باي «هاي» (2 ـ 2)

 

عبد الرحمن الراشد

 

«هاي»، مجلة وزارة الخارجية الأميركية الموجهة للعرب، وصلت إلى طريق مسدود، وقيل إنه تقرر إغلاقها.

وكما أوضحت أمس، أن مشكلة المجلة في الفكرة والزمن، فلا الفكرة مهمة لعالم عربي متخم بمجلات تجارية ومواقع الكترونية ودور سينما ومحطات تلفزيون تؤدي الغرض نفسه أفضل من وزارة الخارجية.

مع هذا كانت المجلة تجربة مفيدة للأطراف المعنية، حيث تعلمت الوزارة شيئا عن السوق العربية، وأفادت زملاء المهنة الذين قاموا بواجبهم على أكمل وجه، وربحت شركات المطابع والتوزيع وبعض الاكشاك. عدا ذلك فقد كان الإصدار غلطة صغيرة، نستطيع أن نقول إنها إن لم تنفع أحدا، فإنها لم تضر أحدا أيضا. ولا يمكن أن نقارن أغلاط وزارة الخارجية بكوارث أخطاء وزارة الدفاع الأميركية، التي تكلف آلاف الأرواح ومئات المليارات، وترفق ببيان صغير يخلو من أي اعتذار.

وقد تكون المفارقة أن مجلة «هاي» أظهرت محدودية فهم واشنطن للعالم العربي بحركته وأسواقه وأجياله وثقافاته، رغم أن منطقتنا مفتوحة للسياح والدبلوماسيين والباحثين والدراسين منذ عشرات السنين. فالمواطن العربي، من الأصولي المتطرف إلى اليساري الأحمر، مليء في عقله بالثقافة الأميركية حتى النخاع من أفلام وأخبار وأطعمة. صدام حسين، العدو السابق للولايات المتحدة، كان مشهورا بحبه لتمضية الليالي في مشاهدة الأفلام الأميركية، وأحسب أن هذا حال معظم الزعماء العرب المعادين لها حتى هذا اليوم، لكن أفلام جون وين أو شوارتزنغر، لم تحقق اتصالا عقليا بين الجغرافيا والسياسية والثقافة. فجميعها بقيت معزولة عن بعضها بما يشبه الجدران الصينية.

لذا لا أحسب أن من نصح الخارجية بإصدار «هاي» كان عالما بطبيعا المشكلة، أو حقيقة السوق الثقافية العربية التي عرفت زمن الازدهار لمجلات منوعة مماثلة في نفس الزمن، الذي كانت فيه مجلة «لايف» محل تهافت القراء الأميركيين في الخمسينات.

إذا أين هي المشكلة الثقافية، وما الحل؟

بالفعل التحدي بين العرب والأميركيين ثقافي. هو مصدر معظم الشرور التي نراها اليوم على الجانبين، ولا تستطيع مجلة فنية أو ترفيهية معالجتها أو حتى التأثير فيها، بل لا بد من فهم كل المحيط الثقافي. إن زيارة واحدة للمكتبات العربية ستظهر أن الغالبية من الكتب المترجمة عن الانجليزية، إلى جانب الطبخ والحمية، ذات عناوين متطرفة أو موضوعات مترجمة من لون واحد من كتاب منسوب إلى جد الرئيس الحالي بوش، يهاجم فيه الإسلام، إلى المؤامرة العالمية على العرب والمسلمين. ومعظم الدروس الصحفية والمقالات المترجمة المنتقولة انتقائيا، إلى المواقع الموجهة للشباب الداعية للجهاد بلا انقطاع. هذه هي السوق الثقافية العربية التي لا يمكن أن تحارب بمجلة عن الأفلام والأغاني والرحلات السياحية.

وليست المشكلة في وجود الفكر المتطرف، بقدر ما هي في غياب وجهات النظر الأخرى والكتب الأخرى والأفكار المناقضة الأخرى، حتى يتسنى للقارئ والمشاهد أن يقرأ كل شيء، ويختار لنفسه ما يراه معقولا ومقنعا. هذا أمر مفقود في سوق الثقافة العربية، مما يجعل الفكر أحاديا وحادا جدا.

alrashed@asharqalawsat.com

و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور.

المصدر:الشرق الأوسط اللندنية-10-6-2006