الديمقراطية والعرب: تشخيص لواقع مرير وآمال معلقة
عبدالكرم سلام
كعادتهم خرج المشاركون من ملتقى صنعاء الأول للديموقراطية في الوطن العربي بمواقف متباينة تجاه مردودية مثل هذه التظاهرات المكرسة لتدارس المسألة الديمقراطية في البلدان العربية. ويعد هذا الملتقى أول نشاط للرابطة العربية للديمقراطية التي أعلن ميلادها نخبة من السياسيين العرب في صنعاء منتصف يونيو 2007، واشتركت الرابطة في تنظيمه بالتعاون مع "منتدى جسور الثقافات" و"الإتحاد العربي للنساء العرب" و "المركز الوطني لحقوق الإنسان وتنمية الديمقراطية" و "مركز عمان لدراسات حقوق الإنسان". وعلى غرار المرات السابقة، يبدو أن الحالة الراهنة لأنظمة الحكم العربية سواء منها التي تطلق على نفسها ديمقراطية أو الأنظمة الاستبدادية تبقى مصدرا لكثير من تأمل المشاركين في هذه الملتقيات بواقع يرزح تحت التسلط المطبق على الشعوب العربية فيبادروا إلى استعراض مساوئ ذلك الواقع وتلمس افآقه الواعدة لتتبدى الصورة العامة أبعد ما يكون عن معانقة الديمقراطية على الأقل في الأفق المنظور. مع ذلك، لم يمنع هذا الواقع البائس من بروز بعض الرهانات الواعدة بمستقبل يؤسس لثقافة سياسية جديدة إذا ما استطاعت مثل هذه الملتقيات الإلتقاء على قواسم مشتركة تروم استحضار البعد المعرفي كجزئية ظلت غائبة أو مغيبة في كل التجارب التي مر بها العالم العربي خلال العقود السبعة الماضية. 4 محاور المتابع لأشغال ملتقى صنعاء الأول للديموقراطية في الوطن العربي يجد ثقل مساوي الحاضر ويستشف تطلعات واعدة نحو المستقبل لكنها تطلعات تبقى بعيدة المنال لاسيما مع استذكار كل مرارات الواقع كما رصدها وبلورها المشاركون في حقول وميادين اللعبة السياسية العربية. فقد توزع المشاركون في الملتقى إلى اربع مجموعات : "الحكم الرشيد" و "الانتخابات" و "حرية التعبير" و "الديموقراطية في الأسرة والمؤسسات التعليمية والاجتماعية" تدارسوا فيها مجمل القضايا باعتبارها التجلي الحقيقي للممارسة الديموقراطية والمؤشر الدال على قياسها وتأثيرها في الحياة السياسية. فعلى مستوى الحكم الرشيد اتفق المشاركون على أن تشخيص الواقع العربي على ضوء محددات "الحكامة أوالمحكومية" يقتضي توطين المفهوم وفق درجات التطور الحاصلة في البلاد العربية وبمراعاة التمايزات الحاصلة من بلد إلى آخر، لكنهم اتفقوا على أن العوائق التي تحول دون بلوغ درجة الحكم الرشيد سمة تشترك بها دولهم وتعاني من أعطاب بنيوية في ممارسة السلطة وتدبير الثروة معتبرين هذه معالجة هذا الوضع مفتاح بناء الحكم الرشيد وأن المدخل إلى ذلك يمكن أن يتحقق بإعادة الاعتبار لمبادي المشاركة والمساءلة والمحاسبة والشفافية وإن هذه المبادي تنقصها الأطر التشريعية والقانونية واشتغالها في الواقع ضعيفا بسبب ضعف مقوماتها في الثقافة السياسية العربية وفي التطبيق منعدمة او ناقصة حتى لدى النخب والمؤسسات . وبشأن الانتخابات سجل المشاركون قصور القوانين الانتخابية او انعدامها وشككوا بنزاهتها باستثناء التجربة الموريتانية التي رأوا فيها بصيص أمل بستحق التنويه والإشارة . وذهب المجتمعون في محور الثقافة الديموقراطية إلى أن هذه الثقافة لا يمكن أن تتأسس إلا بالنهوض بثلاثة فاعلين :الأسرة والمدرسة والنظام التعليمي ثم وسائل الاتصال باعتبارها الأدوات التي يمكن لها أن تحدث التغيير في المكون الاجتماعي والثقافي السائد على ان يكون ذلك بتوافر مجموعة من التشريعات والقوانين التي تحظر التمييز داخل الأسرة وترتقي بالتربية والتعليم ومجانبة الصور النمطية في وسائل الإعلام. على ان هذه الأخيرة وكما جاء في محور حرية التعبير لايمكن لها ان تؤدي رسالة خلاقة إلا في مناخ موات يشجع على حرية التعبير ويكسر احتكار الدولة للإعلام عامة والقطاع السمعي - البصري على وجه الخصوص واحترام حق الوصول إلى المعلومات وإلغاء كل التشريعات المكبلة والمعيقة لحرية الصحافة والاعلام. غائبة أو مشوهة كثير من المتابعين لأشغال الملتقى أخذوا عليه تكرار طرح القضايا ورصدها كمعوقات للعملية الديموقراطية مما يجعله ظاهرة مكرورة تتميز به كل مثل هذه الملتقيات ولاتحمل أي جديد يمكن ان يغير من حقيقة الوضع العربي الذي إما أن الديموقراطية غائبة فيه أو انها مشوهة إن وجدت. وتتلخص حجة هؤلاء في أن الكثير من الفعاليات والمؤتمرات المكرسة لتدارس الديموقراطية في المنطقة خلال الـ 15 سنة الأخيرة لم تعمل سوى على إضفاء هالة ديموقراطية على واقع غير ديموقراطي حتى ان الكثير من الدول - كاليمن وقطر والبحرين حسب هؤلاء- اصبحت تتسابق على استضافة مثل هذه الملتقيات بغية الظهور بمظهر ديموقراطي فيما لا تجد الاستنتاجات التي يتوصل إليها المؤتمرون والدعوات أوالتصويبات التي يطلقونها آذانا صاغية لدى النظم الحاكمة ولا تنعكس على الممارسة السياسية في تلك البلدان. وللتدليل على ذلك، يورد أصحاب هذا الرأي حادثة وقعت خلال المؤتمر اعتبروا أنها تعزز ما ذهبوا إليه ومؤداها أن الدولة التي يعقد فيها هذا الملتقي حالت حكومتها دون منح ترخيص لإصدار صحيفة مستقلة في حين أن مسألة حرية الصحافة استأثرت بنصيب الأسد في نقاشات المشاركين. والأدهى هو أنه عندما هم صاحب الصحيفة المذكورة بالاحتجاج على هامش المؤتمر بغية ايصال قضيته للمؤتمرين تم احتجازه من قبل الأمن السياسي في الفندق مكان إنعقاد الملتقى (ولم يفرج عنه إلا بتدخل مكتب وزير الداخلية وبعد مضي نصف ساعة على احتجازه) بجريرة توزيعه لبيان يحتج فيه على الامتناع عن اصدار تصريح لصحيفته المستقلة "الراصد" التي لم يسمح لها بالصدور على الرغم من أن طالب الترخيص كان تقدم بطلبه منذ أربعة اشهر. مطالب .. وآمال .. وعقبات وفي معرض تعليقه على ما ستضيفه الرابطة للعمل الديمقراطي قال الباحث والناشط المغربي الدكتور أمحمد مالكي عضو الأمانة العامة للرابطة : "مثل هذه الهيئات تكاثرت في العالم العربي في السنوات الأخيرة إلى درجة كبيرة لكن ما حفزني أن أكون عضوا في هذه الرابطة وفي امانتها العامة (إلى حين ) أولا أن وثائق التأسيس اكدت على موضوعة التثقيف الديموقراطي. هذا البعد المعرفي ينقصنا ولا يمكن ان تبنى بلدان عربية قوية من ناحية سياسية دون اساس معرفي وانا اعتفد ان الرابطة تدعو إلى هذا البعد". أما المسألة الثانية هي برأي الدكتور المالكي "كيف يمكن للرابطة - وهذا ينقصنا - الانتقال في التفكير وفي العمل من خطاب التعميم الذي يجعل البلاد العربية بلادا واحدة أو وطنا واحدا ولاينظر إلى النقاط المضيئة في هذا البلد او ذاك والتي يجب ان نعمقها ونطورها والرابطة والأمانة العامة استطاعت أن تدخل في تفكير مؤسيسيها والأمانة العامة هذا البعد الذي يهجر خطاب التعميم ويدعو إلى الحفر في تلك الأمور وحينها سيكون لها قيمة مضافة، إلا أن هذه القيمة المضافة مرتبطة بعدة متغيرات وعدة محددات مثل هل ستكون مستقلة بذاتها؟ بإرادتها؟ باستراتيجيتها؟ بسياستها؟"، والإستقلالية التي يعنيها المالكي لاتعني القطيعة مع النظم أو مع الخارج "وإنما كيف أحافظ على إرادتي وأتعاون دون ان يلغي ذلك التعاون إرادتي ورؤيتي وهذه معادلة صعبة". من جهتها، ترى السياسية والإعلامية اليمنية الدكتورة رؤوفة حسن أن العبرة في مثل هذه الملتقيات "ليس بما يقال وإنما بما يتم متابعته وتنفيذه" مشيرة إلى ان "الأفكارالتي تطرح للنقاش يحضرها اطراف من مواقع مختلفة حكومية، مجتمع مدني وهي تشكل فرصة لتبادل الأفكار وكلما كثرت النقاشات والحوارات ضاقت مساحة سوء الفهم بين اطراف العمل الديموقراطي المعنيين بمطالب التغيير". واستطردت الدكتورة حسن قائلة: "إن هذه اللقاءات وإن ظلت محصورة بالنخب فإن افكارها يمكن إيصالها للمجتمع عبر وسائل الإعلام والاتصال الجماهيري بشكل سوي" منوهة في هذا السياق إلى أن "ما يفصلنا عن الديمقراطية مسافة كبيرة لأن التجربة اليمنية عمرها فقط 17 عاما" وهذا على حد تعبيرها عمر قصير لم يمكن الجيل الرعيل الأول الذي ولد قبل عام 1990 من التحرر من الرقيب الداخلي ومن الخوف وقالت: "الجيل الذي ولد بعد هذا التاريخ وعاش الحراك الديمقراطي وحده الذي يمكن ان نحكم عليه إن كان ديمقراطيا أم لا". شيء أحسن من لاشيء! وكان المشاركون طرحوا في توصياتهم مجموعة من المطالب التي يمكن لها أن تدعم المسار الديمقراطي المنشود أبرزها ضرورة وضع دساتير تعاقدية من شأنها تأسيس السلطة في المجال السياسي العربي على قدر من التوازن، تنقيح وتنقية القوانين بكافة أنواعها من كل الشوائب لترسيخ مقومات المشاركة والمساءلة والشفافية في كيان المجتمع والدولة، والتأكيد على شرعية تداول السلطة، وتكافؤ الفرص بين فئات المجتمع، وتعزيز مكانة المجتمع المدني بمختلف تعبيراته، وتمكين المرأة وتلازم العلاقة بين الديموقراطية والحكم الرشيد وإرجاع المسؤولية في انسصار التحول الديمقراطي في البلاد العربية إلى الأعطاب الداخلية وإلى العامل الدولي ومنها استباحة الخارج التي وسمت الأوضاع العربية أواخر عشرية القرن الماضي ومستهل الالفية الجديدة. أخيرا، يبدو أن الانتقال الديموقراطي في العالم العربي وما تتحكم به من محددات داخلية وخارجية سيبقيه بعيد المنال طالما وأن أصحاب المصلحة الحقيقية في التغيير ما زالوا بعيدين عن توجيهه واقتصار النخب على التعاطي معه حتى الآن في مثل هذه التظاهرات التي غالبا ما تقف عند تشخيص الظواهر ولا تقدر على تغييرها، لكن مع ذلك هناك من يقول "شيء أحسن من لاشيء"، وهو ما ردده كثيرون خلال الملتقى واعتبروه فرصة لتشخيص واقع عربي مرير ومحبط (وإن كانت مكررة) ما يسمح بانتعاش الآمال الواعدة بالتغيير. و كل ذلك بحسب المصدر المذكور نصا و دون تعليق. المصدر:سويس إنفو-25-8-2007
|