مؤتمر في واشنطن يبحث في هوية المسلمين

-1-

 

 

لا تقتصر الهوية الإسلامية على الطريقة العادية التي يحيا بها الناس، لكنها تمتد لتشمل الطريقة التي ينظرون بها إلى جيرانهم، وحكوماتهم، والمسلمين الذين يعيشون خارج أوطانهم، والعالم غير الإسلامي. وبينما نشأت مفاهيم التضامن الإسلامي المتخطية للحدود القومية منذ قرون، عجلت حركة الهجرة الثابتة للبشر والأفكار، التي جاءت إلى حد ما كنتيجة لثورة المعلومات وتوافر وسائل الإعلام الإلكترونية، مما ساعد وسهل من ارتباط المسلمين يبعضهم البعض في جميع أركان العالم.

في محاولة لفهم أشكال الهوية الإسلامية بطريقة أفضل، وكيف تلعب الشبكات غير الراديكالية والهويات دورا في تشكيل وجهات نظر المسلمين حول العالم عقد برامج الشرق الأوسط ووجنوب آسيا التابعة لمعهد الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن   www.csis.org   مؤتمرا في 30 مايو 2007،  استضاف مجموعة من الأساتذة الذين يمثلون عدد عريض من التيارات الفكرية المختلفة، من أصحاب الخبرات العالمية الواسعة.

نقاط رئيسية

خلص المؤتمر إلى النقاط الآتية:

- يمثل الدين احد أركان الهوية الرئيسية لغالبية البشر ومنهم المسلمين، وليس بالضرورة أن يتغلب الدين على المصادر الأخرى المشكلة للهوية كالعرق أو القومية. إلا أن الطبيعة الدينية الخاصة التي ترتبط بالعقائد والإله يسرت له إدعاء خاص بالسلطة.

فبعض الشعائر الإسلامية، كالحج الذي يجمع المسلمين من جميع أنحاء العالم، تساعد على التأكيد على الهويات الإسلامية المشتركة، كذلك تفعل الأنشطة الممولة بسخاء للترويج للفهم المحافظ للدين الإسلامي في مختلف دول العالم.

- حتى عندما تركز الشبكات الإسلامية على قضايا محلية، فإنها في أغلب الأحيان تستخدم قضايا دولية، كالقضية الفلسطينية للتركيز على مسألة النظام الدولي. وفي بعض الأحيان تستخدم الأحزاب السياسية القضايا الدولية أيضا مثل معارضة الحرب على العراق، من أجل الحصول على مكاسب سياسية محلية.

- تتشارك العديد من الجماعات الإسلامية في نفس الفهم لبعض الروايات التاريخية التي تؤكد على الشعور بالمعاناة من الظلم. في حين تنظر روايات أخرى إلى العنف وأسلوب العقاب نظرة شرعية، وترى أن التطهر الأخلاقي ضرورة لتقوية المجتمع، كما تعتبر الغرب منافقا في علاقاته مع الدول والمجتمعات الإسلامية.

- وبالرغم من أن العديد من الشبكات الإسلامية غالبا ما تدخل تحت عباءة التقاليد، فإنها تعد من ضمن أكثر المنظمات حداثة في العالم، مستخدمة الأساليب التقنية الحديثة في الاتصالات، والتجنيد، وتوزيع المعلومات، فهم جماعات ديناميكية، ونفعية بدرجة كبيرة.

- يعني الظهور المتزايد لهوية المسلمين الدينية تعاطف قطاع عريض من المسلمين مع الأفكار التي تتناغم مع تلك الهوية قد يكون أكبر بكثير من الأفكار التي قد تبدو أجنبية أو مفروضة عليهم.

فعلى سبيل المثال يشمل الدين الإسلامي مفهوما متطورا جدا حول "العدالة" التي يمكن أن تدخل ضمن نطاق العلمانية الدينية أيضا، في حين أنه ينظر إلى "الديمقراطية" في معظم الأحيان على أنها أحد الواردات العلمانية الأجنبية.

فهم الهوية الإسلامية العابرة للقارات

على مدار السنوات الخمس الماضية تم تخصيص قدر هائل من الاهتمام والموارد لفهم الحركات الإسلامية الراديكالية المتخطية لحدود القومية. ومع ذلك لم يتم التركيز بالقدر الكافي على فهم الروابط الناشئة بين عموم المسلمين، الذين يمثلون أغلبية مسلمي العالم البالغ عددهم 1.3 مليار مسلم. وبعيدا عن حدود الراديكالية والعنف، يزداد الشعور الناشيء بالهوية والتضامن، ويشكل الطريقة التي ينظر بها المسلمون إلى وضعهم في العالم. وتكشف النظرة العالمية للمجتمع الإسلامي الناشئ عن نفسها في الشرق الأوسط، وكذلك في مدن الولايات المتحدة، والمناطق الفقيرة بغرب أفريقيا، ودول جنوب شرق آسيا.

لا تتخذ الهويات الإسلامية المتخطية للحدود القومية شكلا واحدا، ولا تحمل نفس المضامين. فبالنسبة للبعض يعد الترابط أحد أهم عناصر الإيمان الرئيسية، أما بالنسبة للبعض الآخر فهناك إرتباط سياسي واضح، يؤثر على معتقدات البعض الخاصة بطريقة الحكم في بلادهم، ونظرتهم إلى الحكومات الأخرى.

ففي بعض الدول تتشابك الهوية الإسلامية بطرق معقدة مع الهوية القومية. ففي باكستان على سبيل الخصوص تدعم كلا الهويتين الأخرى، وتميل إلى زيادة كراهية الهند، وفي بعض الأحيان الولايات المتحدة، خاصة على المستوى الشعبي. وفي معظم المجتمعات الإسلامية غالبا ما ينظر إلى دعم القضية الفلسطينية على أنه إحدى المسلمات، وأنها قضية المجتمع الإسلامي ككل، وأن العداء لأمريكا هو المرحلة التابعة.

كذلك إقترنت قضية الرسوم الكاريكاتورية الدنمركية، والجدل الذي أثر حول خطاب الحبر الأعظم بابا الفاتيكان، بتعبئة واضحة جدا للشعور الإسلامي المتخطي للحدود القومية.

بحث مؤتمر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية إستطلاعات للرأي العام أظهرت أن الإسلام هو أحد الأطر المهيمنة لمرجعية المسلمين في جميع أنحاء العالم. فقد ناقشت إليزابيث ميولر جروس إستطلاع مركز بيو الأخير الذي أجري بين المسلمين الأمريكيين، والذي وجد أن أغلبهم فخور كونهم أمريكيين، وأن معظمهم من الطبقة المتوسطة.

كذلك ذكرت داليا مجاهد، الباحثة بعهد جالوب للدراسات الإسلامية أن استطلاع المعهد يوضح أن الإسلام يتمتع بمقدرة فريدة على استقطاب أتباعة على الصعيدين المحلي والعالمي، لكن على الصعيد المحلي غالبا ما تكون الشبكات الإسلامية هي الأنشط.

هناك إجماع على أنه لا يوجد موقف واحد تجاه الهوية الإسلامية، وأنها تتشكل حسب العوامل الاجتماعية، والسياسية، والمحلية. فدرجة انفتاح الأنظمة السياسية، ودور الأحزاب السياسية الإسلامية تساعد على تشكيل الهوية الإسلامية.

فمثلا على الصعيد الدولي، غالبا ما تستخدم الأحزاب الإسلامية قضايا عالمية كالصراع الفلسطيني الإسرائيلي لإظهار طبيعة النظام الدولي. وما زالت القضايا المحلية، كما يحدث في الولايات المتحدة، تلعب دورا رئيسيا في معظم الأحيان في تحديد شكل ونتائج السجال السياسي.

وفي هذا المجال، استشهدت نعيمة طالب بنموذج التفاعل بين القضايا الإسلامية المحلية والدولية الذي تستخدمه الأحزاب الدينية في جنوب شرق آسيا لاستهداف أنصارها.

فعلى سبيل المثال استغل حزب ماليزيا الإسلامي، وهو الحزب الذي يمثل المحافظين أصحاب الهوية الإسلامية، الحرب على العراق لاستغلال الشعور المحلي المعادي لأمريكا.

وخلال حرب أفغانستان شجع أيضا شباب المسلمين على المشاركة في الجهاد ضد السوفيت. وأوضحت طالب أن العديد من هذه الأحزاب تستجيب للناخبين، وأن الظروف الداخلية والسياسيات هي التي تحدد القضايا التي تسلط هذه الأحزاب تسليط الضوء عليها.

وعلى صعيد آخر حدد مصطفى كمال باشا أربعة محاور مشتركة تربط بين المسلمين في جميع أنحاء العالم:

- أولها الظلم التاريخي التي تنظر إلى المسلمين على أنهم ضحايا الهجمات الغربية، والذل الذي عانوه خلال بعض الأحداث مثل الحملات الصليبية، والاستعمار، والصراع العربي الإسرائيلي.

- المحور الثاني هو العنف، الذي يشمل العنف ضد المدنيين، والذي ينظر إليه على أنه وحدة أخلاقية في حرب غير متكافئة يشنها الغرب على الإسلام.

- المحور الثالث هي أن التطهر الأخلاقي أصبحت نقطة تجمع بالنسبة للعديد من الحركات بما فيها السلفية، وحتى القوى الأكثر إعتدالا تدين النفوذ الغربي وتعتبره تلوثا ثقافيا.

- لمحور الرابع والأخير هو الرغبة في إظهار النفاق الغربي يقود الراديكاليين للسعي إلى حث الغرب على تغيير هويته الليبرالية من خلال حرب لانهائية. دفع مصطفى كمال باشا بأن هذه الرغبة لاستثارة إستجابة رجعية هي إستراتيجية الحركات المنبثقة عن فكر القاعدة في جميع أنحاء العالم.

وتثير هذه النقاط الأربع ثلاثة أمور رئيسية، أولها رؤية المسلمين لعدم إحترام الغرب للإسلام، والتي تجسدت في الرسوم الكاريكاتورية الدينماركية. ثانيا، الشعور المشترك بالظلم المستمر، وان الأخطاء السابقة لم تعلل أبدا.

ثالثا، أن عدم شرعية وفاعلية الدولة الحديثة في شتى أنحاء العالم الإسلامي قد تغلفت بالعدول عن التطور كهدف (الظاهر في صورة الصناعة)، وإحلال السعي وراء الحداثة محله، (الظاهر في صورة التجارة).

من ناحية أخرى شجعت التوترات المشتعلة بين الدولة الحديثة، والأشكال التقليدية للهوية على الصراع من أجل السلطة داخل المجتمع الإسلامي ذاته.

حيث يتبارى حاليا عدد من اللاعبين البارزين والمراكز من أجل إحتكار الشرعية الإسلامية واستقطاب الأتباع، والتي تتراوح ما بين المراكز الثيوقراطية التقليدية، والأنماط الحديثة المرتبطة بالتدريب وتلقي المعلومات عبر الإنترنت.

وفي هذا الإطار يقال إنه لم يتلقى أحد من خاطفي طائرات 11 سبتمبر تدريبا في أحد المعاهد  فرجال الدين التابعين للحكومة يمثلون إختلاط العلمانية بالروحانية في كل من الدول ذات الأغلبية والأقلية المسلمة. (وقد أشار مقتدار خان إلى أن عدد الأئمة المدعومين من قبل الحكومة في بلجيكا لكل فرد يفوق أي مكان أخر في العالم).

كذلك استشهدت مها عزام بالأهمية المتزايدة للسلطات الدينية المستقلة، مثل الشيخ يوسف القرضاوي، كنماذج على هؤلاء الذين ظهروا للحصول على مكانة ما في المجتمع الإسلامي.

إلى جانب بعض الأصوات أخرى مثل عمر خالد، وطارق رمضان التي دخلت هذا المجال المزدحم، وحققت نجاحا ملموسا بالمزج بين الأساليب الإعلامية الحديثة، والحديث عن حياة إسلامية جيدة.

وتسأل كل من بيتر ماندافيل، وروبرت ساتلوف إذا ما كان نفوذ الدولة المتراجع في العالم الإسلامي يصل إلى نفس الدرجة من السوء التي توقعها البعض.

و كل ذلك بحسب المصدر المذكور نصا و دون تعليق.

المصدر:تقرير واشنطن-العدد123