تركيا في لبنان .. وتركيا "النووية" في الأفق؟
رحّـبت إسرائيل بقوة بمشاركة تركيا في قوات اليونيفيل بجنوب لبنان (في الصورة لقاء وزير الخارجية التركي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي يوم 20 أغسطس 2006 في مكتبه بالقدس) Keystone ضجّـة كُـبرى هذه الأيام في لبنان، وبالتحديد في أوساط الشيعة والأرمن اللبنانيين، حيال احتمال انضمام تركيا إلى القوات الدولية في الجنوب. ومع أن مشاركة تركيا في اليونيفيل التي أقرها يوم الثلاثاء 5 سبتمبر مجلس النواب التركي، ستكون رمزية حقاً، لكن ذلك سيقتصر على الحجم فقط. الأسباب؟ د. محمد نور الدين، الخبير بالشؤون التركية، لخّصها في ندوة أخيرة لمركز دراسات الوحدة العربية في بيروت على النحو الآتي: "مشاركة بعض القوات التركية في "اليونيفيل"، هي خدمة لإسرائيل، وستشكِّـل دفعاً للعلاقات التركية - الإيرانية إلى حقول جديدة وخطيرة من التوتر، منها حقول الحساسية السنّية - الشيعية التي حذّر منها عدد كبير من المعلقين الأتراك". ويضيف: "إسرائيل حريصة على مشاركة قوات تركية في القوات الدولية، لا بل ترأسها أيضاً، لأن تركيا دولة أطلسية وعِـلمانية ومسلمة، وجيشها مدرّب جيّـداً ومحترف جيداً". وكما في لبنان، كذلك في تركيا والولايات المتحدة. فالعلمانيون الأتراك يشنّـون بدورهم الحملات العنيفة على هذه الخطوة، متّـهمين حزب العدالة والتنمية، الذي يرأسه أوردوغان، بأنه يريد توريط البلاد أكثر في شؤون وشجون الشرق الأوسط والعالم الإسلامي. و"وول ستريت جورنال" الأمريكية ذهبت أبعد من ذلك، حين شدّدت على أن حزب العدالة والتنمية الحاكم يسعى منذ استلامه السلطة عام 2002 لاستبدال الهوية القومية التركية بالهوية الأممية الإسلامية، ولإقامة "شرق أوسط إسلامي"، وأيضاً لنسف التحالف الاستراتيجي القديم بين أنقرة وتل أبيب. إطار أبعد من يَـجب أن نصدّق هنا؟ الأمريكيين والعِـلمانيين الأتراك، الذين يعتبرون الدور التُّـركي في جنوب لبنان خطراً على الهوية القومية التركية وعلى إسرائيل معاً؟ أم أنصار إيران وحزب الله، الذين يرون في هذه الخطوة خِـدمة لإسرائيل وللهوية القومية التركية؟ أمر محّير، لكن هذه الحِـيرة تتبدّد حين نعلم أن الأطراف كافّـة في تركيا، الإسلامية كما العِـلمانية، معنية بشكل مباشر (وبرغم الجدل الداخلي الراهن)، ليس فقط بالصِّـراع الراهن على أرض لبنان بين إيران وأمريكا، بل أيضاً وأساساً بالتطورات المتسارعة التي تجري داخل إيران نفسها، خاصة على صعيد التسلح النووي. فهي معنية، لأن إيران الحائزة على القنبلة النووية والصواريخ بعيدة المدى، ستقلب كل موازين القوى في الشرق الأوسط رأساً على عقِـب، وقد تعرّض للانكشاف الموقع الإستراتيجي التركي برمّـته في منطقتي الشرق الأوسط - آسيا الوسطى. وهي معنية أيضا، لأن خروج إيران مُـنتصرة من المُـجابهة الراهنة، قد يجدّد مخاوف تركيا التاريخية القديمة من إيران الصفوية الشيعية، لأن نحو 15 - 20 مليوناً من الأتراك (أي خمس السكان) هم من الشيعة العلويين. ثم أنها معنية أخيراً، لأنها تريد أن تكون على لائحة ضيوف الخرائط الجديدة التي تُـعد لـ " الشرق الأوسط الجديد"، لا على لائحة الطعام. كل هذا يعني أن مشاركة تركيا في اليونيفيل التي أقَـرها مجلس النواب التركي يوم الثلاثاء 5 سبتمبر، ستكون رمزية حقاً، لكن في الحجم فقط. أما في المدلولات والمضاعفات، فقد تثبت أنها نقطة تحوّل في مسارات الشرق الأوسط ومصائره. هل تتضمن نقطة التحوّل هذه احتمال نُـشوب سباق تسلُّـح نووي بين تركيا وإيران؟ السباق النووي سنُـجيب على هذا السؤال بعد قليل. قبل ذلك، تذكير بأن العلاقات الإيرانية - التركية تذبذبت دوماً بين الصداقة والتنافس. ففي أعقاب الثورة الخُـمينية عام 1979، دخلت هذه العلاقات في مرحلة تبرّد جليدي وشكُـوك متبادلة، تفاقم منها تبلور المثلث الإستراتيجي التركي – الأمريكي - الإسرائيلي، وقبله الاتفاقية العسكرية التركية - الإسرائيلية عام 1996. بيد أن هذه العلاقات شهدت تحسُّـناً دراماتيكياً بعد وصول حزب العدالة والتنمية التركي، ذي الأصول الإسلامية، إلى السلطة في نوفمبر 2002، وكان هذا على كل المستويات: التجارة تضاعفت أربع مرات: 19% من استهلاك تركيا من الغاز الطبيعي باتت تأتي من إيران، مقرونة بوعود من طهران بتسهيل تحقيق طموحات أنقرة بأن تتحوّل إلى ممر رئيسي للنفط والغاز الإيراني والروسي والقزويني إلى أوروبا وما بعدها. ترافق هذا الازدهار الاقتصادي مع شهر عسل سياسي حقيقي. فالبلدان رفضا الغزو الأمريكي للعراق وتقاسما القلق من الصّـعود الكردي في شمال بلاد الرافدين، وندّدا بشكل مشترك بالدّعوات لحسم الصراع الإيراني - الأمريكي بالقوة العسكرية. كانت الأمور إذن تسير على أحسن ما يُـرام، إلى أن أطلّـت مسألة التسلّـح النووي الإيراني برأسها على الساحة. حينها، بدأت العلاقات تعود شيئاً فشيئاً إلى مرحلة التبرّد الجليدي، خاصة بعد أن قام رئيس مجلس الأمن القومي التركي يغيت ألبوغان بزيارة واشنطن في يناير 2006 وأعلن من هناك "عدم سعادة أنقرة لنقص الشفافية في برنامج الأبحاث النووية الإيرانية". وقيل وقتها، إن محادثات ألبوغان مع كبار المسؤولين الأمريكيين تركّـزت على "تحديد دور تركيا في احتواء طموحات إيران النووية". ثم جاءت خطوة تركية ثانية لا تقل أهمية: قرارٌ ببناء خمس محطات نووية دُفعة واحدة، أولها، سيبدأ العمل عام 2012، ليس فقط لتوليد 10% من حاجات البلاد من الكهرباء، بل، أولاً وأساساً، لمواكبة التحوّل السريع للجارة الشيعية الكبرى إلى قوة نووية. نعود الآن إلى سؤالنا الأولي: هل يندلع سِـباق التسلّـح النووي بين تركيا وإيران؟ "المؤسسة الملكية للدراسات الدولية البريطانية" تبدو واثقة كُـليا". تركيا ستشعر بأنها مُـجبرة على الانضمام إلى سِـباق التسلّـح النووي للحفاظ على توازُن القِـوى مع جارتها القوية، وهذا سيتِـم على أساس مبدأ "الدمار المؤكّـد المتبادل"، الذي ينصّ على أن حجم التدمير الهائل الذي تسبِّـبه الانفجارات النووية، يشجّـع على ضبط النفس من جانب الدول التي تمتلك مثل هذه الأسلحة، ومن المحتمل، أن يحكم هذا المبدأ، الذي ساد طيلة الحرب الباردة، إيران وتركياالآن"، هذا، برأي المؤسسة، هو الخيار المنطقي الوحيد ذو المصداقية التي في حوزة تركيا الآن. لكن، هل هذا "الخيار الوحيد" قصر على تركيا وحدها؟ ماذا عن الدول العربية الإقليمية، كالسعودية ومصر وسوريا، التي ستجد نفسها، عمّـا قليل، إذا ما أفلت سِـباق التسلُّـح النووي من عِـقاله في المنطقة، بين مطرقة القنبلة الذرية الإسرائيلية وبين سندان القنابل الإيرانية والتركية؟ ثم، هل يقودُ سِـباق التسلّـح هذا إلى محرَقة عامة أم إلى نظام إقليمي جديد مُـسالم على نسَـق نظام هلسنكي الأوروبي؟ السعودية ومصر يجب القول أولاً، أن إيران النووية ستَـطرح على أمريكا وإسرائيل، بوصفهما القوتين المهيمنتين على نظام الشرق الأوسط، خيارين لا يبدو أن ثمة ثالثاً لهما: إما توجيه ضربة عسكرية ماحِـقة لها قد تتضمّـن، وِفق تقارير البنتاغون الأخيرة، احتمال استخدام أسلحة نووية تكتيكية صغيرة، يُـفترض أن تكون قادرة على تدمير المُـنشآت الذرية الإيرانية، تحت الأرض وفوقها، من دون إلحاق كبير أذَى بالمدنيين. أو القبول بحيازة إيران للقنبلة والعمل على إقامة نظام أمني جديد يستند إلى نزع سلاح شامل في المنطقة أو على نظام توازُن رُعب تشارك فيه غير دولة في الشرق الأوسط. الخيار الأول، لا يزال هو المطروح بقوّة على جدول الأعمال الأمريكي, وهذا لسبب بات أكثر من معروف: واشنطن ليست مستعدّة لا الآن ولا بعد 50 سنة (وهذا هو متوسط العمر الافتراضي للنفط)، أن يُـشاطرها أحد الهيمنة على موارد الطاقة الأحفورية. وبالطبع، ليس وارداً البتّـة أن تكون إيران الإسلامية النووية ذات المطامح الإقليمية الكبرى من بحر قزوين إلى البحر المتوسط، هي هذا الـ"أحد". لكن، إذا ما واصلت أمريكا تلكُـؤها في ضرب إيران أو إذا ما سبقتها إيران إلى حيازة القنبلة، سيبرز إلى السطح سريعاً الخيار الثاني. وبما أن تجربة "منتدى الحدّ من التسلح والأمن الإقليمي"، الذي انبثق عن مؤتمر مدريد واستمر من 1992 إلى 1995 مُـنيت بفشل ذريع وأثبتت أن فكرة تحويل الشرق الأوسط إلى منطقة معزولة السلاح هدف مستحيل، لن يبقى سوى انغماس الدول الإقليمية الأخرى في سباق تسلّـح نووي وصاروخي. تركيا، كما أشرنا، بدأت بالفعل استعداداتها لخوض غِـمار هذا السباق، لكنها لن تبقى وحيدة طويلاً. فالسعودية لن تقبل بأي حال أن تقف مكتوفة الأيدي، فيما تلعَـب إيران بالقُـنبلة على مرمى حجر من الشواطئ العربية في الخليج، ولأنه سيكون من الصّـعب على المملكة، إيديولوجياً وسياسياً، قبول حماية المظلة النووية الأمريكية، لن يبقى أمامها سوى السعي لحيازة القنبلة ومعها أجهزة نقلها الصاروخية. وكما تركيا والسعودية، كذلك مصر. صحيح أنه ليس لهذه الأخيرة خطوط تَـماس جغرافية مع إيران، إلا أن لها معها خطوط تماس إستراتيجية. فمصر لن تقبل بأي حال أن ينتزع منها أحد منصب الزعامة الإقليمية، حتى وهي مكبّـلة مع إسرائيل بكامب ديفيد ومع أمريكا بالمساعدات الاقتصادية والعسكرية. المسألة هنا لها علاقة عضوية ببنية الدولة المصرية نفسها، لا بتوجهات النظام المصري، أياً كان هذا النظام، وهذا أمر حسمه التاريخ قبل خمسة آلاف عاما، وثبتته "عبقرية الجغرافيا" (كما اكتشف عن حق جمال حمدان) في قوانين حديدية صارمة. بالتالي، مصر النووية ستكون حتمية أيضاً، إذا ما أصبحت إيران نووية، وهذا سيحدث حتى لو أدّى الأمر بالقاهرة إلى خوض مجابهات مع أمريكا التي قد تعتّـرض لأسباب إسرائيلية، على هذا التوّجه. تركيا والسعودية ومصر. مَـن أيضاً؟ ربما كذلك سوريا، التي تمتلك أيضاً أسلحة دمار كيماوية - صاروخية مهمّـة، والتي سيكون بإمكانها هي الأخرى مداعبة هذا الخيار، إذا ما عادت إلى حظيرة المثلث التاريخي المصري – السعودي – السوري، الذي ضمَـن بقاء نظامها الحالي طيلة 30 عاماً، والذي قد يتّـخذ موقفاً موحداً من مسألة التسلح النووي في الشرق الأوسط. بالطبع، إنزلاق المنطقة نحو هذا "التسخين" النووي لا يزال في بداياته الأولى، وهو، على أي حال، سينتظر حصيلة المُـجابهات الراهنة بين إيران والغرب، سواء منها الاقتصادية - الدبلوماسية أو العسكرية. لكنه، مع ذلك، يبدو كقدر لا مفر منه، ليس لأن إيران دشّـنته (فإسرائيل فعلت ذلك قبلها بخمسين عاماً)، بل لأن القنبلة باتت مطروحة كوسيلة رئيسية من وسائل السياسة والأمن القومي والأدوار الإقليمية في الشرق الأوسط. وحين يُـطرح الأمر على هذا النحو، يُـصبح تجاوز العتبة النووية "أمراً عادياً"، يُـمكن التفكير به، ويُـصبح، بكلمات أوضح، أسهل من شربة ماء، "مياه ثقيلة" على وجه الخصوص! وكل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر نصاً ودون تعليق . المصدر : swissinfo 6 أيلول/سبتمبر 2006
قام مركز الدراسات الدولية والإستراتجية بإصدار سلسلة تقارير حديثة يستعرض من خلالها المقدرات العسكرية لمجموعة من دول الشرق الأوسط بما فيهم إيران والمملكة العربية السعودية، والعراق، والكويت والبحرين، واليمن، وعمان وقطر والإمارات. واستعرض الأسبوع الماضي الحلقة الأولي من عدة تقارير سيقدمها خلال الأسابيع القادمة عن مضمون سلسلة الدراسات التي أعدها باحثو المركز أنتوني كوردسمان وخالد الروحان. وكان موضوع الحلقة الأخيرة الموارد العسكرية للملكة العربية السعودية وقطر. أما هذا الأسبوع فيقدم تقرير واشنطن ملخصا للإمكانيات العسكرية للعراق الجديد والكويت، بناء على ما ورد في مجموعة أبحاث مركز الدراسات الإستراتجية والدولية. واستعرض تقرير واشنطن الأسبوع الماضي الحلقة الأولي من عدة تقارير سيقدمها خلال الأسابيع القادمة عن مضمون سلسلة الدراسات التي أعدها باحثو المركز أنتوني كوردسمان وخالد الروحان. وكان موضوع الحلقة الأخيرة الموارد العسكرية للملكة العربية السعودية وقطر. أما هذا الأسبوع فيقدم تقرير واشنطن ملخصا للإمكانيات العسكرية للعراق الجديد والكويت، بناء على ما ورد في مجموعة أبحاث مركز الدراسات الإستراتجية والدولية.
أولاً: القوات العراقية
أعداد القوات العراقية
ونظرا لأن الأولوية التي تحدد مسار جهود بناء القوات العراقية الآن تقتصر على صيانة الأمن، والاستقرار الداخلي، نجد تغييرات ملحوظة في هيكل القوات العراقية بين عامي 2002 (قبل بداية الغزو) و2006، وأهم ملامح هذا الهيكل:
القوات البرية وأليكم تلخيص لإمكانيات الجيش العراقي:
* ليس هناك تعداد دقيق لهذه المعدات لأن العديد منها لم يسترد بعد.
وتسلط الدراسة الضوء على شكوى متكررة من العديد من قادة
الجيش العراقي الجديد بتأخر تقديم المعدات للجيش العراقي، مما يؤثر على
قدرته في مواجهة التمرد الراهن. ويقول التقرير إن الولايات المتحدة لم
تمنح الجيش العراقي المعدات اللازمة لهزيمة المتمردين. وأليكم تلخيص لإمكانيات القوات الجوية العراقية:
معدلات استيراد السلاح بين نهاية عهد صدام وتوتر سوق
النفط
الواردات العسكرية: 1993-1996
الواردات العسكرية: 1997-2000
الواردات العسكرية: 2001-2004
كما نلاحظ تقلصا في نسبة الإنفاق العسكري الكويتي من الناتج المحلي على
النحو التالي:
ويزعم التقرير أن ذلك الانخفاض ناتج عن اختفاء خطر صدام
حسين، وزيادة الإنفاق على هيئات الأمن الداخلي.
القوات البرية الكويتية
القوات الجوية الكويتية
القوات البحرية الكويتية
و كل ذلك بحسب المصدر المذكور. المصدر: تقرير واشنطن- العدد72
يعرض تقرير واشنطن هنا آخر استطلاعات الرأي التي أجرتها مؤسسات أمريكية مختلفة بخصوص العراق، واستمرار مسلسل العنف اليومي الذي يحصد عشرات الضحايا من العراقيين الأبرياء، على جانب استمرار وقوع قتلى وإصابات في صفوف قوات التحالف بصورة شبه يومية. ومع تكرار الرئيس الأمريكي جورج بوش تعهده ببقاء القوات الأمريكية في العراق حتى يتم فرض الاستقرار وإعادة بناء الدولة العراقية، رفض الرئيس دعوات خصومه من الحزب الديمقراطي بضرورة خفض أعداد القوات، وبدلا عن ذلك سمح الرئيس لقوات المارينز "مشاة البحرية" باستدعاء 2500 جندي إضافي من قوات الاحتياط ليكونوا مستعدين للخدمة في العراق وأفغانستان. ورغم تصريح الرئيس الأمريكي عن خوفه من اندلاع حرب أهلية في العراق، إلا انه رفض كل دعوات الانسحاب، وعبر عن تفاؤله بمستقبل مشرق للعراق، إلا أن الشعب الأمريكي "كما تظهر أحدث استطلاعات الرأي" لا يوافق مع رؤية الرئيس الأمريكي لما يجري في العراق.
وأظهرت هذه
الاستطلاعات عدة نقاط هامة تتعلق باهتمام المواطنين الأمريكيين بما
يحدث في العراق، ودور الولايات المتحدة فيه، ومن أهمها:
سي بي أي نيوز
ونيويورك تايمز CBS News - New York Times
1- هل توافق على طريقة تعامل الرئيس جورج بوش مع الموقف في العراق؟
2- إذا عدنا للوراء، هل تعتقد أن الولايات المتحدة كانت على صواب عندما غزت العراق؟ أم كان عليها عدم التورط هناك؟
3- هل توافق على أن الحرب في العراق هي جزء من الحرب على الإرهاب؟ أم أن حرب العراق مستقلة عن الحرب على الإرهاب؟
محطة سي إن إن
CNN
"اجري بواسطة مؤسسة الرأي العام"
1- بغض النظر عن تصويتك في السابق، هل تعتقد أن الحزب الجمهوري أم الحزب الديمقراطي سيأخذ قرارات جيدة بخصوص العراق؟
2- بعد التدخل الأمريكي في العراق، هل تعتقد أن التهديدات الإرهابي ضد الولايات المتحدة قد زادت؟ أم انخفضت؟ أم لم يتغير؟
مجلة نيوزويك الأسبوعية
Newsweekبالتعاون
مع مؤسسة برنستون لأبحاث الرأي العام
1- هل تؤيد أم تعارض طريقة تعامل الرئيس بوش مع الموقف في العراق؟
2- في أي الحزبين تثق "الجمهوري أم الديمقراطي" للتعامل مع الملف العراقي ومعضلاته الأساسية؟
3- هل تعتقد أن الولايات المتحدة تحقق تقدما على طريق ترسيخ الديمقراطية وإحلال الأمن؟ أم لا؟
5- هل أنت على ثقة في أن الولايات المتحدة ستنجح في تأسيس حكومة ديمقراطية في العراق على المدى الطويل؟
6- هل تعتقد أن الولايات المتحدة كانت على صواب بغزوها العراق؟
7- هل جعلت الحرب في العراق الولايات المتحدة أكثر آمانا ضد خطر الإرهاب؟
1-هل توافق أم تعارض طريقة تعامل إدارة بوش من ملف العراق؟
2- أي من الحزبين الرئيسيين (الجمهوري- الديمقراطي) لديك ثقة أكبر فيه لإدارة ملف العراق؟
3- هل ترى أن عدد القوات الأمريكية في العراق ينبغي أن يزيد؟ أو ينخفض؟ أنم يبقى على ما هو عليه؟
4 -هل ترى العراق الآن في حالة حرب أهلية؟ ليس في حالة حرب أهلية لكنه قريب منها؟ أم أن الوضع بعيدا عن كونه حربا أهلية؟
و كل ذلك بحسب المصدر المذكور. المصدر: تقرير واشنطن- العدد73
تجرى يوم السابع من نوفمبر القادم انتخابات التجديد النصفية لكونغرس
الولايات المتحدة لاختيار جميع أعضاء مجلس النواب وعددهم 435 نائبا،
إضافة إلى ثلث أعضاء مجلس الشيوخ. كما أن هذه النتائج المثيرة للعجب طرحت سؤالاً مهما، ألا وهو هل انتخابات كونتيكت تعكس مقدمات ما سيحدث في المستقبل؟ وما هي القضايا الرئيسية التي سوف تهيمن على الحملات الانتخابية لجولة نوفمبر القادم ؟ وكيف ترسم هذه القضايا ملامح سباق مرشحي الكونغرس؟ شكل (1) يوضح التغيرات الهامة في انتخابات نصف الفترة في التاريخ الأمريكي الحديث
• استقال الرئيس نيكسون في أغسطس 1974
القضايا
المحورية وحلبة الصراع
وردا
على سؤال :"هل تعتقد أن مشاركتك في انتخابات الكونغرس هذا الخريف هي
بمثابة تصويت لصالح جورج بوش أو ضده، أو أن موضوع أداء الرئيس بوش لا
يشكل لك أهمية بالنسبة إليك في هذه الانتخابات"؟
قضية العراق وقضايا الأمن القومي
اعتمادا على عدم الرضا الشعبي عن الحرب الأمريكية في العراق، يستعد
كثير من الديمقراطيين إلي استغلال هذا لشن حملة ضد الإدارة الأمريكية
الحالية. وعلي الرغم من أن العراق لا يشكل سوى مكون واحد من حقيبة
قضايا الأمن القومي الأمريكي التي تضم الأمن الداخلي للولايات المتحدة
والحرب على الإرهاب، ومكافحة الانتشار النووي خاصة إيران وكوريا
الشمالية، إلا أن جميع المؤشرات توضح أن مسألة العراق سوف تحل ضيفا
ثقيلا على سباق انتخابات الكونغرس لعام 2006.
كما أن نفس الاستطلاع أظهر أن 66% من الذين شاركوا في
الاقتراع يرفضون الطريقة التي يتعامل بها الرئيس بوش في العراق. وقالوا
إنه في حالة ظهور قضية العراق في الحملة الانتخابية، فالموقف غير واضح
ما إذا كان الديمقراطيون سوف يستغلون عدم شعبية الإستراتيجية المتبعة
في العراق لصالحهم من عدمه. وقالت السيدة تامي، المرشحة لعضوية الكونغرس، في موقعها علي الانترنت: "إن الحرب على العراق هي خطأ من وجهة النظر السياسية، وكان لابد من تركيز مقوماتنا العسكرية علي الإرهابيين الذين هاجموا بلادنا، والقبض على أسامة بن لادن". وأضافت أننا لم نسيء استخدام مقوماتنا البشرية والاقتصادية فحسب، بل خسرنا النوايا الدولية الحسنة التي حصلنا عليها بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر.
مسائلة الحكومة
الهجرة والحواجز الثقافية الأخرى و كل ذلك بحسب المصدر المذكور. المصدر: تقرير واشنطن-العدد73
هو أشهر الصحفيين الكتاب في الشئون الدولية وهو في غنى عن التعريف. وكلما احتار سياسي أمريكي بارز أو عضو في الكونغرس في إيجاد تبرير لما فعله، أو تفسير لما قاله في الشئون الدولية، فانه يلجأ إلى توماس فريدمان، و"فتاويه". ففريدمان غالبا يملك المرجعية حول ما يحدث في العالم ويقولها- أو يكتبها بأسلوب سلس وشيق وبدون "تنظير أكاديمي أو أيديولوجي معقد". واسم فريدمان له بريقه فهو الخبير في شئون الشرق الأوسط، وهو المبشر بـ " العولمة" ومنافعها على امتداد العالم، كما أن فريدمان هو الداعي دائما لدور أمريكا القيادي والفعال- و هذا الدور المطلوب والمنتظر (حسب رأيه) ولا مفر منه، خاصة أن أمريكا قادرة على القيام به. فريدمان ضد الانعزال والانغلاق وضد الهيمنة والسيطرة، مع مزيد مع التواصل والتبادل، والتلقي والمشاركة ـ هذا مع الافتراض أن الزمن سيكون لصالح هذه الفكرة الإنسانية، وأن التكنولوجيا بما لها من باع طويل ستساهم في تفعيل آليات التواصل الحضاري وتسريع خطى التلاقي البشري. بيروت والقدس .. وجانزة بوليتزر بيروت كانت البداية والانطلاقة لمسيرة صحفية توجت بالنجاح والشهرة لاسم لا يمكن تجاهله ـ سواء اختلفت أو اتفقت مع ما يقوله. فريدمان شق طريقه من بيروت في بداية الثمانينات، ولمدة خمس سنوات، وهى المدينة التي شهدت جبهات عديدة من حرب أهلية إقليمية عالمية رصدها فريدمان كمراسل لوكالة أنباء "يو بي أى". هذه الوكالة العريقة التي بدأت ـ مع الأسف ـ تنكمش دورا وأداء في العقد الماضي، وهى تحاول الآن أن تبقى على قيد الحياة و تقاوم إعلان موتها. فريدمان بدأ يعمل في مكتبها بلندن ثم انتقل إلى بيروت. ولد توماس لورن فريدمان في مدينة مينيابوليس ـ بولاية مينيسوتا في 20 يوليو 1953 وأسرته أمريكية يهودية متوسطة الحال، وفي إشارة إلى بداياته الصحفية ومحاولات الدخول إلى عالم الكتابة في المرحلة الثانوية، ذكر أنه كتب في صحيفة مدرسته وتضمنت هذه التجربة الأولى مقالا شمل حوارا مع الجنرال الإسرائيلي أريل شارون الذي أصبح فيما بعد وزيرا للدفاع ورئيسا للوزراء. وقد حصل فريدمان على درجته الجامعية في دراسات منطقة البحر المتوسط من جامعة براندايس في عام 1975 وهذه الجامعة تقع على بعد 14 كيلومترا شمال غرب بوسطن في ولاية ماساتشوستس، ثم التحق بكلية سانت انطوني في جامعة أوكسفورد البريطانية بمنحة دراسية ليحصل على درجة ماجستير في الدراسات الشرق الأوسطية. وفي هذا المجال يذكر فريدمان فضل الأستاذ الدكتور ألبرت حوراني ودوره الأكاديمي في إثراء معرفته، وتعميق فهمه لشعوب المنطقة. ود. حوراني هو صاحب المؤلف الشهير "تاريخ الشعوب العربية" الذي يعد مرجعا هاما وأساسيا في دراسة العالم العربي في الجامعات الأمريكية. وتردد فريدمان في بداية السبعينيات على القاهرة مرتين من أجل دراسة اللغة العربية في الجامعة الأمريكية. وعندما عاد إلى جامعته ـ براندايس ـ وتكلم عن مصر والمصريين واجه انتقادات حادة من جمهور الحاضرين خاصة من اليهود بسبب كونه يهوديا معجبا بالمصريين. ويتذكر فريدمان تلك اللحظات قائلا: أولا عندما يتعلق الأمر بنقاش حول الشرق الأوسط، الناس ولو لفترة قصيرة يفقدون منطقهم، ولذلك إذا كنت تخطط للحديث عن الشرق الأوسط لجمهور ـ أكثر من واحد فمن المفضل أن تكون متمكنا، وذو دراية شاملة بالموضوع المثار. وثانيا أن اليهودي الذي يريد أن يختار دراسة الشرق الأوسط كمهنة له سيشعر بالوحدة دائما ـ لن يكون مقبولا بشكل كامل من جانب العرب ولن ينال ثقتهم. كما أنه لن يحصل أبدا على رضا وثقة اليهود. أما الكتابة والنشر فقد بدأت في صيف 1976 عندما أعلن جيمي كارتر المرشح الديمقراطي للانتخابات الرئاسية موجها كلامه للناخبين اليهود بأنه في حالة انتخابه رئيسا فانه سوف يقيل هنري كيسينجر من منصبه كوزير للخارجية. وقد كان كيسينجر أول أمريكي يهودي يختار لهذا المنصب. وقد كنب فريدمان مقالا للرأي للتعليق على هذا الأمر وتفنيده وانتقاده، وتمكن من نشره في صحيفة حيث كانت تعمل صديقته (ثم زوجته مستقبلا) Des Moines Register كمحررة. وكانت أول مقالة رأي له بتاريخ 23 أغسطس 1976. وخلال العامين التاليين نشر مقالات رأى أخرى في "ريجيستر" و "مينيابولس ستار". فريدمان بعد تجربته المتميزة والقاسية في لبنان وأربع سنوات قضاها في القدس حصل على ثاني جائزة بوليتزر له عام 1988 ـ من أجل تغطيته للانتفاضة الفلسطينية. وكانت الجائزة الأولى (عام 1983) لتغطيته للغزو الإسرائيلي للبنان، ومذبحة صبرا وشاتيلا. ثم حصل على منحة تفرغ أكمل خلالها كتابه الشهير "من بيروت إلى القدس" الذي تضمن جوانب عديدة من تجربة فريدمان وملامح كثيرة من شخصيته. ثم جاءت مرحلة أخري من حياته الصحفية مع تعيينه كبير المراسلين الدبلوماسيين لصحيفته "نيويورك تايمز" في عام 1989، ومن خلال موقعه هذا ـ في الخارجية الأمريكية ـ تمكن فريدمان من تغطية حرب الخليج الأولى وصاحب جيمس بيكر ـ وزبر الخارجية الأمريكي آنذاك ـ في جولة الـ 5 ألاف ميل حول العالم. ثم أصبح كبير مراسلي الصحيفة لدى البيت الأبيض في عام 1992 ـ خلال السنوات الأولى لحكم الرئيس كلينتون. ثم في عام 1994 مراسلا للاقتصاديات الدولية، وأخيرا في عام 1995 صار كاتب العمود الخاص بالشئون الدولية، وتكليفه بهذه المهمة كان تشريفا كبيرا له خاصة أنه أخذ يجول ويصول في بقاع العالم ويكتب من كافة مناطق العالم. والعمود ينشر حاليا مرتين أسبوعيا وتحرص بعض الصحف العربية على نشر عموده مترجما، وإن كانت أحيانا تتصرف في ترجمته لأسباب عديدة فيفقد العمود الكثير من معانيه. وقد حصل فريدمان على بوليتزر للمرة الثالثة عام 2002 وذلك في مجال التعليق – للمقالات التي كتبها عقب أحداث 11 سبتمبر. زواجه وأسرته ومنزله تزوج فريدمان صديقته آن لويز باكسبوم يوم 23 نوفمبر 1978 وتعد عائلتها احدي العائلات المائة الأكثر ثراء في الولايات المتحدة. ووالد آن ـ ماثيو باكسبوم أسس مع شقيقه في عام 1954 مجموعة عقارية كانت لها دور ريادي في تنمية المراكز التجارية او المولات. وتقدر قيمة أصول عائلة باكسبوم بنحو 2.7 مليار، وتتضمن نحو 200 مليون متر مربع من مساحات المولات. وحسب ما ذكرته مجلة " ذي واشنطونيان" الشهرية، والمعنية بشئون وشخصيات واشنطن العاصمة في عدد يوليو 2006، فان آن وزوجها توماس يعيشان الآن في ضواحي العاصمة، في ولاية مريلاند في قصر مساحته 11 ألف و400 قدم مربع، وقيمة هذا المنزل حاليا تقدر بـ 9.3 مليون دولار. ولفريدمان ابنتان أورلي (21 عاما) وناتالي (18 عاما)، والابنتان ولدتا في اسرائيل عندما كان فريدمان مراسلا لـ "نيويورك تايمز" هناك. أربعة كتب وشهرة عالمية وكتب فريدمان لاقت رواجا غير عاديا على الرغم من أنها كتب غير روائية، وتتحدث عن شئون وشعوب العالم. والمعروف أن عدد النسخ المباعة من كتابه الأخيرThe World is Flat ( الأرض مسطحة) الصادر في أبريل عام 2005، قد وصل حتى يوليو 2006 إلى أكثر من 2 مليون نسخة. وقائمة كتبه تشمل 1989 "من بيروت إلى القدس"From Beirut to Jerusalem- 1999 "لكساس وشجرة الزيتون" The Lexus and the Olive Tree 2002 خطوط الطول و المواقف اكتشاف العالم بعد 11 سبتمبر. Longitudes and Attitudes: Exploring the World after September 11 وقراء كتب فريدمان من كافة الأعمار والأجناس والشعوب، خاصة أن هناك إحساسا عاما بأن فريدمان يعبر عن وجهة نظر الإدارة الأمريكية، أو يقوم بتوصيل رسالة ما إلى أصحاب القرار في الدول الأخرى ـ أو فلنقل أنه ينقل وجهة نظر أمريكية فيما يخص قضايا العالم. ويتردد هذا الاعتقاد خصوصا عندما يلجأ فريدمان إلى المباشرة في الحديث مع الحكام في شكل رسالة مفتوحة مثلما فعل كثيرا في التسعينيات. و قد أثارت هذه الرسائل العديد من ردود الأفعال الغاضبة من جانب الصحف الحكومية في الدول المعنية خاصة مصر. كما أن فريدمان بدأ منذ فترة قصيرة تقديم تقارير وتحقيقات تليفزيونية تناقش موضوعا واحدا مثل "الجدار الفاصل" بين الإسرائيليين والفلسطينيين، و" إدمان أمريكا للنفط" وذلك من خلال إنتاج مشترك مابين "نيويورك تايمز" و"قناة ديسكفوري" التليفزيونية، جامعا ما بين جدية عمق التحقيق الصحفي، وجاذبية وانتشار التناول التليفزيوني. ومعروف أن فريدمان يعشق لعب الغولف ويكتب أحيانا عن دول العالم وشخصياته البارزة من خلال هذا المنظور. فريدمان ... مع من ؟ ليس غريبا أن نجد أن القارئ العربي يتساءل: هل هو معنا أم ضدنا ؟ خاصة أنه أمضى من الوقت الكثير معنا، وأبدى تفهما لقلقنا وغضبنا. إلا أن هذا المتفهم لنا ـ حسب رأي المراقبين لكتابات فريدمان ـ في أغلب الأحوال "سطحي في تناوله" و"سخيف في أحكامه وانتقاداته للعرب والمسلمين". في المقابل من الطبيعي أن الأمريكي المتعاطف دائما مع إسرائيل، والمعادي دائما للعرب يرى أن فريدمان يتفهم العرب ويتعاطف معهم أكثر من اللازم، ويقع أحيانا في فخ تفسيراتهم المحللة لـ "جرائمهم "و"إرهابهم". بل والأخطر هو أنه يتبنى قضاياهم ويعارض مواقف الإدارة الأمريكية. ومن هذا التباين والاختلاف حول كتاباته تزداد شهرته وأهمية تعليقاته و .. مصداقيتها. و كل ذلك بحسب المصدر المذكور. المصدر: تقرير واشنطن-العدد73
د. عبد الوهاب المسيري
حرب لبنان: الفشل سيد الموقف! لا تزال الهزيمة التي مُنيت بها الدولة الصهيونية في عدوانها الهمجي على لبنان، بما كشفت عنه من أوجه قصور خطيرة في الأداء العسكري، تفرض نفسها بقوة على الرأي العام في الكيان الصهيوني وتنعكس بصورة جلية في كتابات المحللين العسكريين والسياسيين، وكذلك في الجدل المحتدم في مختلف مؤسسات الدولة بشأن تحديد المسؤولية عن فشل العملية العسكرية المدعومة عسكرياً وسياسياً واقتصادياً من الولايات المتحدة الأميركية. ومن المؤكد أن هذا الجدل سيزداد حدةً خلال الأسابيع والشهور القادمة، وخاصةً مع اتساع الإدراك في صفوف سكان المستوطَن الصهيوني لانعكاسات الهزيمة وتبعاتها الوخيمة في مختلف مناحي الحياة اليومية. ومن المؤكد أيضاً أن الأمر لن يقف عند حدود تبادل الاتهامات بين القادة السياسيين والعسكريين، بل قد يتجاوز ذلك إلى الإطاحة ببعض هؤلاء القادة وبالحكومة القائمة على تحالف هش بين حزب "كاديما" بزعامة رئيس الوزراء إيهود أولمرت وحزب "العمل" بزعامة وزير الدفاع "عمير بيريتس" وبعض الأحزاب الأصغر وزناً. وقد بدأت الأصوات تتعالى بالفعل مطالبةً باستقالة الحكومة وإجراء انتخابات مبكرة بعد أن ثبت بما لا يدع مجالاً للشك فشل هذه الحكومة وقواتها العسكرية في تحقيق أي من الأهداف الطموحة التي وضعتها للعملية العسكرية، ومن ثم عجزها عن أن تكون أداة للردع أو لتوفير الأمن، فضلاً عما لحق بالقوات العسكرية وبالكيان الصهيوني بأكمله من خسائر فادحة. وتكاد نبرة الإحساس بالفشل والهزيمة تكون النبرة السائدة في كتابات معظم المعلقين الإسرائيليين، رغم كل الجهود التي يبذلها قادة الكيان الصهيوني، ومعهم الإدارة الأميركية، لإشاعة التفاؤل والتهوين من قيمة الانتصار الذي حققه "حزب الله" ومن ورائه الشعب اللبناني. وكما كان الحال في أعقاب حرب أكتوبر 1973 والانتفاضة الفلسطينية الأولى في عام 1987 ثم انتفاضة الأقصى في عام 2000، فإن كثيراً من الكُتاب لا يخفون تشاؤمهم بشأن مستقبل الدولة الصهيونية نفسها، ويرون أن العد التنازلي لزوالها قد بدأ. ويُعد مقال "يونتان شيم أور" بعنوان "أُسست تل أبيب في عام 1909 وفي عام 2009 ستصبح أنقاضاً" (صحيفة معاريف، 17 أغسطس 2006) نموذجاً واضحاً لذلك الشعور العميق والمتنامي بالتشاؤم، إذ يقول الكاتب: "بعد كل التحليلات والنقاشات، لن يبقى حقاً سوى الحقائق المادية الصلبة. قبل مئة عام أقاموا أولى المدن العبرية، وبعد مئة عام من العزلة قُضي أمرها... هذا هو المصير الذي كُتب على شواهد قبور الجنود الذين احتلوا بلدة بنت جبيل خمس مرات، وفي أوامر أعظم الجيوش في الشرق الأوسط، والذي لم ينجح آلاف من طياريه وخمسون ألفاً من مقاتليه في إخضاع بضع مئات من مقاتلي "حزب الله". ولن يكون بمقدور جميع لجان التحقيق التي ستُشكَّل أن تغير الصورة. فلن يقرر مستقبلنا تعلم الأخطاء التي وقعنا فيها بل الدرس الذي سيستخلصه العدو... أصبح الأمر خاسراً تقريباً. أما إذا كنا نريد، بالرغم من هذا، أن نهزم القدر، فيجب أن نفعل ذلك الآن. يجب علينا أن نفعل ذلك، وإلا فسوف ينقضي الأمر". وتتردد أصداء هذا التشاؤم والإقرار بفداحة الهزيمة في مقال "رؤوبين بدهتسور" (صحيفة هآرتس، 16 أغسطس 2006)، والذي يستهل تحليله لنتائج الحرب بعقد مقارنة بين هزيمة الولايات المتحدة في فيتنام وهزيمة الدولة الصهيونية في لبنان، فيقول: "بدأ فشل الولايات المتحدة يتضح عندما تبنى الجنرال "فستمورلاند"، قائد القوات الأميركية في فيتنام، نهج إحصاء الجثث كبديل للانتصارات العسكرية. فعندما أصبح عاجزاً عن ذكر أية إنجازات على أرض المعركة، راح هذا القائد يرسل إلى إدارته في واشنطن بياناً يومياً بعدد جثث الجنود الفيتناميين الذين قتلتهم قواته. وخلال الأسابيع الأخيرة، تبنى الجيش الإسرائيلي هذا النهج نفسه. فعندما يخوض الجيش الأكبر والأقوى في الشرق الأوسط منازلةً على مدى أسبوعين مع 50 مقاتلاً من "حزب الله" في بلدة "بنت جبيل" ويفشل في إخضاعهم، لا يبقى أمام قادته سوى الإشارة إلى عدد جثث القتلى من الأعداء. ومن المتوقع أن تتحول "بنت جبيل" إلى رمز لحرب لبنان الثانية، لتكون هذه المعركة في تراث وتقاليد مقاتلي "حزب الله" مثل "ستالينجراد" لبنانية. أما بالنسبة لنا فستكون تذكاراً مؤلماً لفشل الجيش الإسرائيلي في الحرب. لقد قال زئيف شيف: إننا تلقينا صفعة، ولكن يبدو أن المصطلح الأكثر ملاءمة هو ضربة قاضية. فلسنا أمام فشل عسكري فقط، بل فشل استراتيجي لم تتضح بعد تبعاته وانعكاساته السلبية بعيدة المدى. وما زلنا - مثل الملاكم بعدما يتلقى الصدمة- جاثمين على الأرض فيما يشبه الإغماء محاولين فهم ما حدث لنا". ويؤدي هذا الإقرار بالفشل إلى عقد مقارنة أخرى بين النتائج التي أفضت إليها حرب لبنان ونتائج حرب عام 1973، من حيث القضاء على وهم الجيش الإسرائيلي الذي لا يُقهر، وهي مقارنة تتكرر كثيراً في كتابات معظم المعلِّقين ولا تخلو من دلالة عميقة، فيقر صراحة بأن: "فشل الجيش الإسرائيلي في القتال يهدر ثروتنا الأهم بالنسبة للأمن القومي، ألا وهي صورة الدولة القوية الجبارة التي تمتلك جيشاً ضخماً وقوياً ومتطوراً قادراً على توجيه ضربات ساحقة لأعدائنا إنْ أقدموا على مجرد التحرش بنا. لقد كانت هذه الحرب، كما اتضح بسرعة كبيرة، حرباً على الوعي والردع، وقد فشلنا في الحالتين". ولا ينكر جدعون ليفي (صحيفة هآرتس، 13 أغسطس2006) هذا الفشل ولكنه، بخلاف غيره من المحللين، يرى فيه فرصةً للتفكير في الأخطاء واستخلاص الدروس التي لم يكن بوسع الدولة الصهيونية أن تتوصل إليها لولا هذا الفشل، فيقول: الأنباء السيئة (والمتوقعة) هي أن إسرائيل تخرج من هذه الحرب مهزومةً. أما الأنباء الطيبة (والمدهشة) فهي أن هذا الفشل قد يسفر عن بشائر جيدة. فلو أن إسرائيل انتصرت في المعارك انتصاراً سهلاً وجارفاً لأدى ذلك إلى ضرر فظيع للسياسة الأمنية الإسرائيلية. ولو نجحت إسرائيل في توجيه ضربة خاطفة لجلب ذلك كارثة لنا، لأن نشوة الانتصار كان من شأنها أن تغري بتكرار ذلك في ساحات أخرى، وهو الأمر الذي كان كفيلاً بإشعال نار هائلة يمتد أثرها إلى المنطقة بأسرها. وفي المقابل، فقد تؤدي الهزيمة في هذه الحرب الصغيرة إلى تلقيننا درساً مهماً للمستقبل، وربما دفعنا إلى تغيير لغة العنف والقوة التي نتحدث بها مع جيراننا. لقد أصبح القول بأنه لا يمكن لإسرائيل أن تسمح بأن تلحق بها الهزيمة على أرض المعركة قالَباً فارغاً من المضمون ومقولة عدمية مكررة. أما الفشل فلن يعود بالنفع على إسرائيل فحسب، وإنما قد يكون كذلك سبباً في تلقين الأميركيين درساً مهماً مفاده أنه لا جدوى من دفع إسرائيل نحو مغامرات عسكرية". ويطالب الكاتب حكومته بأن تتخلص من أوهامها، وأن تدرك عدم قدرة الآلة العسكرية على إثناء الشعوب العربية عن التطلع إلى الحرية والسيادة واستعادة الحقوق، ثم يخلص في النهاية إلى نتيجة جوهرية تمثل، في نظره، المَخرج الوحيد للدولة الصهيونية، فيقول: "إذا انتهت هذه الحرب، كما تنتهي اليوم، فربما يسأل عدد أكبر من الإسرائيليين أنفسهم: لماذا نقتل ونُقتل؟ وربما يدركون أن هذا كله كان بلا جدوى مرةً أخرى. ولعل الإنجاز الذي حققته هذه الحرب يكمن في أن تحفر فشلها عميقاً في الوعي الإسرائيلي، وهو الأمر الذي قد يدفع إسرائيل إلى طريق جديد أقل عنفاً وأقل عربدةً". وسواء رأى البعض في الفشل مقدمةً للانهيار الشامل للمشروع الصهيوني أو فرصةً للنهوض من جديد، فمن الواضح أن هذا الفشل قد أصاب "الوعي الإسرائيلي" بصدمة تدفعه إلى إعادة النظر في كثير من المسلَّمات الصهيونية والإقرار بعبثية استمرار الوضع على ما هو عليه، وهذا في حد ذاته انتصار آخر للمقاومة اللبنانية لا يقل أهميةً عن الانتصار في ساحة القتال. والله أعلم. و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور. المصدر: الإتحاد الإماراتية-26-8-2006
سيلا دبليو. داغار
خلال الآونة الأخيرة، أصدر مجموعة من خبراء "منظمة الأغذية والزراعة"، التابعة للأمم المتحدة، دراسة مفادها أن أكثر من ملياري شخص يعيشون في مناطق تعاني من قلة الموارد المائية، وحذروا من أنه ما لم يغيِّر العالم خلال الخمسين عاماً المقبلة، طرقه الحالية في استهلاك المياه فإن كمية المياه التي يحتاجها سكان العالم ستضاعف. وحسب التقرير، فإن أسوأ السيناريوهات المحتملة تتمثل في أزمة مائية حادة تجف فيها الأنهار، وترتفع فيها نسبة تلوث المياه الجوفية، وتندلع بسببها نزاعات مسلحة. كما سترغم الفقراء في الأرياف على إزالة المزيد من المروج والغابات بهدف زرع المحاصيل. وقد تم تمويل التقرير، الذي يمثل خلاصة بحث شارك فيه أكثر من 400 خبير في قضايا الماء والزراعة و علماء آخرين، من قبل "منظمة الأغذية والزراعة" التابعة للأمم المتحدة و"المنظمة الاستشارية للبحث الزراعي الدولي"، التي تعد أهم شبكة لمراكز البحث الزراعي في العالم، إلى جانب مؤسسات أخرى. وخلص معدو التقرير، الذي يحمل عنوان "الماء إلى الأبد، الماء على مدى الحياة: لمحات من التقييم الشامل لإدارة المياه في الزراعة"، إلى أن البلدان التي تعاني من نقص حاد في الموارد المائية لا يمكنها الاكتفاء باعتماد نفس الاستراتيجيات لزيادة الإنتاج الغذائي، والتي كللت بنجاح باهر خلال نصف القرن الماضي. ذلك أنه منذ 1950، تضاعفت مساحة الأراضي المروية –التي تُعد العامل الرئيسي وراء "الثورة الخضراء" التي ساعدت آسيا على إطعام نفسها- بنحو ثلاث مرات. غير أن بعض المناطق في العالم، مثل أهم المناطق المنتجة للحبوب في الهند والصين، وحزام القطن في آسيا الوسطى، ومناطق من الشرق الأوسط، بدأت تتلمس حدود مواردها المائية. كما أن دول أفريقيا جنوب الصحراء، التي تعد أفقر منطقة في العالم، تفتقر إلى الإمكانات المالية اللازمة لبناء السدود وإقامة أنظمة الري الكفيلة بإيصال المياه إلى الأراضي الزراعية والمنازل في المناطق الريفية، حيث يسكن معظم السكان. وفي هذا الإطار، يقول "ديفيد مولدن"، كبير الباحثين بـ"المعهد الدولي لإدارة المياه" في سريلانكا ومنسق الدراسة: "يتعين علينا أن نتعلم كيف نزرع المزيد من المحاصيل باستعمال كميات أقل من المياه"، قبل أن يضيف قائلا: "إنه أمر ضروري، فلا يمكننا أن نواصل توسيع الأراضي التي نستعملها". في أفريقيا، حيث ما زال السعي وراء لقمة العيش مسألة حياة أو موت، يقول الخبراء إنه يتعين على الحكومات والجهات المانحة أن تركز على الأساليب البسيطة وغير المكلفة نسبياً من أجل ري البقع الصغيرة من الأراضي الزراعية، والتي كثيراً ما تكون متفرقة ومتناثرة. إذ يمكن للمزارعين على سبيل المثال استعمال خزانات صغيرة بهدف تخزين مياه الأمطار واستعمالها عبر طريقة الري بالتنقيط خلال موسم الجفاف. كما يمكن للمزارعين تشغيل مضخات لجلب المياه الجوفية إلى السطح. هذا علماً بأن تكلفة هذه المضخات تتراوح ما بين 50 إلى 100 دولار للمضخة الواحدة، كما أنها تشتغل بالقوة العضلية ولا تحتاج إلى الوقود باهظ الثمن. ويقول "مولدن"، وهو الخبير قي قضايا الماء: "يمكن للكثير من الناس أن يستفيدوا من هذه التكنولوجيات البسطية في أفريقيا أكثر من استفادتهم من سد كبير"، مضيفاً: "ذلك أنه يمكن للمرء أن يشتري مضخة ويبدأ في استعمالها على الفور. أما السد، فعليك الانتظار ما بين 5 و10 سنوات حتى تكتمل أشغال بنائه". غير أن معدي الدراسة، التي صدرت في العاصمة السويدية ستوكهولم بمناسبة مؤتمر دولي حول الماء، أشاروا أيضاً إلى أنه إذا كانت هذه التكنولوجيات بسيطة، فإن إقامتها على صعيد وطني وصيانتها ليستا بالأمر الهين. فعلى سبيل المثال، سيحتاج بلد مثل إثيوبيا، حيث معدلات الأمية مرتفعة في الأوساط الريفية بشكل كبير، إلى تدريب السكان على تنفيذ مثل هذه المخططات. وعلاوة على ذلك، فإن الماء لوحده لن يكون كافياً، ذلك أن المزارعين في حاجة أيضاً إلى تبسيط شروط الاستفادة من القروض، وتأمين المحاصيل، وبناء الطرق من أجل إيصال منتجاتهم إلى السوق. كما يحتاجون إلى معالجة داء فقدان المناعة المكتسبة "الإيدز" والأسمدة لتخصيب أراضيهم الزراعية. ومما يذكر في هذا السياق أن دراسة مهمة صدرت في مارس الماضي وجدت أن ثلاثة أرباع الأراضي الزراعية في بلدان أفريقيا جنوب الصحراء تعاني من نقص كبير في الأسمدة والمواد المخصبة اللازمة لزرع المحاصيل. إلى ذلك، أشار التقرير أيضاً إلى شبح التغير المناخي العالمي، وقدرته على تغيير أنماط سقوط الأمطار، ولاسيما في الدول الفقيرة القريبة من خط الاستواء. وفي هذا السياق، ذكر التقرير أن الذوبان السريع للثلوج في جبال الهمالايا يتسبب اليوم في تدفق كميات كبيرة من المياه على الهند ونيبال وباكستان والصين، غير أن ذلك قد يعني أيضاً كميات أقل من المياه في المقبل من الأعوام. وتعليقاً على هذا الموضوع يقول "مولدن": "بالنسبة لي فالأمر خطير جداً". *كاتب أميركي متخصص في الشؤون العلمية و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور. المصدر: الإتحاد الإماراتية - ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"- 26-7-2006
جوزيف بايدن
السناتور الديمقراطي جوزف بايدن يتحدث: نحو لامركزية تضمن وحدة التراب العـراقي قبل أربعة أشهر مضت، كنتُ قد شاركت مع "ليز جيلب" الرئيس الفخري لـ"مجلس العلاقات الخارجية" في كتابة مقال من مقالات الرأي، حددنا فيه ملامح خطة تفصيلية لكيفية الحفاظ على وحدة العراق، وحماية المصالح الأميركية، إلى جانب سحب قواتنا من هناك وإعادتها إلى أرض الوطن. وقد رحَّب الكثير من الخبراء الأميركيين بتلك الأفكار المتضمنة في الخطة. ومنذ ذلك الوقت، جعل تطور وتصاعد أحداث العنف هناك، تلك الخطة أكثر وأشد إلحاحاً من الوقت الذي اقترحناها فيه. والحقيقة الجوهرية التي لا مِراء فيها الآن هي أن موجة العنف الدائرة بين الشيعة والسُّنة قد تجاوزت حد التمرد ونشاط الإرهابيين الأجانب، باعتبارهما المهددين الرئيسيين للأوضاع الأمنية في العراق. وقد أقرَّ كبار خبرائنا المدنيين والعسكريين المقيمين في العراق - وعلى رأسهم زلماي خليل زاد سفيرنا في بغداد وكذلك الجنرالات جورج كيسي وبيتر بيس وجون أبي زيد- بهذه الحقيقة. وفي الانتخابات العامة التي أجريت في شهر ديسمبر الماضي، كانت نسبة 90 في المئة من جملة أصوات الناخبين من نصيب القوائم الطائفية. ويوماً إثر يوم، يزداد إمساك المليشيات الطائفية والعشائرية بالسلطة والقانون هناك، إلى درجة تمكنت فيها هذه المليشيات من اختراق أجهزة الأمن الرسمية. وفي غضون ذلك بدأت أعمال التطهير العرقي والطائفي في المناطق المختلطة السكان، ما دفع بنحو 20 ألف عراقي إلى الهروب من بيوتهم وديارهم خلال الأشهر الأخيرة الماضية، خوفاً من عمليات الثأر الطائفي. وإلى ذلك كله تسهِم معدلات البطالة العالية في أوساط الشباب في تغذية صفوف وعصابات هذه الميليشيات الطائفية المسلحة. والنتيجة التي لابد من إقرارها هي أنه ليست ثمة قوة عسكرية مهما بلغ حجمها، تستطيع حل هذه المعضلة. والسبيل الوحيد للحفاظ على وحدة تراب العراق، وخلق الظروف الأمنية والسياسية المواتية لانسحابنا المسؤول منه، هي إعطاء السُّنة والشيعة والأكراد العراقيين من الحوافز ما يدفعهم إلى السعي وراء تحقيق مصالحهم سلمياً، والبحث عن تسوية سياسية مستدامة لأزمة بلادهم. و للأسف أنه ليس للإدارة الأميركية الحالية أية خطة أو استراتيجية واضحة يعوَّل عليها في تحقيق النصر هناك. والشاهد أن الاستراتيجية الوحيدة التي تعول عليها الإدارة هي تفادي الهزيمة العسكرية وإحالة الأمر برمته للإدارة القادمة التي ستتولى دفة القيادة الأميركية. وبين هذا وذاك تزداد يوماً إثر يوم أعداد الأميركيين المؤيدين لفكرة الانسحاب المحدود من العراق تحت وطأة تصاعد موجة العنف والقتل وتزايد الشعور بالإحباط. غير أن في تأييد خطة محدودة كهذه، مغامرة بإحلال الفوضى العارمة محل الديكتاتورية والطغيان البعثي، واحتمال اندلاع حرب أهلية قد تمتد ألسنة نيرانها لتشمل المنطقة الشرق أوسطية بأسرها. لذلك فما أسوأ كلا الخيارين، سواء تأجيل الحل وإحالته إلى الإدارة الأميركية المقبلة، أم تأييد خطة لن تتمخض إلا عن مزيد من الفوضى والعنف والدمار. في مقابل ذلك كنت أنا و"ليز جليب" قد بلورنا خطة تقوم على خمسة مرتكزات، تبدو أفضل بكثير مما هو متاح الآن. أولها اتخاذ اللامركزية سبيلاً للحفاظ على وحدة التراب العراقي. ويتطلب ذلك منح الشيعة والسُّنة والأكراد مناطقهم الخاصة بهم ككلٍ، على أن تكون الحكومة المركزية مسؤولة عن حماية المصالح العامة مثل الأمن العام وتوزيع عائدات الثروة النفطية. ثانيا استقطاب المسلمين السُّنة إلى هذه الصفقة السياسية عن طريق توفير الضمانات الكافية لحصولهم على حصة مناسبة من العائدات النفطية. إلى ذلك، لابد من منح كل مجموعة الحق في تحقيق الحد الأقصى للإنتاج النفطي. وبذلك يكون النفط بمثابة المادة اللاصقة والموحدة لمختلف مناطق العراق وأجزائه. ثالثاً، ستؤدي هذه الخطة إلى توفير وظائف لا حصر لها، إلى جانب مساهمتها في زيادة الأموال والمساعدات المالية المخصصة لبرامج إعادة الإعمار، لاسيما تلك التي تسهم بها دول الخليج الغنية بالنفط، شريطة أن ترتبط هذه بحماية حقوق الأقليات العراقية. رابعاً، تتضمن هذه الخطة دعوة لانعقاد مؤتمر دولي، يتوقع له أن يسفر عن إبرام اتفاقية إقليمية تقضي بوقف العدوان، على أن يعززها إنشاء مجموعة للاتصالات، تكون مهمتها تنفيذ وفرض الالتزامات الإقليمية التي جرى الاتفاق عليها. خامساً وأخيراً، بدء مرحلة إعادة نشر القوات الأميركية خلال العام الجاري وسحب معظمها بحلول نهاية العام المقبل 2007، شريطة الإبقاء على قوة متابعة محدودة صغيرة الحجم تكلف بمهام رقابة نزاهة دول الجوار والتزامها بتنفيذ بنود اتفاقية عدم العدوان الإقليمية المبرمة، إضافة إلى توجيه ضربة لأي تمركز لتجمعات إرهابية. هذه الخطة تتفق والدستور العراقي الذي نصَّ سلفاً على ائتلاف المحافظات العراقية الثماني عشرة في تجمعات إقليمية، تكون لها وحداتها الأمنية الخاصة وتكون لها صلاحية تسيير معظم الشؤون اليومية. والشاهد أن هذه الخطة هي الفكرة الوحيدة المتكاملة على الطاولة فيما يتصل بخطر المليشيات الطائفية المسلحة. كما تتفق هذه الخطة ووجود حكومة مركزية قوية ذات مسؤوليات واضحة ومحددة. ومما لا ريب فيه أن هذه الخطة تحدد أجندة عمل لهذه الحكومة التي لن يساعد مجرد وجودها الرمزي في وضع حد لخطر العنف الطائفي، ولا تجنيب العراق كارثة اندلاع حرب أهلية طاحنة لا تبقي ولا تذر. فهل نمسك بهذه الخطة درءاً للكارثة؟ وإلا فما البديل؟ *سيناتور "ديمقراطي" من ولاية ديلاور، وعضو بارز بلجنة العلاقات الخارجية بمجلس "الشيوخ" و كل ذلك نصاً ودون تعليق بحسب المصدر. المصدر: الإتحاد الإماراتية- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"- 26-8-2006
جيمس تراوب
فرنسا و حفظ السلام في لبنان وتهافت "الحجة البوسنية" عندما تم الضغط على المسؤولين الفرنسيين لشرح السبب الذي دعا بلادهم إلى تقديم 200 جندي فقط للمشاركة في القوة الدولية المزمع تكليفها بمراقبة تنفيذ اتفاقية وقف إطلاق النار في لبنان والمقرر أن يصل عدد جنودها إلى 15 ألف جندي، لم يجد هؤلاء المسؤولون أمامهم سوى العودة إلى تاريخ عمليات حفظ السلام والزعم بأنهم لا يريدون أن يتورطوا في "بوسنة" جديدة. وقد عبَّرت دول أوروبية أخرى عن آراء مماثلة فيما يتعلق بتلك القوة، مما يلقي بظلال من الشك على نجاح العملية برمتها. لا خلاف على أن تجربة حفظ السلام في البوسنة كانت سيئة للغاية حيث أُلقي بجنود قوة حفظ السلام عام 1992 وسط أتون حرب أهلية مشتعلة دون أن يكونوا مزودين بالتفويض والوسائل اللازمين لتنفيذ مهمتهم. وهكذا وتحت زعم المحافظة على الحياد بين الأطراف المتحاربة، وقف جنود تلك القوة مكتوفي الأيدي وهم يشاهدون الصرب يذبحون المدنيين البوسنيين بلا رحمة. وليس هذا فحسب بل إن هؤلاء الجنود الذين كانوا يفتقرون إلى التسليح وإلى الأعداد الكافية تعرضوا في نهاية المطاف إلى إهانات كبيرة. ولكن هذا كان في الماضي، أما الآن فإن المنظمة الأممية تعلمت من تجربتها في البوسنة كما تعلمت من تجارب حفظ السلام اللاحقة عليها مثل تجربة الصومال 1992- 1993، وتجربة رواندا عام 1994. فمن خلال تلك التجارب أصبحت قوات الأمم المتحدة أكثر قدرة على التدخل، وأكثر قدرة على العيش وسط ظروف الفوضى والافتقار إلى الأمن، وأكثر قدرة أيضاً على تحليل التهديدات والمخاطر بأسلوب عقلاني هادئ، وعلى استخدام القوة بشكل يمكِّنها من النجاح في مواجهة كافة التهديدات. وقد تمكنت الأمم المتحدة وفقاً لذلك من تحقيق النجاح في تجربة حفظ السلام في سيراليون حيث استطاعت قواتها توفير الحماية للحكومة الشرعية المحاصرة وجردت المتمردين من أسلحتهم، وسلمتها للجيش النظامي وقوات الشرطة لإعادة الأمن وحكم القانون في مختلف أجزاء البلاد. وفي مهمة حفظ السلام في دولة الكونغو قامت القوات الهندية والباكستانية العاملة ضمن قوات الأمم المتحدة باستخدام الطائرات العمودية ضد المليشيات، التي كانت تقوم بترويع السكان المحليين على الحدود الشرقية للبلاد. وعلى الرغم من أن تلك القوات لم تحقق نجاحاً كبيراً في هذه المهمة إلا أن وجودها هناك هو الذي مكَّن الكونغو في النهاية من تنظيم أول انتخابات منذ 40 عاماً. كانت عمليات حفظ السلام قبل البوسنة أقرب ما تكون إلى عمليات العلاقات العامة. وكان جنود دول غربية مثل كندا وبولندا والسويد وأيرلندا وغيرها من يشكلون القوام الرئيسي لتلك القوات. ولكن مع مرور الوقت فقد مسؤولو الدول الغربية حماسهم للمشاركة في عمليات حفظ السلام، وهو ما أدى إلى تحولها إلى شأن من شؤون العالم الثالث حيث أصبحت وحدات من جيوش دول تقع في ذلك الجزء من العالم تشكل تلك القوات. وهذا هو السبب في أن دولاً غربية، وليس دولاً من العالم الثالث هي التي أحجمت عن المشاركة في قوة حفظ السلام في لبنان. وكانت حجة تلك الدول في ذلك أن "قواعد الاشتباك" الخاصة بتلك القوة غير واضحة بشكل كافٍ. ولكن تلك القواعد التي شارك الفرنسيون أنفسهم في وضعها تسرب بعضها، وأصبحنا نعرف الآن أن تلك القواعد تختلف عن تلك التي طُبقت في البوسنة حيث كانت قواعد الاشتباك آنذاك تحتِّم على الجنود عدم إطلاق النار ما لم يتم إطلاق النار عليهم أولاً، وحتى في تلك الحالات كان جنود تلك القوات نادراً ما يقومون باستخدام أسلحتهم. فجنود قوة حفظ السلام في لبنان سيمتلكون تفويضاً يخولهم استخدام القوة لحماية أنفسهم، وحماية المدنيين، بل ومواجهة مقاتلي "حزب الله" أو الجنود الإسرائيليين الذين يرفضون إلقاء أسلحتهم عند حدوث اشتباكات (ولكن لن يكون من حقهم البحث عن الأسلحة المخبأة) وفي الحقيقة أنه إذا ما قدِّر لتلك القوة أن تكرر فشل البوسنة، فإن ذلك لن يكون بسبب عدم وضوح "قواعد الاشتباك"، ولكن بسبب الآليات العجيبة بل والهزلية التي يتم بها تشكيل تلك القوات وتجميع الأعداد الكافية منها. فنرى مثلاً أن قراراً يصدر من مجلس الأمن بتشكيل قوة لحفظ السلام يحدد فيه أعداد تلك القوة، ولكن الذي يحدث في أحيان كثيرة هو أن تكون الأعداد التي يتم تجميعها أقل من المقرر وتكون النتيجة المحتمة أن مثل تلك القوات تصبح غير قادرة على تنفيذ المهام المنوطة بها. إذن يمكن القول إن تجميع الأعداد الكافية من القوات، وتسليحها بشكل جيد، وتزويدها بالموارد الكافية التي تمكِّنها من تنفيذ مهمتها بطريقة احترافية ووفقاً للتفويض الممنوح من مجلس الأمن، كان هو دائماً الثابت الوحيد وسط متغيرات عديدة أحاطت بقوات حفظ السلام الدولية عبر السنين. هناك العديد من الأسباب التي تدعو إلى التخوف من إرسال قوات إلى جنوب لبنان، منها أن إسرائيل التي تشعر بجرح عميق جراء فشلها في تحقيق الأهداف التي أعلنت عنها في بداية غزوها للبنان، مستعدة لمواصلة القتال في أية لحظة لتحقيق تلك الأهداف.. ومنها أن "حزب الله" سيبذل قصارى جهده لإخفاء أسلحته وعدم تسليمها. ومنها أن فرنسا التي انضمت للولايات المتحدة على مدى السنتين الماضيتين في إجبار سوريا على تخفيف قبضتها على لبنان لديها أيضاً من الأسباب ما يدفعها للخوف من تعرض جنودها لاعتداءات من جانب سوريا. نعم ولكن النزاع في لبنان نزاع عالمي وليس مجرد مشكلة إقليمية.. وهو ما دعا الولايات المتحدة وفرنسا إلى السعي جدياً إلى التوصل إلى حل للصراع في المقام الأول. وإذا ما أخفق وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في تجميع الحد الأدنى من أعداد الجنود اللازمين لتشكيل تلك القوة، فإنه لن يكون بمقدور أحد أن يلوم الأمم المتحدة على فشل مهمتها هذه المرة. *كاتب أميركي ومؤلف كتاب: "أفضل النوايا: كوفي عنان والأمم المتحدة في عصر القوة العالمية الأميركية" الذي سيصدر في أكتوبر القادم. و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور. المصدر: الإتحاد الإماراتية - ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"-26-8-2006
قالت اللجنة الخيرية البريطانية يوم الخميس الماضي إنها بدأت تحقيقات رسمية حول نشاط مجموعة "الهلال للغوث الإنساني". واتخذت قراراً بتجميد أموالها على إثر انتشار مزاعم بأن لها صلة ما بالمؤامرة الإرهابية التي جرى إحباطها مؤخراً والتي كانت تستهدف خطوط الطيران الأميركية. وذكرت اللجنة أنها تنظر الآن فيما أسمته بادعاءات على قدر كبير من الخطورة والجدية، لها صلة بإساءة استخدام الأموال المخصصة للنشاط الخيري من قبل المجموعة المشار إليها. وجاء في البيان الصادر عن اللجنة الخيرية أن التحقيقات ستسلط اهتمامها حول ما إذا كانت أموال هذه المجموعة أو الأرصدة المالية التي جمعت باسمها قد جرى استغلالها على نحو غير قانوني أم لا؟ كما ستولي التحقيقات اهتماماً للسياسات والممارسات المالية للمجموعة. وكان قد تم تسجيل مجموعة "الهلال للغوث الإنساني" في شهر يوليو من عام 2001 وشملت قائمة مديريها الأصليين اسم والد راشد رؤوف الذي اعتُقل في باكستان تحت تهمة تتعلق بمؤامرة الطيران الأخيرة التي أحبطت في وقت مبكر من الشهر الحالي. ووفقاً للموقع الإلكتروني الخاص بالمجموعة، فإن مشروعاتها الغوثية تتضمن توفير الغذاء والأدوية والكتب لضحايا الزلزال الذي ضرب إقليم كشمير في العام الماضي وكذلك لضحايا "تسونامي" الإندونيسي عام 2004. وعلى رغم نفي المجموعة لتورطها في أي نشاط أو صلات إرهابية إلا أن ممارساتها المالية أثارت بعض الشكوك العام الماضي لدى محاولة أحد أعضائها إرسال مبلغ 50 ألف جنيه استرليني إلى باكستان، دون أن يحدد الهدف ولا هوية المرسَل إليهم على النحو الصحيح المطلوب. ومن جانب آخر ذكرت الشرطة البريطانية أنها وجهت اتهامات للمشتبه به رقم "12" في المؤامرة الإرهابية الأخيرة بعد أن اعترف بفشله في الكشف عن معلومات كان من شأنها تجنب وقوع الهجوم الإرهابي. وهذا المتهم المدعو عمير حسين والبالغ من العمر 24 عاماً هو شقيق مهران حسين 23 عاماً الذي وجهت إليه اتهامات لها صلة بالمؤامرة الأخيرة. وكلاهما شقيقان لنبيل حسين الذي لا يزال قيد الحبس دون أن توجه إليه اتهامات بعد. يذكر أنه جرى تقديم ثمانية متهمين أمام المحاكم البريطانية خلال الأسبوع الماضي وجهت إليهم اتهامات تتعلق بالتآمر على القتل والتحضير لارتكاب أفعال إرهابية. وذكرت الشرطة أيضاً أنها اعتقلت شخصاً آخر يبلغ من العمر 27 عاماً يقيم في "مانشستر"، ولم تحدد هويته بعد في اشتباه له صلة بالجرائم الإرهابية. غير أن سلطات الشرطة العليا في "مانشستر"، أوضحت أن ذلك الاعتقال ليست له صلة بمؤامرة الطيران الأخيرة هذه. ولاشك أن هذه الجهود التي تبذلها اللجنة الخيرية البريطانية البالغ عمرها 150 عاماً الآن تلقي بعض الضوء على تنامي دورها في الجهود التي تبذلها بريطانيا في مجال مكافحة الإرهاب. وقد برز دور الجمعية باعتبارها شريكاً فاعلاً في عمل السلطات الرامي لاجتثاث جذور الإرهاب المحلي ومكافحة ظاهرة التطرف الديني في أوساط الجالية المسلمة البريطانية. وقد تعاظم هذا الدور على نحو خاص إثر التفجيرات التي شهدتها العاصمة لندن في يوليو من العام الماضي 2005، وكذلك إثر آخر المؤامرات الإرهابية التي استهدفت خطوط الطيران الأميركية. والمعلوم أن هذه المؤامرات جميعاً تورط فيها مواطنون بريطانيون. يجدر بالذكر أن اللجنة الخيرية البريطانية يتم تمويلها حكومياً، وأنه يعمل بها 500 موظف وعامل، بينما تتبع لها 190 ألف منظمة أجنبية وقرابة المليون مؤسسة ائتمانية بما فيها الكثير من الكنائس البريطانية، وكذلك معظم المساجد البريطانية. هذا وتعكف وزارة الداخلية البريطانية وكل من وزارة المالية على إجراء تحقيقات حول مدى احتمال ضلوع بعض مؤسسات ومنظمات العمل الخيري في تمويل النشاط الإرهابي، وتنويان تقديم بعض الخطط والتوصيات الرامية إلى إجراء تعديل على السياسات المتبعة حالياً بحلول الخريف المقبل. وتأكيداً لذلك قال ناطق رسمي باسم وزارة الداخلية: إن الوزارة على علم بمدى الحاجة لتعزيز الإجراءات والنظم المتبعة حالياً في مكافحة استغلال النشاط الخيري وتسخيره لخدمة الإرهاب. *مراسل صحيفة "نيويورك تايمز" في لندن و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور. المصدر: الإتحاد الإماراتية- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز" -26-8-2006
رشيد خشانة
الإصلاحات في ليبيا .. هل تنطلق هذه المرة ؟ تباعدت التأويلات لتصريحات سيف الإسلام القذافي الذي طالب بسن دستور للبلد وحمل على "حالة الفوضى" الناجمة عن سيطرة "اللجان الثورية" على الحياة السياسية. البعض رأى فيها مؤشرا إلى خطوات انفتاحية مرتقبة، فيما شكك آخرون في صدقيتها واعتبروها منسجمة مع الدور المرسوم لمُطلقها بوصفه "الكُوَة" التي يلجأ لها الحكم لتنفيس الإحتقانات. وكان سيف الإسلام الذي يرأس مؤسسة خيرية تحمل اسم والده، انتقد في كلمة ألقاها يوم الأحد 20 أغسطس 2006 في اجتماع شبابي في سيرت (500 كلم شرق العاصمة طرابلس) ما اعتبره "التفافا على النظام الديمقراطي" نافيا أن تكون ليبيا "تحت سلطة الشعب"، خلافا لما دأب والده على إعلانه في خطبه منذ إرساء "النظام الجماهيري" في ليبيا سنة 1976. وذهب الإبن إلى حد انتقاد سجن المعارضين و"بهدلة" المخالفين في الرأي باسم الشعب، وغياب حرية الإعلام بل أكد أن "الصحافة معدومة في ليبيا أصلا، إذ هي لا تعني شيئا عندما يسيطر عليها أربعة صحف باهتة وركيكة يكتب فيها عدد محدود من الأشخاص". توقيت استثنائي ظاهريا لم تخرج تلك الإنتقادات من حيث الجوهر عما أطلقه سيف الإسلام في الماضي من دعوات جسورة لإصلاح الأوضاع في ليبيا ووضع البلد على سكة الإنفتاح السياسي والإقتصادي. غير أن جديد تصريحات سرت، التي أتت قبل عشرة أيام من انطلاق الإحتفالات بالذكرى السابعة والثلاثين لجلوس والده على سدة الحكم مطلع الشهر المقبل، يكمن في أنه عزا حالة الفوضى السائدة في ليبيا إلى "غياب الدستور والقوانين والمرجعية الثابتة وعدم وجود خطط مستقبلية للنظم الإدارية". وغير خاف أن هذا التشخيص يتضمن اتهاما واضحا للجان الثورية التي تمسك البلد بقبضتها منذ أكثر من ثلاثة عقود وإقرارا بفشلها في تأطير الناس، مما حمله على الدعوة في التصريحات نفسها إلى "إعادة تأسيس (سنَ) دستور ثابت للمائة سنة المقبلة". طبعا هذا كلام يتجاوز النقد القشري الذي تُطلقه أحيانا أجنحة في أنظمة الحكم العربية لامتصاص الغضب، فهو يطرح مسألة أساسية تخص إعادة العمل بالدستور الذي ألغي منذ الإطاحة بالملكية في سبتمبر 1969، واستطرادا إنهاء العمل بالشرعية الثورية التي أرسى القذافي نظامه على أركانها. لكن لاشيء يدل على أن هذه ليست رغبة القذافي الأب أيضا. فتصريحات سيف الإسلام ربما تعكس مبادرات قد يكون معمر القذافي نفسه يستعد للإعلان عنها شخصيا أو بالوكالة لتجديد شباب حكمه وضخ دماء جديدة في شرايينه التي شاخت بفعل التربع نحو أربعة عقود على رأس هرم السلطة. ومن هذه الزاوية يمكن أن تشكل التضحية باللجان الثورية وحتى بالمؤسسات المنبثقة من "النظام الجماهيري" مثل "مؤتمر الشعب العام" (البرلمان) عنوان مقايضة قابلة للتسويق داخليا وخارجيا. فعلى الصعيد الداخلي تزامنت تصريحات سيف الإسلام "الجسورة" مع تكثيف عودة المعارضين إلى البلد عبر اتصالات ومفاوضات سرية على مدى الأشهر الماضية. وكان الشرط الرئيسي للسماح لهؤلاء بالعودة من الخارج هو التخلي عن فكرة الإطاحة بالنظام. ومن أبرز وجوه المعارضة العائدين طبقا لتقرير نشرته صحيفة "الشرق الأوسط" محمد صالح بويصير نجل وزير الخارجية الليبي الذي لقي حتفه في حادث إسقاط إسرائيل لطائرة مدنية ليبية فوق صحراء سيناء سنة 1973 والرئيس السابق لمنظمة ألفا «التحالف الليبي - الأميركي من أجل الحرية»، بالإضافة إلى رمضان أبو زعكوك أحد مؤسسي "الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا". وفي هذا السياق أفيد أن السلطات الليبية أسقطت الاتهامات الرسمية بحق من عادوا كما أعادت لهم منازلهم التي كانت مصادرة قبل سنوات، وأنها في طريقها إلى إعادة النظر في عودة ممتلكاتهم التي كانت قد استولت عليها بعد خروجهم من ليبيا. مخاوف "النومونكلاتورا" بهذا المعنى تحمل مبادرة سيف الإسلام طعم "الباكورة السياسية" حتى وإن لم يتجسد ما أعلن عنه في غضون الأسابيع المقبلة، بسبب المعارضة الشديدة ل"النومونكلاتورا" الخائفة من خسارة امتيازاتها، والتي وصفها هو نفسه بكونها تحالف بين "مجموعة من الموظفين في الدولة وبعض القطط السمان (في القطاع الخاص) في تزاوج غير مقدس لخلق مافيا ليبية". ويُعتبر هذا التطور سفينة ذات وجهين: الأول اقتصادي والثاني سياسي، إذ خصص أربعين في المئة من التصريحات المنقولة عنه للتأكيد على ضرورة الإنفتاح الإقتصادي متقصدا مهاجمة البيروقراطية الحزبية والإدارية التي تشكل معاقل المعارضة للإصلاحات الإقتصادية والتي سبق أن أطاحت برئيس الوزراء القريب من سيف الإسلام شكري غانم. ومن اللافت أن دفاع سيف الإسلام عن برنامج خصخصة القطاع العام بما في ذلك قطاعي الإتصالات والمصارف، اللذين أعلن أنهما سيُفتحان أمام الشركات الأجنبية اعتبارا من العام المقبل، تزامن مع إعلان وزير االإقتصاد والتجارة الصافي الطيب الصافي قبل فترة قصيرة اعتزام الحكومة إعادة هيكلة الإقتصاد الليبي بما يمنح دورا محوريا للقطاع الخاص المحلي والأجنبي. وشدد الوزير في "المؤتمر الثاني حول ممارسة الأنشطة الإقتصادية" الذي عُقد في طرابلس على أن ليبيا "في حاجة للخبرات الأجنبية خاصة في مجال الإدارة المصرفية والنقدية"، داعيا في الوقت نفسه إلى "عدم التحسس والخوف من من الإستثمار الأجنبي". وفي هذا السياق وضعت الحكومة الليبية مؤخرا لوائح لتنظيم وإدارة المناطق الحرة بمساهمة مستثمرين أجانب، وتشكل المنطقة الحرة في مصراتة التي تفتتح قريبا الخطوة الأولى في هذا السبيل. الأمريكيون يتربصون أما على الصعيد الخارجي فتتقاطع تصريحات سيف الإسلام مع الدعوات الأمريكية لإطلاق قطار الإصلاحات الإقتصادية والذي يمني الأمريكيون أنفسهم بالإستفادة منه سعيا لتعزيز مواقعهم أمام الشركات الأوروبية والآسيوية التي انتهزت غيابهم طيلة عشرين عاما لتستأثر بالسوق الليبية، وخاصة قطاع النفط استكشافا وإنتاجا. وكان هذا الموضوع في قلب المحادثات التي أجراها المسؤولون الأمريكيون الذين زاروا ليبيا وآخرهم وكيلة وزارة الخارجية الأميركية للديموقراطية والشؤون الدولية باولا دوبريانسكي التي اختتمت زيارة رسمية لطرابلس على رأس وفد كبير في اليوم الرابع من العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان (17 يوليو 2006). وشكلت زيارة دوبريانسكي علامة قوية على مرحلة جديدة في العلاقات الثنائية، خصوصا أن كثافة الإستثمار الأميركي في ليبيا وكثرة الوفود الليبية الرسمية والخاصة التي باتت تزور الولايات المتحدة أعطيا إشارة قوية على حدوث نقلة في العلاقات بين الحكومتين. ومن علامات هذه النقلة أن الوفد المغاربي الوحيد الذي حضر أخيرا فعاليات المنتدى الإقتصادي السنوي العربي – الأميركي في هيوستن كان وفدا ليبيا فيما غابت بلدان معروفة بعلاقاتها العريقة مع أميركا مثل المغرب وتونس. كما أن العقيد القذافي بات يقبل بأدوار الوساطة الحرجة التي يتحاشاها حلفاء واشنطن مثل وعده بالتدخل لدى كوريا الشمالية لإقناعها بالتخلي عن الأسلحة النووية والإقتداء بالتجربة الليبية في هذا المجال. ولم يُخف سيف الإسلام التطابق الواضح بين برنامجه الإصلاحي والأجندة الأمريكية فقد شكا في اجتماع سرت الأخير مع الشباب من العراقيل التي اصطدم بها والمتمثلة في اتهامه بكونه يسوَق "مشروعا امبرياليا أمريكيا من صنع المخابرات المركزية الأمريكية"، بالإضافة لاعتبار ما يطرحه من إصلاحات مدخلا لتخريب البلد، وهو بلا شك يغمز من قناة "اللجان الثورية" المتحفظة على كل إجراء إصلاحي والمتحفزة لمقاومته وإفشاله. قوة تغيير أم إسفنجة للإمتصاص؟ مع ذلك لا يمكن للمراقب إنكار الشعبية التي باتت تحظى بها دعوات سيف الإسلام الإصلاحية ليس فقط لدى النخبة (حيث بادرت جماعة الأخوان المسلمين بالإعلان عن دعمها لها) وإنما لدى رجل الشارع أيضا، بوصفها تمنح بارقة أمل بالتغيير بعد ثلاثة عقود من الإستبداد المطلق وملاحقة المعارضين وتخوين الأحزاب وضرب الرأي المخالف. وفي هذا الإطار اعتبر الجامعي المستقل زاهي بشير المغربي أستاذ العلوم السياسية في جامعة بنغازي أن "ظاهرة سيف الإسلام وما يقوم به من مساع وحركات ومبادرات ذات منحى إصلاحي هي معقد آمال كثير من الليبيين. فإصلاح النظام من داخل أحد أجنحته ومراكز النفوذ فيه قد تكون طريقة ليبيا المُبتكرة في التغيير السلمي والإصلاح السياسي والإقتصادي تجنبا لهزات اجتماعية ومغامرات سياسية لايحتملها البلد". بالمقابل ترى تيارات أخرى في ليبيا أن هناك تقاسم أدوار بين أركان النظام تُسند بموجبه لكل جناح وظيفة محددة بما يحول دون انهيار الحكم في ظل التيارات الإقليمية والدولية القوية المنادية بالإصلاح والديمقراطية. ولا ينفي هؤلاء وجود صراع حقيقي بين الأجنحة لكنهم يشددون على أن بروز تيار سيف الإسلام ضروري لاستمرار النظام، لأنه يقطع الطريق أمام بدائل محتملة من خارجه ويرسم سقف التغيير الذي سيعقب استقالة معمر القذافي أو منحه دورا فخريا، إذ سيبقى زمام الأمور في دائرة مقفلة، وتحديدا بأيدي الأسرة على نحو يُبعد شبح المحاسبات ويخفف من حدة تصفية الإرث السابق. و كل ذلك بحسب المصدر المذكور. المصدر: swissinfo-26-8-2006
|