دور الصحافة الحرة في التأثير على الرأي العام

 

 جاسم الصغير

 

تعد علاقة الصحافة بالرأي العام من العلاقات الصميمة التي تترجم مدى الترابط الجدلي  والتفاعل  بينهما وبالطبع أن الحديث عن هذه الصلة وبالتالي تأثير أحدهما في الآخر، فالصحافة وهي من المجالات التي شهدت تطوراً هائلاً خاصة في القرن العشرين فعند ظهور التكنولوجيا والتي استفادت منها الصحافة  بكل تأكيد وأيضاً مدى انتشار القراءة والكتابة بين شرائح المجتمع الأمر الذي عزز انتشار الصحافة بكل أنواعها في العالم أجمع .

إن الصحافة متغير مهم جداً وله العديد من الإيجابيات على المستوى الإعلامي والاجتماعي فالصحافة كما يعرفها الأستاذ أديب مروة: ((بأنها فن تسجيل الوقائع اليومية بدقة وانتظام وذوق سليم مع الاستجابة لرغبات الرأي العام وتوجيهه والاهتمام بالجماعات البشرية وتناقل أخبارها ووصف نشاطها ثم تسليتها وتزجية أوقات فراغها وكل هذا فالصحافة هي مرآة تنعكس عليها صورة الجماعة وآرائها وخواطرها))، إن الصحافة رسالة مشرفة في المجتمع وهذا الأمر يتطلب أن يكون للالتزام الاجتماعي والأخلاقي ركن أساسي من الأركان التي تقوم عليها أمر الذي يعني أنها وسيط بين عدة تشكيلات سواء كانت اجتماعية أو سياسية .

من المعروف أن أي مجتمع متحضر تكون هناك عدة مؤسسات تشرف على تسيير الشؤون السياسية والاقتصادية والثقافية وغيرها وهذا الأمر يتطلب أن يكون هناك من يستطيع أن ينقل للمجتمع والنشاطات التي تقوم بها مؤسسات هامة جداً مثل الحكومة ومن رؤية واقعية للأمور يحدث أن تكون هناك في بعض الأحيان ما يستدعي أن يطلع الشعب والمجتمع على بعض الإجراءات التي  تقدم عليها الحكومة أو بعض من ينتسبون  اليها، هنا يأتي دور الصحافة في تزويد الشعب بالحقائق والمعلومات كي يتم أن يكون هناك رأي عام  ضاغط وفاعل أي سيمائيات استبداد يمكن ان تبدر من بعض المتنفذين إن حصلت وبالتأكيد . إن هذا الكلام لا يعني أن تكون العلاقة بين الحكومة والصحافة عدائية بل على العكس هي علاقة مستقلة ولكنها رقابية لأن الصحافة جزء من الإعلام وهو السلطة الرابعة كما ينبغي أن يكون وهذا ما يحدث في أغلب دول العالم المتحضرة والتي قطعت أشواطاً طويلة وكبيرة في هذا المضمار ، ومن هنا (إن للصحافة أهدافاً عديدة تتمثل في الأخبار والإعلام والشرح والتفسير والتعقب والإرشاد والتنوير والتوجيه وتلبية رغبات الجمهور وحاجاته والتسلية والإمتاع).

لذلك أن من متطلبات خلق رأي عام فاعل يتمثل في وجود صحافة حرة تستطيع أن تقوم بواجب تنوير المجتمع  بشأن الأحداث التي تحصل أو تجري في المجتمع وتزويده بكل الحقائق التي توصلت إليها وهذا هو أساس الشرف الذي يجب أن تعمل بموجبه الصحافة وأن تبتعد عن أجواء المحاباة أو التبعية لاية سلطة كانت لأنها إن دخلت في هذه الزاوية وتفقد استقلاليتها الذي هو أساس عملها الذي تقوم عليه .

إن الصحافة الحرة عمود أو حجر زاوية في أي رأي عام ينتظر منه أن يكون فاعلاً والصحافة تستطيع عبر تبنيها سياسة شفافة وحضارية تكون قادرة على خلق اتجاهات في المجتمع بشأن قضايا أو قضاياها هامة ومن هنا أن تكون الصحافة مستقلة وفاعلة وحرة وأيضاً عبر الإلمام بكل التقنيات التي توصل إليها العلم الحديث لذلك أن الرأي العام الذي هو أحد دعامات المجتمع الذي ينتهج منهجا ديمقراطيا وفي هذا النظام الديمقراطي الذي يتيح حرية التعبير عن الرأي أو الاحتجاج ضد إجراءات معينة قد تبرر من الحد مؤسسة فالرأي العام في أي مجتمع ديمقراطي قد يتنوع في عدة اتجاهات وهذا أمر طبيعي لمجتمع يسير وفق آلية الديمقراطية والذي يعد التنوع أحد سماته الأساسية وهو علامة أو دلالة من دلالات عدم حصول حالة تشنج أو تمرد وغير محمودة العواقب . إن من تجليات المجتمعات التي يكون فيها الرأي العام فاعل نرى أن الحكومات في هذه البلدان المتقدمة تضع حسابات شديدة لآراء هذا الرأي العام أو ضد ردود الفعل فترى مثلاً استطلاعات الرأي المستمرة والتي تحصل في المجتمع سواء في الحالات الطبيعية أو عند حصول ممارسة أو تحول سياسي كالانتخابات أو الاستفسار وغيرها فترى أحياناً أن الرأي العام الفاعل يستطيع أن يسقط وزارة أو استحداث قانون أو تغيير أو التقاء بعض القوانين بل أنه حصل في أحدى الدول الأوروبية التي جرى فيها استفتاء لتوحيد العملة الأوروبية في إطار السوق الأوروبية المشتركة تم رفض هذا الامر بتوحيد العملة  وبالتالي لم يقر القرار وبتأثير الرأي العام الفاعل والواعي و بناءً على آراء المجتمع هناك وبفعل رأي عام فاعل استطاع أن يفرض آرائه وهذا من دلائل قوة واتجاهات الرأي العام هناك تقليد سياسي وثقافي في الصحافة البريطانية في احدى الحقب وكانت صيغة الاحتجاج تتخذ من مقولة ظهرت في رواية (1984) للروائي جورج اورويل التي وردت على لسان احد ابطال الرواية والتي كانت ترمز للطاغية حيث كان يخاطب الشعب حين كان يريد اشعارهم بسلطته وكان يخاطبهم (الاخ الاكبر يراقبكم) وهي صيغة رمزية عن تحكم هذا الطاغية بمصير الشعب والمجتمع حيث عمد هذا الطاغية الى محاصرة الشعب بكل انواع الضغوط النفسية والطبيعية فعمل على جعل لكل فرد من شعبه سواء كان ذكرا اوانثى رقما خاصا به ويظهر بين الحين والاخر في شاشات كبيرة موزعة في كل البلاد تظهر فيها صورته ويشعرهم بوجوده بل الاكثر من ذلك هو منعه تعاطي الحب بين الشعب  بين رجاله ونسائه حتى لايشعروا بكينونتهم ومع هذا هرب اثنان من شعبه الى غابات بعيدة من المدن حتى يمارسا عاطفتهم التي شعرا فيها كلاهما تجاه الاخر ولكن مع هذا شعر هذا الطاغية بذلك واحس بالهلع لادراكه ان الشعور بالحب سيقودهم الى الشعور بالحرية من ذلك فأوعز لاجهزته بالقبض عليهما ومعاقبتهما على تعاطيهم الحب لانه شيء محرم في مملكته فخرج الاخ الاكبر في شاشته ليقول الاخ الاكبر يراقبكم فاصبحت هذه المقولة هي الصيغة الاحتجاجية للمثقفين والصحفيين الملتزمين فكريا في حالة بروز نزعة للتسلط او الاستبداد من السلطة حتى ان كانت عن الطريق البرلماني في محاولة تمرير قانون او قرار لا يحوز على موافقة الاغلبية وممثلي الشعب فتمنح السلطة سلطات استثنائية لكي تمرر هذا القانون فان حدث هذا يهب مثقفي الشعب في كل قناة ثقافية واعلامية بان يصدروا بيانات فكرية وصحفية يستلهمون فيه هذه المقولة حيث تعنون كل البيانات بعبارة (الاخ الاكبر يراقبكم) كناية واستعارة على ان السلطة بدأت تتجه نحو الاستبداد او الغاء الاخر وهكذا اصبح الادب والفن والصحافة اداة من ادوات الوعي والتنوير  ، فإذاً أن الصلة بين الصحافة والرأي العام صلة وثيقةومن هنا أهمية رعاية هذه الصلة ، ومن هنا أيضاً ومن منطلق ماسبق أشدد على مسألة بناء صحافة ورأي عام فاعل في عراقنا الديمقراطي الذي ينتهج الآن نهج بناء مؤسساته الديمقراطية الدائمة ويختار نظام الحياة العصري القائم على  الاطرالمؤسساتية والابتعاد عن الاستبداد والفردية التي ميزت التاريخ العراقي في السابق والذي جر انتكاسات كبيرة جداً على شعبنا ومجتمعنا العراقي الأمر الذي ينبغي أن يعالج في هذه المرحلة المعاصرة بأن نعد الخطط البناءة التي تعتمد على معطيات واقعية وحضارية كي يمكن أن يكون هناك بناء ديمقراطي حقيقي ورفد هذا البناء  أن تكون هناك مؤسسات بحثية تعتمد معايير علمية وفق سمات العصر وأن تتبلور بصورة جدية في أذهان القائمين على عملية بناء الأساس الذي ستقوم عليه الصحافة الحرة والرأي العام الفاعل وأن يتم الاستفادة من تجارب الأمم الأخرى التي قطعت بوناً شاسعاً وكبيراً في هذا المجال ولأن العالم في تفاعل جدلي متواصل . إن المجتمع الذي نرى فيه صحفاً عديدة تصدر وتعبر أو تنقل ما يدور في المجتمع من أحداث أو نشاطات هو مجتمع منفتح على سمات ومتغيرات العصر وأنه في إطار متبلور فيه تقاليد سياسية واجتماعية وغيرها وأنه يسير في الطريق الصحيح وأن رعاية هذه السمات تساعد على خلق مجتمع متضامن وحضاري ، وأعتقد أن رعاية بناء الذات للفرد والمجتمع تستحق كل الاحترام والسهر على تنفيذها ومتابعتها ومنها بالطبع الاهتمام بالصحافة الحرة والرأي العام الفاعل ولها الأولوية في ذلك.

و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور.

المصدر: جريدة الصباح-29-5-2006