موسـوعة أبناء نبي الإسـلام في سامراء خلال 12 قرناً

 

 

بيوت الله ؟ ! :

قال تعالى في القرآن الكريم :

( في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال ، رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار )

سورة النور - الأية : 36 - 37 .

أولاً : ما هو المراد بالبيوت ؟

في القرآن الكريم المراد من لفظ البيوت ، ولفظ المساجد ليس واحداً ، ولذلك يجب أن لانخلط بين اللفظين ، ففي القرآن الكريم مثلاً ورد لفظ البيت الحرام مرتان : مرة في سورة المائدة الأية ( 2 ) ، وثانية في السورة ذاتها في الأية ( 97 ) :( جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس والشهر الحرام والهدي والقلائد ذلك لتعلموا أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض وأن الله بكل شيء عليم ) .

أما لفظ المسجد الحرام فورد ( 12 ) مرة  في القرأن الكريم منها قوله تعالى : ( ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جـزاء الكافــرين ) ( سورة البقرة - الأية : 191 ) فاللهُ تعالى قد شرفَ البيتَ الحرام ، وأضافه إلى نفسه ، واصطفاه لقدسه ، وجعله قياما للعباد ، ومقصدا يؤم من جميع البلاد ، وجعل ما حوله حرماً،  وجعل الحرم آمنا وجعل فيه ميدانا ومجالا ، ولذلك وبعد عمليات التوسعة العديدة للمسجد الحرام أصبح البحث الفقهي حول حدود ، ومساحة المسجد الحرام ضرورياً ، لأن للحرم أحكام شرعية خاصة به .

وفي اللغة : البيت ، والمنزل ، والمأوى نظائر .

النتيجة رقم ( 1 ) : إذنْ في قوله تعالى : ( في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال ) ليس المراد من لفظ " البيوت " الوارد في هذه الآية " المساجد " .

ماهـو المراد من البيوت في الأية المباركة في إطار النتيجة أعلاه ؟

الرسول الأكرم صلى الله عليه وأله وسلم سـُئـِل عن المصداق ، والمصداق الأكبر لقوله تعالى :

( في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه ويسبح له فيها بالغدو والآصال ) ، كما في المصادر الأتية ، وعلى سبيل المثال :

1- في تفسير الثعلبي - للثعلبي المتوفى عام (427 ) هـ - ج 7 - ص 107: بسنده عن أنس بن مالك وعن بريدة قالا :

قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية :

( في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه ) إلى قوله : ( والأبصار ) ، فقام رجل فقال :

أي بيوت هذه يا رسول الله ؟

قال : ( بيوت الأنبياء ) .

فقام إليه أبو بكر ، وأشار لبيت علي وفاطمة ، فقال :

يا رسول الله هذا البيت منها ؟

 قال ( صلى الله عليه وأله وسلم  ) :

نعم من أفاضلها ، وكذلك في :

2- كتاب شواهد التنزيل - للحاكم الحسكاني المتوفى في القرن الخامس الهجري - ج 1 - ص 534 بسنده عن أنس بن مالك ، وعن بريدة .

3- في الدر المنثور - لجلال الدين السيوطي المتوفى ( 911 ) هـ - ج 5 - ص 50 :

أ- الرواية أعلاه : عن ابن مردويه عن أنس بن مالك وبريدة ، وأخرج ابن مردويه عن أنس بن مالك وبريدة .

ب- وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في : بيوت أذن الله أن ترفع قال :

هي بيوت النبي .

وأيضاً في :

4- تفسير الآلوسي - للآلوسي المتوفى (1270 ) هـ - ج 18 - ص 174- 175 .

فالبيوت في هذه الآية يراد منها بيوت الأنبياء ، وخاصة بيت الرسول الأكرم محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وذريته الطاهرة .

النتيجة ( 2 ) : إذنْ في قوله تعالى : ( في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال ) المراد من لفظ البيوت هو بيوت الأنبياء ، وخاصة بيت الرسول الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام .

سـؤال يفرض نفسـه : في الروايات المتقدمة ( التي استدل بها لما تقدمَ ) السائلُ أشارَ الى بيت علي وفاطمة فقط عليهما السلام فلماذا تعميم ذلك على أهل بيته ؟

الجواب :

أولاً : لقوله صلى الله عليه وآله وسلم : وهي من أفاضلها .

ثانياً : لأية التطهير المباركة ، ومجموعة من الروايات المتواترة المتفق عليها بين الفريقين مثل حديث الكساء اليماني ، حديث الثقلين ، وغيرها .

والآن - بعد أن اتضح المراد من " البيوت " - لا بد من توضيح المراد من " ترفيع البيوت " . هناك احتمالان في هذا المجال :

1- الترفيع : بمعنى بناء البيوت وتشييدها ، كما جاء بهذا المعنى في قوله تعالى : ( وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ) النور - الأية : 36 - 37 .

2- الترفيع : بمعنى احترام تلك البيوت وحراستها ، والمحافظة عليها . فعلى المعنى الأول ، حيث إن بيوت الأنبياء قد بنيت قبل ذلك ، لهذا لا يمكن أن يكون المراد من الترفيع في الآية الحاضرة هو إيجاد البيوت ، بل المراد هو حفظها من الانهدام والزوال وبناء على المعنى الثاني ، يكون المراد من حفظ تلك البيوت هو - مضافا إلى صيانتها من الخراب والانهدام - حفظها من أي نوع من أنواع التلوث المنافي لقداستها وحرمتها . وعلى هذا الأساس يجب على المسلمين السعي في تكريم ، وحراسة البيوت المرتبطة بالرسول الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وعليهم أن يعتبروا هذا العمل أمرا مقربا إلى الله سبحانه ثم إنه يستفاد من الآية التي تدور حول أصحاب الكهف أنه عندما اكتشف موضع اختفائهم ، اختلف الناس في كيفية تكريمهم فصاروا فريقين :

 فريق قالوا : يجب البناء على قبرهم بغية تكريمهم .

وفريق آخر قالوا : يجب بناء مسجد على مرقدهم ، وقد أخبر القرآن الكريم بكلا الاقتراحين ، وكلا الرأيين ، ولو كان هذا العمل ، أو ذلك مخالفا لأصول الإسلام لأخبر بهما بنحو آخر ، ولتناولهما بالنقد . ولكنه رواهما من دون نقد ، إذ قال : ( إذ يتنازعون بينهم أمرهم فقالوا ابنوا عليهم بنيانا ربهم أعلم بهم قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا ) سورة الكهف – الأية : 21

إن هاتين الآيتين ( مع ملاحظة سيرة المسلمين المستمرة من عصر رسول الإسلام إلى هذا اليوم والمستقرة على حفظ هذه الآثار ، والمحافظة على البيوت المرتبطة برسول الله وأهل بيته المطهرين وحراستها ) دليل واضح وبرهان قاطع على كون هذا الموقف موقفا إسلاميا ، وأصلا شرعيا . ولهذا تقوم مسألة تعمير مراقد الأنبياء - وبصورة خاصة مراقد رسول الله وعترته الطاهرة صلوات الله عليهم - وبناء المساجد عليها ، أو إلى جانبها ، على أساس هذا الأصل الإسلامي .

زيارة قبور المؤمنين :

تعتبر زيارة قبور المؤمنين ، وبخاصة قبور الأقرباء والأبناء منهم ، من الأصول الإسلامية التي تنطوي على آثار تربوية في نفس زائريها ، وذلك لأن مشاهدة تلك الديار الصامتة التي يرقد فيها أناس كانوا قبل ذلك يعيشون في الدنيا ، ويقومون بمختلف النشاطات ، ولكنهم أصبحوا بعد حين أجداثا خامدة ، وجثثا هامدة ، جديرة بأن تهز الضمير ، وتوقظ القلوب ، وتنبه الغافلين ، وتكون درس عبرة لا ينسى .

فإن من يشاهد هذا المنظر سيحدث نفسه قائلا : وما قيمة هذه الحياة الدنيا التي سرعان ما تنتهي ، وتكون مآلها موت الإنسان ورقوده تحت التراب . هل يستحق العيش في مثل هذه الدنيا الفانية أن يقوم فيها الإنسان من أجله بأعمال ظالمة ، وممارسات فاسدة ؟

إن هذا التساؤل الذي يواجهه ضمير الإنسان المفكر في مصير البشر ، سيدفع به إلى إعادة النظر في سلوكه وممارساته ، وسيؤدي ذلك إلى حصول تحول كبير في روحه ونفسه . وقد أشار رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إلى هذا الأثر الهام ، إذ قال في حديث شريف : " زوروا القبور فإنها تذكركم بالآخرة ".

كما في : شرح صحيح مسلم - النووي - ج - 7 - 45

ثم إنه مضافا إلى هذا تعتبر زيارة مراقد أئمة الدين وقادته نوعا من الترويج للقيم الدينية ، والمعنوية ، كما أن اعتناء الناس بمراقد أولئك الشخصيات سيقوي لديهم الفكرة التالية ، وهي أن الحالة المعنوية التي كانت تلك الشخصيات تتمتع بها هي التي جذبت قلوب الناس إليهم ، وهي التي رفعتهم إلى تلك المنزلة العظيمة التي حازوا بها احترام الناس وتكريمهم لهم ، إذ رب رجال من أصحاب السلطان والقوة يرقدون تحت التراب دون أن يحظوا بمثل هذه العناية والاحترام من قبل الناس .

كما في كتاب :العقيدة الإسلامية - جعفر السبحاني ص 305 :

....................................................

المصـادر :

1- القرأن الكريم .

2- تفسير الثعلبي - للثعلبي المتوفى عام (427 ) هـ

3- كتاب شواهد التنزيل - للحاكم الحسكاني المتوفى في القرن الخامس الهجري

4-  الدر المنثور - لجلال الدين السيوطي المتوفى ( 911 ) هـ

5- تفسير الآلوسي - للآلوسي المتوفى (1270 ) هـ شرح صحيح مسلم – النووي

6- العقيدة الإسلامية - جعفر السبحاني .