحلة المنظورة، ولا أكشف سرا اذا قلت بأنني عملت المستحيل من أجل تثبيت النص الذي ورد في المادة (115) من الدستور، والذي ينص على أنه (يحق لكل محافظة أو أكثر، تكوين اقليم بناءا على طلب بالاستفتاء عليه). ولا أدري ان كنت سأطور رأيي خلال الفترة الزمنية القصيرة القادمة باتجاه تأييد مشروع فيدرالية الوسط والجنوب الذي يتبناه زعيم المجلس الأعلى للثورة الاسلامية في العراق السيد عبد العزيز الحكيم، الا أنني، لحد الآن، أتبنى نظرية فيدرالية المحافظات، من دون أن ألغي من ذهني نظرية فيدرالية الوسط والجنوب، اذ قد تستجد ظروف ومبررات تساهم في الاسراع في بلورة قناعات جديدة تصب لصالح الأخيرة، منها مثلا استمرار العنف والارهاب الذي يحصد أرواح العراقيين على الانتماء والهوية، واصرار الأقلية على رفض مشروع الفيدرالية والذي يستبطن بين ثناياه، محاولات خطيرة لاعادة العراق الى سابق عهده، ولذلك أعتقد بأن وحدة العراق اليوم مرهونة بتعقل الأقلية وقبولها الانصياع لارادة الأغلبية من العراقيين، وان أخشى ما أخشاه هو أن يتحول اصرار الأقلية على معاكسة ارادة الأغلبية، سببا مباشرا في دفع الأغلبية (الشيعة والكرد) الى تبني خيار الانفصال كأفضل وسيلة للتخلص من شبح عودة الماضي بكل مآسيه وآلامه، في ظل نظام شمولي مركزي حديدي تتحكم فيه الأقلية. ان أمام العراقيين اليوم فرصة تاريخية كبيرة، قد لا تعوض، لاعادة بناء العراق الجديد على أسس ومتبنيات سياسية جديدة، تلغي الثوابت القديمة التي تأسس عليها العراق الحديث، وذلك من خلال تمرير قانون الفيدرالية في البرلمان، لسنه، الأمر الذي يحتاج الى تحالف قوي بينهم جميعا، حتى ينجحوا في التصدي لكل العراقيل التي تضع العصي في طريق القانون، والتي لا تريد للعراقيين أن ينعموا بخير النظام الفيدرالي. ان الفيدرالية خير لابد للعراقيين أن ينعموا به، ولا يحق لأحد أن يحرمهم منه، بحجج واعذار واهية، كما لا يحق لأقلية أن تحرم الأغلبية من التمتع بحقوقها الدستورية، وان العراقيين جميعا حريصون على وحدة العراق أكثر من أي واحد آخر، ففي ظل العولمة والاندماج لا يعقل أن يفكر أي واحد من العراقيين بالانفصال ، لأنهم يعرفون جيدا بأن العالم اليوم هو عالم الدول الكبيرة أو المتحدة، بل انه عالم اندماج حتى الشركات والمؤسسات، وكلنا يقرأ ويسمع يوميا عن أخبار اندماج المؤسسات بعضها مع البعض الآخر لتقوى على الصمود في وجه تحديات العولمة، فكيف يعقل أن تفكر شريحة من العراقيين بالانفصال عن العراق، في ظل العولمة ونظام القرية الصغيرة؟ وهي على يقين من أن الدولة الصغيرة ستضطر لأن تكون محمية لدولة عظمى أخرى اذا أرادت أن تعيش بسلام في هذا العالم، ولعل نموذج دول الخليج الصغيرة، التي لا ترى بالعين المجردة على الخارطة الا بالمجهر، خير دليل على ذلك. وان أكبر دليل على حرص العراقيين على وحدة العراق وسعيهم لانصاف بعضهم البعض الآخر، هو تبنيهم للفيدرالية على أسس جديدة، تختلف عن أغلب أنواع الفيدراليات القائمة في العديد من دول العالم، فهم لم يتبنوا، مثلا، النموذج القائم في دولة الامارات العربية المتحدة، والذي يحصر تملك خيرات البلاد بالأرض التي تحتضنها، فمثلا ليس لامارة (الفجيرة) حق دستوري يذكر في بترول امارة (ابو ظبي) وهكذا، ولذلك نرى ونلمس البون الشاسع في مشاريع التنمية وكذلك في المستوى المعيشي لسكان كل امارة من الامارات السبع، لدرجة أن العالم، خاصة عالم المال والاقتصاد، لا يعرف من أسماء الامارات السبع التي تتشكل منها الدولة سوى امارتين أو ثلاث هي الأغنى من بين شقيقاتها الأخريات. أما العراقيون فكانوا أكثر انصافا مع بعضهم، وأكثر حرصا على وحدة بلادهم، وأكثر التزاما برفاهية أنفسهم جميعا من دون تمييز عرقي أو جغرافي، فاعتبروا أن (النفط والغاز هو ملك كل الشعب العراقي في كل الأقاليم والمحافظات) كما نصت على ذلك المادة (108) من الدستور. ولو لم تكن في مواد الدستور سوى هذه المادة، لكفى بها دليلا على حرص العراقيين على وحدة بلادهم وانصاف بعضهم البعض الآخر، فهي وحدها حجرا صلدا يلقم بها العراقيون فم كل من يتحجج بحرصه على وحدة العراق لعرقلة تبني قانون الفيدرالية، فان من يبيت الانفصال في مشروعه السياسي، لا يمكن أن يقبل بمثل هذا النص الدستوري الذي يوحد العراق جغرافيا وعند توزيع الثروات الطبيعية، وكلنا يعرف فان أكبر الخصام هو على النفط والغاز، ليس في العراق فقط وانما في كل العالم. فالى من يعرقل تمرير القانون، أقول؛ اقرأوا الدستور جيدا، لتقدموا الشكر الجزيل والثناء الجميل للعراقيين الذين أكدوا التزامهم بوحدة العراق وبمبدأ المساواة فيما بينهم على كل الأصعدة والمستويات، ابتداءا بالمواطنة وانتهاءا بالنفط والغاز، مرورا بكل الحقوق والواجبات التي نص عليها الدستور. خاصة الأغلبية من العراقيين، وأقصد بهم الشيعة، انهم آخر من يفكر بالانفصال عن العراق، لأنهم الأغلبية، ومن المعروف فان كل أغلبية في العالم لها الحق في حكم البلاد ولذلك لا تفكر بالانفصال، انما الذي قد يفكر بذلك هي الأقليات في أي بلد، فهل يعقل أن تفكر الأغلبية بالانفصال وهي التي تطمح الى المشاركة في السلطة بعد عقود طويلة من الحرمان والاقصاء؟ بالتاكيد لا يعقل ذلك. كذلك، فاذا كان في العراق من يفكر بالانفصال، لحقق ذلك منذ زمن، في ظل ظروف سياسية معقدة مرت على البلاد، فالكرد مثلا، مروا بظروف مؤاتية لصالح مشروع الانفصال اذا كانوا يفكرون بذلك، وكذلك الشيعة وهم الذين يمتلكون بمناطقهم الكثير الكثير من الخيرات، والعديد من المقومات التي تؤهلهم لاقامة أقوى دولة في المنطقة، الا أنه ليس أحد من العراقيين حدث نفسه بالانفصال لأن الجميع على يقين بأن قوتهم في وحدتهم، وأن تكاملهم في الحفاظ على وحدة العراق أرضا وشعبا. وبصراحة أقول، فان مشروع ما يسمى بالمصالحة الوطنية اليوم علىالمحك، فاذا تعامل المعترضون بايجابية مع قانون الفيدرالية المقدم للبرلمان للتصويت عليه، فان ذلك دليل حرصهم على احترام ارادة الأغلبية التي اختارت ذلك، وبعكس ذلك، سيعني أنهم مستمرون في مساعيهم الرامية الى عرقلة تطلعات الأغلبية من العراقيين وآمالهم. ان المصالحة ليست شعارا او مؤتمرا أو ندوة تعقد هنا أو هناك، انها ليست مواثيق تدون على الورق، يتنكر لها أصحابها حتى قبل أن يجف الحبر عليها، بل انها مواقف ايجابية من المصالح العليا للشعب العراقي، كما انها رضوخ وانصياع لارادة الأغلبية، وما قانون الفيدرالية الا محك لامتحان نوايا الجميع ازاء مصالح الشعب العراقي. ان المصالحة بمعناها الحقيقي، التزام بالدستور ووفاء بالعهود، أولا وقبل أي شئ آخر. كذلك، بصراحة اقول، ان الانفصال الاختياري أفضل بكثير من الاتحاد القهري، فما بالك بالاتحاد الاختياري الذي تبناه العراقيون جميعا ومن دون استثناء، من خلال التصويت على الدستور الذي أقر النظام الاتحادي الاختياري (الفيدرالي) للعراق؟ فلماذا اذن كل هذه العراقيل التي يضعها بعض أيتام النظام البائد، أو بعضا ممن فقد السلطة بسقوط الصنم، للحيلولة دون تطبيق الدستور والالتزام بارادة العراقيين التي صوتت بنعم كبيرة لصالحه؟. ان كل تجارب الوحدة والانفصال في العالم، تثبت حقيقة مهمة جدا، ألا وهي أن الاتحاد او الانفصال اذا لم يكن اختياريا، فلن يدوم أبدا، وأمامنا تجارب يوغوسلافيا والاتحاد السوفياتي والمانيا وغيرها الكثير، ولذلك فان خير ما فعل العراقيون هو انهم اختاروا الاتحاد بملء ارادتهم ومن دون جبر أو اكراه أو فرض من قبل أية قوة. ان أكبر خير سيجنيه العراقيون من النظام الفيدرالي هو تفويض السلطات الى الأطراف من المركز، فلم تعد السلطات المختلفة متمركزة في العاصمة، بل ستوزع على الأطراف، وان نظام توزيع السلطات، هو من أهم شروط نجاج المؤسسات فضلا عن الأنظمة السياسية. فلو تصفحنا وثائق الشركات والمؤسسات، لاكتشفنا بأن سبب نجاح أو فشل أية واحدة منها يكمن في تمركز أو توزيع السلطات، فالمؤسسة الناجحة هي التي تسعى دائما الى توزيع السلطات وتفويضها، أما الفاشلة فبالعكس، انها التي تسعى ادارتها الى تمركز السلطة بيد ثلة محددة، فتحتكر مصادر القرار وتستحوذ على أدواته ووسائله ما استطاعت الى ذلك سبيلا. ان العراقيين يبغون من النظام الفيدرالي، ضمان المشاركة والمساواة في التمتع بخيرات البلاد، وانهاء سطوة المركز على الأطراف، وان كل ما دون ذلك من الأقاويل والتهم ليست الا باطلا في باطل. ان الفيدرالية ستضع حدا لتكرار الأنظمة الديكتاتورية الاستبدادية، كما انها ستنهي عهد الأنظمة الحديدية البوليسية، الى جانب أنها ستنهي عهد السرقات المسلحة (الانقلابات العسكرية) التي ابتلي بها العراق منذ وقت مبكر. أخيرا اقول؛ ان الفيدرالية للعراق الجديد هي الأخرى أمر مفروغ منه دستوريا، فقد تم تثبيتها في الدستور وفي القرار الدولي الصادر عن مجلس الأمن، واذا كان هناك من خلاف، فعلى التفاصيل وليس على أصل الموضوع، ولذلك فان من الأفضل للمعترضين أن يقبلوا بالمشروع عن طيب خاطر وبالتوافق مع الأغلبية، ليصطفوا مع ارادة العراقيين، فان ذلك خير لهم من القبول به مكرهين بالتصويت، اذ ليس أمامهم الكثير من الخيارات للتهديد بنسف القانون والحيلولة دون تمريره بالبرلمان، وعليهم ان يتذكروا بأن زمن التهديد والعنتريات، التي ما قتلت ذبابة، قد ولى مع نظام الطاغية، متمنين أن لا نسمع على ألسنتهم تهديدا أو وعيدا، اذ أن ذلك لا يرعب أحدا أبدا. 11 ايلول 2006
|