تفعيل العلاقة بين الولايات المتحدة والمسلمين

-2-

 

 

في محاولة لفهم أشكال الهوية الإسلامية بطريقة أفضل، وكيف يمكن تفعيل العلاقات بين الشبكات الإسلامية غير الراديكالية والولايات المتحدة، عقدت برامج الشرق الأوسط وجنوب آسيا التابعة لمعهد الدراسات الإستراتيجية والدولية بواشنطن   www.csis.org   مؤتمرا في 30 مايو 2007،  استضاف مجموعة من الأساتذة الذين يمثلون عدد عريض من التيارات الفكرية المختلفة، من أصحاب الخبرات العالمية الواسعة

التداعيات السياسية للتفاعل

1 نحو تغير المفاهيم الإقليمية

فشلت السياسيات العلمانية في العالم الإسلامي في نقل التطور والفرص الاقتصادية لمعظم مسلمي العالم. فبعد الشعور بالتفاؤل الذي ساد بعد انتهاء الفترة الاستعمارية، لم ينتاب عدد كبير من الشباب الشعور بالعوز والظلم فحسب، بل بانعدام الجذور الثقافية أيضا.

فالليبراليون العلمانيون، الذين ينظر إليهم في تلك الدول على أنهم وارثي التركة الغربية، يهمشون بصورة متزايدة في الجدل الداخلي لعدم قدرتهم على التخلي عن النظام الشمولي في مجتمعاتهم، أو صنع نظرة إيجابية قابلة للتطبيق لمجتمعاتهم التي تتمتع بجاذبية شديدة.

ظهر الإسلام كأقوى بديل للنظام الحالي موفرا الشعور بالأصالة، والمعارضة الشاملة للوضع الراهن وأصبحت  الولايات المتحدة تستخدم كنموذج للوضع الراهن غير المقبول، المتمثل في المصالح القومية الضعيفة، والمساعدة على استباحة الحكم الاستبدادي وتأمينه.

كذلك صار الخطاب الديمقراطي (كحوار الطرشان)، ينظر إليه على أنه جهود مبذولة لفرض المعايير الأمريكية على المجتمعات الأخرى، وأيضا على أنه غطاء للدعم المستمر للأنظمة القمعية خارج حدود المصلحة الأمنية الضيقة.

لذا تتطلب المشاركة الأكثر فاعلية وقوف الولايات المتحدة إلى جانب القضايا التي يهتم بها المسلمون، وأن تكون الوسيلة التي تساعدهم على تحقيق أهدافهم.

2 التركيز على العدالة  

أوضح العديد من المشاركين بالمؤتمر أن جهود الولايات المتحدة لدفع الديمقراطية في العالم الإسلامي قد وجهت في الاتجاه الخاطئ، واقترحوا أن تركز أمريكا على فكرة الترويج للعدالة عوضا عن ذلك.

فقد نمت فكرة العدالة بعمق في الفكر الإسلامي، ويعد الظهور المفاجئ للأحزاب السياسية الإسلامية، التي أطلق على بعضها حزب (العدالة والتنمية) في تركيا والمغرب وأماكن أخرى، علامة على مدى قوة هذه الفكرة.

لذا فإن إظهار الموقف الأمريكي كموقف مساند للعدالة في شتى أنحاء العالم، وأيضا تبني السياسة الداعمة لهذه الفكرة، سوف يلعب دورا هائلا بين الشعوب الإسلامية لإعادة النظر في موقف الولايات المتحدة، ولجذب الشبكات الإسلامية، وأيضا لإظهار استخدام الولايات المتحدة لنفوذها كقوة من أجل الخير وليس من أجل الشر والضغائن.

3 تعامل مع جماعات مختلفة

ظهور سياسات الإسلام والهوية كقوة سياسية وافقت الوعي الثقافي والديني المتزايد في جميع أنحاء العالم الإسلامي، لكن في بعض الأحيان تكون الراديكالية هي نتاج اجتماع الأمرين معا.

أوضح المشاركون أن الفرصة أصبحت سانحة للتعامل بشكل كبير وهادف مع مجموعة من الناشطين البارزين، أصحاب الأيديولوجيات المتنوعة.

فأحد أجزاء المشكلة التي رآها المشاركون هي ميل الولايات المتحدة للتعامل مع جزء صغير من المجتمع الديني في العديد من الدول، وهم المعتدلون الذين يدعمون كثير من سياسات الحكومة الأمريكية، أو على أقل تقدير يؤثرون الصمت حولها، ويساندن إلى حد ما النظام الغربي المعني بفصل الكنيسة عن الدولة.

هؤلاء الذين صنفتهم الولايات المتحدة على أنهم "معتدلون" هم المهمشون داخل مجتمعاتهم، وهذا التصنيف يؤدي إلى زيادة تهميشهم. شدد المشاركون على أن المعتدلين في العالم الإسلامي اليوم ليس من الضروري أن يكونوا هؤلاء الذين يقبلون القيم الليبرالية الغربية، لكنهم هؤلاء الذين يسعون إلى التوفيق بين القيم الثقافية والدينية من ناحية، والحداثة من ناحية أخرى. واتفق معظم المشاركين على أن توسيع دائرة الاتصال، المقصورة حاليا على الليبراليين العلمانيين المتخرجين في جامعات غربية، أمر ضروري لأسر خيال الأجيال القادمة في الدول ذات الأغلبية المسلمة.

شكوك وتحديات أساسية

في الوقت الذي اتفق فيه المشاركون على العديد من الأمور، فقد أدركوا أيضا أن ظهور الشبكات الإسلامية تخلق تحديات ذات تبعات كبيرة لم تفهم بعد على النحو تام.

1 تفعيل العلاقة بين الولايات المتحدة والمسلمون

أولى تلك التحديات هي أن وجهات نظر العديد من المسلمين غير الراديكاليين تتناقض في  الأساس مع القيم الليبرالية الغربية، والتي تشمل حقوق المرأة، والظروف المؤدية إلى العنف. فهناك رفض مفهوم للتعامل مع المدافعين عن شرعية التفجيرات الانتحارية في إسرائيل، على سبيل المثال، أو مع المصرين على أنه يجب أن يتمتع المسلمون بحقوق مختلفة عن غير المسلمين في المجتمعات ذات الأغلبية المسلمة.

إلا أنه دون الوصول إلى مجموعة أكبر من المتحاورين، والعناصر الإسلامية، فإن الولايات المتحدة سوف تنعزل عن الاتجاه السائد في المجتمعات الإسلامية، كذلك ستبقى محجوبة النظر عن التطورات الهامة والقوى الناشئة في تلك المجتمعات.

فإذا كان الهدف هو خلق التعددية في هذه المجتمعات، فإنه سيكون من الصعب الوصول إليه دون التواصل مع المزيد من العناصر الفاعلة المتنوعة، والتي تشمل أصحاب بعض وجهات النظر العدائية ومن ثم سيظل التوفيق بين الحاجة للوصول إلى نطاق أوسع، والتوافق مع القيم الأمريكية تحديا مستمرا.

2 الشبكات الإسلامية المتخطية للحدود القومية وسلطة الدولة

من التحديات الرئيسية الأخرى التي ستواجه الدول على مدار السنوات القادمة، خاصة الدول الشمولية، طريقة تكيفها مع ظهور الشبكات الإسلامية. فإستراتيجية هذه الدول حتى الآن هي الترويج لمؤسسات الدولة الدينية، لكن رجال الدين والخبراء غير الحكوميين يشككون في شرعيتها.

فارتفاع نسبة التعليم المصحوبة بانتشار تكنولوجيا المعلومات، تمهد الطريق بين رجال الدين التابعين للنظام، والمعارضين لهم أحيانا إلا أنه ليس من الواضح إذا ما كانت الأنظمة ستواصل إفساح المجال لمزيد من العناصر الدينية الحكومية، أم أنها ستتخذ مواقف أكثر حسما للسيطرة على المجال الديني، كما فعلت مؤخرا بعض الحكومات مثل المغرب.

3  تقييم الاتجاهات الإسلامية

تركز بيانات الاستطلاعات حول وجهة النظر الإسلامية على المعتقدات، وليس على الأفعال، ونادرا ما تسعى إلى الربط بين الاثنين، لكنه من يفترض أن تكون تلك الصلة مطلقة. لذا فإن هذه الصلة بحاجة إلى أن توضع محل الاختبار للتميز بين الدعم الخطابي الشكلي والفاعلية الأولية.

4 الراديكالية والوعي الثقافي

من المفترض أن يتطابق الوعي الثقافي المتزايد في كل من المجتمعات الإسلامية والراديكالية، أو على أقل تقدير أن يسير في اتجاهين متوازيين. فعلى سبيل المثال ينظر إلى انتشار ظاهرة الحجاب بين النساء على أنها مؤشر على التعصب.

وفي الوقت الذي يتشابك فيه الوعي في كلا المجتمعين، يصبح لقائهما ليس فرضا. لذا يجب بذل مزيد من الجهود للتمييز بين الهوية الثقافية أو الدينية، والراديكالية.

5 الشبكات الإسلامية في الغرب

تزادا الخطوط بين الدول ذات الأغلبية والأقلية المسلمة غشاوة، ولم تعد فائدتها كمتغير وصفي واضحة. فنصف المسلمين يعيشون كأقليات دينية، لكن غالبا ما يحافظ المهاجرين المنغمسين في عصر المعلومات، على صلتهم الوثيقة بمواطنهم الأصلية.

فحركة الأفكار والبشر السريعة عبر حدود الدول تطرح عدة أسئلة حول كيفية تغير عملية استيعاب المهاجرين، وكيف يمكن ترشيح الأفكار الواردة من خارج الدول ذات الأغلبية المسلمة ودخولها هذه الدول، وتغيير المداخل إلى الدين والممارسات الدينية.

الخلاصة

الهوية الإسلامية في تغير ثابت، ووسط الاتجاه السائد للمسلمين فقد لعب التعليم والمعرفة المتزايدة، والترحال، وتكنولوجيا الاتصالات دوارا هاما في تغيير طبيعة الروابط المتخطية للحدود القومية.

ولا يقتصر الأمر على المجتمعات ذات الأغلبية المسلمة من المغرب إلى ماليزيا، لكنه يشمل المسلمين الذين يعيشون في أوروبا، وأمريكا الشمالية، وأبعد من ذلك أيضا.

فقد نمت الهوية الإسلامية، التي شكلها عدد كبير من الأفكار المتنوعة المؤثرة، بشكل معقد ومتشابك وصار فهم الكيفية التي تضع بها الشبكات الإسلامية غير الراديكالية أجنداتها، وتعبئة الشعوب وحشدها، وتنسيق العمل في جميع أنحاء العالم، أمرا حيويا لضمان نجاح التفاعل المستقبلي مع العناصر الإسلامية، وقيامه على أسس علمية ومعلوماتية وعليه ستصبح نشأة هذه الروابط قوة فعالة ومؤثرة في تشكيل عالم القرن الواحد والعشرين في الدول ذات الأغلبية المسلمة وخارجها.

و كل ذلك بحسب المصدر المذكور نصا و دون تعليق.

المصدر:تقرير واشطن-العدد123