خبراء أمريكيون: من المبكر الحكم على إستراتيجية بوش الجديدة في العراق

 

 

كان الرئيس الأمريكي جورج بوش قد طرح في يناير 2007 ما عرف بالاستراتيجية الأمريكية الجديدة في العراق. وقدً تضمنت تلك الاستراتيجية إرسال خمسة ألوية عسكرية إضافية (أكثر من 20 ألف جندي) إلى العراق، يتم نشرها في منطقة بغداد. وتتركز مهمة تلك القوات في التعامل مع الأوضاع الأمنية في العاصمة بغداد ومحيطها، ومساعدة الوحدات والتشكيلات العراقية على تأمين وحماية السكان المحليين في تلك المنطقة. هذا بالإضافة إلى نشر لواءين آخرين (4 آلاف جندي) بمحافظة الأنبار لمساعدة القوات العراقية على مواجهة عناصر القاعدة التي تتركز بالمحافظة ومحيطها.

تدخل الكونغرس

وقد لقيت هذه الاستراتيجية ردود فعل متباينة لدى المتخصصين الأمريكيين في الشأن العراقي وقضايا الشرق الأوسط، كما عمقت من الصراع والاستقطاب الداخلي بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري حول الملف العراقي بشكل عام، ومسألة الانسحاب الأمريكي من العراق بشكل خاص. وقد عبر هذا الصراع عن نفسه بشكل واضح داخل الكونغرس؛ فعلى الرغم من عدم قدرة الديمقراطيين على تعطيل مشروع تمويل الحرب في العراق الذي أصدره مجلس الشيوخ في 28 مارس (2007)، إلا أنهم استطاعوا إدخال تعديل مهم على مشروع القانون يطالب الإدارة الأمريكية ببدء انسحاب القوات الأمريكية في 31 مارس 2008. وكان مجلس النواب قد أقر قرارا مشابها قبل أسبوع من صدور هذا القانون دعا فيه إلى انسحاب القوات الأمريكية قبل أغسطس 2008، أو بدء الانسحاب فورا في حالة عدم وفاء الحكومة العراقية بالتزاماتها. ويفترض أن تقوم القيادات الحزبية داخل مجلسي النواب والشيوخ بالتوفيق بين القانونين قبل إعداد الصيغة النهائية التي سيتم عرضها على الرئيس جورج بوش والذي هدد باستخدام الفيتو ضد أي قانون أو قرار يفرض جدولا زمنيا لانسحاب القوات الأمريكية من العراق. 

رؤية الخبراء والأكاديميين

وعلى مستوى الأكاديميين والمتخصصين الأمريكيين، دافع الكثير من هؤلاء عن تلك الخطة، وانتقدوا في هذا الإطار مطالبة الكونغرس بوضع جدول زمني لسحب القوات الأمريكية من العراق، وتحفظ هؤلاء على التسرع في الحكم على مستقبل الاستراتيجية الأمريكية الجديدة أو نجاح القوات الإضافية من عدمه في تحقيق مهمتها. وبمعنى آخر، ذهب هؤلاء إلى أنه من السابق لأوانه الحكم بنجاح أو فشل تلك القوات في تحقيق أهدافها، خاصة أنه لم يتوفر لها الوقت اللازم لبدء أعمالها، كما أن الفترة الزمنية بين بدء عملها والمواعيد المقترحة من جانب الكونغرس لبدء الانسحاب هي فترة قصيرة قد لا تكفي لاطلاع تلك القوات بدورها المطلوب، ولا تتناسب وحجم أهدافها. ومن ثم، هناك توافق عام داخل هذا التيار على ضرورة إتاحة الوقت الكافي لتلك القوات، على الأقل حتى نهاية الربع الأول من عام 2008، على نحو يسمح لها بإنجاز مهمتها.

على سبيل المثال، يحذر فريدريك كاجان Frederick Kagan، الخبير بمعهد أمريكان إنتربرايز American Enterprise Institute المعروف بارتباطه بتيار المحافظين الجدد، من خطورة سحب تلك القوات قبل التوقيت المناسب. وبشكل أكثر تحديدا، يرى كاجان أن سحب القوات الأمريكية من العراق قبل عام 2008 سيعني فشل تلك القوات في تحقيق مهمتها، بما لذلك من تداعيات سلبية خطيرة على الأوضاع الأمنية في العراق بشكل عام. وقد أكد فريدريك كاجان على المعنى ذاته في إحدى مداخلاته في مؤتمر نظمته مؤسسة هيرتدج Heritage Foundation، عندما دعا إلى ضرورة دعم القوات الأمريكية في العراق (بما في ذلك منحها الوقت الكافي). واستند كاجان في استنتاجه هذا إلى عدد من المؤشرات الإيجابية حول أداء القوات الأمريكية الإضافية إلى تم نشرها مؤخرا في بغداد، وأداء الحكومة العراقية في إطار الاستراتيجية الأمريكية الجديدة والخطة الأمنية في بغداد، خاصة الجهود التي يقوم بها رئيس الوزراء العراقي، نوري المالكي، في مجال مكافحة الجريمة والفساد، وطرد عناصر القاعدة من الأنبار، واضطلاع القوات العراقية بتنفيذ نحو 70% من العمليات داخل بغداد.

أما كينيث بولاك Kenneth Pollack، مدير مركز بحوث الشرق الأوسط بمؤسسة بروكنغز، فيرى أنه من الضروري الاحتفاظ بالقوات العسكرية الأمريكية في العراق خلال فترة تتراوح بين (6- 12) شهرا. ويضيف بولاك أن نجاح السياسة الأمريكية في المنطقة والحيلولة دون فشل تلك السياسة يتطلب جهودا مدنية مستمرة، ومزيدا من تعاون المجتمع الدولي والحكومة العراقية. وينطلق بولاق هنا من أن الاستراتيجية الأمريكية الجديدة هي الخيار الوحيد الذي يمكن أن يضمن عدم استمرار بقاء إقليم الشرق الأوسط في حالة أسوا من حالة الإقليم قبل الحرب على العراق. ويقول بولاك، استنادا إلى مقارنة الحرب الأهلية المحتملة في العراق بالحروب الأهلية التي مرت بها مجتمعات أخرى، إن الانسحاب الأمريكي المبكر من العراق يمكن أن يجر العراق إلى حرب أهلية واسعة، ستمتد آثارها الإقليمية إلى خارج العراق، وسيكون لها انعكاساتها السلبية والخطيرة على الاستقرار الإقليمي.

ويضيف بولاك بعدا آخر في النظر إلى القوات الأمريكية الإضافية، والاستراتيجية الأمريكية الجديدة، حيث يربط بين نجاح تلك القوات وتنشيط وتعزيز الاقتصاد العراقي. فمن ناحية، يرى بولاك أن نجاح تلك القوات في إنجاز أهدافها سيعتمد على مدى تركيزها على تأمين بغداد والمناطق المحيطة بها، ليس فقط لأهمية بغداد باعتبارها عاصمة الدولة العراقية، ولكن أيضا لاعتبارها مركز الاقتصاد العراقي. ويرى من ناحية أخرى، أنه مع نجاح تلك الاستراتيجية في تأمين المناطق التجارية والعمرانية في بغداد والمناطق المحيطة سيكون بمقدور العراقيين تنمية اقتصادهم عبر التخلص من الكثير من احباطاتهم مع قوات التحالف والصورة السلبية لتلك القوات لدى العراقيين. 

وفي الاتجاه ذاته، وبعيدا عن الخلافات والصراعات السياسية، يقول الجنرال ري اوديارنو Gen. Ray Odierno، مساعد قائد القوات الأمريكية في العراق، في تصريح له لقناة CNBC إن الأمر يتطلب ثمانية أشهر إضافية للحكم على مدى نجاح القوات الأمريكية في تحقيق مهمتها. 

أما انتوني كوردسمان Anthony Cordesman، وهو أحد الخبراء المرموقين بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، فيطرح رؤية مختلفة نسبيا عن الرؤى السابقة، إذ يختلف مع تقييم كاجان لأداء القوات الأمريكية في العراق، فيؤكد أن هذه القوات لم تعمل بالكفاءة المطلوبة، خاصة في بغداد ومناطق الجنوب. كما لم تنجح الولايات المتحدة في دفع القيادة السياسة والحكومة العراقية في اتجاه محدد يخدم السياسة الأمريكية في العراق. يقول كوردسمان: "لم ننجح في دفع رئيس الوزراء العراقي في الاتجاه الذي نريد أن يسلكه". واتفاقا مع باقي المتحدثين في المؤتمر، يقول كوردسمان أن الولايات المتحدة لن تستطع الخروج من العراق والصراعات الجارية هناك، ولكنه انتقد تحويل السياسيين الأمريكيين لمسألة الجدول الزمني للانسحاب الأمريكي من العراق إلى قضية سياسية وانتخابية. كما انتقد كوردسمان إدراك ورؤى صانعي السياسة الأمريكية للموقف في العراق، والتي وصفها بأنها غالبا ما تكون غير واقعية وغير قابلة للتطبيق العملي. ويستند في هذا الإطار إلى نموذج الاستراتيجية الأمريكية الجديدة ذاتها، إذ يعيب كوردسمان على تلك الاستراتيجية تركيزها الشديد على العاصمة بغداد ومحيطها، وذلك في الوقت الذي تنتشر فيه مختلف أنماط الصراعات في جميع الأقاليم العراقية تقريبا (الصراعات حول الأرض، والسلطة، والصراع بين السنة والشيعة، والتمرد التي تغذيها وتديرها قوى أجنبية..الخ)، وهي صراعات تفوق في تعقيداتها قدرة القوات الإضافية الأمريكية أو القوات الأمنية العراقية وفقا لرؤية كوردسمان.