العدد 18-   الصفحة السابعة

 

 

   الصين في القرن الحادي والعشرين :

المؤتمر السنوي للمجلس المصري للشئون الخارجية

 

 

نانيس عبد الرزاق 

 

عقد المجلس المصري للشئون الخارجية مؤتمره السنوي لهذا العام حول موضوع 'الصين في القرن الحادي والعشرين وبدأ المؤتمر بجلسة افتتاحية تحدث فيها السفير عبد الرؤوف الريدي رئيس مجلس ادارة المجلس، مؤكدا ان هذا المؤتمر يختلف في دوافعه واهتماماته عن الكم الكبير الذي نراه في العالم الآن -خاصة في الغرب- عن 'الصين'، حيث ان هذه المؤتمرات والدراسات في اغلبها تنطلق من منظور متوجس من الصين باعتبارها قوة صاعدة تنافسية، مع العديد من مراكز القوى الأخرى في الغرب أو في الشرق. لكن هذا المؤتمر ينطلق من ان الصين دولة صديقة، وكلما ارتفعت الصين وحققت تقدما، يسعدنا ذلك كعالم نام لان الصين -التي كانت الى عهد قريب جزءا من العالم الثالث ودولة نامية- تتربع الآن على المركز الخامس، ان لم يكن المركز الرابع في الاقتصاد العالمي، ولذلك دلالة مهمة، هي ان الشعوب النامية تستطيع ان تلحق بالركب وان تكون في صفوفه الامامية وان تكسر حاجز التخلف، وان تجعل من حضارتها القديمة باعثا على التحديث والتفوق.

والقى السيد وزير الخارجية احمد ابو الغيط كلمة تحدث فيها عن العلاقات الصينية-المصرية وعمق تاريخها والتراث السياسي والثقافي الذي يجمع البلدين، واكد ان القيادة السياسية لكل منهما تسعى جاهدة نحو تعزيز الترابط والتفاعل على جميع الاصعدة السياسية والثقافية والاقتصادية، كما اكد فخر مصر وغيرها من الدول العربية والدول النامية بالصعود الصيني السلمي وتجربتها في التنمية التي تستحق ان تكون مثالا يحتذي به غيرها من الدول التي تسعى لتحقيق خطوات على طريق التنمية، حيث انها حققت المعادلة الصعبة بين النمو الاقتصادي والاستفادة من الموارد الطبيعية والبشرية المتاحة من ناحية، وتحقيق التنمية الاجتماعية والسياسية والتشغيل الامثل للموارد مع الحفاظ على البيئة من ناحية اخرى. ولقد لعب عدد من الاعتبارات السياسية والاقتصادية دوراً كبيرا فى تشكيل أو إعادة تشكيل العلاقات المصرية- الصينية فى القرن العشرين من حيث ان كلتيهما تنتمي إلى مجموعة الدول النامية وان كلتيهما من الاقتصادات الصاعدة، حتى وان اختلف الواقع الاقتصادي فى كل منهما، اضافة الى ان مصر والصين قوتان إقليميتان تطمحان للعب دور دولى فاعل بل وتتوافر لديهما المقومات لهذا الدور. وبصرف النظر عما يتردد عن تحول الصين مع مرور الوقت إلى قطب دولى جديد، إلا أن الدولتين ولسنوات طويلة قادمة ستجمعهما هذه الخاصية. واكد في النهاية عمق العلاقات بين مصر والصين وأهميتها وضرورة تنميتها، حيث اصبحت تمثل أحد ثوابت السياسة الخارجية المصرية. كما اكد السيد الوزير تنسيق البلدين والتشاور بينهما حول مختلف القضايا الاقليمية والدولية وفي كافة الهيئات والمنظمات الدولية فضلا عن الزيارات الرئاسية شبه السنوية التي تدعم علاقات البلدين.

ثم القى السفير وو سيكه سفير الصين بالقاهرة كلمة بدأها بشكر المجلس المصري للشئون الخارجية على اهتمامه بموضوع الصين، حيث تتمتع كل من الصين ومصر بحضارة عريقة وباهرة، وتواجهان المهام المشتركة لتنمية الاقتصاد وتحسين مستوى معيشة الشعبين. ومن ثم اكد انه من الضروري دراسة كيفية استفادة الحضارتين من بعضهما بعضا. وعرض تطور الصين من الناحيتين السياسية والاقتصادية واكد ان تطور الصين لا يخدم مصالح الشعب الصيني البالغ عدده 3ر1 مليار نسمة فحسب، بل يوفر الفرصة السانحة والسوق الكبيرة لدول العالم، ويصبح نمو الاقتصاد الصيني ديناميكية مهمة لتدعيم نمو الاقتصاد العالمي. كما اعلن انه قبل بضعة شهور، حددت الحكومة الصينية الاهداف التنموية في السنوات الخمس المقبلة، وذلك في سعيها لتحقيق مضاعفة الناتج المحلي الاجمالي للفرد بحلول عام 2010 بالمقارنة بما كان عليه في عام 2000، وذلك على اساس بناء المجتمع المنسجم وتحقيق التوافق بين الانسان والطبيعة في مسيرة التنمية. كما اكد حيوية العلاقات الصينية- المصرية في الوقت الحالي، فهي تمر بأروع مرحلة في التاريخ، حيث حقق تعاون البلدين ثمارا وافرة في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والتعليمية، وتطورت العلاقات الثنائية تطورا سريعا تحت الرعاية البالغة من قادة البلدين، كما يتبادل البلدان الدعم والتأييد ويكثفان التنسيق والتعاون في كافة القضايا الدولية والاقليمية.

والقى المحاضرة الافتتاحية د.انور عبد الملك بعنوان 'الصعود السلمي: الصين في عالم جديد متعدد الاقطاب'، وقد خلص الى خصوصية المنهج الذي يحرك الفكر والعمل الصيني في كافة المجالات بالرغم من احتوائه على تناقضات داخلية، ومن ثم يؤكد هذا المنهج تعبئة كافة القوى السياسية والمدارس الفكرية الداخلية نحو تحقيق تلك الخصوصية. وفي ظل عصرنا، فان التناقض الرئيسي هو بين تحكم هيمنة قطب واحد بالعنف على العالم مقابل نظام عالمي متعدد الاقطاب والمراكز. وفي هذا الجو، تتصاعد فاعلية مفهوم الترابط الصيني، اذ انه يستطيع التعامل مع عدد كبير من انماط التناقضات الدولية دون تغييب اي من القوى الفاعلة، ومن بين هذه الترابطات مثلا ثنائية السلام العام والحرب الجزئية، والانفراج العام والتوتر الجزئي، والثبات العام والتفجير المحلي. واخيرا، مثلما قال كونفوشيوس ان القوة الناعمة او المكانة المعنوية بين الامم وفي قلوب الناس هي طريق تحقيق الصعود السلمي نحو عالم جديد متعدد الاقطاب والمراكز والثقافات، تتشكل من حولنا والصين في قلبه.

بحثت الجلسة الاولى موضوع :

 ' الصين عالميا واقليميا '،

وجرت برئاسة د. اسامة الغزالي حرب الذي قدم للمتحدثين، واولهما السفير د. السيد امين شلبي الذي تحدث حول العلاقات الصينية- الامريكية، حيث ذكر انه على الرغم من اختلاف المدارس السياسية والفكرية الامريكية في النظر الى القوى المتنامية للصين ما بين من يرى هذه القوة تهديدا للولايات المتحدة ومنافسا لها على المكانة الدولية وانها ستكون في هذا الشأن فيما كان الاتحاد السوفيتي، ومن ثم يتوجب مواجهتها واحتواؤها، وبين من يرون ان الصين لا تمثل هذا التهديد ويدعون الى الارتباط Engagement والحوار والتعاون معها. و على الرغم من هذا الاختلاف، الا ان ثمة اجماعا على ان الصين تمثل اكبر تحد للولايات المتحدة في القرن الحادي والعشرين، كما ان ثمة اتفاقا لدى المتتبعين لتطور النظام الدولي وطبيعته على ان الولايات المتحدة والصين ستكونان اكبر قوتين اقتصاديا وعسكريا في القرن الحادي والعشرين وان طبيعة العلاقات بينهما سوف تحدد طبيعة هذا النظام. لذلك، ليس غريبا ان تنشغل الاجهزة الدبلوماسية في العالم ومؤسسات البحث والفكر بمناقشة هذه العلاقة والابعاد التي ستأخذها والعناصر التي تحكم ادارة علاقاتهما. وهذه الورقة تحاول المشاركة في هذا النقاش بتتبع علاقة القوتين منذ الانفتاح الامريكي على الصين وزيارة نيكسون التاريخية عام 1972 وتطور هذه العلاقة عبر الادارات الامريكية المتعاقبة. وكذلك عرض التطور الداخلي في الصين، وصولا الى الادارة الامريكية الحالية والزعماء الصينيين الحاليين، ومستوى التعقيد والتشابك وتداخل الاعتبارات والدوافع التي تحكم هذه العلاقة التي جعلت بعض الخبراء الامريكيين يصفونها بتوءم سيامي لا يمكن فصلهما.

اما المتحدث الثاني، فقد قدم ورقة بعنوان

' اثر الصعود الصيني على التوازنات العالمية والآسيوية'

للاستاذ الدكتور محمد السيد سليم الذي تعذر عليه حضور المؤتمر لسفره إلى الخارج، وقد قدمها نيابة عنه الدكتور محمد سالمان استاذ العلوم السياسية وعضو المجلس، حيث ذكر أن الصعود الصيني في النظام العالمي هو احد الاحتمالات المستقبلية للصين، اى أن جميع الاحتمالات مطروحة بالنظر إلى تناقض المتغيرات المؤثرة في مستقبل الصين. كذلك، فانه في حالة حدوثه، فانه لن يؤثر بشكل جوهري في هيكل توزيع القوة فى النظام العالمي، لان الصين ليس لديها استراتيجية عالمية وكانت دائما قوة إقليمية، وأن المشهد المستقبلي لشرقي آسيا يغلب عليه طابع المواجهة الأمريكية-اليابانية مع الصين. وذكر انه بالرغم من ان الصين تؤكد عزمها تحويل النظام العالمي إلى نظام متعدد الأقطاب، لكن ليس هناك ما يدل على أن لديها برنامجا لتحقيق ذلك بدليل أنها في مجلس الأمن ' تتوافق' مع اتجاهات القوى الغربية في كل القضايا، باستثناء ما يتعلق بموضوع تايوان، كما لا يوجد ما يدل على أن الصين، على الأقل طوال السنوات العشر الأخيرة، تتحدى النفوذ الأمريكي، أو أنها تسعي إلى تحجيم هذا النفوذ. وحتى في ميدان مصالحها الأساسية، وهو النفط، فان الصين تتبع استراتيجية توافقية مع الولايات المتحدة. وخلصت الورقة الى أن الصعود الصينى سيكون بمثابة رحلة طويلة الأمد تتبع الصين خلالها استراتيجية حذرة تقوم على عدم المساس بالتوازنات القائمة و العمل من خلالها، و لكن الاستراتيجية الأمريكية المضادة ستعمل على عدم اعطاء الصين الفترة اللازمة للصعود، وقد بدأت الولايات المتحدة بالفعل فى الضغط الاستراتيجي على الصين بالتعاون مع حليفتها فى الشرق.

وجاءت الجلسة الثانية تحت عنوان

'السياسة الصينية ازاء الشرق الاوسط وافريقيا'

 وقد رأسها الاستاذ الدكتور حسن نافعة، وشملت الجلسة اربعة متحدثين، كان المتحدث الاول د. هدى ميتكيس التي قدمت ورقة حول موضوع 'السياسة الصينية ازاء الشرق الاوسط'،

حيث اقرت انه لا شك في أن أهمية محاولة استجلاء الموقف الصيني وتفاعلاته على الصعيد الدولي تجئ بالأساس من أن الصين باتت تعد بين مصاف الدول الكبرى فى عالمنا المعاصر، ليس فقط نتيجة قدراتها العسكرية الهائلة التى جعلتها تشغل المكانة الثالثة من حيث القدرة النووية، وإنما لشغلها لنفس المكانة من حيث مستوى حجم الناتج القومى الاجمالى، ناهيك عن القوة الديموجرافية التى تتمتع بها الصين نظراً لعدد سكانها الذى بلغ ملياراً و 400 مليون نسمة.وفى إطار هذا السياق، برز الصعود الصينى كأحد التوجهات العالمية فى القرن الحادي والعشرين التى ارتأى فيها الكثيرون خاصة فى حالة استمراريتها، أقوى هذه التوجهات على الإطلاق خلال القرن الحالى، وتصاعدت التكهنات حول التوازنات المستقبلية للنظام الدولى فى ظل هذا الصعود الصينى المتلاحق. لذلك، توجهت أنظار المنطقة العربية إلى هذه القوة الصاعدة التى يمكن أن تمثل ثقلاً مضاداً للهيمنة الأمريكية فى نظام أحادى القطبية بعد انهيار الاتحاد السوفيتى، خاصة أن منطقة الشرق الأوسط بصفة عامة والمنطقة العربية بصفة خاصة باتت تزخر بالعديد من القضايا المعقدة التى تسعى الصين لأن تكون طرفاً فاعلاً فيها، خاصة القضية الفلسطينية والوضع في العراق. وقد انقسمت الورقة الى اربعة محاور توضح سياسة الصين تجاه الشرق الاوسط:

تناول المحور الاول الأهداف العامة للسياسة الصينية كمدخل لفهم الموقف الصينى من قضايا الشرق الأوسط،

وتناول الثاني رؤية لأهم محددات السياسة الخارجية الصينية فى الشرق الأوسط، و عرض الثالث لتطور الموقف الصينى إزاء التسوية السلمية فى الشرق الأوسط، واخيرا ركزت الورقة على الموقف الصينى تجاه القضية العراقية، واختتمت الورقة بتأكيد ان الصين اعلنت حرصها على التعاون مع كافة الدول من منطلق المنفعة المتبادلة، وهى السياسة التى تنتهجها الصين فى منطقة الشرق الأوسط مع الحرص على القيام بدور عالمى فى مختلف القضايا بصفة عامة، ومن بينها تلك تشهدها المنطقة العربية.وفي هذا الشان، أكدت الصين أن من بين أهداف سياستها الخارجية إرساء عالم متعدد الأقطاب يجنب الإنسانية ويلات أى حروب مستقبلية بما يضمن السلام العالمى، بحيث تواصل الصين سياسة خارجية تهدف إلى الحفاظ على السلام العالمى فى ظل نظام دولى يقوم على مبدأ الاحترام المتبادل دون الهيمنة مع اتباع نموذج للتنمية المشتركة فى إطار الثقة المتبادلة والمساواة والجوار ومحاولة تسوية المنازعات من خلال السبل السلمية والحوار، وهو النهج الذى تمسكت به الصين فى رؤيتها لمختلف قضايا الشرق الأوسط.

المتحدث الثاني - ممثلا للمعهد الصيني للعلاقات الدولية المعاصرة - هو السيد Li Baizhai والذي تناول موضوع

'دبلوماسية الطاقة في الصين '،

وذكر ان هذا النوع من الدبلوماسية يأتي -كما صنفه بعض الباحثين -بعد دبلوماسية الدول الكبرى ودبلوماسية الدول المجاورة في استراتيجية الدبلوماسية الصينية، لذلك يعتبر عام 2004 عام دبلوماسية الطاقة الصينية، حيث إن دبلوماسية الطاقة ما زالت مستجدة بالنسبة الى الصين، و ترجع الي التسعينات من القرن العشرين، حيث أثارت قضية أمن الطاقة اهتماما قويا من قبل الحكومة الصينية مع زيادة حاجات الصين للطاقة وارتفاع نسبة الاعتماد على الاستيراد بصورة سريعة، فأصبحت دبلوماسية الطاقة جزءا مهما للاستراتيجية الدبلوماسية للحكومة الصينية الحالية. إن معظم الزيارات التي قام بها الرئيس هو جين تاو خلال العامين الماضيين مرتبطة بالشئون التعاونية في مجال البترول والغاز الطبيعي. وترجع اسباب اتباع هذه الدبلوماسية الى أن الصين سيواجهها اتجاهان حتميان في المستقبل مع تنمية وتطوير الاقتصاد الصيني بصورة سريعة في هذه السنوات:

الاتجاه الأول هو أن كمية الاستهلاك النفطي ستزداد زيادة ملحوظة. أما الاتجاه الآخر، فهو أن الصين ستستورد كميات هائلة من البترول لسد الحاجات الداخلية بسسب شح مواردها النفطية،وقد شهدت الصين هذين الاتجاهين إلى حد ما، وذلك ما يتمثل في سرعة زيادة كمية الاستهلاك النفطي في الصين بـ 6.66 سنويا خلال السنوات العشر الماضية منذ 1993 -2003، كما انها أصبحت دولة مستوردة صافية للنفط في عام 1993. بالمقارنة مع ذلك، فإن سرعة زيادة إنتاج البترول داخل الصين هي 1.75 سنويا فقط خلال هذه الفترة، فتتسع الفجوة بين الطلب والعرض أكبر فأكبر في القرن الحادي والعشرين، خاصة بعد عام 2003، حيث بدأت الصين تسبق اليابان واحتلت المركز الثاني في الاستهلاك النفطي في العالم. وأكثر من ذلك، من المتوقع أن تبلغ كمية الإستهلاك النفطي في الصين بين أربعمائة وخمسين مليونا وستمائة وعشرة ملايين طن حتى عام 2020، ولكن حجم التموين في الوقت نفسه سيتراوح بين مائة وثمانين مليونا ومائتي مليون طن فقط، ذلك يعني أن الفجوة بين الطلب والعرض ستبلغ مائتين وخمسين مليونا حتي أربعمائة وثلاثين مليون طن. علاوة على ذلك، فإن تكلفة الإنتاج في الصين للبترول الخام تظل عالية حتى لا نقدر على مقارنتها مع الدول المنتجة للبترول الأخرى، مثلا تكلفة إنتاج البترول لكل برميل في دول إفريقيا والشرق الأوسط هي 3.73 دولار، وفي كندا 7.17 دولار، وفي أوروبا 8.29 دولار، وفي أمريكا 13.3 دولار، أما في الصين، فهي أكثر من 17 دولارا لكل برميل علي الأقل، فترغب الصين في إنشاء نظام التموين للطاقة علي النطاق العالمي للحصول علي التموين النفطي الطويل الأجل الثابت الوافر وبالأسعار المناسبة لدعم تطورها الاقتصادي والاجتماعي بشكل مستمر ومستقر. واكد في النهاية انه في الحقيقة أن دبلوماسية الطاقة الصينية ليست استراتيجية جديدة تماما، بل هي الامتداد والتعديل للاستراتيجية القديمة المسماة باستراتيجية الذهاب الي الخارج، والتغيير الوحيد فيها هو الاهتمام المتزايد بشق طرق الطاقة الجديدة علي النطاق الدولي للتمسك بزمام المبادرة أكثر من الماضي. ويساعد هذا النوع من الدبلوماسية على تمسك الصين بسياسة خارجية سلمية مستقلة تلتزم بمبادئ التعايش السلمي الخمسة، وعدم وجود خلافات بينها وبين الدول العربية في المصالح الجوهرية، والمحافظة علي التبادل التجاري مع الدول العربية بشكل طبيعي وصحي. كما ان قادة الطرفين يهتمون جدا بالتعاون في مجال الطاقة، حيث يؤكدون في محادثاتهم إقامة علاقات تعاونية استراتيجية طويلة الأجل بشكل ثابت ومنفعة متبادلة خاصة في مجال البترول.

وشارك من الصين ايضا المتحدث الثالث السفير Baolai Liuممثلا لمعهد الشعب الصيني للشئون الخارجية وقدم ورقة تحت عنوان

 'رؤية عامة للعلاقات العربية-الصينية '

 تناول فيها التاريخ الطويل والعميق للعلاقات الصينية-المصرية منذ طرح رئيس الوزراء الصيني تشو انلاي في زيارته للقاهرة في عام 1964 المبادئ الخمسة للعلاقات الصينية-العربية، كما استعرض علاقات الصداقة والتعاون الصيني-العربي واكد انها في حاجة الى جهود كبيرة لكي تتطور في اتجاه تقويتها على جميع الاصعدة السياسية والاقتصادية والثقافية، وقد قدم السيد Baolai بعض التوصيات في هذا الصدد، من اهمها:

تعزيز التواصل المتعدد المستويات لزيادة الفهم والثقة المتبادلة، وتفعيل التعاون المتبادل لتحقيق التنمية المشتركة، وتعزيز التخطيط وتعميق الفهم والبحث للثقافتين العربية والصينية.

اما المتحدث الرابع، فهو الدكتور حسن ابو طالب الذي تناول موضوع 'الصين - وافريقيا'،

حيث استعرض تاريخ العلاقات الصينية-الافريقية منذ الستينات، واكد ان العلاقات الصينية-الافريقية شهدت أيضا طفرة فى الآونة الأخيرة وعلى رأسها إنشاء منتدى للتعاون الصينى-الافريقى، وقد كانت مصر واحدة من أهم الدول الافريقية التى تشاورت معها الصين عام 2000 حول انشاء هذا المنتدى، وقد عقدت اول قمة له في بكين عام 2000، كما تعتزم الصين استضافة قمة افريقية-صينية في اطار المنتدى تعقد في بكين في خريف عام 2006، مما يدل على عمق الاهتمام الصيني بالقارة الافريقية وحرصها على المشاركة الفعالة في قضاياها المتعددة والمختلفة، الامر الذي يدفع نحو مزيد من الثقة والحماس لتعزيز العلاقات الصينية-الافريقية.

وبحثت الجلسة الثالثة العلاقات الثنائية المصرية-الصينية برئاسة السيد جمال الناظر، حيث تناولت البعد السياسي للعلاقات بين البلدين وقد ناقشها السفير علي الحفني.وبداية، ذكر ان مصر والصين سوف تحتفلان فى 30 مايو 2006 بالذكرى الخمسين لإنشاء العلاقات الدبلوماسية بينهما، تلك العلاقات التى اتفق الزعيمان الراحلان عبد الناصر ورئيس وزراء الصين آنذاك شوان لاى على إنشائها، حينما التقيا على هامش مؤتمر باندونج، الذى عقد باندونيسيا عام 1955، وكانت تلك أول مرة يلتقى فيها زعيمان من مصر وجمهورية الصين الشعبية عقب إنشاء الأخيرة عام 1949 وقيام الثورة فى الأولى عام 1952 . وقد استعرضت الورقة تطور العلاقات السياسية بين البلدين منذ اقامة تلك العلاقات متضمنة البعدين العربي والافريقي لتلك العلاقات، كما عرضت الآليات القائمة فى إطار العلاقات الثنائية بين مصر والصين، والتي شملت المشاورات السياسية بين الدولتين، واللجنة المصرية -الصينية المشتركة للتعاون العلمى والتكنولوجى، واللجنة المصرية-الصينية المشتركة للتعاون التجاري والفنى، ومجموعة العمل الزراعية المشتركة، وهى على مستوى نواب / وكلاء الوزارة.

كما تناولت الجلسة البعد الاقتصادي للعلاقات الثنائية بين مصر والصين، وتحدث حول هذا الجانب الاستاذ محمد قاسم، رجل الاعمال وعضو المجلس، حيث تناولت ورقته ' العلاقات الاقتصادية الصينية-المصرية..اين هي والى اين تتجه؟'، وقد استعرض بداية وضع الاقتصاد الصيني، حيث تمثل الصين 4% من الإقتصاد العالمي وتبلغ تجارتها الخارجية 851 مليار دولار وتأتي في المرتبة الثالثة بعد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وبالرغم من ذلك، فان حجم الاقتصاد الصيني لم يتعد 7/1 اقتصاد الولايات المتحدة، فضلا عن التحديات الخطيرة التي تواجهها الصين للاستمرار في النمو المتسارع الذي شهدته خلال ربع القرن الماضي، وتتمثل في ندرة الموارد الطبيعية المتاحة بالمقارنة بعدد السكان وعلى الأخص في الطاقة والمواد الأولية والمياه والأرضي القابلة للزراعة.كما تواجه الصين أيضاً تحديا بيئيا نتيجة لتسارع معدلات النمو فضلاًعن ضعف العلاقة بين النمو الاقتصادي من جهة والتنمية الاجتماعية من جهة أخرى، فضلا عن الحرب التجارية الحالية التي تواجهها الصين من أطراف عديدة وعلى رأسها الولايات المتحدة . وحول العلاقات الاقتصادية الثنائية بين مصر والصين، أكد أن هناك نمواً مطردا في كل من الصادرات المصرية والصينية لكلا البلدين منذ عام 2001 وحتى الآن، إلا أن الميزان التجاري يميل بشدة لصالح الجانب الصيني نظراً لارتفاع حجم الصادرات الصينية. وخلصت الورقة الى ضرورة تحديد أولويات مصر الاستراتيجية تجاه العالم الخارجي من الناحية الاقتصادية مع اعطاء المزيد من الاهتمام للصين وآسيا عامة لان الواضح أن الفكر الاستراتيجي المصري مشغول تماماً بالشمال (أوروبا) والغرب (الولايات المتحدة) دون اهتمام كاف بالشرق (آسيا بما فيها الصين) والجنوب (افريقيا). ومن المؤشرات ذات الدلالة أنه رغم كثرة المراكز المتخصصة، ورغم الجهد المشكور لمركز الدراسات الآسيوية بجامعة القاهرة، فلا يوجد مركز متخصص في الدراسات الصينية.وقدمت الورقة توصية لبحث امكانية قيام المجلس المصري للشئون الخارجية بأخذ زمام المبادرة في هذا الشأن وتكوين مجموعة عمل استراتيجية للنظر فيما يتوجب أن تكون عليه العلاقات المصرية-الصينية بأبعادها المختلفة.

واختتم المؤتمر اعماله بمائدة مستديرة بعنوان 'مستقبل العلاقات المصرية-الصينية ' شارك فيها عدد من الخبراء المصريين اضافة الى ممثلي المعهد الصينيين المشاركين في المؤتمر، وخلص المشاركون الى انه يجب وضع خطة او آلية نحو مزيد من التعاون بين البلدين في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، وضرورة استحضار الرؤية المصرية في التوجه للشرق، والاهم هو المشاركة في التنظيمات الجديدة والقائمة في آسيا مثل منظمات اقليمية ذات اهمية كبيرة الآن، مثل ASIAN , EAST ASIAN FORUM ,APEC ومنظمة شانغهاي للتعاون،والتي تسعى اسرائيل للانضمام اليها والحصول حتى على مقعد مراقب!، يجب الاهتمام بذلك، ويجب ان يكون لجامعة الدول العربية دور ايضا. وحتى لو نظرنا من المنظور الاسلامي، فإن مصر دولة اسلامية و هذه المنطقة تحوي عددا كبيرا من المسلمين، لذلك يجب ان نوليها قدرا اكبر من الاهتمام والمتابعة، فضلا عن انه لابد من احترام الثقافة الصينية ومعرفة مع من نتعامل.

علاوة على ذلك، فان ما ينقص مصر هو عدم وجود مؤسسات مصرية قائمة في الصين. فمثلا، لا توجد غرفة تجارية - مصرية في الصين، ومن ثم من الضروري مراعاة ذلك حتى يتسنى زيادة التبادل التجاري المصري-الصيني خاصة ان الميزان التجاري بين البلدين ليس في صالح مصر..

واخيرا، فان الجوهر هو ان ندرس الصين بعيون مصرية، وليس بعيون اجنبية.

وكل ذلك نصاً ودون تعليق بحسب الكاتب في المصدر .

المصدر : http://www.siyassa.org.

 

كيف يعمل النظام الفدرالي الأميركي مع الولايات والحكومات المحلية ؟

 

بقلم: فضيل الأمين وسالي فرحات

 

الفدرالية الأميركية: تجـربة فـريدة في مجتمع يتطوّر

مع استمرار موجة انحسار الأنظمة الشمولية والدكتاتورية في العالم واعتبار التنوع العرقي والجغرافي قيمة إيجابية في حياة المجتمعات ومصدر قوة وليس مصدر ضعف وتشتت، وتقلّص قيمة نظم الإدارة الرأسية وتطوّر النظم الأفقية التي تدعمها ثورة المعلومات والتكنولوجيا المتطوّرة دوما، ورغبة المجتمعات المحلية في داخل الدول القطرية في إدارة شؤونها المحلية بنفسها بطريقة أكثر عملية وأعلى مهنية.

كل ذلك زاد من فضول الكثيرين للتعرّف إلى نظم الحكم اللامركزية وعلى رأسها نظم الحكم الفدرالية وفي مقدمتها الفدرالية الأميركية التي تأسّست قبل 200 سنة وأثبتت نجاحاً ومرونة في التطوّر. وطوال الفترة الماضية وردتنا رسائل كثيرة من قراء المجلة يستفسرون عن النظام الفدرالي الأميركي وطريقة عمله وطبيعة توزّع السلطات بين الحكومة الفدرالية وحكومات الولايات وبين الأجهزة التنفيذية والتشريعية والقضائية المختلفة.

 تقاطع المسؤوليات والصلاحيات

لعل التفاعل الذي حصل على المستوى المحلي ومستوى الولايات والحكومة الفدرالية مع إعصار كاترينا وتداعياته مثال على طبيعة العلاقة الوطيدة والمتوترة أحياناً بين الحكومة الفدرالية وحكومات الولايات. فبموجب الدستور الأميركي، تُعتبر السلطات غير المنصوص على منحها للحكومة الفدرالية بشكل محدّد دستورياً هي سلطات تقع ضمن اختصاص حكومات الولايات.

لقد تجادل الأميركيون طوال تاريخهم حول قدرة الولايات ومدى تهيئها للاستجابة لقضايا السياسة العامة وإدارة شؤون المواطنين على صعيد الولايات على نحو أفضل. واستقر الأمر على ذلك مع إدراكهم أهمية الدور الذي تلعبه الحكومة المركزية خاصة أثناء الأزمات، كما في حالة إعصار كاترينا، على سبيل المثال.

ويقوم الدستور الأميركي على ثلاثة أسس:

الفدرالية والفصل بين السلطات (التشريعية والقضائية والتنفيذية) والحريات المدنية.

وحين تم إرساء الفدرالية، كان الذين قاموا بصياغة الدستور يتوقعون من حكومات الولايات أن تمارس ما يُعرف باسم الرقابة المتبادلة على سلطات الحكومة المركزية لكي لا تتجاوز حدودها.

وقد كان مبدأ الفدرالية الأميركية الذي أُرسي في القرن الـ18 جريئا وما زالت تأثيراته مستمرة إلى يومنا هذا، فالأميركيون يعرفون أن مهام حكومات الولايات منفصلة عن مهام الحكومة المركزية.

ويدرك المواطنون أن النظام الفدرالي يعتمد في تطبيقاته على التجربة البشرية ولهذا يتعرض لامتحانات وتحديات وقد لا يعمل بشكل سلس في كل الأوقات والظروف.

يقول آلان إيرنهالت المدير التنفيذي لمجلة غوفرنينغ المتخصصة في قضايا سياسات الولايات والمدن:

"إعصار كاترينا مثال واضح على التحديات التي يواجهها ذلك النظام عند مواجهة التحديات وعند تحديد متى يجب أن تتدخل الحكومة الفدرالية في مشكلة تتعرّض لها إحدى ولايات الاتحاد".

وهناك أمثلة كثيرة تبيّن آليات عمل الفدرالية في الحياة اليومية في أميركا. فعلى سبيل المثال، لا توجد بطاقة هوية قومية موحّدة أو رخصة قيادة قومية موحّدة، إذ إن هذه البطاقات أو رخص القيادة تعتبر من اختصاص حكومات الولايات.

ويشير ليروي آشبي أستاذ التاريخ في جامعة ولاية واشنطن في مدينة بولمان:

 "هناك الكثير من الجدل حول معنى وحدود السلطات على مستوى المدن والولايات والحكومة الفدرالية. وتتعرض الفدرالية بما تنطوي عليه من موازنات بين هذه المستويات للاختبار على نحو مستمر كما كانت الحال أثناء الكساد العظيم، أو كما هو الحال الحروب أو الكوارث الطبيعية مثل إعصار كاترينا".

تنوع الولايات

ولكل ولاية قوانينها الخاصة بتنظيم الأوجه المختلفة لحياة المقيمين فيها. وعلى سبيل المثال، فإن 13 ولاية فقط، من مجموع 50 ولاية، تنص قوانينها على عقوبة الإعدام. كذلك فإن لكل ولاية معاييرها الخاصة لإدارة نظامها التعليمي أو لتحديد الشروط المسبّقة لامتلاك الأسلحة النارية.

تقول جونْ سبيكمان أستاذة العلوم السياسة في جامعة روجر ويليامز في ولاية رود آيلاند:

"لدينا هذا النظام الغريب من نوعه حيث لا توجد فيه معايير قومية. وهذا أمر جيد لأنه  يتيح للمواطنين حرية البحث عن البيئة التي يشعرون بالارتياح فيها".

آليات عمل الحكومة

ولكي نتمكن فعلا من فهم الفدرالية فإنه من الأهمية بمكان أن نفهم النسق الحكومي العام في الولايات المتحدة وتاريخه. فنظام الحكم الأميركي كما هو مُعرّف في الدستور يعود إلى أواخر القرن الـ18.

وتضرب بعض المبادئ التي يقوم عليها النظام الفدرالي بجذورها في الفكر السياسي الذي كان سائداً عندئذ.

وأهم تلك المبادئ هي:

الفدرالية وفصل السلطات. ويستند كل منهما إلى الفكرة القائلة بأن سلطات الحكومة يجب أن تكون محدودة ومحدَّدة، وأن لا يكون نطاقها طاغيا.

أما فصل السلطات فيعني الرقابة المتبادلة بين السلطات المختلفة.

وللحكومة الأميركية سلطات ثلاث مختلفة عن بعضها البعض من حيث وظيفتها ونطاق اختصاصاتها وهي:

 السلطات القضائية والتشريعية والتنفيذية. والمَعْلَم الرئيسي للسلطة القضائية هو المحاكم في حين أن الكونغرس هو السلطة التشريعية التي تجيّز القوانين.

أما الرئاسة فهي التي تمثل السلطة التنفيذية. وتمارس هذه السلطات الرقابة المتبادلة على بعضها بحيث لا يمكن لأحدها أن يتجاوز الأخرى ويصبح أقوى مما يجب. فمهِمّة الكونغرس هي إقرار القوانين، لكن للرئيس حق نقضها. لكن إذا ما استطاع الكونغرس إقرار قانون ما بأغلبية ثلثي الأصوات، فإن هذا يعتبر بمثابة عامل موازن لصلاحيات الرئيس.

وتحذو الولايات في هيكلها الحكومي حذو الحكومة الفدرالية. فلكل ولاية قضاؤها المستقل ومجلسها التشريعي المستقل وجهازها التنفيذي المستقل الذي يرأسه حاكم الولاية.

وللنظام الفدرالي خمس خصائص:

* إنه يقسّم السلطات بصورة قانونية بين الحكومة المركزية والولايات. وقد يحدث بعض التداخل، بالطبع. لكن مجاليْ السلطات الفدرالية وسلطات الولاية متميزان عن بعضهما البعض قانونيا.

* يتراجع دور حكومات الولايات بالنسبة للحكومة المركزية حينما يتعلق الأمر بالقضايا الخارجية أو تنظيم التجارة بين الولايات.

* تسمح الفدرالية لحكومات الولايات والحكومة المركزية بالعمل سوية في مجالات مثل التعليم وبناء شبكات الطرق السريع التي تربط بين الولايات ومجالات الصحة والعمل والضمان الاجتماعي وحماية البيئة.

* تتدخل المحكمة العليا للنظر في الخلافات بين الحكومة المركزية وحكومات الولايات وحسمها كما تتدخّل في حسم القضايا التي يتم استئنافها بعد حكم محاكم الولايات العليا. وللمحكمة العليا الفدرالية وحدها حق قبول أو رفض النظر في أية قضية ترفع إليها وقد تُعيد بعض القضايا التي تُرفع إليها لمحاكم الولايات أو محاكم الاستئناف الفدرالية.

* تمارس الحكومة المركزية وحكومات الولايات سلطاتها المباشرة في الوقت ذاته، أي بصورة متزامنة. ويتمتع الناس بحقوق وامتيازات ممنوحة من الحكومتين المركزية وحكومة الولاية.

لقد دار جدل واسع في أواخر القرن الـ18 حول المصادقة على الدستور وتضمينه الفدرالية. وتمثل المفاهيم الواردة في ما يُعرف باسم "الأوراق الفدرالية" نواة الثقافة المدنية في الولايات المتحدة، وهو ما تنظر إليه البلدان الديمقراطية الأخرى بوصفه نقطة مرجعية.

وتناقش الأوراق الفدرالية من الورقة الـ15 إلى الورقة الـ22، على سبيل المثال، أوجه القصور في النظام الكونفدرالي الذي كان سائداً قبل إقرار الدستور. وتبيّن الورقة الفدرالية الـ39 كيف أن الفدرالية كما يعرّفها الدستور الأميركي تجمع بين السلطات القومية والولائية وتوحدّها في إطار نسق جامع. وقد شهد مفهوم الموازنة بين الحكومة المركزية والولايات تطوّراً مستمر عبر التاريخ الأميركي. وقد توسّعت سلطات الحكومة الفدرالية على حساب الولايات من خلال قرارات المحكمة العليا والتعديلات الدستورية والأوامر التنفيذية الرئاسية والقوانين الفدرالية.

وقد نمت سلطات الحكومة المركزية وتوسعت بفعل أحداث تاريخية كبرى مثل الحربين العالميتين الأولى والثانية والكساد العظيم والحرب الباردة وحركة الحقوق المدنية. غير أن "الفدرالية الجديدة" منذ عهد نيكسون إلى إدارات ريغان وبوش سعت إلى إعادة السلطات لحكومات الولايات.

وأثناء فترتي رئاسة بيل كلينتون، عُرِف عام 1996 بـ :

" ثورة الحد من السلطات الفدرالية"

إذ تم تحويل العديد من الصلاحيات التنظيمية الاقتصادية والضمان الاجتماعي من الحكومة المركزية إلى الولايات.

وبحلول عام 1997، بات تطوّر "النظام الفدرالي الجديد" يعني قدرا أقل من التدخل من قبل الحكومة الفدرالية في شؤون الولايات.

وقد غيّر الإرهاب الآن مفهوم الفدرالية من جديد. ففي بدايات القرن الـ21 وضعت قضايا الأمن القومي العلاقات بين الحكومة المركزية وحكومات الولايات على المحك. فقانون الوطنية الذي أقرّه الكونغرس بعد هجمات 11 سبتمبر الإرهابية يعزّز من صلاحيات أجهزة تنفيذ القوانين الفدرالية في مكافحة الإرهاب، وكل الولايات مُلزمة بالامتثال لهذا القانون.

ومن أهم الجوانب التي تتقاطع فيها سلطات الحكومة المركزية مع سلطات حكومات الولاية:

النظام الضريبي والميزانيات

ضمان دخل مالي مستمر وكبير للحكومة الفدرالية كان من أهم ما شغل بال المؤسّسين وظهر ذلك في وثائق "الأوراق الفدرالية". حيث أصروا جميعاً على منح الحكومة الفدرالية الحق الكامل في فرض الضرائب.

تقول ويندي ويزر، المحامية المتخصصة في شؤون الدستور بجامعة نيويورك:

"الحق في فرض الضرائب يعتبر أساسياً لتأكيد مبدأ السيادة والاستقلالية".

ولهذا يدفع كل أميركي وكل مُهاجِر أو موظف أجنبي مقيم ضرائب سنوية فدرالية تتناسب طرديا مع دخله وعدد أفراد أسرته ومصاريفه. ويدفع أيضا نسبة محدودة من الدخل شهريا لصندوق الضمان الاجتماعي الفدرالي الذي يدفع له قيمة ضمان اجتماعي مالية شهرياً تتناسب مع قيمة مشاركته عند تقاعده.

ويعطي القانون الفدرالي الحق للولايات في فرض ضرائبها الخاصة على سكانها.

يقول ألان غرينبلت في مقال له بمجلة "الحكم": "تربط معظم الولايات نسبة الضريبة التي تفرضها بنسبة الضريبة الفدرالية".

وفيما يدفع سكان ولاية أوريغون ضريبة عالية للولاية على دخولهم نجد أن سكان ولاية واشنطن المجاورة لا يدفعون أية ضريبة للولاية.

وتقسّم الميزانية الفدرالية السنوية بين حاجات الحكومة الفدرالية في مجالات الدفاع والسياسة الخارجية والأمن والتعليم والصحة والضمان الاجتماعي والعلوم والطاقة والاقتصاد والمساعدات الخارجية وبرامج التعامل مع الكوارث الطبيعية، واحتياجات الولاية في مجالات الصحة والتعليم والأمن المحلي والبنية التحتية للولايات.

وتحصل كل ولاية سنوياً على جزء من ميزانيتها من الحكومة الفدرالية.

التعليم بين الفدرالية والمحلية

يعتبر قطاع التعليم حيوياً بالنسبة لأميركا، وهو قطاع تتشابك فيه أصابع الحكومة الفدرالية مع حكومات الولايات والمجالس التعليمية المحلية التي تدير المدارس في مناطقها.

ويُعتبر قانون :

"ما مِنْ طفل يتخلف عن الركب"

الذي صدر مؤخراً، نموذجاً على تدخّل الحكومة الفدرالية في توجيه التعليم وتحديد عدد من السياسات التي تضبط مستواه وأداءه. حيث يتعيّن على المدارس الأميركية، حسب هذا القانون، تقديم تقارير حول سير عملها إلى الحكومة الفدرالية، إذ لا بدّ وأن تقدم تقارير حول دوائرها التعليمية تحيط الآباء والمجتمعات المحلية علما بمدى التقدم التي تم إنجازه على صعيد تعليم تلاميذ المدارس.

وحين تخفق الدوائر التعليمية في تحقيق التقدم المطلوب منها، يتعيّن على هذه الدوائر أن تعطي أولياء الأمور الحق في تسجيل أبنائهم في مدارس حكومية أخرى. وإذا ما استمرت الدوائر التعليمية في إخفاقها، يتعيّن عليها أن تقدّم دورات تقوية مجانية أو أشكالاً أخرى من المساعدة الأكاديمية للتلاميذ والطلاّب بعد ساعات الدوام المدرسي. وإذا لم تحقّق مدرسة ما تقدّما كافيا خلال بضع سنوات، يتم إجراء تغييرات كبيرة على كيفية إدارتها.

ويعتبر الكثيرون هذا التطوّر بمثابة خطة تاريخية لإصلاح نظام التعليم. يُذكر أن الولايات كانت تحدّد معاييرها في مجال التعليم بصورة مستقلة في السابق.

ويقوم هذا القانون الذي يُلزم بتوفير تعليم جيد لكل الأطفال على أربعة مبادئ:

 مساءلة المدارس من حيث النتائج التي تحقّقها والمزيد من المرونة والصلاحيات المحلية والمزيد من الخيارات للآباء من ناحية تعليم أبنائهم والتركيز على طرق التدريس التي أثبتت فعاليتها. هذا وقد طوّرت كل الولايات خططا جديدة للمساءلة تفصل الخطوات التي ستبذلها لضمان أنه ما من طفل يتخلف عن الركب.

الرعاية الصحية

تعتبر الرعاية الصحية واحدة من أهم القضايا التي تتوزع مجالاتها بين الحكومة الفدرالية وحكومات الولايات والقطاع الخاص. فليس هناك في أميركا نظام تأمين صحي حكومي شامل. حيث تقوم الشركات والمؤسسات والأجهزة الحكومية المختلفة بتوفير التأمين الصحي للعاملين فيها ولعائلاتهم.

وتقوم بذلك عن طريق شراء بوليصات تأمين من شركات التأمين الصحي الخاصة.

ويتأهل الفقراء وذوو الدخل المحدود وعائلاتهم للحصول على تأمين صحي حكومي من حكومات الولايات والحكومة الفدرالية. ويغطي ذلك التأمين كل المصاريف الصحية كاملة.

ويحصل المسنّون والمتقاعدون وذوو العاهات على تأمين صحي، وعلى ضمان اجتماعي مالي يتناسب مع قيمة ما كانوا يشاركون به قبل تقاعدهم. 

النظام والأمن

يعتبر الحفاظ على الأمن محلياً من مسؤوليات الحكومات المحلية، فهناك قوة أمن المدينة أو البلدة ثم تليها قوة أمن البلدية ثم تليها قوة أمن الولاية ثم يأتي دور قوة الأمن الفدرالية وعلى رأسها مكتب التحقيقات الفدرالية (أف بي أي) الذي يقتصر دوره على مكافحة الجريمة في داخل أميركا.

وتتقاطع مسؤوليات قوى الأمن المختلفة وصلاحياتها حسب نوع الجريمة ومسرحها وتعديها. فجرائم سرقة البنوك مثلا تقع ضمن صلاحيات مكتب التحقيقات الفدرالي وكذلك جرائم الإرهاب والجرائم البيضاء أي جرائم الاختلاس التي قد يقوم بها رؤساء الشركات الكبرى وجرائم التزوير التي يتعدى مداها أكثر من ولاية بحيث تصبح جرائم فدرالية.

ولكل ولاية قوانينها الخاصة بها في مجال معاقبة المجرمين حيث نجد أن بعض الولايات أكثر تشددا في العقاب من غيرها.

ويخضع مرتكبو الجرائم الفدرالية لقوانين العقاب الفدرالية.

وستستمر تطبيقات النظام الفدرالي الأميركي متجددة كما ستستمر العلاقات مع الولاية بين أخذ ورد، فأميركا بذاتها مجتمع متجدد ومشروع يتطوّر باستمرار.

تقول دوروثي بينزْ مديرة العلاقات العامة في مركز بيرمان للعدالة في كلية القانون في جامعة نيويورك:

"إن الفدرالية تعرف حالات مد وجزر على الدوام. إنها جزء من نظامنا الحكومي وستكون دائما مثار جدل لأن الناس سيتساءلون دائما :

'ماذا لو حدث هذا؟

ماذا لو حدث ذلك؟'

إن الفدرالية مسألة جديرة بالتأمل والدرس".

يناير 2006

 وكل ذلك نصاً ودون تعليق بحسب رأي الكاتبين في المصدر المذكور .

المصدر : http://www.himag.com

 

الاحزاب السياسية والمنظمات الجماهيرية :   أي واقع ؟ .. واية آفاق .. ؟

 

محمد الحنفي

 

تقديم :

يختلط في أذهان العديد من الناس العمل الحزبي بالعمل الجماهيري انطلاقا من نوعية الاشخاص الممارسين لذلك العمل ، والواقع غير ذلك. فالعمل الجماهيري ليس هو العمل الحزبي،نظرا لاختلاف الاهداف، الا ان هذا الاختلاف لا ينفي امكانية وجود علاقة معينة قد تكون مبدئية، وقد تكون غير ذلك.

وهذا الخلط يحتاج الى مزيد من الدراسات والابحاث الميدانية، والتوضيحات من اجل التفريق العلمي والدقيق بين ما هو حزبي وماهو جماهيري ،عن طريق :

1) التفريق بين مفهوم الحزب ومفهوم المنظمة الجماهيرية وصولا الى التمييز الفعلي بين العمل الحزبي والعمل الجماهيري وبيان نقط الالتقاء والاختلاف.

2) التمييز بين اهداف العمل الحزبي والعمل الجماهيري.

3) الوقوف على وضعية المنظمات الجماهيرية.

4) الصراع بين الاحزاب وواقع المنظمات الجماهيرية.

5)النخبة السياسية واسلوب الاستقطاب الحزبي والجماهيري.

6) ممارسة الإقصاء على الاخر، وديمقراطية المنظمات الجماهيرية.

 فالارتباط بالمنظمات الجماهيرية يكاد يكون هو عينه الارتباط بالاحزاب السياسية بسبب الخلط القائم في أذهان الجماهير الشعبية المحكومة بالوعي المقلوب الذي يقتضي العمل على جعله وعيا حقيقيا يجعل الجماهير تقف على حقيقة الأحزاب وضرورتها، ودواعي قيامها والفرق بينها بناء على الفرق بين الاهداف، وحقيقة النقابة وعلاقتها بمصلحة الشغيلة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية.

 وازالة الخلط بين الاحزاب من جهة، والمنظمات الجماهيرية والنقابية من جهة اخرى، يعتبر ضرورة مرحلية واستراتيجية لجعل الجماهير الشعبية الكادحة ترتبط بالمنظمات الجماهيرية ، والعمل على تفعيلها لتلعب دورها في مختلف المجالات.

مفهوم الحزب ومفهوم المنظمات الجماهيرية :

وان الخلط القائم بين مفهوم الحزب، ومفهوم المنظمة الجماهيرية، النقابية او الثقافية، او الحقوقية، او التربوية يقودنا الى القول بان المنظمة الجماهيرية تساوي الحزب. والحزب يساوي المنظمة الجماهيرية، وهو قول مغلوط من الأساس ، لان الحزب يرتكز على أسس لا علاقة لها بأسس المنظمة الجماهيرية، فالحزب تنظيم سياسي يضم أناسا حصلت  عندهم نفس القناعة الإيديولوجية والسياسية،وينظمون أنفسهم وفق تصور يتناسب مع تلك الإيديولوجية، ويعملون في أفق الوصول الى السلطة، او المحافظة على السلطة القائمة في حالة تواجد الحزب فيها او دعمها. أما المنظمة الجماهيرية فتتأسس من اجل تحقيق أهداف اقتصادية او اجتماعية او ثقافية تساهم في تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لمجموع الشعب المغربي، او لفئات معينة منه انطلاقا من مبادئ معينة يتم الاتفاق عليها بناء على حصول القناعة به كالجماهيرية، والتقدمية وا لديمقراطية والاستقلالية . او أي مبادئ اخرى شرط ان تؤدي الى التمييز بين التنظيم الجماهيري والتنظيم الحزبي.

وحسب ما هو سائد – وهو ما ساهم في قيام هذا الخلط  - فان الحزب يمكنه ان يؤسس تنظيمات جماهيرية تابعة للحزب، وهو ما يمكن تسميته بالمنظمات الحزبية ، ذات الطابع الجماهيري، والفرق بينها وبين المنظمات الجماهيرية الأخرى : ان التنظيمات الجماهيرية الحزبية هي تنظيمات غالبا ما تكون ملتزمة بالبرنامج الحزبي في الواجهة الجماهيرية. أي أنها لا تلتزم بمبادئ العمل الجماهيري. ولذلك فهي تكون منحسرة ،ومتقوقعة على نفسها، ولا تستطيع بحكم طبيعتها جذب الجماهير المعينة إليها. لان تلك الجماهيري لا تستطيع أبدا إبداء الرأي فيها, بقدر ما تدعوا الى تنفيذ القرارات الموجهة حزبيا. في الوقت الذي نجد فيه المنظمات الجماهيرية الأخرى غير خاضعة لحزب معين، ويمكن ان تخضع لمبادئ معينة تستقطب عموم الجماهير الشعبية إليها.وتسعى الى الدفاع عن مطالبهم، والعمل على تحسن أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وتبقى علاقتها بالتنظيمات الحزبية علاقة ديمقراطية.

وعلى أساس التمييز بين المنظمات الحزبية ذات البعد الجماهيري، والمنظمات الجماهيرية الصرفة، نستطيع ان نقول :

ان المنظمات الحزبية ذات البعد الجماهيري هي منظمات تسعى الى تحقيق أهداف حزبية في المنظمات الجماهيرية لتحقيق إشعاع حزبي معين في تلك المجالات.

أما المنظمات الجماهيرية، فتسعى إلى تحقيق أهداف جماهيرية. تساهم الجماهير ، لا الأحزاب، في تحديدها ، وتناضل، عن طريق منظمتها الجماهيرية، من اجل تحقيقها، سواء تعلق الأمر بالمجال الثقافي او المجال التربوي او المجال الحقوقي، ولذلك فان أي سعي الى احتواء المنظمات الجماهيرية من قبل أحزاب معينة  يعتبر  ممارسة تحريفية  تؤدي بالضرورة  الى إضعاف المنظمات  الجماهيرية  بسبب ما يترتب عن ذلك من نزاعات بين التوجهات المختلفة لمقاومة عملية الاحتواء. الأمر الذي ينعكس سلبا على نضالية المنظمات الجماهيرية.وعلى علاقتها بأوسع الشرائح الاجتماعية المعنية.

الأهداف الحزبية والأهداف الجماهيرية :

وإن الأهداف الحزبية التي تسعى مختلف الأحزاب الى تحقيقها في الواقع، ليست هي الأهداف التي تسعى المنظمات الجماهيرية القائمة على أساس مبادئ العمل الجماهيري. فالأحزاب السياسية توظف مجمل ما في الواقع من أجل :

1) تعبئة جميع طبقات المجتمع للالتفاف وراء وحول حزب او أحزاب معينة.

2) نشر إيديولوجية حزب او أحزاب سياسية معينة في صفوف الطبقات المعنية بتلك الإيديولوجية.

3) إقناع الجماهير بصفة عامة، والجماهير المعنية بصفة خاصة ببرنامج حزب او أحزاب سياسية معينة.

4) قيادة الصراع الإيديولوجي والسياسي في تفاعل مع الصراع الاجتماعي الذي تقوده المنظمات القائمة من  اجل الوصول الى السلطة او المحافظة عليها.

5) بناء آليات المحافظة على استمرار الحزب او الأحزاب في السلطة في حالة الوصول إليها.

وهذه الأهداف لا يمكن ان تتحقق إلا في إطار امتلاك وعي أيديولوجي وسياسي معين يساعد على امتلاك تحقيق أهداف المنظمات الجماهيرية المتمثلة في :

1) جعل الجماهير بصفة عامة والجماهير المعنية بصفة خاصة تمتلك وعيا حقوقيا وفق ما هو مدون في المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المدنية والسياسية.

2) جعلها تمتلك ثقافتها الحقيقية لتوظفها في مناهضة الثقافة المناقضة التي تعمل الجهات المتحكمة في المؤسسات الثقافية على إشاعتها. لان الثقافة الحقيقية هي ثقافة الحقيقة التي تجعل الجماهير المعنية تدرك دور الأفكار والقيم المستمدة من التراث الثقافي، ومن الواقع في جعل الجماهير تحافظ  على هويتها الثقافية التي تنير  طريقها في اتجاه إنتاج القيم الإنسانية النبيلة كوسيلة لمناهضة القيم السائدة في المجتمع.

3) جعلها تمتلك وعيا تربويا يؤهلها لاعداد الأجيال القادمة لتحمل مسؤولية العمل عل صياغة تصور تربوي متجدد ومواكب لكل أشكال التطور الاقتصادي والاجتماعي والتفافي والسياسي في إطار النظام السياسي القائم.

4) جعلها تدرك مصالحها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من اجل العمل على تحسين أوضاعها المادية والمعنوية عن طريق ممارسة الضغط على المسؤولين عن تردي الأوضاع المختلفة.

5) جعلها تدرك دور التنظيم في قيادة نضالاتها المطلبية، وتنتظم لهذه الغاية.

  والعلاقة القائمة بين الأهداف الحزبية والأهداف الجماهيرية هي علاقة الكل بالجزء، التي قد تكون  علاقة  تنافر او تجاذب.

 فإذا كانت الأهداف تسعى الى تكريس ما هو سائد في الواقع، وجدت نفسها في تعارض مطلق مع الأهداف التي تسعى المنظمات الجماهيرية الى تحقيقها.

أما إذا كانت تسعى الى تغيير الواقع السياسي القائم بواقع نقيض فإن علاقتها بالأهداف الجماهيرية تكون علاقة تجاذب وبالتالي فان أهداف العمل الحزبي المعبرة عن الرغبة في تغيير حقيقي تدعم حركة المنظمات الجماهيرية لتحقيق أهدافها المتعلقة بتحسين أوضاع الجماهير المادية والمعنوية. ويرتفع هذا الدعم الى درجة التداخل والتوحد في مراحل معينة،وهذا التداخل والتوحد هو الذي قد يقود المتتبع الى القول بحزبية المنظمات الجماهيرية، وهو قول غير صحيح، لان الدعم المتبادل بين السعي الى تحقيق أهداف حزبية ، والسعي الى تحقيق الأهداف الجماهيرية لا يمكن ان يكون إلا في إطار جبهة وطنية للنضال من اجل الديمقراطية في مجتمع تنعدم فيه الديمقراطية، وما قد نراه مما يظهر انه تداخل او توحد بين النضال من اجل تحقيق أهداف حزبية، واهداف جماهيرية معينة إنما هو توظيف غير شريف للمنظمات الجماهيرية، من اجل تحقيق أغراض انتخابية حزبية ضيقة لا علاقة لها بالرغبة في تحسين أوضاع الجماهير، ولا بالرغبة في تغيير واقعها، وهو ما يوهم الإنسان العادي باعتبار المنظمات الجماهيرية منظمات حزبية ، وهو اعتبار مغلوط من أساسه، خاصة وان القائمين بذلك يعتبرونه داخلا في إطار العلاقة الجدلية القائمة بين العمل السياسي والعمل الجماهيري وهو اعتبار مغلوط أيضا لان العلاقة بين العمل السياسي والعمل الجماهيري، لا يمكن ان تقوم إلا على المستوى العام من خلال برامج المنظمات الجماهيرية التي تدرج في شق من مطالبها مطالب سياسية معينة ذات بعد اجتماعي واقتصادي وثقافي تستهدف مجموع أفراد المجتمع لجعل مجموع الجماهير تلتف حول المنظمات الجماهيرية وتدعمها.

ولذلك يمكن القول :

ان العمل الجماهيري الصحيح هو العمل المتحرر من اسر الحزبية الضيقة، والمنفتح على أوسع الجماهير. والعامل على تحسين أوضاعها المادية والمعنوية، والتفاعل مع مختلف المكونات التي تلتقي معه في نقط معينة، والمتعامل مع كل التنظيمات المتقاربة على مستوى الأهداف والبرامج والمبادئ.

وضعية الاحزاب السياسية :

والحديث عن الأهداف الحزبية يقودنا مباشرة الى الحديث عن الأحزاب السياسية المغربية من اجل الوقوف على أوضاعها الداخلية، ووضعية العلاقات فيما بينها. ومع المنظمات الجماهيرية،وانعكاس كل ذلك على واقع المنظمات الجماهيرية المختلفة التي أصبحت تستميت من اجل البقاء بدل ان تستميت في النضال.

فالحديث عن الأحزاب هنا سيقتصر :

أولا : على الأحزاب التي تناضل من اجل الديمقراطية. او يفترض أنها كذلك ، حتى لا نقحم الأحزاب الإدارية  التي سميت أحزابا ظلما.

ثانيا : عن واقع هذه الأحزاب على المستوى الداخلي.

ثالثا : عن العلاقة بين الأحزاب الديمقراطية.

رابعا : عن علاقتها بالمنظمات الجماهيرية.

خامسا : عن السعي الى إمكانية التنسيق ، أو بناء جبهة للنضال من اجل تحقيق أهداف مشتركة ترفع الحيف عن المنظمات الجماهيرية وعن الجماهير الشعبية الكادحة.

فالأحزاب التي تناضل من اجل الديمقراطية او التي يفترض فيها أنها كذلك هي أحزاب  تكونت عبر مراحل من الصراع ضد الاستعمار وضد أذنابه في مرحلة الاستقلال ، وضد الطبقة الحاكمة التي تمارس كافة أشكال الظلم والقهر والاستبداد على الطبقات الشعبية الكادحة، وفي مقدمتها الطبقة العاملة. والفلاحون الفقراء والمعدمون وسائر الكادحين في مختلف القطاعات الاجتماعية.

والصراع الذي قام في عهد الاستعمار وفي مرحلة الاستقلال هو الذي انتج لنا مجموعة من التراكمات النضالية التي تعتبر مرجعية أساسية للأحزاب الديمقراطية لاكتساب الشرعية المرجوة لكل حزب من الأحزاب المشار إليها حتى وان كان ظهوره كتسمية حديثا مادام متأصلا من الحركة الوطنية او حركة التحرير الشعبية. او ما يمكن تسميته بالحركة الديمقراطية او الحركة اليسارية ، وهكذا ....

وبناء على هذا الانتماء التاريخي الى التجارب النضالية المختلفة المشارب يمكن القول بان الحركة الديمقراطية هي المؤطرة للأحزاب الديمقراطية التي تمتلك وحدها الشرعية التاريخية والنضالية كما تمتلك وحدها حق التنسيق من اجل بناء إطار مشترك للعمل من اجل تحقيق برنامج نضالي مشترك. وما  سوى هذه الأحزاب هو مجرد  صنيعة للطبقة الحاكمة  واداة من ادوات ممارسة الاستبداد الاقتصادي والاجتماعي  والثقافي  والسياسي .

الا  ان  هذه الأحزاب التي يقترض فيها كونها ديمقراطية أو تناضل من اجل الديمقراطية في المجتمع الذي تنتمي إليه مستفيدة في ذلك من التجارب التاريخية الوطنية، وتجارب الأحزاب الديمقراطية قوميا وعالميا تعاني داخليا من عدة مشاكل تعرقل مسيرتها في اتجاه تحقيق مجتمع ديمقراطي متحرر وعادل بسبب :

1) التركيبة الاجتماعية لهذه الأحزاب التي ينتمي أعضاؤها الى طبقات اجتماعية تتناقض مصالحها الطبقية، وهو ما ينعكس سلبا على برامجها، وعلى العلاقة بين أعضائها وعلى العلاقة فيما بينها ، وبالتالي فالطبقة المتمكنة من القيادة  الوطنية او الإقليمية ، او المحلية هي التي توجه عمل الحزب بطريقة تنعدم فيها الديمقراطية، مما يجعل العلاقة القائمة بين أعضائها استبدادية كامتداد للاستبداد المخزني الممارس من الطبقة الحاكمة.

2) قيام علاقة تبعية بين الطبقة الحاكمة وبين القيادات الحزبية المستبدة، تلك التبعية التي تعتبر امتدادا لتبعية الطبقة الحاكمة للمؤسسات المالية الدولية، وهو ما يجعل قيام هذه الأحزاب ، وتطورها واستمرارها رهينا بإرادة الطبقة الحاكمة ، وبإرادة المؤسسات المالية الدولية ، و هو الأمر الدي يمكن ان نفسر به : لماذا يقدم الدعم بسخاء لهذه الأحزاب ولجرائدها؟

3) غياب الديمقراطية داخل هذه الأحزاب التي أصبحت مجرد تعبير عن تكريس ديمقراطية الواجهة. أما الديمقراطية الداخلية فان وجودها غير قائم كما تدل على ذلك تشكيلة هذه الأحزاب التي تتغير باستمرار اعتمادا على الممارسة الانتهازية التي تطبع علاقة المنتمين إليها بقياداتهم المحلية والوطنية. وقلما نجد الحرص على الانتماء المرتكز على القناعة بالإيديولوجية والتنظيم والموقف السياسي.

فوضعية كهذه تقف عند حدود أحادية الرأي المطبوعة بالوثوقية التي يترتب عنها ممارسة الإقصاء ضد الآراء المخالفة داخل كل حزب على حدة تكريسا لممارسة تبعية الأعضاء الحزبيين لقياداتهم التابعة بدورها للطبقة الحاكمة المرتبطة أصلا بمراكز الهيمنة الإمبريالية العالمية التي أصبحت تفرض شروطها على كل شيء بما في ذلك الأحزاب المستفيدة من الوضع التبعي.

وغياب الديمقراطية في النسيج التنظيمي لكل حزب على حدة سيقود الى تسهيل مهمة التنسيق بين القيادات. ذلك التنسيق – ان حصل كما في الكتلة الديمقراطية – الذي تكون فيه الكلمة الأولى للحزب الأكثر قربا والأكثر ارتباطا، والأكثر تبعية للطبقة الحاكمة، والأكثر استعدادا لتنفيذ التعليمات . وبذلك يكون غياب الديمقراطية من سمات الأحزاب المسماة بالأحزاب الديمقراطية. وهو ما يمكن ان نفسر به :

لماذا تقبل هذه الأحزاب الانخراط في ممارسة التزوير في المحطات الانتخابية المختلفة.

 وقبول كهذا يقودنا الى القول بان هذه الأحزاب ليست ديمقراطية، ولا يمكن ان تناضل من اجل الديمقراطية وما الشعارات الديموقراطية  التي  تستمر في رفعها  الا دليل  على عدم  ديموقراطيتها , لأن الديموقراطية  تقتضي إخلاص الأحزاب للجماهير الشعبية المعنية بالنضال الديمقراطي حتى ولو أدى ذلك الى التضحية بمجموعة من المصالح  الحزبية كالخروج من المؤسسات المزورة ، والمطالبة بحلها ، وإعادة انتخابها وفق شروط معينة تقلب ميزان القوى لصالح الجماهير الشعبة الكادحة.

وعلى أساس منطق الاستبداد الحزبي الداخلي، وفي العلاقة بين الأحزاب كامتداد للاستبداد المخزني. تلجأ الأحزاب الديمقراطية الى تكريس نفس الممارسة في العلاقة مع المنظمات الجماهيرية فبدل ان تحترم هذه المنظمات بمبادئها وبرامجها، تحاول الأحزاب ان تحولها الى منظمات تابعة لها .. ولا فرق في ذلك بين التنظيمات الحزبية والتنظيمات الجماهيرية.

وهذه الممارسة التي استفحلت مع مجيء  حكومة التناوب المخزني حولت التنظيمات الجماهيرية الى إطارات تعج بالعناصر المهاجرة من الأحزاب الإدارية الى الأحزاب الديمقراطية التي وجهتها  للعمل في الإطارات الجماهيرية،ولكن بتجربة مختلفة حولت المنظمات الجماهيرية الى إطارات حزبية بامتياز الأمر الذي ينعكس سلبا على مسار العمل الجماهيري الذي تحول الى عمل حزبي يؤدي بالضرورة الى تقليص فعاليات المنظمات الجماهيرية وهو ما أصبحت تسعى إليه الأحزاب الديمقراطية بعد ان اصبح معظمها متحملا للمسؤولية في حكومة التناوب المخزني.

وبهذه  العلاقة ذات  الطابع  الاستبدادي داخل  كل حزب وبين الأحزاب ,  وفي العلاقة  مع المنظمات الجماهيرية تصبح إمكانية  بناء  جبهة  للنضال من اجل الديموقراطية  عسيرة  الولادة  بسبب الشروط الموضوعية الجديدة التي اختلطت  فيها  جميع الأوراق التي اصبح ترتيبها من جديد   أمرا  صعب المنال . وهو ما يعطي  الضوء الأخضر  لجهات اخرى  لكي تكتسح  الساحة  بمهاجمتها لكل ما يمكن ان تقوم به الأحزاب   الديموقراطية  من خلال  موقعها  في المؤسسة  الحكومية  كالهجوم  على مشروع خطة إدماج المرأة في التنمية ,  والهجوم  على   مشروع   مؤسسة الدولة  ككل  عن طريق توظيف الجوانب المظلمة من التراث المنسوب الى الإسلام . فتظهر الحاجة الملحة  الى بناء جبهة للنضال من اجل الديموقراطية ,  ولكن بشرط  ان لا تخوض في المحرمات  التي ولجتها  الأحزاب الديموقراطية , وهذه الحاجة  هي  التي قادت  الى بناء الجبهة  من اجل حقوق المرأة في أفق الضغط من اجل تبني مشروع  الخطة الوطنية  التي أصبحت مجالا  للصراع  الديموقراطي الذي يتحول في كثير من الأحيان  الى صراع  تناحري كما  حصل في عدة جهات من المغرب  . ولكنه الصراع الذي يجري  بين أطراف يلتمس  كل واحد منها  ود المؤسسة المخزنية , وهو ما يحول  دون  قيام صراع ديموقراطي حقيقي يستهدف طرح  الإشكاليات الكبرى لتوعية  الجماهير المغربية التي شوهت محطات  التزوير  قدرتها  على امتلاك  وعي حقيقي .

 ان بناء الجبهة  يقتضي  اعتماد الأحزاب  على الجماهير  الشعبية  باعتبارها  معادلة أساسية في النضال  الديموقراطي  بدل  ان تبقى  مجرد احتياطي  يتم اللجوء  إليه  لتغليب كفة هذه  الجهة  أو تلك  وصولا  الى الحكومة   لممارسة نفس السياسة ,  وهو ما سوف يحول  دون  تحقيق  ديموقراطية  حقيقة على المدى القريب  والبعيد .

 وخلاصة القول  أن وضعية الأحزاب السياسية  المغربية الموسومة  بالأحزاب  الديموقراطية , مترهلة  مما يجعلها  غير قادرة  على قيادة الجماهيرالمقموعة  والمحرومة من أحقيتها في التمتع   بالديموقراطية  ذات  المضمون الاقتصادي   والاجتماعي ,  والثقافي  والسياسي  كما هي  محرومة  من اختيار ممثليها  الحقيقيين  في مختلف المؤسسات المحلية  والجهوية ,  والوطنية  من اجل الدفاع عن مصالحها وبناء دولتها الديموقراطية .

ولذلك  فوضعيتها المترهلة  تقتضي إعادة بنائها  إيديولوجيا  وتنظيميا من اجل الوصول الى جعلها  قادرة على الفعل في اتجاه  الجماهير  الشعبية الكادحة . وقيادتها  لغرض قيام  ديموقراطية  حقيقية من الشعب والى الشعب في إطار جبهة  وطنية للنضال من اجل الديموقراطية .

وضعية المنظمات الجماهيرية :

 وما تعرفه  الأحزاب الموسومة بالديموقراطية  من ترهل  إيديولوجي وسياسي  وتنظيمي يؤدي  الى ترهل التصورات المضطربة والمتناقضة التي  تنبني عليها  التنظيمات  الجماهيرية  في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية  والثقافية , مما  يجعل  تلك التنظيمات  تعاني من :

1) التوجيه الحزبي الضيق الذي يقودها الى التحول تدريجيا في اتجاه بلورتها كتنظيمات  حزبية  صرفة .

2) الصراع اللاديموقراطي بين التوجهات الحزبية المختلفة  والمتناقضة أحيانا .

3) تمكن بعض الأحزاب من السيطرة على أجهزة المنظمات الجماهيرية من اجل تحويلها الى مجرد تنظيمات حزبية .

4) ممارسة الإقصاء على التوجهات الحزبية الأخرى التي تجد نفسها غير قادرة على الانتماء الى تلك المنظمات.

5) بلورة مطالب وبرامج المنظمات الجماهيرية لتخدم توجهات حزبية معينة من موقع تحكمها في أجهزة تلك المنظمات.

6) تهميش المطالب الجماهيرية ، وتحويلها الى مطالب ميؤوس من تحقيقها بفعل التوجه الحزبي الضيق.

7) تحويل التنظيمات الجماهيرية من تنظيمات مبدئية قائمة على أساس مبادئ يتم الاتفاق عليها للمحافظة على ديمقراطيتها ، وجماهيريتها واستقلاليتها، الى تنظيمات تعتمد على الرغبة الحزبية في بناء تلك التنظيمات لتحقيق أهداف حزبية معينة.

8)عجز التنظيمات الجماهيرية على القيام بقراءة موضوعية للواقع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي بفعل التوجيه الحزبي.

ولذلك فالتنظيمات الجماهيرية تبقى بعيدة عن ان تكون تنظيمات جماهيرية فعلا :

1) لأنها ليست مستقلة عن التنظيمات الحزبية مما يجعلها تابعة لتلك التنظيمات.

2) لأنها لا تراعي استقطاب الجماهير إليها من منطلق الاهتمام بالواقع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي لتلك الجماهير.

3)لان الديموقراطية تنعدم في إطاراتها مما يجعلها مجرد استنساخ لما يجري في الأحزاب السياسية.

4) لأنها لا تسعى الى تغيير الواقع الجماهيري الى الأحسن مما يجعل وجودها غير مبرر في الأصل.

5)لان معظمها يسعى الى تكريس الواقع او التراجع عما تحقق لصالح الجماهير الشعبية الكادحة.

ان التنظيمات الجماهيرية عندما لا تحترم فيها المبادئ الأربعة الجماهيرية والتقدمية والديمقراطية والاستقلالية تبقى تنظيمات عاجزة عن الارتباط بالجماهير المعنية من جهة، وعن التاثير في تلك الجماهير من جهة اخرى سعيا الى إشعارها بأهمية التنظيم في الإطارات الجماهيرية. وبذلك تبقى عاجزة عن أداء دورها خدمة للحزبية الضيقة،وللطبقة الحاكمة، وللتوجهات الأكثر رجعية في المجتمع الذي يعاني من كل مظاهر التخلف الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي.

فالرجعية المتخلفة تصبح بفعل العقلية المتخلفة للأحزاب الموصوفة بالديمقراطية المنعكسة على التنظيمات الجماهيرية متحكمة في الواقع، وممسكة به، وموجهة له ، وعاملة على استغلال كل المناسبات المتغلغلة في نسيجه الاقتصادي والاجتماعي والثقافي, والعمل على توجيهه لخدمة الأهداف الرجعية الصرفة وببرامج وشعارات حزبية لجعل الجماهير تنساق وراءها، وتهرول في اتجاهها حتى تصبح سيدة الموقف كما يتجلى ذلك في العديد من المواقع الاجتماعية على المستوى الوطني.

ولذلك فإعادة النظر في التنظيمات الجماهيرية  يقتضي إعادة النظر في علاقة الأحزاب بتلك التنظيمات، وفي احترام المبادئ التي تقوم عليها ، وفي صياغة برامجها،واحترام تلك البرامج وتجنب عرقلة تحقيق أهداف المنظمات الجماهيرية  حتى وان تعارضت مع الأهداف الحزبية الضيقة والعمل على تقويتها، وتجنب العمل على أضعافها تنظيميا ، وبرنامجا وجماهيريا في أفق إيجاد تنظيمات جماهيرية قوية قادرة على تنظيم الجماهير العريضة والفعل فيها وقيادتها لانتزاع حقوقها لاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، وهو ما أصبحنا نفتقر إليه في الوضع الراهن اكثر من أي وقت , نظرا للتحولات العميقة التي يعرفها الواقع والتي يمكن ان تحسم لصالح أي احتمال إلا أن تحسم لصالح  أي احتمال  الا ان تحسم لصالح الجماهير بسبب الوضع المترهل للتنظيمات الجماهيرية.

الصراع بين الأحزاب والتيارات وواقع المنظمات الجماهيرية:

وما تفرزه الساحة السياسية في شروط غير ديمقراطية يدخل الأحزاب في صراع سياسي يتميز بالتهافت على أبواب المؤسسة المخزنية، سواء تعلق الأمر بالأحزاب الإدارية التي عملت المؤسسة المخزنية على تشكيلها. او الأحزاب المعروفة بالأحزاب الديمقراطية والتي رأينا في الفقرات السابقة أنها ليست ديمقراطية لا مع أعضائها ولا فيما بينها .. ولا مع المجتمع، فهي باسم الديمقراطية تمارس السبق من اجل الوصول الى المؤسسات المزورة لا اعتمادا على إرادة الجماهير ، بل تزويرا لتلك الإرادة. وهو ما  قامت وتقوم به أجهزة المؤسسة المخزنية باستمرار.ومن اجل ان تكون اليد الطولى لأي حزب في مختلف المؤسسات المخزنية باستمرار. و في مختلف المؤسسات المسماة منتخبة،وخاصة في مؤسسة البرلمان وصولا الى التشكيلة الحكومية من اجل تنفيذ التوجيهات المملاة من المؤسسات المالية الدولية والشركات المتعددة الجنسية.

وهذا الصراع اللاديمقراطي الذي يجري بين الأحزاب الديمقراطية من اجل الوصول الى المؤسسات اللاديمقراطية واللاشعبية لا يدخل في إطار الصراع الفكري الإيديولوجي، ولا حتى السياسي كما يتجلى ذلك في الصراع الديمقراطي بممارسة أسلوب الإقناع من اجل حصول الاقتناع بالأفكار والإيديولوجية، والموقف السياسي بل هو صراع متنوع آخر ظاهره التقريع ، والتجريح غير المبرر او اللامبالاة، وباطنه ممارسة الكوتة مع أجهزة المؤسسة المخزنية وصولا الى ما اصطلح على تسميته بالتوافق والتراضي وتوقيع تصريحات سياسية، ونقابية مشتركة تمهيدا لمجيء حكومة التناوب التوافقي السابقة التي اختلطت فيها الأوراق. وامتزجت فيها الأحزاب التاريخية بالأحزاب الإدارية والرجعية وتسببت في خلق جيش من الوصولين والانتهازيين الجدد من تجار الحزبية. وبدأت المناوشات تطفو على السطح لتعود من جديد نارا هامدة تحت الرماد ،وتفاحشت المزايدات الكلامية، واصبح المواطن العادي لا يميز بين الحزب الإداري والتاريخي، ولا يبحث عن الإيديولوجية والموقف السياسي بقدرما يسجن نفسه تحت ركام ضياع مصلحته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية باحثا عن حقوقه التي ضيعتها نفس الأحزاب التي كانت تدعي النضال من اجلها.

وهذه الوضعية التي أصبحت تعرفها الأحزاب التاريخية او التي لها علاقة بالأحزاب التاريخية تنعكس سلبا على وضعية المنظمات الجماهيرية في مجموعة من المستويات :

1) مستوى الممارسة الديمقراطية حيث نجد ان التنظيمات الجماهيرية لم تعد تعرف ممارسة ديمقراطية حقيقية سواء تعلق الأمر بانتخاب الأجهزة، او اتخاذ القرارات او تنفيذها. فالذي يحصل ان الحزب المسيطر في نقابة  معينة يجعلها إطارا  لتصريف القرارات الحزبية في المجال الجماهيري، ولا عبرة – بعد ذلك – لا للأجهزة ، ولا للمنخرطين فهم مجرد تبع لما يريده الحزب.

2) مستوى تفاعل المنظمات الجماهيرية مع الجماهير الشعبية المعنية بها الذي لم يعد صحيحا ، فهو وبفعل التوجيه الحزبي المسيطر في المنظمة الجماهيرية، يريد من الجماهير ان تلعب دورها في الإصغاء لما يملى على  المنظمة الجماهيرية من الحزب المسيطر، وتنفيذ القرارات تماما كما تفعل المؤسسة المخزنية مع الجماهير عندما تغيب إرادتها في تقرير مصيرها بالوسائل المشروعة، أما ان تعبر الجماهير عن رأيها في مختلف القضايا المطروحة على المنظمات الجماهيرية  وتقرر بإرادتها الحرة في تنظيماتها الجماهيرية ما يجب عمله ،فهذا امر غير وارد.

3) مستوى مساهمة المنظمات الجماهيرية في رفع وعي المواطنين الذي تم تحريفه، فبدل أن تعمل المنظمات الجماهيرية في نشر الوعي الحقيقي بين المنخرطين وعموم الجماهير الكادحة أصبحت وبفعل التوجيه الحزبي تنشر وعيا زائفا بين الجماهير مما ساهم في عملية التضليل التي تمارسها الأحزاب المسيطرة على معظم النقابات فيتيه الناس ويفقدون ثقتهم في المنظمات الجماهيرية وينسحبون الى خانة اللاانتماء الى المنظمات الجماهيرية ، إضافة الى اللاانتماء الى الأحزاب السياسية التي تتسع باستمرار.

4) مستوى المبادرة الفردية والجماعية في إطار المنظمات الجماهيرية لان أي مبادرة رهينة برغبة الحزب المسيطر على المنظمات ، أية منظمات ، لذلك نجد انه في مراحل معينة يتراجع العمل الجماهيري الى الخلف ويبقى العمل الحزبي في الصادرة، وفي مراحل اخرى يتصدر العمل الجماهيري ، وتظهر المبادرات وتنفذ البرامج الى حد التناقض والتضارب مما يؤدي الى حالة من الإرباك التي تطال الجماهير المعنية بالنضال الجماهيري، وهو ما يمكن ان نفسر به تحكم الأحزاب المتصارعة في المنظمات الجماهيرية التي تصبح اداة ووسيلة لممارسة ذلك الصراع. فالمنظمات الجماهيرية هي إطارات تفقد القدرة على المبادرة نظرا لتبعيتها، او لوقوعها تحت تاثير أحزاب معينة بفعل السيطرة.

5) مستوى البرمجة والتخطيط، فقلما نجد منظمة تتحرك بناء على برنامج يساهم أعضاؤها في وضعه، و يخططون بأنفسهم لتنفيذه. فمعظم المنظمات تدخل الى محطة انتظار ما تبرمجه الأحزاب وما يريده مناضلو تلك الأحزاب سعيا الى تفعيل البرامج والتوجهات الحزبية بواسطة المنظمات الجماهيرية التي تكون تابعة لها او تسيطر فيها تلك الأحزاب.

وبذلك يمكن القول بان المنظمات الجماهيرية في وضعيتها القائمة تعكس واقع غياب الديمقراطية في المجتمع ككل كما تعكس تجسيد ممارسة الاستبداد، كامتداد للاستبداد المخزني بواسطة الأحزاب السياسية التي عليها ان تتحكم في المنظمات الجماهيرية حتى لا تمارس ما يحرج المؤسسة المخزنية.

النخبة السياسية واسلوب الاستقطاب الحزبي والجماهيري:

والذي يتحمل مسؤولية ما يجري داخل الأحزاب السياسية والمنظمات الجماهيرية نابع من طبيعة النخبة السياسية المخزنية والتي تعمل على مخزنة أحزابها،و التنظيمات الجماهيرية التي يمتد إليها عمل تلك الأحزاب، خاصة التناوب التوافقي- المخزني. ولذلك فهذه النخبة لم تعد تعتمد النضال الديمقراطي الصحيح من خلال الأحزاب السياسية وبواسطتها،وبموازاة ما تقوم به المنظمات الجماهيرية المستقلة كوسيلة للاستقطاب السياسية ثم الحزبي ، بقدر ما أصبحت توظف وصولها الى المؤسسات المخزنية، كدواليب الحكومة، والمؤسسات المزورة، والوصول الى المناصب العليا لخلق جيش من المريدين الذي يتم توجيههم لخلق إطارات جماهيرية او المساهمة في السيطرة عليها.

وأسلوب هذه طبيعته لا يمكن ان يفرز إلا مدعين للنضال الديمقراطي في الوقت الذي تختفي فيه الديمقراطية من ممارستهم اليومية الحزبية، والجماهيرية، بسبب غياب الاقتناع بالإيديولوجية وبالموقف السياسي ،  كما تنقصهم الممارسة الجماهيرية القائمة على تصور صحيح وهادف.

وعلى هذا الأساس : فمثل هؤلاء لا يمكن ان يكونوا إلا ذيليين لتنظيم معين، من خلال ذيليتهم لأشخاص معينين في ذلك التنظيم يحتلون موقعا معينا في إدارة معينة، او في وزارة معينة او في الحكومة، او عضوا برلمانيا او جماعيا بمسؤولية أساسية في الجماعة يتمتع بعلاقات متميزة مع المسؤولين في إحدى الوزارات او في الوزارة الوصية.ومعلوم ان الذيلين تقوم ممارستهم على تبعيتهم للغير، هذا الغير هو من  استقطبهم لتقي تعليماتهم التي تعتبر امتدادا لتعليمات المؤسسات المخزنية التابعة بدورها للمؤسسات الإمبريالية الدولية التي أصبحت تتحكم في الأحزاب والمنظمات من خلال المؤسسة المخزنية ،وبذلك تصبح التبعية أسلوبا إستقطابيا بامتياز لضمان التواجد في المنظمات الجماهيرية والأحزاب السياسية واحتلال مواقع مهمة فيها، ومن يرفض تلك التبعية يمارس عليه التهميش بكل أشكاله، ليجد نفسه خارج التنظيم الجماهيري الذي ينتمي إليه كبداية لخروجه من الحزب.

والسبب في سيادة هذا النوع من الاستقطاب هو القبول بالسير على نهج المؤسسة المخزنية في مختلف المحطات التي تسمى انتخابية، أي القبول بالتواجد في المؤسسات الناتجة عن تزوير الإرادة الشعبية. فكلما أعلن عن قرب انتخابات معينة يكثر المتوافدون على الأحزاب للمشاركة فيها فيستغل ذلك لملأ الدوائر الانتخابية بالمرشحين باسم الأحزاب الذين قد يصبحون أعضاء في المجالس القروية او البلدية او في البرلمان باسم هذا الحزب او ذاك. وبما ان هؤلاء لا يعرفون عن الأحزاب إلا أسماءها، فانهم مستعدون لكل أشكال التبعية لمن قبل ترشيحهم باسم حزب معين، ان لم يرتبط هؤلاء بالمؤسسة المخزنية مباشرة لتصبح تبعية مزدوجة تحوله من جهة الى متلق للتعليمات من خلال قناتين مزدوجتين ومن جهة اخرى الى منفذ لتعليمات المؤسسة المخزنية في الحزب وفي المنظمة الجماهيرية بحكم الانتماء إليهما من اجل مخزنتهما،والمساعدة على جعلهما مجرد واجهة لتكريس السياسة المخزنية باسم التعددية، وباسم الديمقراطية.

والذي يساعد على اتباع هذا الأسلوب من الاستقطاب هو الدعم-الرشوة التي تتلقاها الأحزاب وبعض المنظمات الجماهيرية في كل محطة انتخابية، والتي تزداد بقدرما يرتفع عدد المرشحين والفائزين مما تعتبره المؤسسة المخزنية تمثيلا للشعب المغربي بهذه المناسبة او تلك. وإذا استحضرنا ان تلك الانتخابات تكون مزورة وان المتوجهين الى مختلف الأحزاب للترشيح باسمها، يفعلون ذلك بتوجيه من الأجهزة المخزنية او تحث تأثير  الدعاية المخزنية لهذا الحزب او ذاك، وان الذين يصبحون أعضاء في مختلف المؤسسات المزورة تزور النتائج لصالحهم. سنصل الى نتيجة : ان ما تكون عليه الأحزاب يحصل بإرادة مخزنية، وليس بإرادة حزبية بما في ذلك الأسلوب الذي اصبح متبعا في استقطاب الحزبيين الى مختلف التنظيمات الحزبية والجماهيرية. فالنخبة السياسية الممخزنة لا يمكن  ان تستقطب الى أحزابها إلا أناسا ممخزنين. وما دام الأمر كذلك فان استمرار نمو الأحزاب الديمقراطية والوطنية رهين بمخزنتها حتى تستمر ممارسة لديمقراطية المخزن التي أصبحت تعرف بديمقراطية الواجهة.

ممارسة الاقصاء على الآخر وديمقراطية المنظمات الجماهيرية:

وكنتيجة لأسلوب النخبة السياسية الممخزنة في الاستقطاب الحزبي والجماهيري والذي يخدم بالدرجة الأولى المؤسسة المخزنية نجد ان هذه النخبة لا تنجز ممارسة تساعد على إتاحة الفرصة للعناصر المتشبعة بالوعي الحقيقي للارتباط بالمنظمات الجماهيرية بالإضافة الى مخزنة أحزابها السياسية.

والإقصاء معناه النفي من طرف واحد لأجل المحافظة على سلامة الإطار من " التلوث " بالعناصر التي تحمل وعيا غيرممخزن يمكن ان يوجه العمل الحزبي والعمل الجماهيري نحو غاية لا يستهدفها الوعي الممخزن.

وهذا النوع من الإقصاء يتخد مجموعة من المستويات :

1) فهو إقصاء إيديولوجي نظرا لتمسك النخبة الممخزنة بشكل او بآخر بإيديولوجية إقطاعية او برجوازية او اجتماعية ديمقراطية ، او بإيديولوجية توفيقية - تلفيقية، تجمع كل هذا الخليط من الإيديولوجيات، كل ذلك ....

2) وهو إقصاء فكري نظرا لاختلاف المنطلقات الفكرية. فالنخبة السياسية الممخزنة تنطلق من مصلحتها الآنية، ومن مرضها بالتطلع كتعبير عن انتهازيتها...

وكل ذلك نصاً ودون تعليق بحسب الكاتب في المصدر .

المصدر : http://www.mokarabat.com