المقترحات الثمانية والخمسين لسينودس الأساقفة لنشر الإيمان المسيحى على العالم

(من 7 ـ 28 أكتوبر 2012)

بقلم د.زينب عبد العزيز

أستاذة الحضارة الفرنسية

إنتهى السينودس (المنعقد فيما بين 7 و28 أكتوبر 2012) بتقديم 58 إقتراحا للبابا بنديكت 16 بعد الإقتراع عليها، و يوضح فيها الأساقفة طبيعة وكيفية نشر المسيحية على العالم ، إعتمادا على نصوص مجمعية سابقة تمت صياغتها تمهيدا لما يدور حاليا .. وبعد دراسة هذه المقترحات سيقوم البابا بصياغتها فيما يُعرف بالأوامر التنفيذية التى ستلتزم بها كافة كنائس العالم بمختلف مشاربها وإنقساماتها وكافة الأتباع الذين فُرضت عليهم المساهمة فى عمليات التنصير إجباريا منذ مجمع الفاتيكان الثانى.

وتتكون هذه المقترحات من مقدمة وأربعة محاور وخاتمة. والمحاور تحمل العناوين التالية : طبيعة التبشير الجديد ؛ إطار القيادة الكنسية ؛ إجابات رعوية للظروف الحالية ؛ المساهمون فى عملية التبشير الجديد ، وتقع الوثيقة فى 24 صفحة. وعادة لا يتم نشر هذه المقترحات حتى يعيد البابا صياغتها وإصدارها فى توجيهات تنفيذية بعد حوالى عام ، لكنه إستثناها هذه المرة وتم نشرها بالفرنسية والإنجليزية بصفة إستثنائية. ولا شك فى أن وراء هذا الإستثناء هدف ما..

وبخلاف هذه المقترحات يتم تقديم كافة المحاور للبابا، تلك التى تمت مناقشتها لنشر المسيحية على العالم، ومعها التوجيهات الخاصة بإعداد هذا المؤتمر والتى كان هو قد إستصدرها من أكثر من عام ، والردود التى جمعها حولها ، والتقرير النهائى للسينودس ونصوص المداخلات الشخصية وتلك التى تم تقديمها كتابة كنوع من السرّية إضافة إلى الرسالة التى تم توجيهها لكنائس العالم مع هذه المقترحات.

ونعرض بإختصار بعض ما ورد فى هذه المحاور الأربعة من توجيهات ومطالب ، ونبدأ بالمحور الأول حول طبيعة التبشير الجديد :

* الإقتراح 4 : الثالوث المقدس سيكون أساس التبشير الجديد ، فالكنيسة ورسالتها التبشيرية تُستمد من الثالوث المقدس الذى يقودها و يعاونها على نشر رسالتها فى العالم.

* الإقتراح 5 : التبشير الجديد والغرس الثقافى هو تشجيع للصحوة والشهادة ليسوع فى مختلف الكنائس كلّا منها فى مكانها، لمد يد العون لكل من هم بعاد عن الرب، والجماعة المسيحية تدعوهم للإنضمام إليها بصورة جديدة وعميقة. فالتبشير الجديد يتطلب وعيا خاصة لغرس الإيمان المسيحى فى الثقافات المحلية بعد تقييمها وتنقيتها من العناصر المضادة. فالغرس الثقافى يعنى جهد إضافى لغرس الإنجيل فى ثقافة كل شعب من الشعوب.

* الإقتراح 6 : ربنا منقذنا يريد خلاص كافة البشر، والكنيسة تعرف أن هناك الذين يجهلون الرب وكنيسته وأن ذلك ليس من خطأهم وإنما لإتباعهم الشيطان وعقائد أخرى لذلك تصر الكنيسة على تنفيذ رغبة الرب الذى طلب أن يُكرز إنجيله لكافة البشر.

* الإقتراح 7 : على الكنيسة الأم أن تعلن عن أن رسالتها الدائمة هى التبشير فى العالم حتى تشجع الكنائس المحلية على التبشير. والتبشير يتم على ثلاثة مستويات : تبليغ الإنجيل، تنمية الإيمان المسيحى، وتبشير كافة من لا يعرفون الكنيسة. وعلى الكنائس المحلية الإصرار على دمج كل أتباعها لتكون لهم حرية غرس عقائدها فى المجتمع وفقا لتراثها مع الإلتزام بتوجيهات الكنيسة الأم..

* الإقتراح 8 : العالم من خلقة الرب والعلمانية من خلقة البشر وتمثل تحدّى للكنيسة لذلك لا يمكن السكوت عليها ولا بد من اقتلاعها.

* الإقتراح 10 : الإعلان عن يسوع مهمة إجبارية على كل مسيحى ، ومعرفة المسيحية حق لكل إنسان أيا كانت ديانته أو إبتعاده عن الدين، على ان يتم التبشير دون أن يأخذ شكل دعائى !

* الإقتراح 11 : الكتاب المقدس لكل المؤمنين ، وفى التبشير الجديد لا بد من الإستعانة به وإدخال نصوصه فى كل الأحاديث مع الآخر.

* الإقتراح 12 : تعاليم مجمع الفاتيكان الثانى ووثائقه يجب أن تكون الأداة الأساسية لمواصلة التبشير والموضوع الوحيد لشعب الرب فى مسيرته..

أما فى المحور الثانى "إطار القيادة الكنسية" فنطالع :

* الإقتراح 13 : على المبشرين أن يوضحوا إن الإنسانية القائمة على سر الخلاص والإيمان به [أى اكل لحم المسيح وشرب دمه] هى أروع ما يمكن تقديمه فى مواجهة العقائد الأخرى !

* الإقتراح 14 : فى عالم محطم بالحروب والعنف تمارس الكنيسة بهدوء دور المصالحة وتحطيم الجدران التى تفصل بين البشر بإنجيل يسوع المخلّص لنبنى العدل والسلام بين الشعوب.

* الإقتراح 16 : حرية العقيدة حق أساسى هو وحرية إختيار الدين ونحن نساند إخواننا فى جميع أنحاء العالم الذين يعانون من عدم الحرية الدينية والإضطهاد. ونقر أن مجمع الفاتيكان الثانى هو أداة التبشير الجديد من جهة ومن جهة أخرى هو لحماية حرية العقيدة للمسيحيين فى جميع أنحاء العالم، فلا بد من أن يقوم الأفراد والعائلات والمؤسسات بحماية حرية العقيدة المسيحية وتدريسها للأطفال والأسرات والمدارس. كما يقترح الآباء إنشاء مرصد لمراقبة الإخلال بذلك والإلتزام بحرية العقيدة وحرية تغيير الدين.

* الإقتراح 17 : إنتشر الكثير من اللغط حول تعاليم المسيحية ومن الضرورى توضيح أن المسيحية لا تتنافى مع العقل والمنطق ومطالبة علماء الكنيسة بصياغة أبحاث تؤكد ذلك لإضفاء مصداقية للتبشير الجديد. بل مطالبتهم بقبول ذلك التحدى وإثبات أن التبشير خاص بكل البشر.

* الإقتراح 18 : ضرورة إستخدام وسائل الإتصال الإجتماعية للوصول لكل البشر وإستخدام الإنترنت ، وتدريب فريق عمل يجيد اللغات فى توصيل الإيمان المسيحى لكل مستخدميه.

* الإقتراح 20 : لا بد من مساهمة الفنانين فى مختلف المجالات الفنية لإدخال جمال قيم التعاليم المسيحية فى المجتمع وأن يكون الجمال جزء أساسى من التبشير الجديد.

* الإقتراح 21 : مع مراعاة المعاناة التى يعيشها المهاجرون، لا بد للكنيسة أن تتقبلهم وترعاهم وإدماجهم فى الكيان الكنسى لجعلهم من مبشرى المستقبل.

* الإقتراح 24 : لا بد من الإهتمام بعقيدة الكنيسة الإجتماعية فى التبشير الجديد وأنه تبشير لا رجعة فيه، ولا بد أيضا من أن يتم على كافة المستويات الكنسية وعلى المجتمع المدنى.

* الإقتراح 25 : تدرك الكنيسة أن المدن وثقافاتها والتحولات التى تتم بها مجال خصب للتبشير. وفى السيناريوهات الميدانية تعترف الكنيسة بأن "المدينة المقدسة، القدس الجديدة" هى موجودة فى وجدان البشر بصورة ما. وبممارسة خطة رعوية ميدانيةلكل بلد فإن الكنيسة تنوى تطويع طقوسها لتتمشى مع نمط المدينة التى يتم التبشير فيها لمحاربة الفساد وإقامة إنجيل يسوع ، الوحيد الذى يمكنه منح الحياة الإنسانية بوفرة..

ومما نطالعه فيما ورد فى المحور الثالث المعنون "إجابات رعوية للظروف الحالية" :

* الإقتراح 26 : الإبراشية هى الوجود الأساسى للكنيسة فى كل حى من الأحياء وعليها إيجاد الحوار والإعلان عن كلمة الرب بإدخال وسائل جديدة. ويحث الأباء المجتمعون الإبراشيات للإستعانة بالمؤسسات والمنظمات والحركات الأخرى التى تعاون على التبشير كدوافع مهمة فى تنفيذ الإرتداد وتوضيح أن كل الجماعة المسيحية ملتفة حول الكنيسة و حول الأسقف، كخلايا حية تعاون على لقاء المسيح و خاصة التقرب من الفقراء.

* الإقتراح 27 : إن التعليم بُعد أساسى وبنّاء فى التبشير ، وضرورة تربية الإنسان فى المدارس والجامعات الكاثوليكية التى يقوم بالتدريس فيها آلاف المعلمين رجالا ونساء فى القارات الخمس. لذلك يجب أن تكون المدارس حرة فيما تقوم به من تبشير وهذا حق لا تنازل فيه. ويجب أن تكون مؤسساتنا التعليمية عوامل للتبشير وتسهيل مهمة المدنيين المساهمين فى التبشير الجديد.

* الإقتراح 29 : كتاب التعليم الدينى الجديد أساسى فى تكوين المبشرين وفقا للإمكانيات المحلية.

* الإقتراح 30 : علم اللاهوت أساسى فى التبشير ولا بد من إعداد وتقوية المبشرين علميا حتى يمكنهم إجراء الحوار بين المسيحية والعقائد الأخرى.

الإقتراح 31 : الفقر والفقراء والأزمة الإقتصادية وما تفرضه من فاقة مجال واسع للتبشير وعلى من يمارسونه إقناع تلك الفئة بأن الكنيسة هى ملاذهم الآمن وتحويلهم إلى مبشرين.

* الإقتراح 32 : المرضى والذين يعانون من العاهات من أهم مجالات التبشير، وكل من هم على صلة بالمرضى عليهم أن يعكسوا نور المسيح إليهم.

* الإقتراح 33 : ضرورة إعادة إحياء عملية التعميد والمناولة كمجال هام للقاء المسيح وعمل المصالحة مع الذات وأنها تغفر الذنوب جميعها، ولا بد من إيجاد مكان فى كل إبراشية لممارسة الإعتراف كل يوم ، فالإعتراف بالذنب جزء أساسى فى التبشير الجديد .

* الإقتراح 34 : أخذ المناولة هى أساس وقمة التبشير الجديد وإقامة قداس الأحد حتى وإن كان ذلك يتعارض مع الأجازة الرسمية للبلد. وكل الجماعة ملزمة بحضور قداس الأحد، وإقامة الإحتفالات المسيحية طوال عام الإيمان الذى يجب أن يواكبه برنامج للتبشير خاصة فى عيد ميلاد يسوع وعيد الفصح.

* الإقتراح 36 : الوسيط الأساسى فى التبشير هو الروح القدس الذى يفتح القلوب ويدفعها للإرتداد ويدخلها فى حياة الثالوث ، لذلك لا بد وأن يكون تجربة أساسية فى التبشير الجديد ويضفى أهمية تأملية على المناولة التى هى منبع وقمة حياة الكنيسة. ونطالب بأن يتم تعليم الصلاة فى الأسرات وفى المدارس.

* الإقتراح 37 : التبشير يقع على كافة المسيحيين بحكم التعميد الذى حصلوا عليه فى الصغر، وهم مطالبون بالمشاركة والتعريف بسر المسيح وسر المناولة علنا وبشجاعة فى كافة مجالات الحياة والنشاطات الإنسانية.

* الإقتراح 40 : أساقفة السينودس يشكرون البابا لإنشائه المجلس البابوى لنشر التبشير الجديد كأداة تعاون الكنائس الخاصة فى مهمتها ويرجوه مواصلة النقاش لتفعيل التبشير الجديد ومضاعفة التعاون بين الكنائس الخاصة وبالتالى تفعيل التبشير الجديد.

و نطالع فى البند الرابع حول "المساهمون فى عملية التبشير الجديد" :

* الإقتراح 41 : الكنائس الخاصة بقيادة الأسقف وبمعاونة القساوسة ومعاونيهم إضافة إلى المدنيين هى أداة التبشير الجديد ، وكل كنيسة خاصة هى تجسيد لكنيسة المسيح وبالتالى فهى تقود العمليات الرعوية.

* الإقتراح 42 :كل كنيسة خاصة هى نواة الجماعة وعليها تنظيم مشروع تبشيرى قادر على توصيل الحياة المسيحية لكل العالم إعتمادا على الحوار والتعاون بين كافة الجماعات المسيحية وإثارة تقبّل الإنتماء للمسيح.

* الإقتراح 45 : مهمة المدنيين فى عملية التبشير الجديد هى تغيير كافة البنيات الإجتماعية بحيث تكون كل النشاطات والتصرفات مأخوذة من الإنجيل.

* الإقتراح 46 : مساهمة المرأة المسيحية بجانب الرجل فى كافة المستويات ضرورية لتقدم التبشير الجديد.

* الإقتراح 47 : يرى السينودس ضرورة عمل مراكز تكوين للمشرين المدنيين بحيث يجيدون الحديث عن المسيح بصورة مقنعة تتفق وزماننا فالثالوث هو أكبر معيار أساسى فى عملية التبشير.

* الإقتراح 49 : يدعو آباء السينودس كافة العاملين فى التبشير التعرف بصورة شخصية على نمط حياة الشعوب التى يعملون بينها وأن يكون التبشير هو عنصر الربط بين كافة البرامج.

* الإقتراح 51 : الشباب هم عنصر المستقبل الكنسى وعليهم ممارسة التبشير الجديد خاصة بين فئات الشباب المختلفة فى المدارس والمجتمع والتحدث إليهم عن يسوع وأنه عليهم إتباعه ليكتشفوا الحياة فى الكنيسة. إن إحتفالات الكشافة وأيام الشباب العالمى من أهم مجالات التبشير بين الشباب.

* الإقتراح 53 : الحوار مع كافة البشر جزء من التبشير الجديد والكنيسة تدعو المسيحيين إلى مواصلة الحوار وتكثيف علاقاتهم خاصة مع المسلمين وفقا لتعاليم وثيقة "فى زماننا هذا". فرغم الصعاب لا بد من مواصلة الحوار وفقا لمفهوم مجمع الفاتيكان الثانى حفاظا على كرامة كل إنسان.

* الإقتراح 54 : الحوار بين العلم والإيمان أساسى فى التبشير الجديد إذ لا بد من إنفتاح العقل على غموض السر وتصعيده لإدراك الحدود الأساسية للعقل البشرى و المعرفة العلمية.

أما الخاتمة فتنص على ما يلى :

* الإقتراح 57 : منذ البداية فهمت الكنيسة مسئوليتها لتوصيل النبأ السعيد ، ودور التبشير الجديد يقوم بذلك إذ يذكرنا مجمع الفاتيكان الثانى أن هذه المهمة معقدة وتتطلب مساهمة كافة المسيحيين .

* الإقتراح 58 : لقد أعلن البابا بولس السادس أن "مريم نجمة التبشير" وهى "المبشرة" التى سوف تعاوننا على إعلان الخلاص لكافة الرجال والنساء بحيث يصبحوا بدورهم مبشرين ، فمريم أم الكنيسة ووجودها سيجعلها أم لكافة الشعوب.

* * *

بعد كل هذه الصراحة التى لا يمكن إغفالها ولا إغفال الإصرار على تنصير العالم بالتضافر مع مختلف المؤسسات الدولية السياسية والقانونية كما سبق وأعلنها البابا بنديكت 16 عدة مرات، ما الذى يمكن إضافته أو قوله بكل مرارة سوى :

اللهم افتح عقول وقلوب القائمين على الإسلام فى كل مكان فى العالم لفهم إن هذا الكلام جاد وليس تهريجا..

اللهم امنحهم الشجاعة الكافية لقول الحق والعمل على حماية الإسلام ، وعدم التخاذل فى التصدى لهذا المخطط المعلن بكل وضوح و بكل بجاحة ..

اللهم إحميهم من السقوط فى مخالبه بتقديم مزيد من التنازلات ولو بالصمت عليه ..

ألا هل بلغت ؟ اللهم اشهد !

* 5 نوفمبر 2012