تنظيم المؤتمرات.. صناعة بلا دخان

 

 

 حازم يونس

 

صناعة تدر ملايين الدولارات سنويا

الوضع الطبيعي الذي يقبله العقل أن دولة تمتلك مقومات سياحية هي الأقدر على جذب المؤتمرات العالمية على أرضها، إلا أن الواقع يشير إلى عكس ذلك في عالم هذه الصناعة؛ ففي الوقت الذي تمتلك فيه مصر مقومات سياحية تؤهلها للتربع على عرش هذه الصناعة ليس على مستوى العالم العربي فحسب، بل على مستوى العالم أجمع، فإن دول مثل قطر والإمارات والصين أصبحت تسيطر على عالم تلك الصناعة.

ولغة الأرقام خير دليل على تلك الحقيقة، فيكفي أن نعرف أن إيرادات قطاع المؤتمرات في الصين وصلت إلى حوالي 4 مليارات يوان (عملة الصين) وتحقق بفضله عوائد اقتصادية مجملها 36 مليار يوان (الدولار الأمريكي= 8 يوان) في قطاعات مختلفة مثل الفندقة والمأكولات والمشروبات والسياحة والاتصالات.

أما في قطر والإمارات فالأرقام غير مثبتة، ولكن الجوائز التي حصلت عليها هاتان الدولتان في هذا المجال تؤكد هذه الحقيقة، فقد حصلت دولة قطر في الخامس عشر من نوفمبر الماضي على جائزة كبرى باعتبارها أهم مركز في الشرق الأوسط في مجال المؤتمرات، وذلك على هامش فعاليات الدورة الثانية عشرة لمعرض لندن العالمي للسياحة والسفر، وجاءت هذه الجائزة على إثر تنظيم قطر لعدد من المؤتمرات المهمة، أبرزها المؤتمر الإسلامي وأوبك ومؤتمر حوار الأديان ومجموعة السبع والسبعين ومؤتمر التعاون الآسيوي...

كما حصلت دولة الإمارات على جائزة من بورصة برلين للسياحة باعتبار مدينة دبي أفضل وجهة سياحية بالعالم متفوقة على مدن مثل لندن ولاس فيجاس وباريس.

وما حققته تلك الدول يثير تساؤلا مهما حول سر نجاحها في صناعة المؤتمرات على الرغم من افتقادها لمقومات سياحية كتلك التي تملكها دولة مثل مصر.

سر النجاح..؟؟

إن الإجابة على ذلك التساؤل تلقي الضوء مباشرة على مضمون تلك الصناعة؛ فصناعة المؤتمرات تعتمد على مجموعة من الشركات التي تتولى الترويج لدولة معينة كمكان لإجراء المؤتمرات، كما تشرف على تنظيم وتوفير أبحاث ودراسات عميقة حول أهم قضاياه، وتقوم بالترويج له قبل وأثناء وبعد انتهائه.

وحتى تستطيع دول مثل قطر والإمارات والصين إحراز تقدم بتلك الصناعة فإنها تلجأ إلى شركات متخصصة في هذا المجال كشركة (هملز بيرسكو إنترناشيونال) التي لجأت لها الأردن -مؤخرا- لاستقطاب ودعوة الشركات العالمية لعقد مؤتمراتها وأنشطتها بها كرد عملي على العمليات الإرهابية التي استهدفتها، وهذه الشركة تعتبر من كبرى شركات العالم؛ حيث إنها تقدم خدماتها لما يزيد عن 10 آلاف عميل من كبرى الشركات العالمية، وقد حققت أرباحا وصلت العام الماضي إلى 6 مليارات دولار...كما تحاول بعض الدول اقتحام هذا المجال بتشجيع الشركات والمؤسسات الوطنية على التعاون فيما بينها لإنشاء شركة مؤتمرات تتولى تنظيم المؤتمرات الخاصة بهم وتستثمر -أيضا- في هذا المجال بتنظيم المؤتمرات للغير، سواء خارج حدود الدولة أو داخلها، ومن أحدث الشركات العربية التي تأسست في هذا الإطار شركة "مؤتمرات" التي تم إنشاؤها كمشروع مشترك بين "دبي القابضة"، و"الشركة السعودية للأبحاث والنشر"، وسوف تتولى هذه الشركة تنظيم المنتدى العربي الإستراتيجي 2006 ومنتدى المديرين التنفيذيين في العالم العربي في مارس 2006.

النقيض يحدث بمصر

أما في مصر فالوضع مختلف كما تقول مشيرة أبو غالي -صاحبة إحدى شركات تنظيم المؤتمرات- فالجهات المعنية بالمؤتمر تصر على عدم اللجوء للشركات المختصة لتنظيم وإدارة مؤتمرها، حيث تتولى الجهة المعنية بالمؤتمر تنظيمه بنفسها.

وكنتيجة لهذا نجد كثيرا من القصور المحيط بتنظيم المؤتمر، كعدم اختيار المكان المناسب لانعقاده وضعف الترويج له، بالإضافة إلى غياب أي برامج ترفيهية على هامشه، ويعود هذا القصور لنقص في علاقات تلك الجهات سواء برجال الأعمال ليتولوا مسئولية رعاية المؤتمر ماديا، أو بوسائل الإعلام للترويج للمؤتمر قبل وأثناء وبعد انعقاده... والخاسر الوحيد في ذلك هو الدولة التي لا تستفيد من المؤتمر ليخدم قطاعا حيويا ومهما في الاقتصاد كقطاع السياحة.

فيكفي أن نعرف مثلا أن السياحة القائمة على المؤتمرات تحتل المرتبة الـ19 في قائمة الصناعات الإنتاجية الأمريكية، وتحقق أكثر من 33% من إيرادات صناعة الفنادق هناك؛ وذلك لأنه من المعروف أن مستوى إنفاق سائح المؤتمرات أكثر من السائح العادي لتمتعه بمستوى مادي وثقافي مرتفع.

بالإضافة إلى أنه لا يتحمل نفقات سفره أو إقامته بل تتحملها الدولة أو المنظمات والهيئات المنظمة للمؤتمر في معظم الأحوال؛ وهو ما يتيح له الفرصة للإنفاق على شراء الهدايا والقيام بجولات سياحية وترفيهية، هذا بالإضافة إلى أنه يقوم بالترويج للبلد سياحيا بعد عودته لبلاده، ليصنع دعاية يكون لها تأثير أقوى من شركات الإعلان والترويج السياحي.

دخلاء على المهنة

وتعاني صناعة المؤتمرات بمصر كذلك من شركات تدعي أنها متخصصة في تنظيم المؤتمرات مع أنها أبعد ما يكون عن ذلك. فشركات تنظيم المؤتمرات ينبغي أن يكون لها مقومات تميزها، كما أن العاملين بها ينبغي أن يتصفوا ببعض المواصفات.

فعن مقومات الشركات العاملة في هذا المجال تقول رولا زقلمة -خبيرة العلاقات العامة وتنظيم المؤتمرات :

إن المعلوماتية جانب أساسي من جوانب عمل هذه الشركات، وهي عبارة عن توفير معلومات عن موضوع المؤتمر، وهذه المعلومات يفترض فيها أن تشتمل على بعدين، الأول هو البعد الآني الذي يلقي الضوء على الوضع الحالي الخاص بالقضية التي سيناقشها المؤتمر، والثاني هو البعد الإستراتيجي بتقديم تصور مبني على أساس علمي ومعرفي حول الوضع المستقبلي للقضية خلال السنوات الخمس أو العشر المقبلة.

ويتطلب ذلك بالطبع أن يكون لدى الشركة مصادر عديدة للمعلومات، كما ينبغي أن تملك إمكانيات تؤهلها للشراكة مع مؤسسات عالمية في مجال البحوث والدراسات؛ لأن هذه المؤسسات الأقدر على القيام بالدراسات المستقبلية.

أما عن مواصفات من يعمل في هذا المجال فهذه هي المشكلة الأكبر؛ لأن هناك اعتقادا سائدا بأن من يعمل في هذا المجال ينبغي فقط أن يكون مجيدا للغات حتى يتمكن من التعامل معي أي وفد أجنبي، بالإضافة إلى تمتعه بالوسامة وحسن المظهر، مع أن المسألة أعمق من ذلك، حيث يشترط إلى جانب هذين الشرطين أن يكون الشخص موسوعي الثقافة أي لديه خلفية علمية واقتصادية وسياسية، ويدعم ذلك لباقة في الحوار وإلمام بالتجهيزات الحديثة الخاصة بالمؤتمرات، بالإضافة إلى التزام وجدية في العمل.

الكل يعمل والكل يستفيد

وبعيدا عن المقارنة بين مصر والدول الأخرى المتقدمة في صناعة المؤتمرات فإن لهذه الصناعة -التي يحلو للبعض أن يسميها "صناعة عديمة الدخان"- الكثير من الفوائد التي عددها د.محمد يوسف عميد كلية التجارة جامعة القاهرة؛ فهي تعمل على تنشيط السياحة بالنسبة للدول التي تملك مقاصد سياحية معروفة، وتضع الدول التي لا يعرف الكثير عن مقاصدها السياحية على الخريطة السياحة العالمية، هذا إلى جانب العائد الذي يعود على الدولة من خلال الصفقات والتعاقدات التي قد تتم خلال بعض المؤتمرات.

كما يمكن أن يستفيد رجال الأعمال أو غيرهم من المتخصصين من قواعد المعلومات المتوفرة بشركات المؤتمرات حول بعض القضايا؛ وهو ما يساعدهم على اتخاذ القرار المناسب الذي يضع في حساباته الوضع الحالي والمستقبلي للقضية، أي إننا نستطيع القول في النهاية: "إن مع صناعة المؤتمرات الكل يعمل والكل يستفيد".

و كل ذلك بحسب المصدر المذكور نصا و دون تعليق.

الصمدر: إسلام أون لاين- 19-5-2007