الطبقة العليا لديها معارف أكثر ويمكنها إحداث ضرر أكبر ... ثقافة الفقر اليوم
دانيال غروس
طوال عقود، درس علماء الاجتماع وصانعو السياسات والسياسيون وناقشوا ما أصبح معروفا بثقافة الفقر. وأجمعوا على وجود طبقة من الأمريكيين منفصلة عن بقية المجتمع لأسباب جغرافية وطبقية ومالية. أعضاؤها يتقيدون بقيم لا تنطبق على بقية المجتمع، ولديهم سلوك مدمر ذاتيا كلفته عالية على الأمة بأسرها. وقد أدت ثقافة الفقر هذه إلى سياسات كان وقعها كبيرا (أتذكرون ملكة الإعانات الاجتماعية الوهمية التي ابتدعها رونالد ريغان؟) وإلى نشر كتب ناجحة من اليمين (تشارلز موراي) إلى اليسار (جوناثان كوزول). لم نعد نسمع الكثير عن ثقافة الفقر هذه الأيام. لعل ذلك يعود إلى أن اضطرابات الأسواق المالية تجعلنا جميعا نشعر بأننا ازددنا فقرا بعض الشيء. أو ربما لأن مجموعة مرموقة من المجتمع تتصرف بشكل شبيه بالطبقة الدنيا: ألا وهي الطبقة العليا. لننس ملكات الإعانات الاجتماعية وثقافة الفقر ولنركز على ملوك وول ستريت وثقافة اليُسر. فرجال وول ستريت لا يعيشون في الأحياء الفقيرة أو الأزقة أو المناطق النائية في جبال أبالاشيا، لكنهم يسكنون في بيئات معزولة اجتماعيا عن بقية العالم، مثل منطقة هامبتونز في لونغ آيلاند، وجادة فيفث أفينيو، وبلدة غرينيتش بولاية كونيكتكت. ولأنهم نادرا ما يختلطون بأناس من الطبقة الوسطى (باستثناء الطبيب والمحامي ومهندس الديكور)، فقد ابتعدوا كل البعد عن القيم البورجوازية الراسخة التي جعلت أمريكا عظيمة. في الطبقة الدنيا، الآباء الشبان غير المتزوجين لا يتحملون مسؤولية أولادهم. وفي الطبقة العليا، فإن الآباء المتزوجين مرتين والذين بلغوا منتصف العمر في وول ستريت لا يتحملون مسؤولية إخفاقاتهم المالية. إن كبار مديري وول ستريت عاجزون عن رؤية الخلل في أخذهم تعويضات بمئات الملايين في السنوات التي تنهار فيها أسعار أسهم شركاتهم. يقول ويليام كوهان، وهو مصرفي سابق في بنك لازارد أصبح كاتبا: "هنالك هوة كبيرة بين التعويضات والمسؤولية عن أعمالهم". في كتابه The Age of Abundance (عصر الوفرة)، يختصر الكاتب التحرري برينك ليندسي الفرق بين مدقعي الفقر وفاحشي الثراء بالمقدرة على التركيز على أهداف بعيدة الأمد. يقول: "إن أعضـــاء الطبقة الدنيا يعـملون تبـعا لمستقبل قصير الأمد وأعداد المقربين منهم محدودة لدرجة أن حياتهم تسودها الفوضى المزمنة وقلة الفعالية". في المقابل، يقول إن أعضاء النخبة يخططون لمستقبل بعيد الأمد وهم شديدو التنظيم. يا لها من ترهات. ويقول تشارلز موريس، وهو مصرفي سابق في بنك تشيس ومؤلف كتاب بعنوان The Trillion Dollar Meltdown (انهيار كلفته تريليون دولار): "وول ستريت العصرية كناية عن نظام يكافئ المخاطرة المتهورة على المدى القصير من دون أخذ العواقب الطويلة الأمد بعين الاعتبار". ويشير النقاد إلى أن الطبقة الدنيا يتفشى فيها الشعور بأنها ضحية. لكن أصغوا إلى ما قاله ألان شوارتز، الرئيس التنفيذي لبنك بير تيرنز، لموظفيه بعدما أمست شركته ضحية لأفعالها التي تسببت بها لنفسها: "نحن جميعا ضحايا العنف". أجل، إنه مثال آخر يظهر كيف أن النخبة تقوض النخبة. ويتكلم النقاد المحافظون دائما عن أن ثقافة الفقر شجعت الاعتماد على واشنطن. طبعا، في الأشهر الأخيرة، تجاهلت البيروقراطية ــ أي بنك الاحتياطي الفيدرالي، وسلطة الإسكان الفدرالية، و"فاني ماي" و"فريدي ماك" ــ بشكل عام كفاح مالكي المنازل الفقراء. لكنها هرعت لإنقاذ المصرفيين من رهاناتهم الكارثية. وعندما شارف بير ستيرنز، وهو خامس أكبر بنك استثماري في الولايات المتحدة، على الإفلاس، نظمت الحكومة الفيدرالية عملية شرائه من قبل شركة "جيه بي مورغان". عام 1993، أطلق السيناتور الراحل دانييل باتريك موينيهان عبارة "تغيير معايير الانحراف"، مجادلا بأن تفشي السلوك السيئ في الطبقة الدنيا أدى إلى تخفيض المؤسسات لمعاييرها وتوقعاتها، وهذا أدى إلى تأميم كلفة الخلل السلوكي. واليوم، يقوم بنك الاحتياطي الفيدرالي بـ"تخفيض معايير الملاءة". في الأسابيع الماضية، استجاب بنك الاحتياطي الفيدرالي لأزمة وول ستريت من خلال التخفيض المنهجي للمعايير التي يعتبرها ضمانات مقبولة للقروض. (تاريخيا، كانت هذه الضمانات تقتصر على سندات الخزينة الحكومية أو السندات المدعومة من فاني ماي أو فريدي ماك). لكن في إطار صفقة بير ستيرنز، وافق على إقراض 30 مليار دولار مقابل أصول مشكوك في قيمتها. واحزروا من سيدفع الثمن إن لم تسدد الـ30 مليار دولار؟ أنتم وأنا. إن استمرت وتيرة الخسارة، يشاع أن بنك الاحتياطي الفيدرالي قد يبدأ بقبول تذكارات نفيسة من أحداث رياضية، وبطاقات تذكارية لشخصيات بيني بيبيز وبوكيمون، كضمانات. وهناك فروقات مهمة بين الطبقة العليا والطبقة الدنيا، كما تشير سوزان ماير، عميدة كلية هاريس للدراسات السياسية في جامعة شيكاغو. فالطبقة العليا مترابطة بشكل افضل ولديها معارف أكثر ويمكنها إحداث ضرر أكبر. وتضيف ماير: "أولاد الأحياء المدينية الفقيرة الذين يبيعون المخدرات لأولاد الضواحي يمكن أن يؤذوا الناس، لكن الأسواق المالية يمكن أن تدمر آلاف الناس". ثقافة اليسر المدمرة هذه تستحق المزيد من الدراسة. عندما سعى سودير فنكاتيش الذي يــدعي أنه عــالم اجتمــاع إلى دراسة ثقافة الفقر، أمضى وقته في حي روبرت تايلور هومز السيئ السمعــة في شيكاغو وصادق تجار المخدرات. وهو يروي ذلك في كتابه المدهش بعنوان Gang Leader for a Day (قائد عصابات ليوم واحد). إن كان يريد حقا فهم الطبقة المختلة التي تهدد القيم الأمريكية وتفرض ضغوطا على الموارد الوطنية، على فينكاتيش الذي يعلم في جامعة كولومبيا أن ينتقل إلى مبنى فخم في حي آبر إيست ســايد ويحصل على وظيفة كتاجر أسهم في شركة "مورغان ستانلي". يمكنه أن يسمي كتابه "مدير صندوق تحوط ليوم واحد". وكل ذلك بحسب المصدر المذكور نصا ودون تعليق. المصدر: newsweek
|