وجهة نـظر : لماذا الخشية من لبننة العراق؟
د. حسين حافظ *
لبنان ليس نموذجاً سيئاً كي يُخشى منه، وعندما يُذكر لبنان فإنه يُذكر كنموذج فريد في الديمقراطية نشأ من حطام ديكتاتوريات المشرق البائسة التي ما زال بعضها يضرب أطنابهُ في طول البلاد وعرضها، وعندما يُذكر لبنان فإنه يُذكر كنموذج للتعددية واحترام الآخر، وحيث تُذكر البطولة يُذكر لبنان كرمز عربي لها ولمقاومة الاحتلال. فطيلة الحروب العربية “الاسرائيلية” لم تندحر “اسرائيل” إلا مرةً واحدة، وهذه المرة في لبنان ولوحده، وفوقَ كل هذا وذاك ما زال لبنان يتوسط الثالوث العربي بامتياز (القاهرة تكتُب وبيروت تنشر وبغداد تقرأ). ورغم ان الحرب الأهلية قد أكلت من جرف جميع الاطراف اللبنانية المتحاربة لكن الحرب ولتْ وبقي لبنان موحداً وديمقراطياً وحراً، وظل الجميع ينعم بتعايش أخوي حقيقي وسلمي، والجميع يدرك حرص اللبنانيين على وحدة بلادهم، فهو إذاً ليس نموذجاً سيئاً كي يُخشى منه. العراق ليس كلبنان ولا يمكن مقاربة الأوضاع كلها به، ففي العراق مشكلة قومية معقدة وذات أبعاد متعددة، ففي بعدها الداخلي هنالك خوف من معاودة النزف العراقي الذي ما فتئت جروحه تتماثل للشفاء، فلقد اسُتنزف العراق وعلى مدى عقود مضت جراء هذه المشكلة وتصاعدت مطالب الكرد من الحقوق الثقافية الى الإدارة الذاتية ومن ثم الحكم الذاتي وأخيراً وليس آخراً الفيدرالية، ولم تعد خارطة كردستان بينة المعالم إذ ليست كركوك منتهى الطموح بل خانقين وامتداد جبال حمرين حتى شمال الكوت. وفي بعدها الإقليمي هنالك هواجس حقيقية من دول الجوار التي تعاني من المشكلة ذاتها إذ إنها تراقب عن كثب ما سيؤول اليه وضع اكراد العراق وتداعيات ذلك على اوضاع بلدانهم.هناك ايضا تداعيات الانظمة السابقة وسياساتها البائسة التي أخلّت بالنسيجين الوطني والاقليمي ودفعت الولاء الوطني والقومي الى ولاءات فوق وطنية وخلقت ثقافات جديدة من العنف والعنف المقابل كثقافة الجثث المعلقة وقطع الرؤوس الى غير ذلك من الممارسات التي اصبحت معروفة وشائعة في العراق. وفي العراق ايضاً استقطابات طائفية ضاربة في العمق التاريخي أملتها ظروف وجود أكبر حوزة علمية دينية للمسلمين في النجف الأشرف واعتبارها مرجعاً روحياً لمعظم الشيعة في العالم ومن لم يطلع كفاية على تاريخ هذه الحوزة الدينية العلمية لا يمكنه ان يدرك مدى تأثيرها في الناس، فالثورة الايرانية عام 1979 كانت قد انطلقت من النجف باعتبارها مركزاً لإشعاع روحي وليس من طهران، ومعظم القادة الايرانيين تخرجوا في الحوزة العلمية في النجف الأشرف وليس في (قم) كما يعتقد البعض، لذلك لا مناص من تفادي تأثير ايران في العراق والعكس صحيح أيضاً. ويمكن فهم قبول دعوة السيد عبد العزيز الحكيم رئيس قائمة الائتلاف العراقي الموحد لإيران للتباحث مع الولايات المتحدة بصدد الشأن العراقي ضمن هذا المنحى، فالتأثير الايراني في العراق كما التأثير العراقي في إيران سوف يبقى مثارا لهواجس الاقليم برمته وليس الداخل العراقي فقط وكلما أزفت الساعة لانبثاق فيدراليات جديدة في الوسط والجنوب فليس بالإمكان تفادي تداعيات الرفض الداخلي المعبّر عنه بمحاولة تغيير بعض بنود الفيدرالية في الدستور، والاقليمي المعبر عنه بهواجس بعض دول الاقليم العربي التي تعاني من بعض الإرهاصات الطائفية، تماماً كما هي مخاوف تركيا من مستقبل الاوضاع في شمال العراق، كذلك لا يمكن تجاهل تداعيات الاوضاع على بعض الدول الخليجية الاخرى والجميع يدرك ذلك، ولهذا لا يمكن قبول فكرة الخوف من لبننة العراق، فلبنان ليس نموذجاً يخشى منه، بل هو النموذج الصحي الذي نتمنى أن تؤول أوضاع العراق إليه. * أستاذ العلوم السياسية (جامعة بغداد) و كل ذلك بحسب رأي دزحسين حافظ في المصدر المذكور. المصدر: الإتحاد الإماراتية-30-3-2006
|