بين بقيع الغرقد وبقيع سامراء!!
غفار العراقي
قبل
حوالي ثمانين عاما وفي مثل هذه الأيام وبالتحديد يوم الثامن من شوال
قام الوهابيون السعوديون بهدم القبور والمباني التي كانت موجودة في
مقبرة المدينة المنورة والمسماة ببقيع الغرقد ، وطوال تلك الفترة كان
خفاء تاريخ الهدم والجهل بحاله وخصوصا للشباب في الزمن المتأخر كبيرا
وذلك بسبب قلة المصادر أولا والتعتيم الإعلامي السعودي والغربي عليه ،
ولم تكن تلك الجريمة -كما يشاع - جريمة طائفية لأنها استهدفت رموز
الإسلام منذ العهد الأول وليست خاصة بالطائفة الشيعية فقط. فيحسن بنا
أن نتعرف على تلك المقبرة وتاريخ الهدم وأسبابه ومن ثم نستطيع أن نقدّر
حجم الجريمة الكبرى لدى جميع المسلمين في إزالة هذا المرفق الإسلامي
التاريخي المقدس العظيم ، واهم المصادر التي تتعرض لذكرها هي "دائرة
معارف القرن العشرين" لفريدي وجدي و"دائرة المعارف الإسلامية "وهي
مترجمة لجماعة من الكتّاب والاختصاصيين وجعفر الخليلي في موسوعة
العتبات المقدسة .
قال
في دائرة المعارف الإسلامية ما لفظه : إن بقيع الغرقد هو مقبرة المدينة
المنورة وهذا الاسم يدل على أنها ارض كانت في الأصل مغطاة بنوع من شجر
التوت مرتفع ، وأول من دفن بالبقيع هو الزاهد عثمان بن مظعون صاحب
النبي (ص) ، ودفن به أيضا بنات النبي ، وولده الصغير إبراهيم ، وزوجاته
وهذا دليل على الأهمية الإسلامية للبقيع ،فأين هذه القبور الآن ، وكلها
أصبحت شوارع وبيوت وعمارات وانتهى الحال ، يقول : وبمرور الزمن أصبح
مما يشرف المرء أن يرقد رقدته الأخيرة في هذه البقعة بين آل محمد
والأئمة والأولياء . وأقام أحفاد أكابر من دفن في هذه المقبرة شواهد
وقبابا على قبور ذويهم ، مثل قبة ضريح الامام الحسن بن علي(ع) التي
يقول عنها احد المؤرخين : إنها بلغت من الارتفاع مبلغا عظيما ولكن بعد
غزوة الوهابيين ، تغير الحال تماما . وكلمة البقيع معناها المكان
المزروع بعدد من أنواع الشجر ، ولذلك سماها الرحالة السويسري بورخارت
جنة البقيع ، يعني الحديقة أو البستان ، وكان النبي (ص) يقصد البقيع ،
يؤمه كلما مات احد من الصحابة ليصلي عليه ويحضر دفنه ، وقد يزور البقيع
في أوقات أخرى ليناجي الأموات من أصحابه ويطلب لهم الرحمة ، وقد روى
مسلم في الصحيح عن عائشة إنها قالت : كان رسول الله (ص) كلما كانت
ليلتي منه يخرج من آخر الليل إلى البقيع ، فيقول سلام عليكم دار قوم
مؤمنين ، واتاكم ما توعدون ، وإنّا إنشاء الله بكم لاحقون ، اللهم اغفر
لأهل بقيع الغرقد .
لذلك
فقد كبر شان البقيع وكثر رواده بقصد الدعاء والاستغفار أو التسلية ،
طبقا للحديث الوارد : إذا ضاقت الصدور فعليكم بزيارة القبور ، حتى أصبح
ملتقى الجماعات ، وأشبه ما يكون بالمنتدى والمجلس العام لاجتماع الناس
في أوقات فراغهم ، فقد روي إن عمر بن الخطاب أمر الذين يريدون أن
يتحدثوا في أمور دنياهم في المسجد ، أن يخرجوا إلى البقيع ليتحدثوا
هناك بشؤونهم الخاصة ، واتسعت رقعة البقيع وعظم شانها ، حتى قيل ان عدد
الذين قتلوا فيها من الصحابة أكثر من عشرة آلاف صحابي ، والظاهر ان هذه
المقبرة ظلت عامرة بأضرحتها وأبنيتها الضخمة والقبب القائمة على مدافن
المشاهير والأعلام حتى قيام الوهابية التي كان من مذهبها تسوية القبور
بالأرض ، فسويت تلك الأضرحة والمدافن كضريح العباس بن عبد المطلب
والسيدة فاطمة الزهراء - على احد الاحتمالات
- وإبراهيم ابن النبي (ص) والحسن بن علي (ع) وعثمان وعدد من
التابعين مثل نافع شيخ الإمام مالك ومن تابعي التابعين أمثال مالك إمام
المدينة وهناك مراقد أخرى مثل ابن عمر بن الخطاب المعروف بابي شحمة
وبإزاءه قبر عقيل بن أبي طالب وعبد الله بن جعفر الطيار وأزواج النبي
وأولاده الثلاثة وهناك بيت ينسب لفاطمة الزهراء عليها السلام ويعرف
ببيت الأحزان ، يقال انه البيت الذي آوت إليه والتزمت فيه الحزن على
موت أبيها (ص) ، وهناك أيضا قبر فاطمة بنت أسد أم الإمام علي (ع) وهناك
أيضا قبور عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وأبناء الحسين (ع)
السجاد والباقر والصادق (ع) وأبو سعيد الخدري . وبعد إجلاء الجيوش
المصرية للوهابيين وعاد الأمر إلى العثمانيين أعادوا بناء كثير من
القباب وشادوها على صورة من الفن تتفق مع ذوق العصر، وبعد أكثر من مائة
سنة عاد الوهابيون إلى هدم تلك القبب والأضرحة ومساواتها في الأرض .
ويعلق الشهيد الصدر على ما مر بعدة نقاط حيث يقول:
1-
إن الوهابيين هدموا قبورا مسلّمة الصحة والقدسية عند المسلمين جميعا ،
فمن الواضح ان الوهابية جاءت أصلا مضادة لكل مذاهب الإسلام ، يكفي أن
نلتفت إلى ان الوهابيين لا يتبعون مذهبا مستقلا ، وهو مما لا ترضاه
المذاهب الأربعة كلها .
2-
يبدو من المصادر ان للوهابيين عدة حملات في تهديم قبور البقيع ، وليست
فقط الحملة التي شارك فيها عبد العزيز بن سعود -مؤسس الدولة الحالية-
ولكنها الأخيرة وقد اكتسبت هذه الأهمية من التطرف في الجريمة لأنها هي
التي هدمت قبة أهل البيت التي كانت مقامة على قبور المعصومين (ع) لأنها
بقيت محفوظة من التهديمات السابقة ( لم يتجرأ احد على هدمها إلا هذا
الأخير قبل حوالي أكثر من ثمانين سنة ) وقد زامنت ظهور التصوير
الفوتوغرافي لذا حصلت لها عدة تصاوير، وحسب المنقول ان الحملة الأخيرة
للتهديم حصلت في 8شوال عام 1344هـ الموافق 1923م .
3-
إن المنطقة التي بقيت معروفة إلى الآن من البقيع ، هو المقدار الذي
نراه بالصورة المعروفة التي تباع بالأسواق ، والتي فيها قبور المعصومين
الأربعة المدفونين هناك،وقبر العباس بن عبد المطلب .
4-
أرسل شيعة المدينة المنور برسالة إلى حجج الإسلام السيد حسن الصدر
وغيره يقولون فيها : عظّم الله أجوركم في مصيبة رسول الله(ص) وأهل بيته
. الوهابيون خرّبوا القبور الشريفة ...إلى آخر الخبر ) فكانت هناك ردود
كثيرة من علماء العراق وقيلت في ذلك قصائد عاطفية دينية كثيرة ، منها
البيتان اللذان كتبهما السيد صدر الدين الصدر :
ألا
إن حادثة البقيـع يشيب لهولها فود الرضيـع
وسوف
تكون فاتحة الرزايا إذا لم نصحو من هذا الهجوع
وفعلا كانت فاتحة الرزايا فقد أقدم أحفادهم على تفجير وهدم قبور آل
البيت(ع) في سامراء ولا زالت مهدمة رغم الوعود والتصريحات والأموال
المرصودة !!
5-
إن للزهراء (ع) علاقتين مرويتين بالبقيع ، كليهما ذهبا بهذا التهديم
الظالم : أحدهما مدفنها لوجود قبرها الشريف هناك ، والثاني بيت
الأحزان أو قبة المبكى .
ومن
كل ذلك نعرف ان اليوم الثامن من شوال يوم ذكرى تهديم القبور يوازي في
الأهمية يوم وفاة احد المعصومين (ع) وكما قال الشاعر يوازي يوم العاشر
من محرم :
أثامن شوال جلبت لنا الأسى كأنك من شهر المحرم عاشر
ولا
حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
و كل
ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصا و دون تعليق.
المصدر:المرصد العراقي
|