عند بقيع الغَرقد

 

 

السيد محسن الأمين العاملي

 

أهـاج شَجـوَكَ رَبـعٌ دارسُ الدِّمَنِ   فـبـاتَ طَـرفُكَ منـه فاقِدَ الوَسَنِ! 

رَبـعٌ عـلى رَمـلةِ الـدَّهناء غَيّرَهُ   مَـرُّ الـريـاحِ وتَسكابُ الحَيا الهَتِنِ 

لـم يَبـقَ فيـهِ لمـشتـاقٍ يُـلمُّ بهِ   غيـرُ الاثـافي ونُؤيٍ كالحنيِّ حَني 

أم هل تذكّرتَ عهدَ الإلفِ حين شَدَت  وُرقُ الحمائمِ أو غَنَّت عـلى فَـنَنِ 

كـلاّ، ولـكنّمـا تجري الدموعُ دماً  منّي ـ وحقَّ لها ـ حُزناً علىالحسَنِ 

سِبطِ النبيِّ ابنِ مَولى المؤمنينَ على   شـرعِ النـبيِّ أبـيهِ خـيرِ مؤتمَنِ 

إمامِ حقٍّ مـن اللهِ العـظيـمِ، لَـهُ   رئـاسـةُ الـدينِ والدنيا على سَننِ 

الزاهـدِ العابدِ الأوّابِ، مَن خَلُصَت   للهِ نـِيّتُـهُ فـي السـرِّ والعَـلَـنِ 

والواهبِ المالَ لايبغي عليه سوى   ثوابِ بارئه الـرحـمـنِ من ثمنِ 

وقاسمِ الله ما قـد كان يـملـكـهُ   مـنه ثـلاثـاً بلا خوفِ ولا مِـنَنِ 

ومَـرّتينِ غـدا من كلِّ ما ملكتْ   يمينُهُ خـارجـاً في سالف الزمـنِ 

والقاصدِ البيـتَ لم تَحملْهُ راحلةْ   خمساً وعـشـرين، والنَّحَّارِ للبُدُنِ 

وذو المناقب لا يُـحصي لها عدداً   يَراعُ ذي فـِطَنٍ أو قـولُ ذي لَسَنِ 

غيرَ الحسينِ وغـيرَ السّيِّدِالحسنِ   نـسلٌ لأحمدَ خيرِ الخلـق لم يكنِ 

سِبطانِ حبُّهما دِينٌ، وبُغـضُـهما   كـفـرٌ، وقـالِيـهمـا للهِ لـم يَدُنِ 

رَيحـانتا أحمدَ المختارِ، قد جُنِيا   مِن روضِ فضلٍ بأزهارِ الكمال جَني 

فَـرعـانِ قد بَسَقا مِن دوحةٍ سُقيَت   مـاءَ النـبـوةِ، والأكـوانُ لم تكنِ 

أكـرِمْ بسِبطَي رسولِ الله مَن رَقيا   مـن ذروةِ المجد والعليا الى القُنَنِ 

و قـال خيرُ الورى قولاً فأسمَعَهُ   لمّـا دعا كلَّ ذي قـلبٍ وذي اُذُنِ: 

إبـنـايَ هذانِ دونَ الناسِ، حبُّهما   حبّي، ومَن أبغض السِّبطينِ أبغَضَني 

هُـمـا الإمامان إن قاما وإن قعدا   بذاك جبريـلُ عـن باريهِ أخبرَني 

أوصـى بعترتِه الهـادي، وأكَّدَ ما   أوصى، وحـذَّرنا من غابرِ الفِتَـنِ 

خـانَت عهودَ رسـولِ الله أمّتُـهُ   فـيهم، وقد قَلَّ مَن للعهدِ لـم يُخُنِ 

لـم يَبـغِ أجـراً لـه إلاّ الـمـودّةَ فـي القـربـى، فجازُوه بالبغضاءِ والإحَنِ

* * *

يـا أُمَّهَ السوءِ، ما هذا الجزاء لَهُ   منكم على ما لَكُم أسدى مِن المننِ ؟! 

ضاعت دِماءُ رسولِ الله في مُضَرٍ   وفـي ربـيعةَ والإحـياءِ من يَمَنِ 

سِبـطـاهُ ما بينَ مسمومٍ و مُنجَدِلٍ   نـهـبَ الصَّوارمِ والعَسّالةِ اللُّدُنِ 

وآلـهُ قُـتـِلَت فـي كل شارقةٍ   مـن البـسيطةِ لَم تُنصَرْ ولم تُعَنِ 

صِينَت بناتُ البَغايا في مَقاصِرِها   لـكنْ بـناتُ رسـولِ الله لم تُصَنِ 

ثاراتُ بدرٍ ويـومِ الفتحِ أدركـها   مـن آلِ طـه بـنو عَبّادةِ الوَثَـنِ 

* * *

لَهفي علَى الحسنِ الزاكي ومافَعَلت   به الأعادي ومـا لاقى من المـحنِ 

سَقـَتـهُ بَغيـاً نقيعَ السمِّ، لا سُقِيَتْ  صَوبَ الحَيامن غوادي عارِضٍ هَتِنِ 

فَقطَّعَت كَبِداً للمصـطفى، ورَمَـت   فؤادَ بَضـغتِـهِ الزهراءِ بـالحَزَنِ 

وأوسَعَت مِـن علـيٍّ قـلبَهُ حُرَقاً   وغـادَرَتهُ رهينَ الوَجدِ والشَّجَـنِ 

ولـلحسيـنِ حَنـينٌ مِن فؤادِ شَجٍ   بالوجدِ مضطرمٍ، بـالحزنِ مُرتَهَنِ 

وهي الّتي مَنَعت مِـن دفـنِ جُثّتهِ   عند النبيِّ وأبدَت كـامـنَ الضَّغَـنِ 

مَن منه أولى بقربِ المصطفى ؟!تَرِبَت   أكفُّها ما جَنَت ربـحاً سـوى الغَبَنِ 

تُدني البعيدَ إليه، و الـقريـبُ لَهُ   تُنئيهِ، والصبحُ عَن نَصبِ الدليلِ غني 

للهِ رُزءُ ابنِ بنتِ المصطـفى،فلقد   أضحى له الصبحُ مِثلَ الفاحمِ الدُّجُنِ 

رُزءٌ له هُدَّ ركنُ الدينِ وانفَصَمَت   منه العُرى، واكتسى بالـذلِّ والوَهَنِ 

رُزءٌ أناخَ على الاسـلامِ كَـكَلُهُ   فَـغالَهُ، ومـضى بالفَرضِ والسُّنَنِ 

رُزءٌ تَهـونُ له الأرزاءُ أجمعُـها   مِن عِظمِه، وهو حتّى اليومِ لَم يَهُنِ 

رُزءٌ لـه حَـرمُ الجبّارِ في حَزَنٍ   وبَـعـدَه حـرَمُ الجبّار لم يُـصَنِ 

رُزءٌ لـه مِن مِنى تبكي مشاعرُها   وَخَـطبـُهُ نازلٌ بالبيتِ ذي الـرُّكُنِ 

سَقـى البقيعَ وَمَن ضمّ البقيعُ حَياً   يَـهـمي بهِ في ثَراهُ صَيِّبُ المـزُنِ 

* * *

يـا آل أحـمدَ، لايَنـفـكُّ رُزؤكُـمُ   يَـهـيـجُ لي ذِكرَ أشجـانٍ تُؤرِّقُني 

ولـستُ أسـلـوكُمُ عُمرَ المدى أبداً   حـتّـى يُـفَـرَّقَ بينَ الروحِ والبَدَنِ 

أنتُم سفينةُ نوحٍ، والنـجـاةُ بـكُـم   وليس في البحرِ مِن مُنجٍ سوي السُّفُنِ 

دِيـنـي وَلاكُـم، وبَعدَ الموتِ حُبُّكُمُ   ذُخري إذا صِرتُ رَهنَ اللَّحدِ والكَفَنِ 

حـملـتُ عِبءَ ذُنوبٍ جمّةٍ، وسِوى   وَلاكـمُ يـومَ حـشري ليس يَنفعُني 

اللهُ أنـزلَ فيـكـم وَحـيَـهُ، وعلى   وَلائـكـم بُـنيَ الاسـلامُ حين بُني 

( المجالس السَّنيّة 2: 383ـ 386)

المصدر: شبكة الإمام الرضا عليه السلام