قمة العشرين بداية وكلفة الأزمة ألف إلى ألفي بليون دولار

كينيث روغوف

 

 

لعل النتيجة البارزة التي تمخضت عنها قمة العشرين بواشنطن هي اجتماع المسؤولين السياسيين ولقاؤهم. وكانت مجموعة العشرين البديل غير المجدي لمجموعة السبع، جراء ثقلها وكثرة عدد المشاركين. وكثرة السبع كانت غير راغبة في النزول عن جزء من سلطتها ونفوذها للبلدان الناشئة. والى هذا، تغيب الرئيس المنتخب أوباما، وبقي بمنأى من الاجتماع.

فقلصت العوامل هذه مجتمعة دور القمة، في حين بوش على وشك ترك منصبه. ووسع الأوروبيين، من وجه آخر، إدراج موضوعات كانت، الى اليوم، محظورة، مثل الفراديس الضريبية وصناديق التحوط والنظام المالي العالمي فحسناً فعل ساركوزي بدعوته الى انعقاد هذه القمة وموقعه مؤاتٍ: فهو قريب العهد بالسلطة ولا تبعة عليه عن الأزمة، على خلاف براون وبوش. وتتيح له حاله هذه، شأن أوباما، النظر الى المسألة من غير حجب، ونقد السياسات المنتهجة التي آلت الى الأزمة وليس في البيان الصادر عن القمة أثر للمقترحات الصارمة التي أعرب عنها ساركوزي، إلا أن الآراء تفتح الباب للمناقشة والمداولة ولكن المقارنة مع «بريتون وودز» لا تصح لا من قريب ولا من بعيد. فـ «بريتون وودز» اقتضت أعواماً من الإعداد. والقمة الأخيرة اقتصرت على مناقشة بعض الأفكار العامة. وهذا الصنف من الاجتماعات لا يخلف قرارات مجدية وفاعلة إلا إذا مهد له إعداد طويل ودقيق. فالاتفاقات المفصلة هي ثمرة عمل أهل الاختصاص والخبرة والى اليوم، لم تضع الأزمة أوزارها، وينبغي توقع أسوأ فصولها، فثمة حاجة الى موجة ثانية من الرسملة قبل إنجاز نصف الموجة الأولى. ويصح هذا في أوروبا كذلك. فنحن نهب لانكماش خطير. والى الخسائر الناجمة عن القطاع العقاري الخاص، لن تتأخر خسائر القطاع العقاري التجاري، وخسائر تسليف الاستهلاك، وغيرها. والمصارف لم تحتسب تسديد هذه الخسائر.

وعلى هذا، فالمصارف الكبيرة نفسها، مثل سيتي بنك وجي بي مورغان ودويتشه بنك، تحتاج الى رسملة جديدة وشيكة. والأرجح ألا يجر هذا إفلاسات مصرفية جديدة. والحكومة تركت «ليمان براذرز» ينهار لأن حجم التغذية بالسيولة المطلوب بلغ مبلغاً لا يحتمل فكان متعذراً على الحكومة تسويغ المرحلة اللاحقة، وفي الوسع اليوم تغذية كل من يحتاج الى تغذية ويأخذ عدد من المراقبين على هنري بولسون، وزير الخزانة الأميركي تعثره وترنحه، والسبب في هذا هو ضعف سلطة بوش السياسية، وهي سند خطة بولسون الأول والمفقود. فكان عليه حمل الرئيس على شرح الحال من غير مواربة، والتصريح بالثمن المترتب على الأخطاء المتراكمة. وخطة بوسلون الجديدة، وهي تقضي بمساعدة المصارف وهيئات تسليف الاستهلاك عوض شراء الأصول الهالكة، ليست بخطة ولعل مشكلة إدارة بوش الأولى هي قصورها عن تصور خطورة الحال. ففي أيلول (سبتمبر) قدرت ثمن التعويم المتوقع بـ1000 الى 2000 بليون دولار.

وتقصّر إدارة بوش عن التفكير بما يفوق 100 أو 200 بليون فهذا يعظم عليهم، ويشلهم شأن الظبي إذا سلطت عليه سيارة نور مصابيحها وأتوقع أن يبادر الرئيس الجديد الى إجراءات جذرية. فهو لا يتحمل مسؤولية عن الأزمة وتظهر المقارنة بأزمة 1929 أن روزفلت، وهو انتخب في 1932، اضطلع بدور راجح في انتشال معنويات الأميركيين يفوق دوره في حل المشكلات وأظن أن هذا ما قد يحصل مع أوباما فالأزمة لن تنفك حادة، ثم تتحسن الحال بعض الشيء والأرجح أن ينجز الرئيس المنتخب عملاً ممتازاً بجمعه البلد، وبث التفاؤل في النفوس والخلاصة أن الحال خطيرة ولا حل معجزاً أو عجائبياً وأتوقع ألا يستأنف الاقتصاد الأميركي نمواً إيجابياً إلا في 2010، وربما في أواخر 2009 فلا تعود مستويات النمو الى ما كانت عليه قبل الأزمة إلا في أعقاب خمس سنوات.

*(كبير اقتصاديي صندوق النقد الدولي سابقاً وأستاذ الاقتصاد بهارفرد)، عن موقع «بروجيكت سانديكيت» الدولي

وكل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصاً ودون تعليق .

المصدر :daralhayat.com