الإعـلام العراقي بين التحرر و الانتهــاك
زعيم النصار
يلعب الاعلام بوسائله المختلفة، الصحف، والتلفزيون، والراديو، دورا نوعيا في التعليم والتوجيه والتحريض والكشف عن الغامض ، وتوضيح الملتبس، وتعميق الثقافة بشكل عام. ولان الساحة العراقية مشغولة تماما بفكرة ممارسة الديمقراطية وإشاعتها، صار على الاعلام أن يعمق هذه الفكرة ويعلم ثقافتها كمفهوم أولا وممارسة ثانيا، ولكن لا يتم له ذلك إلا بتوفر عناصر أساسية هي من روح العملية الإعلامية، أول هذه العناصر حرية الكلمة والرأي الناقد لأخطاء السلطة، وثانيهما استقلالية الاعلام وابتعاده عن تأثيرات السلطة، وثالثهما خلق مناخ التسامح والمحبة والسلام ليبعد أبناء الشعب الواحد عن العنف والحرب والتشظي والانقسام ،ورابعهما الكشف عن الاتجاهات المعادية لروح الديمقراطية وشيوعها من واجـبات الإعـلام والإعـلاميين في سنوات الفتن والمحن العمل على تفعيل المصالحة والمصارحة، وخلق مناخ للتسامح، والمحبة بين أبـناء الشعـب الـواحد. التحرر فإذا أخذنا العنصر الأول وهو حرية الكلمة والرأي المخالف لأفكار الحكومة ، نجد الديمقراطية تقوم على مدى اتساعه و توفره والا كيف تكون الديمقراطية بلا حرية للكلام والقول والحوار، ومن هنا على الحكومة وسلطاتها أن تحسن الإصغاء لوسائل الأعلام وتكلف من يرد على ما ورد فيها ، فالسكوت يعني الموافقة، والموافقة على الخطأ يؤدي إلى الظلم ، والظلم الى الطغيان والاستبداد، من هنا أرى ان الحكومة الناجحة والسلطة العادلة عليها أن لا تدفن رأسها في الرمال أمام الحقائق التي تعرضها الوسائل الإعلامية ، ولا تقمع أو تؤثر على الأصوات الإعلامية الوطنية المستقلة. حرية الإعلام تعتمد بالدرجة الأولى على استقلاليته وحياديته في الكشف عن الوقائع والاحداث وفك التباسها وغموضها ، وهذا لا يتسنى للاعلام إلا بعد تعميق وبناء ثقافة الديمقراطية في النفوس والعقول واحترام إرادة الآخر في الرؤية والمعالجة والعمل ، لهذا ليكون دور الاعلام دورا مزدوجا ، فهو من جانب يعمل من اجل الحفاظ على حريته واستقلاليته ، ومن الجانب الآخر يحاول أن ينجح في تعليم الديمقراطية للآخرين كمفهوم ونظرة وممارسة، وعمل وهذا لا يتم له إلا بعد احترام السلطة لهذه الحقيقة فتبتعد بقرارها وإرادتها عن الساحة الإعلامية، بل تحاول أن تمنح الإعلام والإعلاميين القدر الكبير من دعمها المالي والمعنوي من اجل المساهمة في بناء حريته وإشاعة ثقافة الديمقراطية للناس والوطن. ومن واجبات الإعلام والإعلاميين في سنوات الفتن والمحن العمل على تفعيل المصالحة وخلق مناخ للتسامح والمحبة بين أبناء الشعب الواحد، فمن نافل القول تكرار ما لمعنى السلام والتآخي من فوائد جليلة لإبعاد شبح الحرب والعنف والانقسام والطائفية، وفي هذا على الاعلام أن يستخدم وسائل المجتمع المحلية وثقافته الشعبية التي لها جذور تاريخية جامعة للشعب حتى يتحقق نفي الفرقة والاحتراب، و بالتأكيد لهذه الجذور وظائف عميقة كمواد للتوعية والتحريض والتعليم ولفت النظر والإشارة، إن وظيفة الإعلامي هي أن يشير إلى الصواب والخلل من دون خوف من سلطة أو سلطان. أما وسائل المجتمع المحلية وثقافته الشعبية، فهي وسائل تكون معروفة لدى الناس كجماعة متكونة من ارث مشترك لا وسائل غريبة وطارئة عليهم ، فمثلا من الممكن استخدام الصورة الفلكلورية بديلا للصورة الغربية، واستخدام الصور الحضارية والشعبية لخير دليل لهذا الاتصال والتأثير، فلا يمكن للديمقراطية أن تصل بوسائل غريبة على المجتمع المراد له أن يتواصل مع العملية السياسية الجديدة وتبني أفكارها، ولا يمكن للإعلامي أن يكشف عن الاتجاهات المعادية لروح الديمقراطية بوسائل لا يحسن استخدامها الناس والمتلقون، هل يتمكن كل الشعب العراقي مثلا الاتصال بشبكة الانترنت لمعرفة فكرة الديمقراطية والتحرر من العبودية والتسلط؟ من هنا علينا العودة إلى الشاشات السينمائية المتجولة في الأحياء والقصبات والمدن الصغيرة واعتقد هذا من واجبات الهيئة العراقية العامة للبث والإرسال، ومن واجباتها أيضا دعم وسائل الاعلام العراقية من اجل تنفيذ البرامج التثقيفية في بث الصورة العراقية المؤثرة في كشف العناصر المعادية للديمقراطية، وبث روح التسامح والمحبة والسلام من اجل بناء وطن عراقي جديد. الانتهاك ربما لم نجد تبريراً شافياً لبعض دعاة الديمقراطية في العراق لانتهاكهم حرية التعبير ومطاردتهم الصحفيين، بينما نشاهد كيف تتحقق في مناطق أخرى معدلات نمو متسارعة على مستوى حرية الاعلام وتقديم الدعم الكبير له ، بما في ذلك دعم التعددية والديمقراطية. لكن الأمر عندنا تدهور كثيرا حيث وقع الاعلام في شرك معارك سياسية، حرمت الاعلامي من جوهر نشاطه. حيث ظهرت عقبات قانونية جديدة حالت دون استمرار الحكومة في برنامجها الاصلاحي والخدمي، الأمر الذي يعيق مسيرة التقدم والإصلاح والأسوأ من ذلك، ما تمثله مظاهر التطرف والإرهاب والعنف السياسي وما يرتبط به من خلق بيئة خطيرة تهدد حياة جميع الصحفيين في المنطقة. لقد تفاقمت أزمة العنف ضد الصحفيين في البلاد، حيث بلغت معدلات غير مسبوقة تمثلت في عمليات قتل طواقم الإعلام والصحفيين ما أدى إلى مقتل مئات الصحفيين. ما جعل هيئة الامم المتحدة تصدر قرارا تدين فيه استهداف الصحفيين وتطالب بمحاكمة القتلة وضمن مساعيهم لإسكات الصوت المعتدل، يواصل المتطرفون اعتداءاتهم على الصحفيين. ويلاحظ بأن الصراعات والمعارك السياسية الداخلية في العديد من مدن البلاد تشكل مبرراً للحكومة للتضييق على الصحفيين، حيث تمثل حالة الطوارئ أو أمن البلد مبررات قوية لتبرير ملاحقة واعتقال العاملين في حقل الصحافة. كل ذلك يضاعف من الويلات في منطقة تفتقد الأمل بالسلام، الإستقرار، والإصلاح الديمقراطي. فالديمقراطية والازدهار الاقتصادي لن يتحققا إلا إذا انخرطت سياسة البلد بمصالحة وطنية شاملة. بكلمات أخرى، يتحقق ذلك عندما تكون الحكومة والمكونات المعارضة لها، منفتحة وتفسح المجال للتعددية على الصعيدين السياسي والإعلامي، وبالتالي زيادة نسبة إنخراط المواطنين، وعلى مختلف المستويات، في المجال الإعلامي العام. وفي الواقع ليس من السهل تحقيق ذلك، ولكن يمكن القيام بالخطوة الأولى من خلال إلغاء جميع القوانين القمعية التي يعاني منها الاعلاميون. إن الكتابة عن الشؤون السياسية والاجتماعية، أو الدينية أو القضايا الاقتصادية ضمن أجواء متوترة تتطلب الكثير من الدقة والانتباه وليس كتم صوت الحوار العام وفي هذا السياق، فإن المطلب الجوهري يتمثل بإلغاء الاعتقال كعقوبة تستخدم لإرهاب الصحفيين ولإسكات الصحافة المستقلة. وفي قرارها رقم 42 الصادر في عام 2003 ، طالبت المفوضية السامية للامم المتحدة لحقوق الإنسان من كل الدول الامتناع عن استخدام عقوبات مبالغ فيها بالسجن او فرض الغرامات في قضايا متعلقة بالاعلام لا تتناسب مع حجم الإساءة وهو الامر الذي يخرق القانون الإنساني الدولي.
|