ندوة إيران والنظام الدولي سيناريوهات المستقبل
مصطفى أبوحلوة
نظم مركز البحوث والدراسات السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية ندوة : 'إيران والنظام الدولي' شارك فيها نخبة متميزة من المفكرين والباحثين والدبلوماسيين والإعلاميين. وقد استهلت الندوة أعمالها بكلمة افتتاحية للدكتورة نادية مصطفى مدير مركز البحوث والدراسات السياسية التى اعتبرت هذه الندوة ومثيلاتها تراكما مهما على مسار الاهتمام البحثى للمركز، حيث تكتسب هذه الندوة أهمية خاصة حيث تطرح لنا عدة إشكاليات، فى مقدمتها : العلاقة بين القوة الإقليمية ومحاولات الهيمنة الأمريكية - الإسرائيلية وتطرح التساؤل أيضا حول : جدلية العلاقة بين الدور الإقليمي وتحدي النظام الدولي وكذلك إشكالية العلاقة بين القوة الصلبة والقوة الناعمة ومدى إمكانية تكرار التدخل الخارجي فى النظام الإقليمي، إذ لم يعد هناك فاصل بين النظام العربي والنظام الإقليمي. وقد طرحت الدكتورة نادية مصطفى العديد من التساؤلات، منها : ماهى حقيقة معركة القدرة النووية الإيرانية، وما هى آثار التحدي الإيراني؟ ومستقبل النظام الإقليمي العربي؟ ومستقبل الاستراتيجية الأمريكية فى المنطقة؟ وكيفية تصور مصر لهذه التحديات؟ وقد دارت أعمال الندوة فى محاولات جادة للإجابة على هذه التساؤلات. وأشادت د. منى البرادعى إلى أن هدف الندوة هو إلقاء الضوء على علاقة إيران بالنظام الدولي بما تمثله إيران من نموذج تحد للغرب وما يفرضه من تحديات على النظام الدولي، فنحن أمام فاعل إقليمي مهم يتمسك بحقه فى الحصول على الطاقة السلمية: فما هي حدود حركة الفعل الإقليمية فى مواجهة النظام الدولي؟ تلت ذلك كلمة للدكتور أنور عبدالملك، أستاذ الفلسفة بجامعة عين شمس، الذى تطرق إلى : تاريخية المحاولات العربية والإقليمية للاستحواذ على الطاقة النووية، ومنها مصر والعراق فالأولى أوقفت مشروعها الوطني النووي عقب معاهدة كامب ديفيد ونتيجة لها، فى حين أن الثانية دمرت إسرائيل مفاعلها النووي فى هجوم مفاجئ، فى حين تم غزو العراق من قبل الولايات المتحدة تحت زعم كاذب، مفاده سعى العراق لامتلاك أسلحة الدمار الشامل. واليوم الولايات المتحدة تسعى فى اتجاه إيران، ولكن غدا من يدرى أين تتجه؟ وطرح تساؤلا مهما حول : مدى قدرة الولايات المتحدة على محاربة إيران مجيبا بأن الجيش الأمريكي حاليا فى حالة خيبة أمل، فقد أقحم فى حرب لم تكن حربه، كما أن هناك جدلا صاخبا داخل الجيش حول مدى أهمية هذه الحرب وجدوى استمرار القوات الأمريكية فى العراق، ولكن ليس معنى ذلك أن احتمالات الحرب غير واردة، مختتما كلمته بقوله إن قوة إيران الصاعدة هى قوة للعرب جميعا، وقوة مصر هى قوة لإيران وقوة إيران هى قوة لمصر أيضا. وفى مستهل أعمال الجلسة الأولى، قدمت د. باكينام الشرقاوي ورقتها التى جاءت تحت عنوان : 'الاستراتيجية الإيرانية تجاه الولايات المتحدة وتأثيرات الإطار الداخلي' حيث ظلت الاستراتيجية الإيرانية تجاه الولايات المتحدة محلا لجدل داخلي واسع تباينت مواقف أطرافه فى بعض الجوانب، وتلاقت فى جوانب أخرى كثيرة لكن اتجهت ملامح الاتفاق لتتغلب على ملامح الخلاف، خاصة فيما يخص قضايا السياسة الخارجية، فبالأخص مسألة العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية. ومن هذا المنطلق، تسعى الورقة البحثية إلى الإجابة على مستويين: أولا: يختص بتبيان المعالم العامة الرئيسية للرؤية الإيرانية تجاه الولايات المتحدة: لماذا اتجهت البيئة الداخلية للتوحد فى نظرتها وتعاملها مع الولايات المتحدة؟ وكيف؟ ثانيا: تناول الأهداف والسياسات والأدوات التى يتبناها صانع القرار الإيرانى فى تعامله مع الإدارة الأمريكية فى واشنطن. ويهتم كلا التساؤلين بالإطار الداخلى لصياغة الاستراتيجية الإيرانية، وتتعدد القضايا المثارة بين الولايات المتحدة وإيران، وتأتى على قمتها حاليا قضية البرنامج النووى الإيرانى الذى يعد أهم مصادر الإجماع الداخلى الوطنى، وقد أعلن الرئيس أحمدى نجاد أن بلاده لابد أن تستخدم كل مورد تمتلكه فى معركتها مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى لمتابعة برنامجها للطاقة النووية السلمية. وأضافت د. باكينام الشرقاوي أن الصراع بين إيران والولايات المتحدة خلاف استراتيجي هيكلي، لأن إيران نموذج مختلف للتهديد يجب عدم تكراره فى العالم الإسلامي، وهناك شعور بالاستقواء الداخلي الإيراني ممثلا فى الإرادة السياسية وله رؤية أيديولوجية وهدفه هو التحدي ولكن ليس الرد المتهور، فهناك دقة فى الحسابات وتصعيد محسوب. ومن ناحية الداخل الأمريكي هناك سيطرة لتيار المحافظين الجدد الذى يهدف باتجاه التصعيد ضد إيران. فى مقابل ذلك، هناك سيطرة لتيار المحافظين على الساحة الإيرانية، فهناك درجة عالية من التناغم والتوحد على مستوى القيادة الإيرانية. وهناك توجه استراتيجي رسمى إيراني بانتقاد الأحادية القطبية، باعتبار أن القطب الأمريكي ليست لديه مؤهلات القيادة، لأن الولايات المتحدة لديها معايير مزدوجة وليست لها مصداقية. وتناولت د. باكينام الشرقاوي مسار وأدوات السياسة الإيرانية تجاه الولايات المتحدة، حيث أكدت أن مسار العلاقات بين الدولتين متذبذب، مشيرة إلى حدوث تغيير مرحلى تكتيكي يتمثل فى خطاب إيراني تصعيدي يقابله تصعيد أمريكي. وتفسير التصعيد الإيراني أنه يعطي مزيدا من التوحد فى مواجهة الولايات المتحدة، هذا فضلا عن تداعيات فشل الولايات المتحدة فى أفغانستان والعراق، كما أن الخبرة الإيرانية تؤكد أن التهدئة ليست هى الأسلوب الأجدى للصالح الإيراني، فالهدف أمام إيران هو حماية نفسها، بجعل القرار الأمريكي بضرب إيران أكثر صعوبة، وذلك من خلال أدوات تستخدم فى اتجاه التصعيد المحسوب، منها أدوات ثقافية ممثلة فى حوار الحضارات، هذا فضلا عن قوة مادية صلبة، منها قيام الجيش الإيراني بمناورات بالصواريخ، وتقدم الجيش الإيراني، وتقدم البرنامج النووي، هذا فضلا عن قيادة موحدة تعلوها نبرة تصعيدية وتغير أدواتها بالهجوم من أجل الدفاع. وتشير د. باكينام إلى أن العلاقات بين الطرفين لن تتحرك من الاستعداء للتحالف ولكن المتوقع فتح حوار وقتي مصلحى يتناول قضية معينة وليس حوارا استراتيجيا عميقا. وعقب د. محمد سعيد عبدالمؤمن على هذه الورقة، مؤكدا أنها تشير إلى فهم عميق لطبيعة النظام الإيراني وسياساته إقليميا ودوليا فى ظل غياب الفهم الدقيق للدراسات الإيرانية، فالصورة التى رسمها الإعلام الغربي والصهيوني تؤثر على هذا الفهم، فهذه الصورة تجاهلت حقائق إيران تاريخيا وجغرافيا، فلقد أدارت إيران نصف العالم القديم أكثر من مرة. وأضاف أن الثورة الإيرانية سعت لجعل الدولة تقوم على الدين والدولة فى إطار قيادة وإدارة ثورية تقوم أساسا على الإدارة العادلة وجدارة الشعب ولياقته. واختتمت أعمال هذه الجلسة بتعقيب من السفير محمد رضا شيبانى القائم بالأعمال الإيرانى بالقاهرة، معتبرا التطورات الأخيرة حول الملف النووي الإيراني تنافسا بين منطق الحقوق الذى تمثله إيران ومنطق التسييس الذي تمثله الولايات المتحدة، مؤكدا أن البند الرابع من ميثاق الوكالة الدولية للطاقة الذرية يشير إلى حق الدول الأعضاء فى الحصول على الطاقة الذرية السلمية، مؤكدا أن بلاده على استعداد للتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لكن الأمريكيين غير مطمئنين إلى نيات إيران، فكيف يحاكم الشخص على نيته؟ ولكي يطمئن المجتمع الدولي، فقد عرضت إيران التعاون الكامل مع الوكالة الدولية والدول الأوروبية، وأبدت إيران استعدادا لقبول وجود دائم طوال 24 ساعة لمفتشى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، كما دعت إيران أوروبا للمشاركة فى تخصيب اليوارنيوم، مشاركة علمية ومشاركة أيضا فى النفع الاقتصادى، ولكن الأوروبيين ومن خلفهم الأمريكيون يريدون وقفا كاملا للأنشطة النووية السلمية، وهذا شئ غير منطقي. وأكد السفير الإيراني أن بلاده لا يمكن أن تتراجع بعد أن أصبح الحصول على الطاقة النووية للأغراض السلمية مطلبا وطنيا وشعبيا. فبعد إعلان إيران توفيقها فى تخصيب اليورانيوم، عمت فرحة كبيرة كافة الأوساط الشعبية الإيرانية والمصرية أيضا، مشددا على أن قدرة إيران ستكون قدرة مضافة إلى الدول العربية والإسلامية والعكس صحيح. وفى الجلسة الثانية، قدم د. محمد عبدالسلام ورقته التى جاءت تحت عنوان: 'البرنامج النووى الإيراني بين الاستخدامات السلمية والتوجهات العسكرية'، حيث طرح التساؤل المحوري الذى تدور حوله أزمة البرنامج النووي الإيرانى فى الوقت الحالي، وهو ما إذا كانت القدرات النووية الإيرانية تتسم فقط بملامح مدنية ترتبط بالاستخدامات السلمية للطاقة النووية أم أنها تثير أيضا احتمالات عسكرية تتعلق بإمكانية امتلاك أسلحة نووية فى مرحلة تالية؟ وتتمثل مشكلة مثل هذه الأسئلة فى أنها عندما تطرح بتلك الطريقة المباشرة فإنه لا توجد عادة إجابات محددة مشيرا إلى أن القدرة النووية ترتبط فى الأساس بامتلاك بنية نووية تعمل للأغراض المدنية، مشيرا إلى أن هناك نقطتين مهمتين بهذا الشأن هما: 1- إن القدرات النووية تتعلق بعامل استراتيجي يمارس تأثيراته خارج نطاق كونها سلعة أو يمكن استخدامها وفقا لأنماط لا تقتصر على المنافع العادية ويتجاوز الاهتمام بها حدود النطاق الجغرافي للدولة التى تحوزها. ويتم التعامل معها وفقا لذلك تبعا لمنطق خاص، كما يثار تقليديا بشأن مورد النفط الذي يمكن استخدامه كسلاح للضغط على الأطراف الأخرى، أو محصول القمح الذى تميل الدول إلى التفكير فى الاكتفاء الذاتي منه، حتى لا تستخدم إمداداته فى الضغط عليها. وبالتالي، فإن كل ما يتعلق بالقدرات النووية يثير اهتمامات خارجية، ويتجاوز التعامل معها فكرة 'الحقوق القانونية' أو 'الجوانب الفنية' إلى التوجهات السياسية التى لا يمكن تجنبها فى كل الأحوال. 2- إن القدرة النووية تقع ضمن عناصر القدرة التكنولوجية والاقتصادية للدولة بصفة عامة، لكنها عند حد معين من تطورها يمكن أن تمثل قاعدة لبناء قوة عسكرية نووية خاصة فى ظل وجود ما اصطلح على تسميته 'المواد والمعدات الحساسة' أو المعدات والمواد النووية ذات الاستخدام المزدوج المدني - العسكري، والتكنولوجيا المتصلة بها والتي توجد قوائم تفصيلية لا نهاية لها تحددها وتفرض قيودا على الاتجار فيها. كما توجد تجمعات متعددة الأطراف مثل 'نادى لندن' ولجنة 'واسينار' تضع قواعد للسيطرة على إمداد الدول الأخرى بها، وبالتالي، تتم النظرة للقدرة النووية على أنها أحد العناصر المحتملة للقوة العسكرية ولو على مستوى أنها تتيح للدولة خيارا عسكريا نوويا. ويشير د. محمد عبدالسلام إلى أن المحدد الرئيسي هنا لا يتعلق بمفهوم القدرات النووية بأبعادها المدنية - التكنولوجية المتصلة بالاستخدامات السلمية للطاقة النووية، وإنما بالعلاقة بين امتلاك القدرات النووية وامتلاك الأسلحة النووية، أى الأبعاد الاستراتيجية لحيازة القدرات النووية، وفى هذا الصدد هناك مقولتان رئيسيتان: الأولى: تشير إلى وجود علاقة مباشرة بين انتشار التكنولوجيا النووية للأغراض السلمية وانتشار الأسلحة النووية فى العالم، إذ إن الجانبين يعتمدان تقريبا على نفس المنشآت والتكوينات والمواد، فلا توجد طاقة نووية سلمية وأخرى عسكرية وإنما توجد طاقة نووية واحدة. المقولة الثانية: تؤكد أنه لا توجد علاقة مباشرة بين امتلاك القدرات النووية، وانتشار الأسلحة النووية، فالقدرة على إنتاج السلاح شئ، وإنتاجه شئ آخر، فامتلاك القدرات النووية يمكن أن يعجل من وتيرة إنتاج السلاح، إلا أن العلاقة بينهما ليست أوتوماتيكية، فهناك عوامل وسيطة تحكم العلاقة بين القدرة والإنتاج تمارس تأثيرها على القرارات الخاصة بالاتجاه نحو إنتاج الأسلحة النووية أو الامتناع عن إنتاجها. ووفقا لرؤية د. محمد عبدالسلام، فإنه فى الواقع تبدو المقولة الثانية صحيحة إلى حد كبير. فعلى الرغم من أن امتلاك القدرة النووية يسهل إلى حد ما السير فى طريق إنتاج السلاح النووي، إلا أنه لا يؤدي إليه ولا توجد علاقة مباشرة بين القدرة والقوة. ثم قدم د. محمود عبدالظاهر دراسته حول : 'مسار القيود على البرنامج النووي الإيراني بين الفعل الخارجي ورد الفعل الإيراني' والتى تناولت ثلاثة أجزاء: الأول منها طرح فيها إجابات لمجموعة من التساؤلات تعد اقترابا من الملف النووي الإيراني، منها: هل البرنامج النووي الإيراني غاية قومية، أم مناورة سياسية لتوفير بعض مطالب الأمن القومي ويمكن التراجع عنها ؟ وطرح الإجابة التى جاءت على لسان على لاريجاني أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني الذى أكد بدوره أن السعى للطاقة النووية هو تفويض وطني لا يمكن التبرؤ منه. ثم تساءل عما إذا كانت طهران قد خرقت نظريا اتفاقاتها الدولية، فكانت إجابته قاطعة بأداة النفى البسيطة 'لا' لأن الضمانات الدولية تتيح لأى دولة الحصول على التكنولوجيا النووية، مادامت فى إطار المتابعة من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية أو الشرعية الدولية فى هذا المجال. ومن هنا، يبرز حرص إيران على متابعة إرسال إخطارات للوكالة الدولية بكل الخطوات والإجراءات التى اتخذتها، خاصة فى المنشآت التى فرضت عليها مراقبة ومتابعة من قبل الوكالة الدولية، فضلا عن توقيع إيران فى 21 أكتوبر 2003 على الملحق الإضافي الذي يتيح التفتيش المفاجئ من قبل الوكالة الدولية على هذه المنشآت تلبية لرغبة الترويكا الأوروبية ولتهدئة الحملة التى تشنها الولايات المتحدة ضد طهران. ثم تساءل عما إذا كانت إيران على أعتاب إنتاج سلاح نووي فى حال توافر الإرادة السياسية لهذا الأمر، وجاء الرد بأن طهران ما زال أمامها جهد كبير وعمليات أكبر بكثير قد تستغرق سنوات، وأيضا تحتاج لمعدات أكثر وأكبر مما تم استخدامه حتى الآن، ويؤكد قاطعا أن التقنية التى وصلت إليها طهران تمكنها على المدى المتوسط من الوصول إلى كثير من غاياتها النووية، ولكن الكل يتحسب من نية إيران فى الانسحاب من معاهدة عدم الانتشار النووي مثلما فعلت كوريا الشمالية. وتناول الجزء الثاني من الدراسة القيود الواردة على البرنامج النووي الإيراني، والتى تتمثل فى قيود الشرعية الدولية حتى وصول الملف الإيرانى لمجلس الأمن واستغلال الولايات المتحدة لذلك للإصرار على إصدار قرار من مجلس الأمن ضد طهران، هذا فضلا عن القيود المفروضة من القوى الدولية وعلى رأيها الدول الأعضاء الدائمة فى مجلس الأمن علاوة على ألمانيا، هذا فضلا عن القيود الإقليمية ممثلة فى دول الخليج وإسرائيل والهند وباكستان، إلى جانب القيود الداخلية، ومدى الإجماع على البرنامج النووى، وأخيرا القيود الاقتصادية والتكنولوجية والفنية والعلمية الخارجية. وفى الجزء الثالث، استعرض د. محمود عبدالظاهر : الواقع الحالى الذى تمت إحالة الملف النووي الإيراني فيه إلى مجلس الأمن واستعرض الخيارات المتاحة والسيناريوهات المستقبلية للأزمة. وفى الجلسة الثالثة، طرحت د. أمل حمادة ورقتها التى جاءت تحت عنوان 'الدور الإيراني وخريطة التحالفات الإقليمية وعبر الإقليمية' حيث أشارت بداية إلى أنه لكي نفهم الدور الإيراني فى هذه التحالفات، فلا بد من التعرض إلى ثلاث نقاط أساسية. أولا: حدود الدور الإيراني أو بمعنى أدق محددات السياسة الخارجية الإيرانية التى تتمثل فى أربعة محددات: 1- الجغرافيا السياسية: حيث أحدثت الجغرافيا السياسية تأثيرين متعارضين، الأول يتعلق بالخوف من النفوذ الخارجي وهو الذي جعلها مطمعا من القوى الكبرى، وبخاصة الجار الروسي، والثاني ناتج عن قدرة إيران على التغلب على محاولات الاختراق الخارجية، وهذه القدرة أورثت الإيرانيين شعورا زائفا بالأهمية المبالغ فيها، وهذه المقومات التاريخية والجغرافيا جعلت إيران ترى أنها مؤهلة للعب دور على مستوى الخليج والشرق الأوسط، وأضافت إليه الثورة الإيرانية بعدا أيديولوجيا فأصبح التزامها بالقضايا الإسلامية أحد مصادر شرعيتها الداخلية وأساس دورها الخارجي. 2- التركيب الإثنى للدولة، حيث تشترك إيران مع جاراتها فى تعدد القوميات المكونة للدولة، فى مقدمتها القومية الفارسية والعرب والبلوشن والتركمان والأكراد، وعلى المستوى المذهبي هناك أغلبية شيعية بالإضافة للسنة والمسيحيين وبعض اليهود، وقد واجهت إيران رغم إرثها الإمبراطوري المركزي مشكلات مع الأقليات الإثنية، مما هدد فى أحيانا كثيرة الوحدة الإقليمية الإيرانية مثل محاولات الأكراد الانفصالية. وإلى جانب تواجد هذه الأقليات فى مناطق الأطراف الأفقر معيشيا وتصورهم بأن الحكومة تمارس تمييزا ضدهم، فإن هذه الأقليات تتميز بكونها قوميات عابرة للحدود، وهو الأمر الذى يزيد من تعقد عملية صنع السياسة الخارجية نظرا لتشابك العلاقات وحساسيتها. 3- النخبة الإيرانية: حيث تتسم النخبة الإيرانية الحالية بدرجة كبيرة من التوافق العام على مستوى السياسات والمواقف المعلنة وعلى مستوى التوجهات والقناعات وإدراكات صانعي ومنفذي السياسية الخارجية الإيرانية بعد سيطرة التيار المحافظ على السلطتين التشريعية والتنفيذية، وهو الأمر الذى افتقدته السياسة الإيرانية طيلة التسعينيات، حيث تقاسم التياران الإصلاحي والمحافظ مقاليد السلطة، حيث كان هناك نوع من ازدواجية الخطاب السياسي عكست ازدواجية مقابلة فى مؤسسات صنع القرار السياسى الإيراني فى المجال الخارجي، وهذه الازدواجية سوف تفتقدها الدبلوماسية الإيرانية حاليا فى ظل التنسيق بين مختلف القوى فى داخل إيران. 4- المؤسسات ذات الصلة بصنع وتنفيذ السياسة الخارجة: وقد حددها الدستور فى المرشد ويتبعه مجمع تشخيص مصلحة النظام ومجلس الخبراء، بالإضافة لممثلي المرشد فى السفارات الإيرانية بالخارج ومجلس الشورى الإسلامى، ويوازيه مجلس صيانة الدستور والسلطة التنفيذية، وعلى رأسها رئيس الجمهورية ووزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي والعديد من المؤسسات شبه الرسمية، ويلاحظ أن هذه المؤسسات ارتبطت بتنوع القضية محور التحرك الخارجي، فالحرب العراقية - الإيرانية كانت مسئولية المرشد، والعلاقات مع الدول مسئولية وزارة الخارجية والملف النووى حاليا يتبع مجلس الأمن القومي. ثانيا: أجندة السياسة الخارجية الإيرانية: والتى تتضمن العديد من الأهداف، فى مقدمتها: الحفاظ على الذات، والحفاظ على النفوذ، ومحاولة كسر العزلة الدولية المفروضة على إيران منذ الثورة، وقد أدارت الدولة الإيرانية سياستها الخارجية من خلال عدد من الملفات والقضايا، منها الملف النووي الإيراني، والموقف من الصراع العربي - الإسرائيلي، وقضية العراق. وأخيرا، تناولت الورقة خريطة التحالفات الموجودة فى المنطقة العربية، خاصة التحالفات التى تشكلت ما بعد الاحتلال الأمريكي للعراق. وهناك مجموعتان من التحالفات: الأولى: تلك التحالفات التى تكون إيران طرفا مباشرا فيها مثل: التحالف الإيراني - السوري، والإيراني - اللبناني، والإيراني - الفلسطيني، والخليجي - الإيراني. والثانية: التحالفات التى لا تشترك فيها إيران، إما لامتيازات أيديولوجية أو غير ذلك كالتحالف الأمريكي - الإسرائيلي، والتحالفات اللبنانية - العربية، والتحالفات التى تكون مصر طرفا فيها، سواء مع أطراف عربية أو إقليمية. ثم اختتمت أعمال الندوة بحلقة نقاشية على خلفية الورقة المقدمة من الدكتور مصطفى اللباد بعنوان 'إيران والنظام الدولي .. سيناريوهات المستقبل'. القاهرة: (27 أبريل 2006) وكل ذلك نصاً ودون تعليق بحسب الكاتب في المصدر . المصدر : http://www.siyassa.org.eg
|