وجهة نظر :

                                فرصة للوحدة في العراق

                 

 

ترجمة عادل حمود

 

ما الذي يمكن ان يفعله العالم لرئيس وزراء العراق الجديد جواد المالكي؟ وما هي الفرصة التي تملكها حكومته الجديدة إزاء احتواء العنف الطائفي في العراق و تجنب وقوع حرب اهلية شاملة ؟

ان ردة الفعل الاولى لكل غير المعنيين بالشأن العراقي ستكون " من هو جواد ؟ " ذلك ان المالكي ليس معروفاً على نطاق واسع خارج العراق وقد يبدو انتخابه بعد اربعة اشهر، مثل مأزقاً، قد لا يتوافق والمناخ السائد . وبما انه عضو في نفس الحزب السياسي الاسلامي – حزب الدعوة- الذي ينتمي إليه ابراهيم الجعفري ، رئيس الوزراء الحالي ، فمن الممكن أن يتراءى للناس أن القليل فقط سوف تغير، لكن هذا قد يكون منظوراً خاطئاً .

ان اهم حقيقة حول انتخاب المالكي تتمثل في أن ذلك الإنتخاب يعد اعلاناً متواضعاً بالاستقلالية عن ايران . فقد شن الايرانيون من وراء الستار حملة شديدة لابقاء الجعفري في منصبه، كما اطلقت ايران تهديدات مبطنة للقادة السياسيين العراقيين من خلال الرسائل المكتوبة او من عبر المبعوثين مفادها انهم اذا لم يسندوا الجعفري فانه قد يدفعون الثمن . ومن خلال مقاومتهم لهذا الضغط فان اولئك القادة السياسيين يتصدون لمهمة توحيد العراق . لذا فان على المالكي لكي ينجح عليه أن يحرك رغبة التوحد هذه من اجل كسر هيمنة المليشيات وجماعات التمرد .

ويوضح السفير الامريكي في بغداد زلماي خليلزاد ذلك بالقول : " إن سمعته تشهد له بانه شخص مستقل عن ايران ." ويضيف ان على الرغم من كون المالكي كان منفياً في ايران في بادئ الامر فإنه كان يساوره شعور بأنه " مهدد من قبلهم " بسبب استقلاله السياسي، لذلك انتقل لاحقاً الى سوريا . وهو ينظر الى نفسه على انه عربي ووطني عراقي ."

القادة العراقيون تجمع بينهم خصائص مشابهة لتلك التي يتصف بها المالكي . فقد اخبرنا القيادي الكردي برهم صالح بأن " تلك هي الفرصة المناسبة لتوافق جوهري بين الشرائح العراقية ." وتنبأ هيثم الحسيني، المسؤول البارز في المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق قائلاً : " سوف نشهد تحسناً كبيراً في الوضع الامني ." مضيفاً بان جهد المالكي لتشكيل حكومة وحدة " سيتلقى الدعم من قبل كل الكتل الكبيرة الاخرى في البرلمان" ومن ضمنها الاحزاب السنية الكبرى .

ويقول خليلزاد ان الايرانيين " ضغطوا على الجميع من اجل بقاء الجعفري" . وقال مسؤول عراقي بارز أن فحوى الرسائل الايرانية كان " تمسكوا به والا ! " . كانت الصياغة أرق من هذا، ولكنها تضمنت تحذيرات بأن استبدال الجعفري يمكن ان " يخلق حالة من عدم الاستقرار" ويلحق الضرر بامكانيات النجاح سياسياً لاولئك الذي يعارضون الإملاءات الايرانية . ولكن الضربة القاصمة جاءت من آية الله العظمى السيد علي السيستاني الذي اوضح في الايام الاخيرة بأن على الجعفري التنحي .

كان اختيار المالكي انتصاراً من نوع ما لخليلزاد الذي كان نداً للعراقيين باسلوب جدله السياسي الماكر. فلقد كان السفير الامريكي ينظر الى الجعفري على انه ضعيف وطائفي النزعة، وعندما تمت تسمية الجعفري من قبل الائتلاف الشيعي في شهر شباط الماضي حذر خليل زاد من خلال هذه الصحيفة ( صحيفة واشنطن بوست ) بأن الولايات المتحدة لن تدعم حكومة لا تضع الوحدة في مقدمة مهامها. وساعد خليل زاد على تشكيل تحالف منافس من السياسيين الكرد والسنة المتمثلين معاً بـ 143 مقعداً في البرلمان، وهو عدد اكبر من الـ 130 مقعد التي يمتلكها الائتلاف الشيعي الذي قام بتسمية الجعفري . وفي ذات الوقت ابتدأ زاد بعقد اجتماعات ماراثونية مع كل الاحزاب العراقية من اجل تهيئة الارضية لحكومة وحدة .

وبين خليلزاد ان العقدة المستعصية بشأن الجعفري تم كسرها أخيراً من قبل قوتين سياسيتين: الاولى كانت الائتلاف الشيعي الذي ادرك ان القوى غير الشيعية بامتلاكها 143 مقعدا كانت جادة في خلق حكومة بديلة، والقوة الثانية كانت الضغط الذي مورس من قبل السيستاني من اجل حل النزاع . وقد أظهر رفض الجعفري وجود قدر كبير من الشجاعة لدى قادة الشيعة البارزين ، وفقاً لما يقوله خليلزاد الذي يضيف : " ذلك الرفض أظهر أن السيستاني لا يتبع التوجيهات الايرانية كما أظهر ان زعيم المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق ، السيد عبد العزيز الحكيم، لا يخضع للضغوط الايرانية هو الآخر. وذات الشيء أبداه القادة الاكراد ."

ولا ينبغي لأحد أن يخلط بين جواد المالكي وجورج واشنطن ! فهو على ما يقال كان يتبع خطوات القيادي الشيعي السيد محمد حسين فضل الله المرشد الروحي المؤسس لحزب الله اللبناني ، ولكنه ترك تلك الجماعة فيما بعد وكان بعض السبب هو أنها جماعة مقربة جداً من ايران . والمالكي وطني عربي متشدد، وهو سيعمل مع الولايات المتحدة على المدى القصير ولكنه سيفصح عن رغبته في ان تسحب الولايات المتحدة قواتها من العراق . ومن الممكن أن تساعد عراقية المالكي الأصيلة في توحيد البلد. ان التحدي الذي يواجه المالكي هو إعادة النظام الى مكان اصبح اسمه مرادفاً للموت والدمار . ويقول مستشاروه بانه قد يبدأ بالتركيز على بغداد من خلال العمل على السيطرة على المليشيات وفرق الموت وجعلها تحت سيطرة قوات الامن العراقية .

السيارات المفخخة لا تزال تتفجر في كل يوم، ولكن العراقيين الذين تحدثت معهم يستشعرون تغيراً في اتجاه الرياح السياسية.

وكل ذلك بحسب المصدر المذكور.

المصدر: جريدة الصباح نقلا عن واشنطن بوست-29-4-2006